اِنْهِيَارٌ - [ هـ و ر]. (مص. اِنْهَارَ). 1. "اِنْهِيَارُ جُدْرَانِ البَيْتِ": اِنْهِدامُها، سُقوطُها. 2."الانْهِيَارُ العَصَبِيُّ": حَالَةٌ نَفْسِيَّةٌ مَرَضِيَّةٌ تُصِيبُ الإنْسَانَ وَتَجْعَلُهُ فَاقِدَ الإرَادَةِ أوْ فِي حَالَةِ غَلَيَانٍ عَصَبِيٍّ أوْ حُزْنٍ وَاكْتِئَابٍ
هذا انهيار من نوع آخر لم يكن في حسباني أن أكتب عنه الآن
إنه انهيار المجتمع على يد فريق من أبنائه: يوم الثلاثاء الأسود
مجموعات بشرية - وصِفت بالسوقة والدهماء - تجتاح وسط القاهرة
للاحتفال بالعيد على طريقتها الخاصة: التحرش الجنسي الجماعي
الصورة الصادمة لما حدث تعطي انطباعاً بغوغائية قد تستدعي إلى الأذهان قصة يأجوج ومأجوج..علماً بأن الصورة الأخيرة في ألبوم الحادث تشير إلى إفلات الجناة بالكامل من العقاب
الهَمَج: مصـ.-: ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمير.-: الجوع؛ قد هلكت المواشى من الهمج.-: الغنم المهزولة.-: الحمقى.-: الرَّعاع من الناس؛ لم يكن سهلاً ضبط الهمج في الثَّورات الدامية المشهررة في العالم.-: سوء التدبير في المعاش/ قوم همج، أي لاخير فيهم ج أَهْمَاج
على أن "الهمج" و"الدهماء" ليسوا وحدهم المسؤولين عما جرى
تبدو تلك الحوادث ذات جذور عميقة وأسباب متشابكة في مجتمع أدمن عدم المبالاة.. وسط وهنٍ سياسي وأزمات اقتصادية خانقة أعجزت البعض عن الشعور بآدميته وممارسة حياته الطبيعية..وضعف الوازع الديني والأخلاقي في مواجهة مغريات تزيد الكبت احتقاناً
دعونا لا ننسى الراقصة دينا التي قدمت وصلة أو عينة من الرقص الحسي أمام دار للعرض السينمائي وسط القاهرة ترويجاً لفيلم الموسم "عليَ الطرب بالتلاتة" ودفع الجمهور إلى الفرجة على المزيد من هذه "الوصلات" عبر شراء تذكرة سينما
كل هذا وأكثر جرى في ظل غياب أمنٍ يرى أن مهمته الوحيدة حماية الرجل الكبير وبطانته هو وأنجاله..وليذهب الآخرون إلى الجحيم
تَحَرُّشٌ - [ح ر ش]. (مص. تَحَرَّشَ). 1."أَرَادَ التَّحَرُّشَ بِهِ": اسْتِفْزَازَهُ وَإِثَارَةَ حَفِيظَتِهِ. 2."التَّحَرُّشُ الْجِنْسِيُّ": إِثَارَةُ الْمَرْأَةِ وَإِغْرَاؤُها لِلإِيقَاعِ بِهَا جِنْسِيّاً
الأسباب كثيرة..تشابكت وتضافرت لتنجب ابناً غير شرعي اسمه الهمجية والتحرش الجنسي الجماعي. والمصيبة أن الكل يلوم الكل وأن هناك حالة من التطهر الاجتماعي ووهم النقاء -عبر وضع مسافة "بيننا" وبين "هؤلاء"- تنتشر بعد كل كارثة أو قضية رأي عام.. كأن هناك كائنات فضائية هبطت علينا من المريخ لترتكب بين الحين والآخر أفعالاً منكرة
وسرعان ما تعلو أصوات تنادي بأفكار أكثر تطرفاً وتدعو إلى التصفية وتقترح الإخصاء وتطالب بمزيد من التهميش لكل من شارك في الواقعة..بدلاً من المناقشة الموضوعية بحثاً عن علاج سليم لما جرى
ثم تنتهي دوائر الجدل إلى لا شيء..لتتكرر الصورة وتتضخم يوماً بعد آخر وعاماً بعد آخر
وكل عام ونحن طيبون
القَمْعُ: مصدر قَمَعَ الرجلَ يَقْمَعُه قَمْعاً وأَقْمَعَه فانْقَمَعَ قَهَرَه وذَلَّلَه فذَلَّ . والقَمْعُ : الذُّلُّ . والقَمْعُ : الدخُولُ فِراراً وهَرَباً. وقمَعَ في بيته وانْقَمَعَ دخله مُسْتَخْفِياً . وفي حديث عائشة والجواري اللاّتي كُنَّ يَلْعَبْنَ معها : فإِذا رأَين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم انْقَمَعْنَ أَي تَغَيَّبْنَ ودَخَلْنَ في بيت أَو مِنْ وراءِ سِتْرٍ ; قال ابن الأَثير: وأَصله من القِمَعِ الذي على رأْس الثمرة أَي يدخلن فيه كما تدخل الثمرة في قمعها
ومما يثير العجب أن أجهزة الأمن في مصر تحشد الآلاف من قواتها وعملائها وعرباتها المصفحة لقمع المظاهرات والمسيرات السلمية وحماية الموكب الرئاسي.. في حين نجدها تعجز عن تبرير غيابها الواضح وتقصيرها الفاضح في ضبط الأمن في الشارع..بل إنها تغيب عن سُرة القاهرة: وسط البلد
ترى التحفز والتربص الأمني في محيط السفارة الأمريكية التي جعلت من السير على الرصيف المحاذي لها مغامرةً غير مضمونة العواقب..في حين تستباح شوارع مجاورة على يد جماعات بشرية تشعر بالكبت والجوع استجابةً لإلحاح الجسد
الفَوْضَى :- من الناس: من لا رئيسَ لهم يَضْبُط أمورهم؛ النَّاسُ فوضى أي متفرِّقونَ مختلطون/ مالُهم فَوْضى بينهم أي مختلطٌ فيهم يتصرَّفُ كلُّ منهم في جميعه بلا نكير. -: اختلالٌ في أُداءِ الوظائف العضويةِ أو الاجتماعية وافتقارها إلى النظام؛ سادتِ الفوضى أعمالَ مؤسّسةِ الخطوطِ الجويَّة/ في ذلك البلد فوضى سياسيّة/ أخذ النَّاقمون يبثُّون الفوضى في المدينة
إن الفوضى حين تستقر تصنع لها جذوراً في المكان ونفوس البشر..عندها تصبح الفوضى "نظاماً" متكامل الأركان
وعندما يتحول الحادث العشوائي إلى ظاهرة متكررة تطل المخاوف من شرفة القلق
إذ إن تلك المجموعات -بغض النظر عن كل ما قيل بشأن عددها..ومع الإقرار التام بصعوبة تحديدها وتصنيفها استناداً إلى الفئة العمرية والمهنة والوضع الاجتماعي- التي تحرشت جنسياًُ وبأسلوب هستيري بالفتيات في قلب القاهرة..عادت لتكرر فعلتها في اليوم التالي وشكلت هذه المرة حسب شهود عيان قطارات بشرية تقترب من الضحية لتفرض عليها حصاراً قبل أن تبدأ في لمسها وتحسس جسدها
وفي ظل غياب القانون والأمن يحاول الناس ارتجال شكل جديد لحماية الأعراض من الانتهاك اعتماداً على ما تيسر من القاموس الشعبي: "الجدعنة" والشهامة
وهكذا وجدنا عدداً محدوداً من أصحاب المحال التجارية وسائقي سيارات الأجرة وحراس العمارات وأفراد شركات الأمن الخاصة يتدخل قدر الاستطاعة لمنع تلك الجرائم عبر توفير الحماية والملاذ الآمن للضحايا.. سواءً أكانت تلك الأماكن هي المحال التجارية أو سيارات الأجرة أو العمارات القديمة النائمة على جانبي الطريق. أما سلاح "المقاومة" فقد تنوع ما بين رش المياه أو استخدام العصي والأحزمة.. وأحياناً التلويح بالمسدسات
لكن تبقى حقيقة مؤلمة مفادها أن قطاعاً واسعاً من المجتمع المصري يعيش حالة من عدم المبالاة.. فالمشاهدة غلبت على النجدة..بمعنى أن من تتعرض للتحرش الجنسي قد لا تجد من ينجدها.. وهو ما قد يؤدي إلى فقد الثقة في المجتمع ككل
هِيَاجٌ - [هـ ي ج]. (مص. هَاجَ، هَايَجَ). "كَانَ هِيَاجُهُ تَعْبِيراً عَنْ غَضَبِهِ" : ثَوْرَتُهُ، فَوْرَتُهُ
الهياج الجنسي الذي أصاب تلك الجموع الجائعة على اختلاف فئاتها العمرية أصاب أفرادها بالعمى وأفقدها القدرة على التمييز...فلم تعد ترى شيئاً سوى الرغبة -أو محاكاة الشعور بالرغبة- ولم تعد تعي أمراً سوى هذا البركان المنفجر من الشهوة التي تعتمل في النفوس..هنا لم يعد مهماً إن كانت الضحية ترتدي فستاناً قصيراً أو عباءة فضفاضة..محجبة أو ترتدي بنطالاً ضيقاً..مراهقة أو سيدة في منتصف العمر..المهم هو أنها مشروع فريسة
وربما كانت هتافات وصيحات تلك الجماعات من الدهماء دليلاً آخر على هذا العمى الذي أصاب أفرادها..فقد تنوعت تلك الهتافات ما بين الإيحاءات الجنسية البذيئة.. وعدم التمييز "واحدة تانية..واحدة تانية"..والقُطرية ذات الطابع العنصري في مواجهة من يشتبهون في أن ملابسها تشي بجنسيتها "بيب بيب بيب..سعودية..بيب بيب بيب..سعودية"
يحدث هذا في بلد تقول أكثر الإحصائيات رأفةً إن نحو عشرة في المئة من رجاله يعانون من العجز الجنسي..وتؤكد دراسة لقسم أمراض الذكورة بطب القصر العيني أن ثلاثين في المئة من الذين يعانون من الضعف الجنسي في مصر يعانون منه لأسباب نفسية
لكن من أقدموا على تلك الفعلة استأسدوا على النساء عندما اطمأنوا إلى هذا الفراغ الأمني
ومن أمِنَ العقاب أساء الأدب
المتهمون كثر في مثل هذه الحوادث المشينة
البعض يلوم الأمن الغائب والبعض الآخر يتحدث عن حالة عدم المبالاة التي أصابت قطاعاً واسعاً من المجتمع المصري حتى أصبح لزاماً على كل فرد أن يحمي نفسه بنفسه وأن يدس سلاحاً ما في جيبه أو حقيبة يده.. فريق ثالث ركز على غياب ثقافة الأخلاق وتراجع الوازع الديني الذي يحض على التعفف وغض البصر..وانصرف معسكر آخر إلى موضوع تأخر سن الزواج
والشاهد أن مثلث الفساد والبطالة والفقر المدقع سحق منظومة القيم الأخلاقية التي تعد شبكة الأمان في أي مجتمع..وتحالف القمع مع العشوائية ليفقد أبناء المجتمع آدميتهم وسط شعور باليأس من أي بارقة أمل في الإصلاح
وفي ظل تلك الصورة القاتمة يحرك الحصان العربة وتقود الرغبة العقل وتسود ثقافة القطيع التي تختار الأهداف الخطأ للتنفيس عن الشعور بالتهميش أو اختلاس لحظات إثارة عابرة: العنف هو الحل واضطهاد "الآخر" هو السبيل
والنتيجة: سقوط العقد الاجتماعي الذي يفترض وجوده بين الحاكم والمحكومين..بعد أن تبين أن الدولة لا تؤدي واجبها المنصوص عليه بموجب هذا العقد بدءاً من منح المواطنين الحريات الأساسية ووصولاً إلى الحقوق المتعارف عليها في أي مجتمع أو بيئة حضارية
التوقيت له أهميته ودلالته أيضاً.. فما حدث تزامن مع الاحتفال بعيد الفطر الذي يلي شهر رمضان..أي أنه يفترض أن نسبة لا يستهان بها ممن أقدموا على تلك الجريمة الأخلاقية قد خرجوا للتو من شهر التعبد والروحانيات..وهو مؤشر على أحد أمرين: إما أن الدين قد تراجع في نفوس هؤلاء وتحولت العبادة – في حال إقامة شعائرها- إلى عادة.. أو أن الجهل وعدم الوعي السائد كان المحرك لهذه الجموع التي اتفقت في لحظةٍ ما على النيل من النساء وأجسادهن وكرامتهن في ظل انتشار ثقافة النظرة الدونية للمرأة
قُصُورٌ - [ق ص ر]. (مص. قَصَرَ). 1."لاَحَظَ قُصُوراً فِي عَمَلِهِ" : تَهَاوُناً، تَرَاخِياً، تَقْصِيراً. 2."قُصُورٌ عَقْلِيٌّ" : ضَعْفٌ، خَلَلٌ. 3."الْقُصُورُ الذَّاتِيُّ" : ضَعْفُ الْجِسْمِ عَنْ تَغْيِيِرحَالَتِهِ بِسُرْعَةٍ مُنْتَظِمَةٍ فِي خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ
على أن ما لفت نظري في هذه الجريمة الجماعية هو ذلك التقصير الفاضح والقصور الفادح لوسائل الإعلام في مصر: المطبوعة والمسموعة والمرئية على حد سواء
ولولا ما عرضته قناة "دريم" الخاصة في برنامج "العاشرة مساء" وما نشرته جريدة "المصري اليوم" على استحياء بعد مرور بضعة أيام على الجريمة وما أثاره عمرو أديب في برنامج "القاهرة اليوم" على قناة "أوربت"..لم يكن الكثيرون ليعرفوا بحقيقة ما جرى في ربوع المحروسة
وليتها كانت فعلاً محروسة
إن ما يبعث على الأسى أن نجد الإعلام الذي يطنطن صباح مساء ويتغنى بإنجازات العهد الحالي أغلق أذنيه وابتلع لسانه وأخفى وجهه حتى تمر الكارثة مرور الكرام.. غير أن الإعلام البديل أو صحافة المدونين – مثل مالك صاحب مدونة "مالكوم اكس" ووائل عباس الذي انفرد بصور الجريمة على مدونته "الوعي المصري"- تمكنت من كشف المستور فإذا بنا وجهاً لوجه أمام عورة نظام يرى أن الأمن لخدمة الحاكم وليس في خدمة الشعب والحرص على سلامة أبنائه وبناته
أمنٌ اكتفى بعد مماطلة وتمنع بالرد على ما جرى بالنفي القاطع.. والقول بأنه لم يرده أي بلاغ عن وقوع مثل تلك الاعتداءات السافرة
إِنْذارٌ - [ن ذ ر]. (مص. أَنْذَرَ). 1."تَوَصَّلَ بِإِنْذارٍ مِنْ إِدارَةِ الْمَدْرَسَةِ" : بِإِشْعارٍ بِهِ تَنْبيهٌ على عَمَلٍ خَطيرٍ قامَ بِهِ. 2."جَرَسُ الإنْذارِ" : الإخْطار، الإِشْعارُ بِوُقوعِ أَمْرٍ مَّا لأخْذِ الحيطَةِ والحَذَرِ. 3."أَلَمْ تَسْمَعْ صَفَّارَةَ الإِنْذارِ" : صَفَّارَةً لَها صَوْتٌ ضَخْمٌ تُشْعِرُكَ بِحُدوثِ شَيْءٍ خَطيرٍ، أَوْحُلولِ مُناسَبَةٍ مَّا. 4."وَجَّهَ لَهُ إِنْذاراً أَخِيراً" : إِشْعاراً. "أَخْرَجَهُ دُونَ سابِقِ إِنْذارٍ"
ما جرى لم يكن الأول من نوعه في مصر..بل سبقته أجراس إنذار كثيرة أصمت الدولة أذنيها عنها..ومن ذلك ما جرى في فبراير شباط الماضي في شارع جامعة الدول العربية ومناطق أخرى من القاهرة خلال الاحتفالات بالفوز بكأس الأمم الإفريقية الخامسة والعشرين..إذ وقعت حالات عدة من التحرش الجنسي والسعار المخيف.. وسكت كثيرون على اعتبار أن ذلك من مظاهر فوضى..الاحتفال
وفي الخامس والعشرين من مايو أيار عام ألفين وخمسة استخدمت أجهزة الأمن وقوات الشرطة المصرية التحرش الجنسي أو سهَلت استخدامه لمجموعات من البلطجية في مواجهة المتظاهرين من معارضي الاستفتاء على تعديل المادة السادسة والسبعين من الدستور. وهكذا جرى التحرش بسيدات بينهم عدد من الصحفيات على أيدي عناصر أمنية و"عصابات مأجورة من البلطجية والمجرمين وأصحاب السوابق قاموا بضربهن وتعريتهن وملامسة أجزاء حساسة من اجسادهن بتوجيه مباشر من أعضاء قياديين في الحزب الوطني الحاكم وفي حماية وحراسة الشرطة" على حد قول البيان الذي أصدرته آنذاك نقابة الصحفيين المصريين
وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي انشغل الرأي العام المصري بقضية "فتاة المعادي"..وهى الفتاة غادة التي اغتصبها عدد من العمال الذين لمحوا أثناء سيرهم ليلاً بعد انتهاء عملهم شاباً وفتاة في وضع مثير للريبة داخل سيارة تقف على جانب الطريق الهاديء.. وهو الأمر الذى أثارهم جنسياً فاندفعوا نحوهما وشلوا حركة الشاب قبل أن يتناوبوا على التهام جسد فتاة الحي الراقي ابنة السابعة عشرة
بحثت الشرطة على الفور عن الجناة وتابعت الصحافة باهتمام مذهل وحكم مسبق حشده له الرأي العام..فصدر الحكم على وجه السرعة ما بين الإعدام والسجن لمددٍ طويلة..وقبل أن ينسى الجمهور الحكاية ظهر فيلم "المغتصبون" للمخرج سعيد مرزوق وبطولة ليلى علوي ليحكي الواقعة من وجهة نظر المجني عليها
وبعد بضعة شهور من الحادث المذكور تكرر سيناريو مماثل في قضية "فتاة إمبابة" التى تناوب سبعة رجال على اغتصابها ..بعد أن اعترضوا طريقها مع صديق زوجها وهما عائدان من مكتب أحد المحامين..واقتادوها عنوةً إلى "عشة"..وبعد سقوط الجناة صدر الحكم بالسجن لمدة سبع سنوات على كل منهم..حكم مخفف في قضية تجرأت فيها صحف على النيل من سمعة المرأة الفقيرة فرددت أن الزوجة عشيقة صديق الزوج.. وهو ما أنكره كل من الزوج والزوجة والصديق
وفي أوائل عام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين استيقظت مصر على قضية فتاة العتبة الشهيرة شاهيناز التي تعرضت لحادث هتك عرض ونزع ملابسها أثناء ركوبها مع والدتها حافلة عامة "الأتوبيس رقم سبعة عشر" المتجه إلى منطقة بولاق الدكرور بموقف أتوبيسات العتبة. واتهم في القضية اثنان أولهما عامل بسيط والثاني محاسب يدعى جمال يعاني من شلل في قدميه ولايستطيع السير سوى بمساعدة جهاز حديدي يرتديه في قدميه.. وتمت محاكمتهما بتهمة اغتصاب أنثى بالطريق العام
اهتز المجتمع المصري للحادث الذي وقع في مكان عام - إن صح القول إن ميدان العتبة مجرد مكان عام- وخلال أحد أيام شهر رمضان المبارك..وسرعان ما تحولت قضية الرأي العام إلى محاكمة ضمنية وجارحة للفتاة المجني عليها حتى أن إحدى الصحف سألتها: هل فقدت بكارتك؟..وأشارت مجلة "روز اليوسف" إلى أن الفتاة لم تكن ترتدي وقت الحادث قطعة ملابس داخلية. ونشر مصطفى حسين وأحمد رجب في الصفحة الأخيرة من جريدة "الأخبار" رسماً كاريكاتورياً لسيدة عجوز تتصل هاتفياًُ ببوليس النجدة وتقول لهم: "بتقولوا إن فيه حوادث اغتصاب في ميدان العتبة..أنتم كذابين..أنا بقالي ثلاث ساعات واقفة في الميدان وما حصلش حاجة"
أما داخل قاعة المحكمة فقد بدت المحاكمة كأنها خاصة بفتاة العتبة نفسها..وردد البعض سيناريوهات عدة تتحدث عن استجابة الفتاة لغزل ومداعبة أحد الركاب أثناء صعودها الحافلة وأن ما حدث تم برضاها إلى أن وصل الراكب إلى نقطة اللاعودة
ولم يقصر الأمن في هذه الحملة التي نالت من سمعة الفتاة..حيث قال اللواء حلمي الفقي مدير مصلحة الأمن العام آنذاك إن الحادث عادي..واتهم الضحية بأنها هي التي شجعت الجاني على هتك عرضها وأنها تركته يفعل ما يشاء حتى وصل بيده إلى منطقة حساسة دون أن تنهره أو تصرخ
وبعد نحو عامٍ صدر الحكم بتبرئة المتهمين في القضية لتتوارى المجني عليها عن الأنظار بعد أن تركت مكتب المحاماة الذي كانت تعمل به..وهكذا تتفاوت في مصر مقاييس العقاب على التحرش الجنسي والاغتصاب وفقاً للتقسيم الطبقي والتمييز العنصري والظروف الاقتصادية
وفي الخامس عشر من أبريل عام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين صدر قرار بتعديل مواد عقوبة هتك العرض إلى الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة بدلاً من الأشغال الشاقة المؤقتة. ونص القانون على تنفيذ عقوبة الإعدام إذا ارتكب الجريمة أكثر من طرفين أحدهما حامل للسلاح
لكن النار ظلت مشتعلة تحت الرماد
السُّعَار: حرُّ النار؛ شبَّ الحريقُ وسرعان ما اشتد سُعَارُه.-: شِدّة الجوع؛ دَفَعَهُ السُّعار إلى التّسوّل،-: التهاب العطش؛ صامت جدّتي أحدَ أيّام القيظ فأحسّت بالسُّعار.-: الجنون؛ عاوده السُّعار فأُدخِلَ مستشفى الأمراضِ العصبية
لكن الخرق اتسع على الراتق..وها هي "تيتانيك" المجتمع تصارع الأمواج حتى لا تغرق..بعد أن اهتم القبطان هذه المرة بسلامته الشخصية قبل أن يحرص على حماية الركاب الذين يتحمل مسؤوليتهم
وساعة الغرق يظهر أسوأ ما في البشر من أنانية وعدوانية وهمجية وسعار مخيف..ويرفع الناس شعار: أنا..ومن بعدي الطوفان
والطوفان آتٍ