المحروسة

gravatar

شمس بدران (2): وزير الحربية..يتاجر في الجُبن






الحرب مثل الشمس، حارةٌ بما يكفي لإزالة الأصباغ والمساحيق.

إنها أكثر الطرق إيلاماً لاكتشاف الحقيقة والكشف عن الأكاذيب.

في مذكرات عبداللطيف بغدادي عضو مجلس قيادة الثورة يقول: طوال أيام المعركة كان شمس بدران وزير الحربية موجوداً مع المشير عبد الحكيم عامر بالمكتب، وينام معه في الغرفة الملحقة بمكتبه. وكان واضحاً جهله بإدارة العمليات الحربية ويظهر أنه يعلم هذا عن نفسه ولذا لم يكن يعمل شيئاً طوال هذه الأزمة إلا تقديم بعض الأوراق لعبد الحكيم الواردة إلى مكتبه.

وعندما اندلعت حرب يونيو حزيران 1967 كان المشير عامر‏ معلقاً داخل طائرة كانت في طريقها إلي قاعدة المليز الجوية بسيناء‏,‏ وكان القادة الكبار هناك بانتظاره‏، أي أن الحرب بدأت وليس هناك قائد في مقر قيادته‏.‏

وبالنسبة للثقافة العسكرية للمشير عامر‏,‏ فقد توقف به العلم عند رتبة الصاغ‏ (‏الرائد‏),‏ أما وزير الحربية شمس بدران فقد توقفت به رحلة العلم وخبرة القتال عند رتبة الملازم أول‏.‏

وفي مذكراته التي تحمل عنوان "حرب أكتوبر 1973"، يقول محمد عبد الغني الجمسي: "وجاء الدور على شمس بدران وزير الحربية بتقديمه للمحاكمة، وأثناء هذه المحاكمة في فبراير 1968 سأله رئيس المحكمة عن رأيه فيما حدث، وترتب عليه هزيمة يونيو، رد قائلاً: "لما تطور الموقف، ورأينا أننا لازم نسحب البوليس الدولي ـ قوات الطواريء الدولية ـ علشان نبين إن إحنا جاهزين للهجوم، لأن وجود البوليس الدولي يمنع أي عملية دخول لقواتنا، وانسحب البوليس الدولي، استتبع ذلك احتلال شرم الشيخ الذي استتبع قفل خليج العقبة.

"وكان الرأي أن جيشنا جاهزٌ للقيام بعمليات ضد إسرائيل، وكنا متأكدين 100% إن إسرائيل لا تجرؤ على الهجوم أو اخذ الخطوة الأولى أو المبادرة بالضربة الأولى، وأن دخول إسرائيل أي عملية معناها عملية انتحارية لأنها قطعاً ستهزم في هذه العملية".

"ولما سألته المحكمة مستفسرةً عن رأيه في أن الرئيس عبد الناصر قرر قفل خليج العقبة بعد أن أخذ تمام من القائد المسؤول، رد شمس بدران قائلاً: " القائد العام ـ المشير عامر ـ أعطى تمام وقال أقدر أنفذ، وبعدين من جهة التنفيذ كان صعب عليه".

"علق رئيس المحكمة على كلام شمس بدران بقوله: "والله إذا كانت الأمور تسير بهذا الشكل وتحسب على هذا الأساس، ولا تكون فيه مسؤولية الكلمة ومسؤولية التصرف، يبقى مش كثير اللي حصل لنا".

وطبعاً هناك فارقٌ كبير بين غرور شمس بدران قبل حرب يونيو حزيران عام 1967وحاله بعد الهزيمة.. إذ نجده يسارع إلى الاتصال هاتفياً بعبد الناصر يوم 8 يونيو حزيران من ذلك العام قائلاً له: "إن المشير مصممٌ على الانتحار". فها هو شمس بدران وقائده المشير عبد الحكيم عامر في مأزقٍ نفسي شديد بعد الانهيار.

وفي 10 يونيو حزيران عام 1967 قدم كلٌ من المشير عبد الحكيم عامر، ووزير الحربية شمس بدران، استقالتيهما.

الغريب فعلاً أن نجد عبد الناصر أثناء اجتماعٍ له بعد هزيمة يونيو حزيران مع المشير عامر، يفكر في الاستقالة مع قبول اقتراح المشير عامر بأن يكون شمس بدران رئيساً مؤقتاً للجمهورية ريثما يتم ترتيب الأمور. لكن هيكل يسارع إلى تبرير ذلك بالقول إن عبد الناصر كان ظنه في هذا الوقت أن وجود شمس بدران على رأس الدولة وهو وزيرٌ للحربية قد يكون عاملاً قادراً على تفادي احتمال الصدام بين الجيش والجماهير.

والشاهد أن مصر كلها ممتنة للكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في ذلك الدور الذي لعبه خلال الساعات الحاسمة التي تلت هزيمة يونيو حزيران عام ‏1967‏ عندما أقنع الرئيس جمال عبد الناصر بالتخلي عن فكرة تعيين شمس بدران رئيساً للجمهورية، الأمر الذي لو حدث لتغير تاريخ مصر كلها في اتجاهات عنيفة‏.

ولنا ملاحظةٌ مهمة في هذا الصدد..وهي ولاء شمس بدران..وهل كان هذا الولاء للرئيس عبد الناصر أم للمشير عامر. سؤالٌ صعبٌ وحساس، لكن الفريق أول عبد المحسن كامل مرتجى قائد القوات البرية آنذاك حسم هذه المسألة في شهادته أمام لجنة تسجيل تاريخ الثورة عندما سُئِلَ في هذا الشأن فقال بالحرف الواحد: "الواقع أنه كانت توجد مجموعة شبكات..كلها تتجسس على بعضها في القوات المسلحة..شبكةٌ تتبع المخابرات العامة..وشبكةٌ تتبع المخابرات الحربية..وشبكات تتبع شمس بدران..وشبكات تتبع سامي شرف..وهناك استقطاب لبعض القادة على المستوى الأكبر".


ثم يقول الفريق أول مرتجى في شهادته: "في تصوري أن شمس بدران في البداية كان ولاؤه للرئيس الراحل..وكان الرئيس بيطمئن لوجوده في القوات المسلحة على اعتبار أنه يكون عينه هناك. بعد فترة من الزمن شعر أن ولاء شمس بدران بدأ يتحول نحو المشير..وطبعاً كان شمس يلعب على الحبلين، خصوصاً بعد أن تواجدت الحساسية بين عبد الناصر والمشير في 1962 بعد الانفصال، فاستغلها على الجانبين".

وبعد اعتزال شمس بدران منصبه والتحفظ عليه، بدأ مؤشر الكلام يهبط عنده تدريجياً، بالتوازي مع مؤشر النفوذ، في حين زادت المشكلات والشكاوى ضده. وبعد سنواتٍ قلائل وبالتحديد في يوليو تموز عام 1977 طعنت النيابة بالنقض في حكم تعذيب جماعة "الإخوان المسلمين" وطالبت بإعدام شمس بدران.. ثم قدم النائب المستقل ممتاز نصار سؤالاً في الشهر التالي لوزير الداخلية عما إذا كان وزير الحربية سابقاً قد غادر البلاد بجواز سفرٍ دبلوماسي متوجهاً إلى لندن، وكيف تم التصريح له بذلك..مطالباً الحكومة المصرية بمخاطبة السلطات البريطانية لتسليم شمس بدران.

لكن الحكاية نامت كغيرها من حكايات "الأيام دول" التي عشناها أو حتى سمعنا عنها، إلى أن سمعنا في نهاية يناير كانون أول عام 1989 عن طلاق منى مصطفي رشدي زوجة شمس بدران –وكانا قد عقدا قرانهما في 7 يونيو حزيران عام 1963 في نادي القوات المسلحة بالزمالك- بموجب حكمٍ قضائي من المحكمة الكلية للأحوال الشخصية؛ لغيابه عنها ثلاث سنوات. وأكدت المحكمة تغيبه دون معرفة محل إقامته.
وقبل ذلك وفي فبراير شباط عام 1987، أعيدت محاكمته غيابياً مع اللواء محمد الجنزوري والمقدم حسن كفافي وآخرين، بتهمة اشتراكهم في تعذيب جماعة "الإخوان المسلمين".

غير أن شمس بدران بعد الهروب إلى لندن، لم يمنع نفسه من أن يحاول غسل يديه من الكثير من الأحداث التي ارتبطت باسمه، مثل اعتقالات جماعة "الإخوان المسلمين" وتعذيبهم وإعدام عدد من قادتهم. وقد أقر في حديث للصحفي جلال كشك بمجلة "الحوادث" اللبنانية أنه تصرف في عملية اعتقال "الإخوان المسلمين" عام 1965 حسب الموقف ولم يحصل على أوامر من أحد..ولكن لأنه وزير الحربية كان في سباق مع الزمن وكان لابد أن ينتزع اعترافات المتهمين وعددهم 300 بأي صورة حتى وإن كانت القسوة هي الحل.

ولتبرئة نفسه، يقول بدران لمجلة "الحوادث" اللبنانية: "اتفقت مع الرئيس عبد الناصر على أنه بعد صدور الأحكام في القضية يخفِّف أحكام الإعدام، ثم سافرتُ إلى لندن للعلاج، وهناك علمتُ أنه تم تنفيذ الإعدام في ثلاثة، ولما عدت سألت فعلمت أن الرئيس صدَّق على هؤلاء الثلاثة؛ لأنه سبق الحكم عليهم في 1954.. وقد تألمت جداً لإعدام هوَّاش؛ لأنه من واقع التحقيقات لم يشترك في أي اجتماع للقيادة، وأقصى ما يمكن أن يُتَّهم به هو أنه علِم ولم يبلِّغ، وقلت للمشير: أنا لازم أكلم الرئيس في موضوع هواش؛ لأنه لا يستحق الإعدام.. فقال لي المشير: بلاش لحسن الرئيس ضميره يتعبه" ("مذابح الإخوان في سجون ناصر"- جابر رزق- ص 125).

وهواش الذي يقصده بدران هو الناشط الإخواني محمد يوسف هواش، الذي أعدِمَ مع المفكر الإسلامي سيد قطب في 29 أغسطس آب عام 1966.

وفي لندن، أصبح شمس بدران تاجراً في كل شيء، وأصبحت له في فترةٍ من الفترات تجارته في صناعة الجُبن. وفي "المحيط" نقرأ هذه المفارقة في معنى كلمة الجُبن:
"الجُبْنُ : تهيُّبُ الإقدامِ على ما لا ينبغي أن يُخاف؛ لن ينقذك الجبنُ من المهالك.-: مادّة غذائيّة تُصنع من اللّبن".

وكان شمس بدران صديقاً شخصياً للموسيقار محمد عبد الوهاب، وعنده استوديو تسجيل خاص به.. فكان يدعو عبد الوهاب ويحضر له الأشعار المنتقاة ويطلب منه تلحينها وغناءها، وكان عبد الوهاب يقوم بذلك ولحن وسجل حوالي عشرين لحناً وهي الآن في عهدة شمس بدران الذي يرفض الإفراج عنها..وحدث أن قابلته نهلة القدسي بعد وفاة زوجها عبد الوهاب، وقدمت له شيكاً على بياض مقابل تسليمها التسجيلات، لكنه طلب إنتاجها بشركة يؤسسها معهم، فأجابته نهلة: "كيف نؤسس شركة ولنا شركتنا؟!"..فرفض تسليمها الألحان.

ألم نقل من البداية أنها مشكلة رجلٍ تكلم كثيراً..إلى أن التهمت الهزائم الفادحة لسانه!

gravatar

ياسر
ليس لدي تعليق غير أن شر البلية ما يضحك...و الحقيقه أنني ضحكت كثيرا إذا كان هذا يدل على عمق شر هذه البليه

شكرا للضحكه التي تميت القلب

:)))

gravatar

Diala

دائماً هناك من الشر البلية ما يضحك..ويبكي

هذا الرجل كان وزير حربية مصر أيام هزيمة يونيو حزيران 1967..ولولا ستر الله لأصبح رئيساً لمصر

تصوري
:))

gravatar

هم يضحك يا دكتور :)))

احنا اتخمينا ......!!!!! ده تعليق وزير حربية مصر فى أكثر الفترات توترا فى القرن العشرين

لكن الخطأ ليس معلقا برقبته أكثر ممن إختاره وزيرا للحربية - مجرد عروسة قفاز ليد متخفية وربما واضحة جدا للعيان

أسمح لى أن أستبعد الجدية - إن وجدت أساسا - لإقتراح أن يعين رئيسا للجمهورية . هذه الملامح- إن جاز لى التذاكى وأنا لأول مرة أرى صور بملابس مدنية له - لا يمكن أن تعطى أي شخصية تصلح أن تكون رئيس جمهورية . لو أصبح رئيسا ما إستمر أكثر من 6 ساعات .

لكن مجرد طرح مثل هذا الإقتراح ربما يجب أن يجعلنا نفكر لماذا من بين كل الشخصيات العسكرية المحيطة بالقيادة تم تحديد إسم شمس بدران !!!

أعتقد أنه كان يجب أن يكتفى بستوديو التسجبل الغنائي



وربما كانت الهزيمة رحمة لمصر من مصيبةإسمهاالقيادة العليا !!!!! بالإضافة لأنها النتيجة الوحيدة المنطقية لهذه المسرحية العبثية


شكرا جزيلا للمقالين الرائعين و لى رجاء . إلقاء ضوء على كارثة من كوارث نفس الفترة قليلا ما يتكلم عنها أحد . حرب اليمن

تحياتى

gravatar

Mmm!

هناك الآن في مواقع السلطة من يشبهون شمس بدران، في الاندفاع، وغياب الوعي والتفكير العلمي الدقيق، والاعتماد على الفهلوة في اتخاذ القرار، والتعالي الذي لا يستند إلى أي علم أو ثقافة أو حتى اتزان في الشخصية

طفيليات..مجرد طفيليات

المصيبة أنه كان قريباً جداً من تولي الحكم في مصر..لولا أن عبد الناصر عاد ورشح بدلاً منه زكريا محيي الدين، قبل أن يعود عقب مظاهرات التنحي التي تتكلم عن نفسها


أما موضوع حرب اليمن، فسأكتب عنه قريباً

gravatar
Anonymous في 10:47 PM

سعيدة بمعرفة تاريخكم السري

gravatar

Tazart

أشكرك على تقدير الجهد المتواضع الذي تشهده المدونة للبحث عن تاريخ قد يتشابه كثيراً مع دول المنطقة.. فقد تعددت الأسماء والسقوط واحد

gravatar
Anonymous في 11:37 AM

ذلك الرجل شمس بدران الذي تعدى الثمانون عاما, أتمنى لو كانت بيدي مدفعا رشاشا حتى أفرغه بالكامل في جسده وانهي حياته واقضي عليه تماما, شمس بدران الحقد والكراهية شمس بدران مجرم من مجرمي الحرب أسوأ من أسوأ مجرمي الحرب, كان بالأحرى أن يتم إعدامه على جرائمه الشنيعة بدلا من نفيه الى لندن ليتاجر في الجبن, ذلك الجبان الخسيس,

gravatar

Anonymous

أعتقد أن حكم التاريخ أقوى وأقسى من كل شيء

يكفي أن يعرف الناس حقيقة ما جرى، ودور شمس بدران، حتى لا تتكرر المأساة في زمن آخر ومع شخصيات أخرى

gravatar

كانوا يتصرفون وكأنهم عصابة استولت على مقدرات مصر ولم تراع فى الناس حرمة ولا فى الوطن مصلحة وكان كل همهم البقاء فى السلطة لغاية إسرائيل إللى قعدوا يتكلموا عليها 15 سنة ماضريتهم بالجزمة على غفلة وضعهم فيه رب العالمين ليأخذهم أخذ عزيز مقتدر

gravatar

Bienveillants أوفياء مصر d'Égypte

الهزائم لا تنبع من فراغ

سوء الإدارة والتقدير، وفساد السلطة وأهلها، والقهر والظلم، كلها مقدمات لما جرى.. ويجري

مع الشكر

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator