طرفٌ من خبر الآخرة
حاول أنْ يقرأ حتى ينام، لكنه ازداد يقظةً
أخذ يقلِبُ صفحات الكتاب، ثم توقف عند الصفحة رقم 64
فجأة، أصبح للصفحة أبعاد، وخطفته إلى أعماقها المحفوفة بالمغامرة
جيشٌ من الأسئلة يدب بقوة كأنه عرضٌ عسكري أقيم في ساحة رأسه
ودوامات الكتاب تبتلعه، وتغوص به إلى حيث يرى ما لا يُرى
السقوط كان طويلاً كحصة رياضياتٍ مملة
يقع على أرضٍ ناعمة يشرئب عشبُها مثل كهرمان الجسد
ينهضُ، يتحسس جسده ليطمئن، لكنه لا يجده. يمر بجواره بشرٌ فيناديهم، لكنهم يعبرون جسده..يخترقونه، ولا ينتبهون إليه
وعندما تقع فوق أرض النهايات، تصبح كائناً غير مرئي
هو الآن يرى ما لا يُرى
هذا إذاً طرفٌ من خبر الآخرة
حمل حقيبته ومضى في طريقِه ليتأمل أحوال العابرين
يسير على سجادٍ لا يحفل بأقدام الحرير
آدمُ الجديد يقف على تخومِ الغيب ويسير على أطراف ذاكرةٍ تخطيء أحياناً
عاش طوال عمره وهو يبحث عن إجابةٍ لسؤالٍ شديد البساطة: لماذا تكتبنا الضغينة في دفاترها؟
ربما يجد الآن إجابةً
وتبدأ الرؤية، كأنها سفينةٌ تبحر بين مناراتٍ شحيحة
يصهلُ البحر في صدره
على مائدةٍ لا يزورها النادل، تطلب صاحبة الجسد الحليبي من الرجل أن يصارحها برأيه، فيقول بصوته العميق: إنني مثل لاعبي البوكر..أحب أن أكون اللاعبَ الأخير
الفتاة الجامعية التي تكاد تلامس أستاذها وتدغدغه بغدائرها ونسائمها وهو يشرح لها الدرس، تقول له: أجنُ فيك وأنت تحاور ألغازي..فكر قليلاً ثم أعطني رأيك. أجابها: الخبز الطازج أشهى..بل الآن
يهطل زعفران دمه محاكياً أطياف الاشتعال
تتحدث المراهقة إلى مستشارها العاطفي في البرنامج الإذاعي قائلةً: حبيبي كلامه رقيقٌ مع النساء.. يرد قائلاً: عندما تحب كثيراتٍ، فإنك لا تحب سوى نفسك
قارورة البعد تشكل خلاصة القُرب
لم نسمع يوماً عن حبٍ ينام في الثلاجة، في انتظار إسالة الثلج الذي يحيط به
في قاعة الاستقبال التي تتلألأ بالأضواء، يسأل الصديق القديم: هل تحبينه؟ تجيب السيدة التي ترتدي قفازين من الجلد الأسود، وهي تنظر إلى الثريا التي تتدلى كالجبال المذهبة: ما زلت معه..تشاغل بفنجان قهوته وهو يقول في ارتباكٍ: يبدو أننا جميعاً "معاً" في هذه العلاقة
في عيادته الشهيرة التي تكتظ بالمنتظرين، يحاول الأب إقناع ابنته بدراسة الطب النفسي، لكنها قالت له إنها ستفتتح مع صديقٍ لها مدرسة لتعليم الأطفال فن الرسم
اختارت أن تتعامل مع صغارٍ يريدون أن يصبحوا كباراً، على أن تتعامل مع كبارٍ قرروا أن يصبحوا صغاراً
والكاتب يمشط جدائل الريح ويصب النهر في قنينة، مفكراً في صورة جنرال تشيلي المقعد أوغستو بينوشيت، الذي سحق الآلاف من الجماجم، لكنه ظل يحظى حتى آخر العمر بحماية وولاء الذين ساروا خلفه في دربِ القتل غير الرحيم واختاروا الحبو غير المقدس نحو فتنة القتل
ها هو المتمردُ يضرب ماء البحر، يشق طريقا للآتين
أمام منزلٍ يقع أول الشارع، وجد رجلاً يطرق على باب في هلعٍ قائلاً: افتحي ..افتحي..ورائي وقعُ أقدامٍ مشبوهة على الأرصفة
يتناهى إلى سمعه صوت بكاءٍ في الداخل
والغرقى يجدون بهجتهم تحت الماء
المرأة التي تجمع حاجياتها بما في ذلك التنورة القديمة التي ذهبت موضتها، تلوم الرجل الذي جلس على حافة السرير منهاراً، وتخاطبه قائلةً: أنت تشبه روائياً انتهى من مصائر أبطاله وتبرأ من روايته
تتركه في عطرها وتمضي
والقلبُ لحية معتقلٍ لا يعرف تهمته
فتى يقف بالحذاء المُغَبَّر الذي أنهكه المشي فوق صخرة، ويطل من شقٍ في الجدار على المطَلقةِ الوحيدة وهي تنزع المنديل الذي تضعه على رأسها، قبل أن تعيد اكتشاف كنوزها
تتلعثم نبتته البرية في المشي الذي يطول، بعد أن سرق قدراً كافياً من الحنين ليهز به هزائمه ليلاً
على أريكةٍ خشبية قديمة في المتنزه يجلس عاشقان بعد أن توغلا بين الأشجار العارية التي باغتها الخريف. يحدق في الساعة التي تجمدت عقاربها منذ أول لقاءٍ معها، وهي تهز ساقها في توتر، ثم يبرمان اتفاقاً: الضرب ممنوعٌ، إلا إذا كانا يمارسان الحب
وعاشا في سلامٍ وسعادة بعد ذلك
مدير الشركة يصطدم بابتساماتٍ زائفة ونظراتٍ لزجة في البهو، فيشعر بأن الحاجة ليست أماً للاختراع.. بل للذل
هكذا في الصدارة، الأشياءُ التي لا تُذكر
وحده الرجل الذي يزوج قلبه للأفراح، يعرف كيف يسيلُ القمر الصيفي على السطح
تقول له الفتاة العابثة: لعينيكَ أطلي أظفاري..ولظهركَ أُطيلها
مرتعشٌ هذا الشوق كشهقة عانسٍ في عُرس
الدرسُ الأول الذي تلقاه من جارته المجرِبة: المرأة لا تحب الرجل الذي يتذكر ثوبها وينسى حياتها
جسم المرأة قيدٌ، لكن روحها فضاء
هكذا نبعثرُ ذهب المساء
اثنان يرميان أعضاءهما مثل النرد فوق السرير، قبل أن تنتهي الجولة الساخنة بقبلةٍ باردة على الجبين
كم نكتشف متأخرين أن الليل ومضةٌ
الأب الذي ينام قرير العين، ينسى أن يد الصبي التقطت مفاتيح السيارة..والمغامرة
سيذهب مع أصدقائه للتعلق بِسُترة الموت، وارتشاف كؤوس المسرة
سقفاً وراء سقفٍ، ينهار النهار
طاغيةٌ شقراء، تفرض بخناجر شهوتها حظر التجول وتعلن حالة الطواريء في شوارع الجسد
بحث الرجل عن منديلٍ أبيض ليعلن استسلامه، لكن القدر باغته والقبلات لم تمهله
برج الحمام يعلو هامة الهاوي الذي يراقب لوحة الطيور في سماءٍ تنعم بخفق الأجنحة. يتخيل كم سيكون رائعاً أن يدهش الكون ذات يومٍ بتحليق روحه
لكلٍ منا خلودَه المتواضع
البعيدُ يخط بيده رسالةً إلى القريبة: "ربما أجد الشجرة التي قطفنا منها وردةً ذات ليلة قد رحلت عن الطريق وشعرت بأن المكان ليس من مقامها
"ربما أجدها نالت تأشيرةً إلى الجنة لأنك لمستِها بيديك"
والرسالة أمنيةٌ..على مرمى حريق. وفي المدن القصية، نلبس أحياناً قميص الأمل تحت الجسد
قالت لصديقتها إنها مسافرةٌ..فقد حصلت أخيراً على تأشيرةٍ، لاختبار جسدها في قارّة بعيدة
تسربَ الزمنُ بين يديها..سارت فوق حقول الملح، وهدمت حصنها الجميل لتسقط في فخ اللحظات الزائفة
يسمع العدمُ رنة خلخالِها، والأرضُ عصفورةٌ تنزفُ
في الصباح الباكر، تصلب الأم ابنتها في زيها المدرسي الأزرق، وتقابل تأففها وتذمرها بالحزم اللازم، كي تعقص لها شعرها، بقسوة كفين مدربتين على جدل الضفائر
تشَدُ شَعْرَهَا بِشَرِيطَةٍ تمارس سلطتها على صفوف الذُرة
يوماً ما، سيتسلق أحدهم تلك الضفيرة، ليعتصر الضحكات القانية، فتقول له صاحبتها: مُد يدك، وازرع سيفك في الجُرحِ المراهق
لا أحد يمكنه وصف طَعمِ الفؤادِ في فم الأشواق
العابرُ يعزف على نايه الحزين لحناً يتردد كالصدى: علينا أن نحلم..كي نصبح واقعيين
والأحلام هدايا يجب أن نعرف قيمتها حين نستيقظ
فلا تؤجل حلم اليوم إلى الغد
دائماً، توجد أزرارُ أملٍ يتعين أن نضغط عليها لنطرد ظلام اليأس
الركاب يترجلون من الحافلة العامة، باحثين عن وسيلة نقلٍ أسرع لتقودهم إلى حيث المحطة الأخيرة. وفي غمرة اندفاعهم نسوا ملامح المحطة التي توقفوا فيها
في لحظةِ ما قبل الدفن، ندرك كم تعبنا لندرك الموت
الحارسُ الليلي يخبره بأنها ستمطر بعد قليل..الرذاذ يملأ عينيه، وحين يفركهما يكتشف أنه يجتاز الآن فاصل البنايات التي تحيط بالحي الذي يسكنه
في يده حقيبةٌ غامضة، تكاد تخلع كتفه
عالمه كما هو، لكن كتابه ذا الغلاف الأنيق مفتوحٌ على صفحتين سرق أحدهم سطورهما
رمى حقيبته في أقرب سلة مهملات..كانت مملوءةً بالشجن