المحروسة

gravatar

مطعم الفراعنة







كنتُ جائعاً للفوز
كانوا جائعين للبطولة

ربما لهذا السبب، قَبِلتُ دعوةً كريمة من صديقي علي لمتابعة نهائي كأس أمم إفريقيا 2008 وتشجيع منتخب مصر القومي لكرة القدم في مواجهته أمام منتخب الكاميرون

الدعوة كانت في النادي المصري في دبي، بالإمارات العربية المتحدة. ما إن دلفنا حتى وجدنا جموعاً من المصريين الذين تسري في دمائهم نار الرغبة في النصر والاحتفال..هتافٌ وأهازيج، ولوحة من ألوان علم مصر، اختار بعضهم أن يطليها على وجهه أو يرسمها على قميص رياضي..مصريون من مختلف الأعمار وحدتهم الرغبة في الفوز ولا شيء سوى الفوز

كانت الأنظار معلقةً على الشاشة العملاقة لمتابعة أحداث المباراة المصيرية، والحناجر تهتف.. بالاحتجاج تارة، والدعاء تارة أخرى..وكانت المقاعد تلفظ الجالسين عليها بين الحين والآخر بسبب التوتر والهجمات الخطرة هنا وهناك

قبل المباراة، يداعبني صديقي السعودي فارس في رسالة نصية يقول لي فيها: "دقائق قبل المعركة..بسم الله رب السبعين مليون مصري"
وأثناء المباراة، أراقب انفعالات الصديقين علي ومحمود..ذاب هدوؤهما واحترقت أعصابهما..حتى معلق "إيه آر تي" خاطب الكرة التي تتمنع وتمتنع عن دخول مرمى الكاميرون بالقول: "ادخلي بقى يا شيخة"

أثناء سير المباراة، بدا لي قائد منتخب الفراعنة أحمد حسن أطول قامةً وكان يحرق عشب الملعب برجولة وفدائية، ولمحت وائل جمعة يخرج صامويل إيتو من جيبه وينظر إليه وهو يبتسم بعد أن حوَّل نجم برشلونة الإسباني إلى ساعة جيب. ورأيت حسني عبد ربه يصحح معلومةً وردت في كتب التاريخ حول مكتشف "طريق الحرير"، بفضل قدرته على التمرير المتقن وتعطيل محركات منتخب الكاميرون. وشاهد كثيرون المهاجم عمرو زكي يجري كأنه نمرٌ لمح وجبة العشاء أمامه..أما حارس المرمى عصام الحضري فقد كان جاهزاً لأداء رقصة الفوز التي يتفاءل بها عشاق الكرة المصرية بعد كل فوز كبير

وفي لحظةٍ توقف الزمن

كانت المباراة في دقيقتها السابعة والسبعين حين وصلت الكرة إلى قائد منتحب الكاميرون المدافع المخضرم ريغوبير سونغ لاعب غالاطا سراي التركي. أراد سونغ التحكم في الكرة، لكن محمد زيدان مهاجم نادي هامبورغ الألماني كان في انتظار تلك الفرصة

شم زيدان الكرة المصرية رائحة فريسة..وكانت الفريسة هذه المرة هي أسد عجوز فقد كثيراً من بريقه القديم كمدافعٍ صلد
الميكروفونات الحساسة التقطت محمد زيدان وهو ينطلق لمواجهة سونغ وهو يغني المقطع التالي من أوبريت "الليلة الكبيرة" للراحلين صلاح جاهين وسيد مكاوي:

"حالاً بالاً سأصارع. . أسد إنما إيه؟..متوحش
وحخلي وجهه شوارع
تصقيفة يا ناس ميصحش"
انقض الفتى الصغير حجماً وسناً على العملاق سونغ، وضغط عليه بشدة، فارتبك قائد الكاميرون وأراد إنقاذ الموقف. أوقع زيدان أرضاً وأراد له أن يستسلم، غير أن الفرعون الصغير تمكن بإرادةٍ قوية وعزيمة مذهلة من إبقاء عينه على الكرة
يقسم البعض أنهم رأوا زيدان يتسلق جدائل سونغ التي تشبه شجرة الصفصاف، قبل أن ينهض من الأرض ليمرر كرة عرضية، تهادت حتى منحت نفسها لرجل المباراة: محمد أبو تريكة
وهي المرة الثانية على التوالي التي يلعب فيها أبو تريكة دور قيادة مصر إلى اللقب عندما قام بذلك في عام 2006 بتسديده ركلة الجزاء الترجيحية التي منحت الفراعنة اللقب على حساب منتخب كوت ديفوار 4-2 في المباراة النهائية
كأنما لمسة أبو تريكة هي الوحيدة التي تأنس لها كرة العُرس الإفريقي الكبير

أخيراً افتُضح أمر "الشيخ" أبو تريكة..فقد تبين لعشاق الكرة المصرية أن بينه وبين الكرة في النهائيات الإفريقية علاقة خاصة..حميمة ومبهجة

كانت الكرة تتهادى وتتبختر كأنها في ليلة زفاف، وهي في رحلتها لمعانقة شباك المرمى الكاميروني معلنةً عن هدف المباراة

وبمجرد إطلاق صافرة انتهاء المباراة، احتفل المصريون في كل مكان: فوزٌ كانوا في حاجة إليه


فوزٌ يشبه حاجة منتخب العراق للنصر وحمل لقب كأس أمم آسيا عام 2007..كي يشعر العراقيون بإنجاز كبير يستحق الفخر ويمنح الأمل

اشتعلت عقب المباراة احتفالات جنونية ..لوح مشجعون بأعلام مصر ووضعها آخرون على سياراتهم وشرفات منازلهم، وقفز البعض في قلب مياه نافورة في ميدان رئيسي، فيما أشعل البعض نيراناً وأطلقوا الألعاب النارية وامتلأت الأجواء بأصوات أبواق السيارات احتفالاً بالانتصار

يعود فارس برسالةٍ نصية قصيرة للتهنئة يقول لي فيها: "إن الله يحب السبعين مليون مصري"

فأرد عليه برسالةٍ نصية على طريقتي أقول له فيها: "مطعم الفراعنة يرحب بكم ويقدم لكم أحدث وجباته: لحم الأسود مع مشروم"

وهذه حقيقةٌ كروية مثلما أن الأرض أيضاً كروية.. فقد ركب المنتخب المصري أفيال كوت ديفوار، وقهروا جديان السودان، واختتموها بفوزٍ جديد روضوا فيه أسود الكاميرون التي لا تُقهر

وهكذا بات من حقهم تسجيل هذه الأصناف الجديدة من الأطعمة الإفريقية باسمهم في كتبٍ ومراجع قد تحمل أسماء من عينة " الدليل الموعود في طهي لحم الأسود" و"" لذة الكمال في ركوب الأفيال"

والفراعنة تخصصوا في إثبات أن فوزهم مستحق..ففي كأس أمم إفريقيا عام 2006 التي استضافتها القاهرة، فازوا على منتخب كوت ديفوار مرتين، الأولى في تصفيات المجموعات بنتيجة 3-1 ثم كرروا وعززوا الفوز في النهائي بركلات الجزاء الترجيحية

وفي كأس أمم إفريقيا عام 2008 في غانا سحقوا الكاميرون 4-2 ضمن تصفيات المجموعات ثم عادوا ليفوزوا على منتخب الأسود التي لا تُقهر في نهائي مثير بهدف أبو تريكة

ها هو منتخب الفراعنة يختال وحيداً في المقدمة

فقد عزز المنتخب المصري رقمه القياسي في عدد الألقاب بكأس سادسة بعد أعوام 1957 و1959 و1986 و1998 و2006 وكرر بالتالي إنجازه عام 1959 عندما نجح في الاحتفاظ باللقب.. إنجازٌ لم يحققه سوى ثلاثة: الفراعنة، وغانا (1963 و1965) والكاميرون (2000 و2002)

ختامٌ رائع للمباراة النهائية السابعة لمصر بعد أعوام 1957 و1959 و1962 و1986 و1998 و2006. كما أنها المرة الثانية التي تتفوق فيها مصر على الكاميرون في نهائي العُرس القاري، بعد الأولى عام 1986 بركلات الترجيح في القاهرة

في المقابل، فشل المنتخب الكاميروني في إحراز اللقب القاري الخامس ومعادلة الرقم القياسي للفراعنة بعد أعوام 1984 و1988 و2000 و2002. كما فشل في الثأر لخسارته نهائي 1986 والدور الأول لكأس أمم إفريقيا في غانا
2008




هذه إذاً المرة السادسة التي يفوز فيها منتخب مصر بكأس الأمم الإفريقية وهو رقم قياسي كما أنها المرة الثالثة فقط التي ينجح فيها فريق في الدفاع عن لقبه، وأصبح المدير الفني لمنتخب مصر "المعلم" حسن شحاتة ثاني مدرب في تاريخ البطولة يحرز اللقب مرتين متتاليتين

واللافت للانتباه هو جمال مراسم تسليم الكأس إفريقية جميلة، حيث حمل شبابٌ مفتولو العضلات فتاة صغيرة تحمل كأس البطولة الذهبية على أكتافهم، في مشهدٍ هو أقرب للحدوث في كوماسي حيث قبائل الأشانتي منه للمستطيل الأخضر في أكرا

مواسم الفرح على الطريقة الإفريقية دفعت لاعبي منتخب مصر إلى الاندماج، فتطوعوا لقرع الطبول في الملعب، ليقدم الفراعنة إيقاعهم الخاص وسط تشجيع جمهور المباراة النهائية

وداعاً غانا..وأهلاً بالكأس الإفريقية في بلدها المفضل: مصر

gravatar

105682000000000 مبروك
وعقبال الكاس اللى جاى

gravatar

بارك الله للشعب المصري و في الشعب المصري
وبارك الله في أقدام أبو تريكه و قلبه الذي حمل غزة معه

gravatar

محمود الدوح:


مبروك لنا جميعاً الفوز..طعم النصر جميل يا عزيزي محمود

gravatar

Diala

سلمت يا عزيزتي من كل سوء
مبروك النصر لأنه يحمل الأمل
محمد أبو تريكة كان أيضاً هو من ارتدى في نهائيات إفريقيا في مصر عام 2006 فانلة كتب عليها "إلا رسول الله" احتجاجا على الرسوم المسيئة للرسول الكريم
"الشيخ" أبو تريكة..يرتدي مسوح قديس وهو في الملعب وخارجه

gravatar

مبروك الفرح لمصر
انا حسيت ان جوعنا الحقيقى كان للفرحة . وهما دول اللى عرفوا يجيبوها للشعب الطيب ده

gravatar

MMM!

نعم، كان الجوع الحقيقي لفرحةٍ..أو لحظة سعادة مختلسة، في ظل ظروف وأوضاع مرتبكة وضاغطة على المصريين

ما حدث يعد أمراً يستحق التأمل من هذه الزاوية، قبل أي شيء آخر

gravatar
Anonymous في 12:10 PM

Lots of contradiciting feelings surrounded the victory moments ,inspite of all the hard times the egyptians are facing now through all their lives ,yet all these hinders couldn't succeed to stop them to cover the streets all around Egypt,carrying the egyptian flags ,drums , whistles and spending the whole night in the streets celebrating ,to go forward in the early morning to receive at the airport the champions who succeeded to do what lots and lots of politicians failed in .
Celebrations parades were all over the arab countries ,this victory proved that all arabs are in a great need and they are hungry to happiness and truimph ,not only the egyptians.
Shou3la

gravatar

ٍShou3la


صدقت.. كان المصريون بحاجة شديدة إلى مذاق الفرح، ربما كي يواصلوا رحلة الحياة وسط عقبات وعراقيل وأزمات لا تحصى

حتى فرحة العرب بهذا النصر الكروي تستحق التأمل..فالجميع نظروا إليه على أنه فوز يوحد الجمهور العربي، وانتصار ينسيهم بعض الذي يعيشونه من مشكلات

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator