المحروسة

gravatar

جرائم العاطفة في مصر النازفة (15): ابنة وادي الليل تموت صباحا






كانت ليلةً مسكونة بالأهوال

ليلة عندما أطل نهارها تحول الضحك إلى بكاء، والصمت إلى عويل

الهدوء الذي كان يلف حي الزمالك، أخفى تحت ردائه كلمةً مخيفة: مجزرة

ففي فجر يوم الجمعة 28 نوفمبر من عام 2003 جرى نهرٌ من الدماء في الشقة رقم 112 بسراي السلطان في شارع محمد مظهر. وفي غضون ربع ساعة، انطلقت 69 رصاصةٍ من مدفعٍ رشاش أمسك به رجل الأعمال أيمن صادق السويدي وصوبه تجاه زوجته المطربة التونسية ذكرى ومدير أعماله عمرو الخولي وزوجة مدير أعماله خديجة صلاح الدين. وبعد المذبحة البشعة أمسك رجل الأعمال بمسدسه وصوب الفوهة إلى فمه وأطلق على نفسه رصاصةً واحدة وانتحر

ابنة منطقة وادي الليل في تونس.. لقيت مصرعها عند الصباح



الساعات التي سبقت المأساة الدامية شهدت اصطحاب السويدي ذكرى، التي كان قد تزوجها بعقد زواج عرفي في‏23‏ أغسطس آب 2003‏، إلى سهرةٍ في محلٍ يدعي "بلوز" اشتراه السويدي قبل شهرٍ من الواقعة في شارع النيل بجوار كوبري جامعة القاهرة

أرسل السويدي سائقه الخاص إبراهيم محمد إبراهيم سليمان إلى مدينة الشروق في النزهة الجديدة طالباً منه إحضار مدير أعمال السويدي ويدعى عمرو الخولي وزوجته خديجة صلاح الدين. وبعد أكثر من ساعةٍ أحضرهما السائق وجلس الجميع حول مائدةٍ عامرة بكل ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات. اتصلت المطربة ذكرى بالموسيقار هاني مهني لمشاركتهم السهرة‏، لكنه اعتذر

استمرت السهرة حتى الساعات الأولى من الصباح تناول أثناءها السويدي كميةً كبيرة من الخمور‏.‏ بعدها عاد الجميع إلى مسكن السويدي الذي يضمه مع زوجته ذكرى، الكائن في شارع محمد مظهر بالزمالك‏..‏ وكان بصحبتهما مدير أعماله وزوجته. ظهرت معهم هذه المرة فنانةٌ مغمورة تدعى كوثر سعيد رمزي (55 عاماً)، وهي معروفةٌ بقراءة الفنجان للفنانات

وفور دخول المنزل طلب السويدي من كوثر الجلوس في الصالون وتركهم بمفردهم، وطلب أيمن من الخادمتين زينب إبراهيم (19 عاماً) وأم هاشم حسني الوسي (17عاماً) إغلاق الباب عليها؛ لأن هناك حديثاً عائلياً بينهم‏،‏ ثم طلب من الخادمتين البقاء في غرفتهما وعدم مغادرتها


وسرعان ما بدأت محاكمة غريبة الأطوار


عين السويدي نفسه قاضياً ومدعياً عاماً، وعقد محاكمة لضحاياه الثلاث استغرقت نحو عشرين دقيقة، اتهم أثناءها زوجته الفنانة بأنها على صلةٍ برجل ما، ثم عاد وقرر أنه مدير أعماله عمرو الخولي
بدأ السويدي المحاكمة موجهاً حديثه إلى زوجته ذكرى طالباً منها التفرغ له كزوجة‏؛ لأن عملها الليلي يأخذها منه في حين يعمل هو نهاراً..‏ لكنها ردت عليه في حدةٍ بأنها لن تترك عملها كفنانة‏، وأنه تزوجها وهو يعرف طبيعة عملها‏

كان أيمن السويدي يغار بشدة على ذكرى حمد الدالي (16 سبتمبر أيلول 1966- 28 نوفمبر تشرين ثانٍ 2003). غيرةٌ دفعت الزوج صاحب مصانع السويدي المعروفة للأدوات الكهربائية إلى نقل خلافاتهما في وقتٍ سابق إلى ساحات القضاء، حتى حصل على حكمٍ في دعوى قضائية في منتصف نوفمبر تشرين ثانٍ 2003 بإثبات صحة توقيع ذكرى على وثيقة الزواج العرفي بينهما. ومن الواضح أن المطربة الراحلة كانت ترفض إثبات زواجها من رجل الأعمال، ما دفعه للجوء إلى القضاء لإثبات الزواج. وبعد طعنها في صحة التوقيع على عقد الزواج العرفي أثبتت المحكمة صحة توقيعها باللجوء إلى الخبراء

تعرفت ذكرى إلى أيمن في محل "بلوز" الذي يمتلكه السويدي، وحدث بينهما منذ اللحظة الأولى إعجابٌ متبادل، وكان ذلك في شهر يوليو تموز ‏2003، واستمرت العلاقة تنمو حتى تزوجا في شهر أغسطس آب، على الرغم من أنه كان متزوجاً من مغربية تدعى نادية‏..‏ ولكن لأن حبه لذكرى ملك عليه قلبه، قرر تطليق نادية، وانتقلت ذكرى للعيش في منزل الزمالك، وبدأت قصة الحب تنمو بين الزوجين

غير أن الخلافات عرفت طريقها إلى العلاقة بين السويدي وذكرى منذ الأيام الأولى لزواجهما. وعندما كانا يقضيان شهر العسل في شرم الشيخ، شاهدها تتحدث مع أحد المعجبين، فاعتدى عليه وعليها بالضرب، ثم عاد واعتذر بعد أن هددته بطلب الطلاق، غير أن الشك كان قد تمكن منه، فكان يسأل الخادمات لدى سفرها عن نوع الملابس التي تأخذها معها وألوانها. بل إنه كان يلاحقها في كل مكان، أو يرسل خلفها من يتتبعها ويراقبها

وحدث أن سافرت ذكرى إلى ليبيا وقدمت حفلاً ولكنه اعترض‏، بعد أن عرفت الغيرة طريقها إلى قلبه. وبدأت الخلافات تشتد بينهما بسبب عملها،‏ ما جعلها تقرر العودة إلى شقتها الخاصة في حي المهندسين

لقد أحب أيمن ذكرى بطريقةٍ جنونية وصلت به لدرجة الغيرة العمياء، وكان يريدها أن تنظم أعمالها بطريقةٍ مغايرة بحيث تقوم بتسجيلاتها الغنائية صباحاً
وأثناء النقاش بين الزوجين في تلك الليلة، طلب السويدي من ذكرى عدم السفر للمشاركة في مهرجانات واحتفالات قومية لبعض الدول العربية

احتد النقاش بينهما حاملاً في طياته نبرة الغيرة عليها، قبل أن ينتفض السويدي من مكانه ويتجه ناحية غرفة الصالون، ليجد كوثر رمزي تصلي الفجر. وبحزم وعصبية شديدة طلب منها بعصبية شديدة مغادرة المنزل على الفور.‏ ارتبكت كوثر وهمّت بالانصراف، لكنها حين وصلت بالقرب من الباب تذكرت حذاءها الموجود في غرفة الصالون‏. وعندما طلبت منه أن تعود لإحضار حذائها طلب منها الانتظار عند الباب وذهب بنفسه ليحضره لها‏،‏ طالباً منها النزول من باب الضيوف الذي تقف أمامه

ثم عاد أيمن السويدي إلى ذكرى وعمرو وخديجة، ليستأنف جلسة المحاكمة الساخنة

وفي لحظاتٍ اندلعت نيران الانفعال‏،‏ وتناثرت الكلمات الجارحة وتطايرت الاتهامات،‏‏ إلى أن أخرج أيمن السويدي أسلحته النارية: طبنجتان ومدفع رشاش

راح أيمن السويدي يصرخ بعصبيةٍ، ويصوب نحو الموجودين أسلحته

وفي لحظةٍ هستيرية أطلق الرصاص علي ذكرى بطريقة عشوائية حتي أصابها بـ‏21‏ رصاصة من رشاش ألماني من نوع هكلر في أجزاء متفرقة من جسدها أودت بحياتها في الحال‏، بعدها وجه رصاصاته إلي مدير أعماله عمرو الخولي فأصابه بنحو‏20‏ رصاصة في القلب والصدر، ثم قتل زوجة الأخير بـ‏14‏ رصاصة. وأخيراً وضع المسدس في فمه وأطلق رصاصة واحدة أنهت حياته في الحال أيضاً لتسقط الجثث الأربع في مشهد مأساوي بل مذبحة وحشية تناثرت فيها الدماء وامتزجت بالحطام‏..‏ لتنهي قصة حبٍ تداخلت فيها الغيرة‏ والشك‏

كان البلاغ الأول للشرطة من الحراسة الأمنية المعينة على فندق "سفير" الملاصق لشقة السويدي، حيث هرعت إلى هناك قوةٌ من الشرطة وكان المشهد لا يحتاج إلى تعليق

هنا اجتمعت عناصر التشويق والإثارة: رجل أعمال معروف، وفنانة مشهورة، وقتيل ثالث- عمرو حسن صبري الخولي- هو نجل مدير مكتب الرئيس المصري الراحل أنور السادات

كشفت المعاينة عن مفاجأة في الحادث، حيث عثر رجال المباحث أثناء المعاينة على الخادمتين زينب وأم هاشم، اللتين أحضرهما رجل الأعمال القتيل للعمل لديه منذ شهور، تختبئان داخل إحدى الغرف وهما في حال انهيارٍ وفزع. هدَأ الضباط من روعهما وبمناقشتهما كشفتا عن وقائع الجريمة البشعة

نقلت سيارات الإسعاف الجثث الأربع إلى مشرحة زينهم حيث تم نقل جثة رجل الأعمال وزوجته أولاً ونُقلَِت جثتا مدير أعماله وزوجته إلى المشرحة نفسها، تمهيداً لتشريح الجثث وبيان ما بها من إصابات، وعدد طلقات الرصاص، ونوع السلاح الذي تم استخدامه في إطلاق الرصاص عليها

تسلم مندوب من السفارة التونسية جثة الفنانة القتيلة، كما تسلم رجل الأعمال المصري طلعت السويدي عضو البرلمان جثة ابن عمه أيمن السويدي، وكذلك تسلم أقارب عمرو حسن صبري، وزوجته خديجة صلاح الدين جثتيهما

تأثر أحباء الفنانة بموتها في الشارع العربي، وقطعت "تونس 7" برامجها المعتادة وبثت برنامجاً حول تاريخ الراحلة. وهي تعد من أقسى الصدمات التي تلقاها الشعب التونسي فيما يخص الشخصيات المحبوبة والأكثر شعبية في تونس، على غرار الحبيب جغام، الهادي بالرخيصة، نجيب الحطاب

لم تكن ذكرى محظوظةً في الحب. والأدهى، أن الحب عندها تقاطع دائماً مع الفن

ففي عام 1990 وقع خلافٌ بينها وبين الملحن عبد الرحمن العيادي الذي كان خطيبها آنذاك، بسبب احتكاره لصوتها ورفضه أن يقوم أي شخصٍ آخر بالتلحين لها، لذلك تركته وانضمت إلى مجموعة زخارف عربية. وكانت هذه آخر محطاتها في تونس قبل أن تهاجر إلى ليبيا، ومنها إلى مصر


وفي العام 1994 بدأت مشوارها في القاهرة بدعمٍ من الموسيقار هاني مهنا الذي أنتج لها ألبومين وهما "وحياتي عندك" (1995) و" أسهر مع سيرتك" (1997). وارتبط هاني مهنا معها بالخطبة قبل أن ينفصلا

وحين ظنت أن الحب يطرق بابها في صورة رجل الأعمال أيمن السويدي، اكتشفت متأخراً أن الفراشات تحترق دائماً بنار الغيرة

gravatar

I loved her a lot.. she was so talented.. Alla yerhama

gravatar

Khawwta

نعم، كان صوتها جميلاً وامتلكت موهبة فنية كبيرة.. لكن رصاص الغيرة قطف وردة الموهبة قبل أوانها

سعيد بزيارتك يا عزيزتي

gravatar

دايما كنت باتريق على الأفلام العربى لما البطله تقول للبطل لو حبيت واحده تانيه انا ممكن اقتلك و اقتلها و اقتل نفسى .............طيب اهو حصل ......ازاى حد بيحب ممكن يقتل اللى بيحبه علشان يحتفظ به للأبد و هل ممكن الواحد يبعد لو لقى حد بيحبه بجنون ولا يستسلم و يعيش تجربه انه يتحب بجنون حتى لو كان التمن هو القتل فى النهايه ............ياما ناس بنقابلهم و نتكلم معاهم و هم للأسف مجانين بحق و حقيقى

gravatar

مش فاهمة

ومن الحب ما قتل
الحياة مليئة بحكايات عن الحب الذي احترق بنار الغيرة أو الخيانة، إلى أن انتهى به الأمر جريمة قتل

هناك دائماً خيط رفيع يفصل بين الحب الجارف والكراهية الشديدة

gravatar
Anonymous في 12:57 PM

سمعت عن هذا الموضوع من طرف اخري كان قريبا من الراحلين
من المؤكد أن للموضوع ابعاد أخري نفسيه ... شخص مدلل يريد ان يحجر علي فكر الناس ... وخمر يسلب التفكير ... ورعب من الوحده ... ورعب من الفشل .. والأكيد هو عدم الثقة الكافية بالله
الأن وفي هذه اللحظه وبعد قصه مثل تلك أتسأل لماذا يهلك البعض أنفسهم في الهدم بدلا من البناء؟
تحياتي

gravatar

Basma


اجتمعت في شخص أيمن السويدي الصفات التي تذكرينها وأكثر.. فقد كان مدللاً، وغيوراً، لا يحب أن يواجه بالرفض أو أن يتعرض للهجر..وعندما شعر بأن ذكرى تتمرد عليه، تشابكت الظروف لتجعله في لحظة معينة يطلق النار عليها وعلى الموجودين،بمن فيهم نفسه

البعض يشعر أن سيطرته على الآخرين
تمنحه الحق في أن يرسم خطوط النهاية لهم.. ظناً منه أن إزهاق الأرواح هو العملة الأخرى من منحها الحياة!

gravatar

صديقى العزيز .. طنت أنا المقرب لأطراف المأساه التى تحدثت عنها بسمه .. أرجوك مراجعة اعترافاتى فى مدونتى بجزئيها الأول و الثانى .. أو الأتصال بى مباشرة على بريدى الألكترونى .. يشرفنى توضيح الكثير عن الموضوع ..و طبعا يشرفنى التواصل معك

gravatar

Lastknight


أشكرك أيها الصديق الفاضل على هذه البادرة الطيبة. لقد رجعت وراجعت ما كتبته في تدوينتين عن هذا الحادث المأساوي واستفدت منه لكونك قريب الصلة بالراحل عمرو الخولي
ولكن كم سيكون مفيدا وجميلا أن نتواصل ونتراسل على بريدي الإلكتروني للاستزادة والاستفادة:
yasser.thabet@gmail.com

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator