المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

جنس الإخوة









هؤلاء "الإخوة" الذين نحكي عنهم ليسوا شياطين، لكنهم أيضاً ليسوا ملائكة
فالجنس عقيدةٌ سرية يدين بها كثيرون من الخليج إلى المحيط، ومن هؤلاء أشخاصٌ يبدو من سلوكهم الالتزام الديني، إلا إن كانوا في الخفاء، ومنهم أيضاً أفرادٌ ينتمون إلى جماعات وحركات دينية، ينتصرون علناً على مغرياتٍ لا تنتهي، قبل أن تهزمهم سراً الشهوة بالضربة الفنية القاضية



الأكيد أن هناك من يطابق قوله فعله من حيث الالتزام وحسن الخُلق، لكننا نتحدث عن نماذج لا يمكن تجاهلها أصيبت بتشوهات خطيرة نتيجة التناقض بين كبت مستمر تحت شعار الالتزام، ورغبة مستعرة تلهو سراً فتصنع ما تصنع!


و"جنس الإخوة" - إن صح التعبير، وبعيداً عن السقوط في فخ التعميم- مادة دسمة وثرية تحبس الأنفاس وتثير الاستغراب وتدعو إلى الدهشة، لكنها في النهاية حقيقة واقعة بل وساطعة تستحق التأمل، فاقرأ وتأمل


حاول الآن أن تركز كل أفكارك في مضمون السطور التالية؛ لأنها شهاداتٌ حية عن أشخاص يعيشون بيننا لكن عدداً منهم يصوب على الآخرين سهام التكفير ويطلق على مجتمعاتنا أسماء وألقاباً، لعل أبسطها أنها "جاهلية" من دون أن يملك هؤلاء شجاعة المواجهة وجرأة النظر في المرآة
هنا نضع المرآة في مواجهة هؤلاء "الإخوة"، وبالتحديد عند نقطة شديدة الحساسية وبالغة الدقة ونعني بها الجنس
ربما نستطيع في هذه الحالة أن نراهم بطريقةٍ أفضل، أو على الأقل ندفعهم إلى رؤية أنفسهم بصورةٍ أفضل


تبدأ الحكاية من ميدان رمسيس
وبالتحديد عند ناجي، بائع الصحف والمجلات القديمة الذي اعتاد لسنواتٍ افتراش أرض الميدان ببضاعته الرائجة، طالما أن هناك من يقرأ ويتصفح
ففي إحدى الأمسيات الصاخبة، وبينما كنت أطالع "جديد" ناجي من المجلات الأجنبية القديمة، لاحظت شاباً ملتحياً يرتدي جلباباً تميل قامته إلى الطول، ينحني على ناجي هامساً، وإذا بالبائع ينفعل بشدة لم أعتدها منه وينهر الشاب ويدفعه بيديه طالباً منه الانصراف، لكن الشاب الملتحي بدا لحوحاً، حتى إنه كرر المحاولة. غير أن صوت ناجي علا هذه المرة، الأمر الذي أثار انتباه المارة والواقفين، وأنا منهم

سألتُ ناجي الذي تربطني به صداقة قديمة منذ أن "اكتشفته" في أحد أركان الميدان كبائع واكتشفني في دروب الحياة كزبون دائم، فإذا به يفاجئني قائلاً إن هذا الشاب طلب منه مجلات جنسية. زاد ناجي من مساحة فضولي فاستوضحته الأمر، فقال لي إن هذا الشاب الملتحي يأتي إلى الميدان بين الفينة والأخرى لتصفح المجلات الأجنبية، فإذا رأى صوراً عارية أطال النظر واستحب البقاء في المكان لفترةٍ طويلة، لكنه هذه المرة تجرأ فطلب من ناجي الحصول على مجلة إباحية إن أمكن. غير أن ما لا يعرفه هذا الملتحي عن ناجي الذي كان في أواخر الثلاثينيات من العمر أنه أكثر تديناً وتحفظاً وأنه يمارس رقابة ذاتية على المجلات الأجنبية فيمنع تداول المجلات التي تتضمن صوراً عارية أو تلك التي يشعر بحاسته وخبرته كبائعٍ متمرس للصحف والمجلات القديمة أنها فاضحة في مضمونها


رد ناجي الذي أفحم الشاب الملتحي لم يكن كافياً بأي حال، حيث شاهدت الأخير يحوم حول المكان ذات ليلة من ليالي رمضان 1421 هـ وذلك في منتصف ديسمبر كانون الأول 2000. ومرة أخرى وجدته يهمس في أذنيّ ناجي شارحاً ومستعطفاً. ولدى انصرافه، سألت ناجي عن الجديد الذي جعله يستمع إلى هذا الشاب بأناةٍ وصبر، فإذا به يقول لي إن أخانا الملتحي حكى له كيف أنه متزوج لكنه لا يستطيع مضاجعة زوجته إلا إذا شعر باستثارةٍ أو رأى صوراً توقظُ همته النائمة وتعيدُ إليه صبا الرغبة وشوق اللذة.. ولذا فإنه يأمل في الحصول على مؤونة و"معونة" من تلك المجلات التي تشعل في نفسه رغبةً عارمة. ونظراً لشعور ناجي بالحرج من الموقف فقد تخلص منه بلباقةٍ، وقال له إنه سيرى ما يمكنه فعله لمساعدته في هذا الشأن، لكن ناجي القادم من قلب الصعيد والمقيم في ميت عقبة صارحني بقوله: "لن يجد عندي ما يريد"

وحكاية هذا الرجل تقودنا إلى شخصية أخرى، رواها خالد البري، وهو أصولي سابق يقيم اليوم في لندن، ونشرتها جريدة "النهار" اللبنانية بشأن سيرة الجنس وتدبيره في صفوف "الجماعة الإسلامية" التي انتمى إليها في شبابه. تلقى البري دروسه في أسيوط ودرس الطب في جامعتها وتخرج فيها طبيباً في تسعينيات القرن الماضي. وصل خالد بعد شهور من تجنيده إلى "أمير إخوة ثانوي" في أسيوط، ثم أصبح أحد خطباء الجماعة في كلية الطب التي تخرج فيها بعاصمة الصعيد.. والتطرف. غير أن قراره بعد سنوات بالتحول صحفياً وكاتباً دفعه إلى مراجعةٍ صريحة لمسيرته مع الجماعة

الشاب الذي كان يحلم بزي الأطباء وبريقه، خاض تجربة مهمة مع "الجماعة الإسلامية" استمرت تسع سنوات، تنقل أثناءها من متعاطف إلى عضو، فمعتقل ثم متعاطف. يحكي خالد بسلاسة في كتاب "الدنيا أجمل من الجنة.. سيرة أصولي مصري" (صدر عن دار النهار اللبنانية، ثم صدرت طبعة أخرى عن دار "ميريت" في مصر) كيف تحول من مراهق، ينهي عام 1986 سن الرابعة عشرة، يحب صوت السورية ميادة الحناوي ويعشق أغاني عبدالحليم حافظ، إلى عضو بارز في صفوف الجماعة، حتى أوصله نشاطه إلى السجن الذي خرج منه ليدرس الصحافة والإنثربولوجيا منصرفاً عن ممارسة مهنة الطب

وربما تندهش لما تطالعه في الكتاب عبر فصوله الأربعة المعنونة: الهداية، الجنس، السجن، التمايز
في الكتاب الذي صدر قرارٌ من مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بمصادرته، يروي خالد كيف تعلم في مدرسة الرهبان الفرنسيسكان، وهو يتذكر "الأُخت أوجنين" وهي تُسمع لهم سورة الحديد، لغياب مدرس الدين، وعدم تهاونها في كسرة أو فتحة
في صباه، كان خالد البري الأضعف بدنياً بين لاعبي الكرة في الشارع، وبدا "الجنزير"، هدية أولى خطوات الاستقطاب الأصولي. "آلة سحرية" في الخناقات. صاحبُ هدية الجنزير سيتلقى 70 عصا "مداً" على قدميه فيما بعد عقاباً على خطأ تنظيمي، وسيُعتقل مرات.. آخرها امتد لسنوات طويلة، في حين سوف "يُدمي" جسد "مثلي إيجابي" بالجنازير أصر على الصلاة إماماً بها، في واقعة شهيرة بأحد مساجد أسيوط

في شهادته عن الجنس في صفوف "الجماعة" يحكي خالد البري كيف كان إعلانه الأول عن نفسه في شارعه بأنه صار ملتزماً إسلامياً ووقوفه في شرفة شقته في الطابق الثاني ممسكاً ببندقية الصيد الخاصة به ومصوباً إياها إلى مدخل العمارة المقابلة حيث كان جيرانه الأولاد والبنات يلعبون "صياد السمك"، حيث يقف لاعبان على مسافة نحو عشرة أمتار ويتقاذفان الكرة بينهما محاولين أن يصيبا بها لاعبي الفريق المنافس الموجوديَن في المسافة الفاصلة. ظل مصوباً البندقية نحو المدخل حتى أصبحت الكرة في مرمى التصويب، فأطلق رصاص البندقية، الأمر الذي جعل الفتاة التي ذهبت لإحضار الكرة تتسمر في مكانها ثم تتراجع إلى الخلف
كان تبرير البري لما فعله أنه يحول بين الشباب وبين الوقوع في الخطيئة مبكراً لأن النظرة بريد الزنى. وقد حكى له جاره الذي يلعب معهم أنه يتعمد إلقاء الكرة بين سيقان الفتيات كي تضطر الواحدة منهن إلى أن ترفع رداءها وتقفز لتفاديها، ويستطيع هو من ثم أن يرى ساقيها وملابسها الداخلية
رأى البري يومها أن هذا أول منكر في الإسلام يتعين عليه يتغيره
غير أنه يعترف بعد سنتين من هذه الواقعة صار يقضي ساعات طويلة من الليل خلف النافذة يراقب هؤلاء الفتيات اللاتي يسكنّ أمامه، متحيناً الفرصة لكي يرى إحداهن تخلع ملابسها أو تنام فينحسر رداؤها عن ساقيها


كان خالد البري يعتقد وهو في سن الرابعة عشرة أن الجنس أمرٌ نمارسه مع من لا نحب، أما من نحب فإن علاقتنا به يجب أن تسمو عن هذا الفعل المشين. وكانت "غزواته" الجنسية قبل ذلك لا تتجاوز التجمع في الخفاء مع أتراب الطفولة لمشاهدة صورة جنسية أو لمعاينة الأعضاء لتحديد الأكبر فيما بينها، إضافة إلى الاستماع إلى روايات مختلفة عن التجارب الجنسية الجريئة لبعض الاصدقاء. وحين أدرك أنه يأتي إلى الدنيا عن طريق الجماع أصيب بحالة من القرف الشديد والنفور من والديه، بعد أن تشاجر مع جاره الأكبر الذي أبلغه بذلك، فاتهمه بتعمد إهانته
بعد فترةٍ وجيزة من التزامه، امتنع عن مشاهدة التليفزيون الذي يعرض صوراً لفتياتٍ غير مستترات، الأمر الذي يحرك الشهوة ويحض على المعصية. وحتى سن الخامسة العاشرة لم يكن قد احتلم من قبل، وكان هذا يشكل له هاجساً، خوفاً من أن يكون ذلك علامة على ضعف ذكورته. وحين احتلم للمرة الأولى كاد يطير فرحاً وحكى لكل الأصدقاء كأنه خاض تجربته الجنسية الأولى. غير أن هذا الفرح لم يدم طويلاً، إذ صار الأمر مرهقاً حين يصحو لصلاة الفجر محتلماً في برد الشتاء، فيضطر إلى الاغتسال قبل الذهاب إلى المسجد
وعلى الرغم من أن الاحتلام عملية فسيولوجية تتم لتفريغ شحنات جنسية مخزونة وهو ظاهرة طبيعية تختلف باختلاف الافراد والحالات والمسببات، فإن خالد البري بدأ يكره الاحتلام كرهاً شديداً، ولجأ إلى حل رآه خلاصاً له من ذلك المأزق: العادة السرية
فقد صار يمارس الاستمناء قبل الاستحمام في وقتٍ اختاره، حتى لا يحتلم ويضطر للاغتسال في وقتٍ لم يختره، لكن العادة السرية نفسها نفسها جعلته يشعر بالذنب وعمَّقت كراهيته للجنس وإحساسه بالضعف إزاءه
ثم ازداد الأمر سوءاً، فأمسى حين يحتلم يرى نفسه يمارس الجنس مع محارمه البعيدات أو عجائز دميمات
إن الحالة الجنسية للشباب تشبه عادةً حالة الإبريق الذي يغلي على نارٍ موقدة، فإن سددته وأحكمت سده فجَّر البخار المحبوس. وهذه حال من يحبس نفسه على شهوته وينطوي على أوهام غريزته، من دون أن يحاول حتى التسامي واستثمار طاقته في نشاطٍ بدني أو ذهني يحتوي الجسد الفوَّار. ويكفي شعور المرء بأنه يمارس تلك العادة سراً وخفية
وفي قديم الزمان كانت تلك العادة تسمى عند العرب "جلد عُميرة"، وهذا لأنهم يُكنون عن الذكر بعميرة. يقول الشاعر:
إذا حللت بوادٍ لا أنيس به...فاجلد عُميرة لا عار ولا حرج
وقال آخر :
إذا امتحنت بعدم أو بليت به ...فاجلد عميرة حتى تنقضى المحن
ويعكس هذا نظرة العرب إلى الاستمناء، فلا بأس به للمضطر. وقد عبر شاعر عن رأي الفقهاء في تلك العادة قائلاً:
وكذا ابن حنبل جاز جلد عميرة ... في خلوةٍ عند اشتداد غرام
وكان خالد البري يقول لنفسه في تلك الفترة: لو أن الله لم يخلق فينا الرغبة الجنسية لضمنت الجنة
وهكذا صمم على كسر شهوة النساء ولجأ إلى الحل الإسلامي: الصوم..وزاد من جرعة الصيام حتى بلغ ما يصومه أسبوعياً خمسة أيام، فكسر جزءاً من شهوته وكثيراً من صحته!
تعلم الرجل من دروس الجماعة أنه من غير المستحب أن ينظر المرء إلى عورة نفسه، كما ينبغي عدم لمس العورات باليد اليمنى صوناً لتلك اليد عن لمس العورات. أحس البري أن عدم النظر إلى العورة قطعاً صعب من الناحية العملية، لكنه حاول فعل ذلك قدر استطاعته. أما عدم لمس العورة باليد اليمنى فقد اعتاد عليه سريعاً، ليس فقط في الاستنجاء والاغتسال، ولكن في ممارسة العادة السرية أيضاً
وسرعان ما أثرت فيه تلك الترتيبات والمستحبات والمكروهات في أمور يومية خاصة لم يكن معتاداً على التفكير فيها قبل ممارستها لكنه صار أكثر وعياً بتلك العورة. يتساءل كيف تبدو في البنطال، ويخشى الانتصاب في وقتٍ ما، فيصاب بالحرج ويمتنع عن ارتداء البناطيل الضيقة. ولجأ إلى ارتداء قمصان طويلة فوق البنطال لتغطية تلك العورة. ثم صار يرتدي قطعتين داخليتين سفليتين واحدة فوق الأخرى لإحكام السيطرة على تلك العورة


شيء شبيه بذلك نجده في نصائح د. علي مدكور أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة القاهرة التي أوردها في كتابه "التربية الجنسية للأبناء"، حيث يشدد على ضرورة ارتداء الملابس الخفيفة الواسعة التي تقلل الاحتكاك بالأعضاء التناسلية أثناء النوم وعدم النوم على البطن والعشاء المبكر الخالي من اللحوم الكثيرة والتوابل، والاستحمام بالماء البارد يومياً!
كان "الإخوة" ينبهون خالد البري إلى ضرورة التعامل بحذر مع الفتى الأمرد الذي لم تنبت له لحية بعد.. إذ ينبغي عم احتضانه عند المصافحة مثلما كانوا يفعلون عادة مع أي "أخ". كذلك ينبغي عدم الاختلاء به ولو في درس القرآن. وكان بينهم فتى أمرد يصغرهم بسنوات، فصار البري يتجنب التعامل معه ولا يبتسم في وجهه. وفي حمام السباحة لاحظ أن أحد "الإخوة" يتعمد ملامسة هذا الفتى الأمر واحتضانه بطريقةٍ مريبة وهو يعلمه السباحة، فأيقن أن "الإخوة" محقون وأن عليه تجنب الصبيان المردان أيضاً وليس الفتيات فقط
الغريب أن كل هذه الإجراءات، وإن خففت من حدة الرغبة الجنسية لدى البري، فإنها جعلته يُستثار لأتفه الأسباب. وقد وصل مرة إلى الإثارة الكاملة من ملمس الماء على جسده وهو يستحم!
وهكذا تختلط الأفكار والرؤى والرغبات، ما بين حملات منع الاختلاط من الشارع إلى الجامعة، ومتعة قراءة كتب التراث والدين التي تتحدث عن الجنس، و"التكبير أثناء القذف"، وهلم جراً

إذ يشير الأصولي السابق إلى اهتمام "الإخوة" بتداول وقراءة كتب من عينة "تحفة العروس" وهو أحد الكتب السلفية التي تتحدث عن أحكام الجماع وتصف الطريق إلى السعادة الجنسية بين الأزواج من خلال حكايات من أيام "السلف الصالح".. حكايات عن كيفية وصول المرأة إلى أن تجعل زوجها يبلغ ذروة نشوته من دون مخالفة القرآن والسُنة. كذلك كان "الإخوة" يتداولون فيما بينهم كتاباً آخر عنوانه "كيف تسعدين زوجك"


وبطبيعة الحال، كان "الإخوة" يجدون متعة في مناقشة أحكام الجماع والتي تزخر بها كتب الفقه الإسلامي. أما المرأة فهي في نظرهم من جنود إبليس وهي من حبائل الشيطان. ويروي لنا خالد البري كيف جمعته الظروف في تلك الفترة بفتاةٍ من أصدقاء الأسرة نهاراً كاملاً فوجد نفسه غير قادر على استبعاد فكرة أن يضمها من الخلف وهي تتصفح الكتب الموضوعة على رفوف المكتبة. وحتى لا تعرف ما كان يدور داخله من صراع، أخذ يقترب منها وهي جالسة، ويسألها قائلاً: لماذا لا ترتدين الحجاب، إنك الآن كبيرة! فيما هو يضع يده على عنقها متظاهراً بأنه يخنقها تأديباً لها، متحسساً متعة أنه يلامس جسدها ويقترب منه
ومن الواضح أن الجنس كان يمثل إغراء المحرومين الذين في ظل الجماعة سيكونون قادرين على الزواج بشروط ميسرة مثلما كانت عادة السلف الصالح، فالإسلام يحث على الزواج المبكر بهدف الإعفاف في الإطار المشروع وإشباعاً للغريزة وصوناً من الانحراف والوقوع في الرذيلة
الغريب أن "الجماعة" اعترضت على يوماً على تنفيذ حكم الإعدام في ستة أفراد اغتصبوا فتاة في مصر، زاعمين أن النظام العلماني الجاهلي هو الذي اغتصب تلك الفتاة وليس مجموعة المغتصبين، على أساس أن المجتمع أصبح إباحياً ويسمح للفتيات بالتبرج كما يعرض أفلاماً تثير الغرائز!
ومن هنا يمكن فهم سبب حرص "الجماعة" على منع الاختلاط في الجامعة، ولو كان السبيل إلى ذلك القوة والعنف. ولا زلت أذكر المرة الأولى التي زرت فيها مبنى كلية دار العلوم في مطلع ثمانينيات القرن الماضي لمتابعة إحدى المحاضرات، فوجدت "الإخوة" ينظمون الدخول بحيث لا يدخل الشباب من بابٍ تدخل منه الفتيات، بالرغم من عدم وجود تزاحم عند المدخل، وكأن هذا يضمن عفة فتيات الكلية. وفي المدرجات، كان المشهد أوضح، فقد تم الفصل بين الفتيات الجالسات في الجانب الأيمن والشباب الجالسين في الجانب الأيسر
ويروي خالد البري كيف ضربت "الجماعة" أحد "الإخوة" لأنه شاذ جنسياً بعد أن حاول ممارسة الجنس عنوة مع "أخ" صغير داخل مسجد. وقد وجد هذا "الأخ" الشاذ مقتولاً بعد سنتين ولم يعرف أحدٌ الجاني!

وعلى الرغم من أن البري كان في تلك الفترة يصوم خمسة أيام أسبوعياً، فإنه يعترف باستمرائه المعصية فيما يخص الجنس. والمعصية هنا تعني الوقوف ساعاتٍ طويلة خلف النافذة لمراقبة بنات الجيران حتى صار خبيراً بعادات جيرانه اليومية لكثرة ما راقبهم..يعلم وقت خروجهم ودخولهم وكراسيهم المفضلة وألوان ملابسهم الداخلية، ويحدد أفضل المواعيد لمراقبة مختلف البيوت في كل الاتجاهات. والمعصية تعني أيضاً تحين فرصة عدم وجود أحد في المنزل لمشاهدة التليفزيون أو البحث عن الصفحات الساخنة في الروايات التي كانت أسرته تملك عدداً كبيراً منها


أراد البري أن يقضي على الجنس فصار هاجسه، حتى صار يشعر بالاستثارة حين يستمع إلى الآيات الكريمة التي تحكي عن قصة النبي يوسف مع امرأة العزيز. هكذا صار يعتقد أنه أسوأ إنسان على وجه الأرض ويعزو كل ما يحدث له من مشكلات إلى معاصيه، وإليها يعزو عدم قدرته على استذكار دروسه


حتى في فترة السجن، لمح زميل الزنزانة يمارس العادة السرية تحت الغطاء، في حين كان قد علم قبل دخوله السجن أن أول من دعاه إلى الالتزام مع الجماعة الإسلامية شاذٌ جنسياً، فتساءل في نفسه إن كان يمارس الشذوذ في السجن أيضاً
إن حديث البري عن العلاقات المثلية يذكرنا بما ورد في كتاب الراحل محمد جلال كشك "خواطر مسلم في المسألة الجنسية" الذي أفرد مساحة كبيرة للحديث عن غلمان الجنة بوصفهم وسيلة للاستمتاع الجنسي لمن عف وتطهر في الدنيا
وحديث الشهوة له إغراؤه وبريقه حتى بالنسبة لكبار العلماء والمشايخ، مثلما هي الحال بالنسبة للشيخ يوسف القرضاوي الذي لا يرى بأساً في الجنس عبر الفم، إذ قال في فتوى له:
"إن المرأة لو قبَّلت فرج زوجها ولو قبَّل الزوج فرج زوجته هذا لا حرج فيه، وإذا كان القصد منه الإنزال فهذا الذي يمكن أن يكون فيه شيء من الكراهة، ولا أستطيع أن أقول الحرمة لأنه لا يوجد دليل على التحريم القاطع، فهذا ليس موضع قذر مثل الدبر، ولم يجئ فيه نص معين إنما هذا شيء يستقذره الإنسان، إذا كان الإنسان يستمتع عن طريق الفم فهو تصرف غير سوي، إنما لا نستطيع أن نحرمه خصوصاً إذا كان برضا المرأة وتلذذ المرأة"
ونسب البعض إلى القرضاوي أموراً أخرى منها أنه لا يرى بأساً في تصوير العلاقة الجنسية بالفيديو مادام الشريط خاصاً بالزوجين أيضاً، فالمتعة في رأيه من أهم أهداف الزواج. والقرضاوي ليس الوحيد الذي تحدث في مثل هذا الموضوع
قال ابن عابدين -الحنفي- في "رد المحتار": "سَأل أبو يوسف أبا حنيفة عن الرجل يمس فرج امرأته وهي تمس فرجه ليتحرك عليها هل ترى بذلك بأساً؟ قال: لا، وأرجو أن يعظم الأجر"
وقال القاضي ابن العربي -المالكي-: "قد اختلف الناس في جواز نظر الرجل إلى فرج زوجته على قولين: أحدهما: يجوز: لأنه إذا جاز له التلذذ فالنظر أولى..وقال أصبغ من علمائنا: يجوز له أن يلحسه – الفرج – بلسانه"
وقال في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل": "قيل: لأصبغ: إن قوماً يذكرون كراهته: فقال من كرهه إنما كرهه بالطب لا بالعلم، ولا بأس به وليس بمكروه، وقد روي عن مالك أنه قال: "لا بأس أن ينظر إلى الفرج في حال الجماع"، وزاد في رواية: "ويلحسه بلسانه"
وقال الفناني - الشافعي -: "يجوز للزوج كل تمتع منها بما سوى حلقة دبرها، ولو بمص بظرها"
وقال المرداوي -الحنبلي- في "الإنصاف": "قال القاضي في "الجامع": يجوز تقبيل فرج المرأة قبل الجماع، ويكره بعده..ولها لمسه وتقبيله بشهوة، وجزم به في "الرعاية" وتبعه في "الفروع" وصرح به ابن عقيل"
والحكاية تطول وتمتد من قصص اللواط إلى هتك الأعراض والجماع بالإكراه وأحياناً قبل انتهاء مدة العدة، كما حدث في حالاتٍ كثيرة وموثقة لنساء كن من ضحايا بعض "الإخوة". والأمر لا يقتصر على ما أورده خالد البري، الذي قرر الابتعاد عن "الجماعة" واكتفى بأداء الفرائض في المنزل، واستأنف مشاهدة التليفزيون بعد مقاطعة دامت خمس سنوات، وعاد مشجعاً أهلاوياً يهتف لنجوم فريقه الكروي المفضل في مدرجات تشجيع الشياطين الحمر
إن سيرة خالد البري نموذج للتزمت في التربية والتثقيف الذي يقود إلى العنف الفردي فالجماعي، تماماً مثلما كان يفعل بعض "الإخوة" ممن كانوا ينقضون على الناس بالجنازير والأسلحة البيضاء وهم يرددون "الله أكبر !"

دعونا نشير إلى أن الدكتور بكر زكي عوض أستاذ ورئيس قسم الدعوة الإسلامية بكلية أصول الدين، الذي كتب التقرير الخاص بمنع كتاب خالد البري، أوصى بضرورة حذف خاتمة الكتاب من ص 123 إلى ص 139، والتي يقول فيها إنه أدرك الدنيا من جديد بعد مشاهدته للأفلام الجنسية ومن كلامه مع صديقه اليساري حسن الذي تعلم منه متعة الشك.. وتكلم عن أثر فيلم "وليمة بابيت" وأثره على تغيير ثقافته، في هذه الفترة لأول مرة شاهد فيلماً جنسياً صريحاً أصابه بالقرف والاشمئزاز، وقوله في ص128 "إنني صدمت حين مارست الجنس للمرة الأولى، لقد أزال ذلك الفيلم الإباحي الضباب عن عيني شاب تربى على الأوهام"


ومن نقطة النهاية إلى خيط البداية، يظهر هؤلاء: "بشر عاديون"..كلهم خطاءون، يرتكبون الأخطاء ويقترفون الآثام التي ينهون عنها، وينسون قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ" [سورة الصف : 2-3]
ما أصعب أن نجري على منحدر، حالمين بطوق النجاة، ولكن بدلاً من التعلق بالأشجار، فإننا نخلعها ونحملها معنا في سقطتنا..التي لا نهاية لها
تابع القراءة

gravatar

جرائم العاطفة في مصر النازفة (19): صراع الأزواج









الفَزَعُ: الفَرَقُ والذُّعْرُ من الشيء، وهو في الأَصل مصدرٌ. فَزِعَ منه وفَزَعَ فَزَعاً وفَزْعاً وفِزْعاً وأَفْزَعه وفَزَّعَه: أَخافَه ورَوَّعَه، فهو فَزِعٌ؛ قال سلامة: كُنَّا إِذا ما أَتانا صارِخٌ فَزِعٌ، كانَ الصُّراخُ له قَرْعَ الظّنابِيبِ والمَفْزَعةُ، بالهاء: ما يُفْزَعُ منه
وفُزِّعَ عنه أَي كُشِفَ عنه الخوف. (لسان العرب)


ليس من باب المبالغة القول إن جريمة مقتل سوزان تميم تشبه لوحة الكلمات المتقاطعة
فهي قد تقودك إلى تلك الفتاة الجميلة التي دقت الشهرة الفنية بابها مبكراً، بعد أن لفت صوتها الجميل انتباه كثيرين، واهتم عددٌ أكبر بما هو أكثر من صوتها
وسوزان تميم، زهرةٌ على حافة الكأس
يلاحقها الرجال، وهي حواء التي فرت يوما من أضلاعهم!
وقد تدلك على المدن التي تنقلت بينها سوزان وتحولت إلى محطات ترانزيت تحمل معها حقائبها ومأساتها الشخصية: بيروت وباريس ولندن والقاهرة وأخيراً دبي، قبل أن تكتمل دورة حياة سوزان تميم بالعودة إلى بيروت..في نعش، وسط بكاء الأهل والأحبة
وربما تجد نفسك حائراً بين أسماء أزواجها الحقيقيين أو المفترضين علي مزنر، عادل معتوق، رياض العزاوي
الأكيد أنك ستتوقف طويلاً عند اسم شخص آخر هو رجل الأعمال المصري البارز هشام طلعت مصطفى
وهشام الذي ينتمي إلى عائلةٍ عصامية كوَّنت ثروتها من مجال المقاولات، سار على درب أبيه محققاً المزيد من الطموحات التي لم يتوقعها البعض، وارتبط النجاح الاقتصادي بالظهور السياسي الذي جعل منه عضواً بمجلس الشورى، ورئيساً للجنة الإسكان به، وأحد أعضاء لجنة السياسات في الحزب الوطني، كان لوالده في عام 1976 الفضل فى إقناعه بالالتحاق بكلية التجارة بعد قبوله بكلية الهندسة، أصبح الشاب ذو التسعة عشر عاماً، يعرف قواعد وأصول سوق المقاولات، وعقب تخرجه عام 1980، بدأ في ممارسة العمل بنفسه في شركة والده في عمليات بسيطة
في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، أعلن البدء في إقامة أول مدينة سكنية يقيمها القطاع الخاص في الصحراء على أحدث طراز، فكانت "مدينة الرحاب". التي حققت لمجموعة شركات طلعت مصطفى سمعة جيدة في المجال العقاري في المنطقة العربية، وتلاها العديد من المشروعات، كمدينة الرحاب بالساحل الشمالي، والربوة بالشيخ زايد، ومجموعة فنادق "فور سيزونز" بالقاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ. وعلى مدار ثلاث سنوات بعد عام 2004 تمتع هشام بالمال والسلطة والنفوذ، وبدأت مشروعاته تتوغل في القاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ
وتعد مجموعة طلعت مصطفى واحدة من أهم شركات الأعمال في مصر، ولها من الخبرة أكثر من عشرين عاماً في التطوير الصناعي. وإلى جانب فنادق "فور سيزونز"، بدأت المجموعة في العام 1995 أعمال بناء فندق النيل بلازا، وفي عام 1996 بدأت أعمال بناء فندق شرم الشيخ، وفي العام 1998 بدأت ببناء لؤلؤة الإسكندرية وسان ستيفانو. النجل الأكبر لطلعت مصطفى هو طارق (مواليد 1952 وخريج قسم الهندسة المدنية بجامعة الإسكندرية 1975 وهو أيضاً رئيس لجنة الإسكان في مجلس الشعب) وقد شغل منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب، خلفاً لشقيقه هشام. ويشغل الشقيق الثاني هاني طلعت مصطفى (مواليد 1955 وخريج قسم الهندسة المدنية بجامعة الإسكندرية 1978) منصب رئيس مجلس إدارة شركة الإسكندرية للإنشاءات، وهي أكبر شركات المجموعة والشركة الأم
صحيفة "المصري اليوم" قالت في عددها الصادر بتاريخ 27 مايو أيار 2009 إن خلافات سوزان مع عادل معتوق- زوجها الثاني- هي الوسيلة التي دفعتها للتعرف على هشام، الذي دفع أكثر من مليونى دولار لمعتوق لتطليقها، رغم تهديدات معتوق لهشام وإخوته، التي قال فيها نصاً: "لو جئتم إلى باريس سوف أقطع أرجلكم"
وأضافت الصحيفة أن قصة زواج هشام بسوزان بدأت حينما فوجئت والدته وشقيقته، وهما في العمرة، بسوزان تميم وهي ترتدي ملابس محتشمة وتؤدى الطقوس الدينية معهما في مكة المكرمة بجانب هشام، ورغم الصورة البريئة التي كانت عليها سوزان، لم توافق الأم على أن يتزوج منها، فكان الحل في اللجوء إلى الزواج السري، وهو ما أيدته سوزان بشرط تأمين مستقبلها، فقام بتحويل خمسة ملايين دولار إلى حسابها، كما سجل شقة الفورسيزونز باسمها وتولى تلك المهمة أحد المحامين، الذى كان على علاقة صداقة حميمة بهشام كما تردد داخل قاعة السادات من جانب المحامين في الدعوى
وبالحرف الواحد، قالت الصحيفة: "أنه في يونيو 2007 سافرت سوزان تميم مع هشام طلعت مصطفى للزواج منها رسمياً لتهدئتها، لكن ظروف العمل دفعت هشام إلى أن يعود للقاهرة بعض الوقت، وطلب منها انتظاره في جنيف بعد أن أطلعها على شفرة حساب خاص حتى يمكنها السحب منه، وغادر الرجل جنيف وهو لا يتخيل أنها المرة الأخيرة التى سيراها فيها. وما إن غادر هشام جنيف حتى استخدمت سوزان شفرة حسابه لتسحب أكثر من ثلاثين مليون دولار، وقد حدث ذلك في يوليو 2007، وهو الشىء الذي دفع هشام إلى أن يطلب من السكري نحرها مقابل مليوني دولار، خاصة أنها منحت جزءاً من هذه الأموال إلى رياض العزاوي الملاكم العراقي، الذي كان من حراس صدام حسين، ثم اختلف معه، وخشي على حياته، فهرب إلى لندن، وطلب حق اللجوء السياسي، وحصل على الجنسية البريطانية ثم تعرف على سوزان وأقاما معاً، وهو ما دفع هشام إلى مطالبتها بأن تعود إليه وتترك رياض"
نعود إلى لوحة الكلمات المتقاطعة
ففي أثناء محاكمة المتهمين بقتل سوزان تميم، اشتعل الصراع بين عدة أشخاص، كل واحد منهم يؤكد أنها زوجها الذي ماتت وهي على ذمته
وربما تكون واحدة من القضايا النادرة التى تزدحم بها قاعة المحكمة بمحامين من كل الأطياف يمثلون جهات مختلفة، ويزيد عدد هؤلاء على 10 مدعين بالحق المدني عن أزواج القتيلة
الأزواج الثلاثة يتصارعون على تركة المجني عليها، على الرغم من أنها كتبت وصية قبل وفاتها، عثرت عليها شرطة دبي، أوصت فيها بمنح كل ما تملكه إلى والدتها، وشقيقها الأصغر
قالت سوزان في وصيتها: "بسم الله الرحمن الرحيم..إنا لله وإنا إليه راجعون، أوصي بأن تؤول ملكية كل ما أمتلك من مال أو عقار أو جواهر أو أي شىء، بل كل ما أملكه إلى والدتي وأخي ولا أحد سواهما
وأوصيكم بأن تزكوا وتحسنوا وتطعموا وتكفلوا الأيتام والمساكين وتتبعوا صراط الله المستقيم وتسامحوني إن أسأت إليكم وتدعوا لي بالرحمة وأن تعتمروا لي وتحجوا عني إذا تيسر لكم وأن تكرموني في وفاتي.. وأوصيك يا أخي بأمك وبصلة رحمك وبالرحمة والعفو عند المقدرة والسماح والتسامح والبر بوالديك
أحبكم وأدعو لكم بالرحمة فادعوا لي بها.. اتحدوا ولا تفرقوا على بركة الله وسنة رسوله والسلام عليكم وعلينا وعلى محمد وآله وصحبه. سوزان عبدالستار تميم"
ملامح الصراع بين أزواج سوزان تميم، ظهرت واضحة أثناء جلسات القضية، عندما تدافع عدد من المحامين للترافع في القضية كمدعين بالحق المدني عن زوجها عادل معتوق "الزوج الثاني"، متعهد الحفلات المعروف في لبنان، والذي تزوجها عام 2000 وتبناها فنياً وأصدر لها ألبوماً غنائياً بعنوان "ساكن"، إلا أن المشكلات تفاقمت بينهما، حتى تركته سوزان وغادرت إلى القاهرة، مع والدتها، ولاحقها معتوق بالدعاوى القضائية
وفي عام 2006 اتهم معتوق سوزان بسرقة 350 ألف دولار وتم اعتقالها من قبل الإنتربول فى القاهرة، قبل أن يتم إطلاق سراحها فى غضون ساعات. كان واضحاً أن حياتها المضطربة لن تسمح لها بإكمال مشوارها الموسيقى، ففي مصر لم يسمح لها معتوق بالغناء وحاول عدة مرات فرض حظر عليها بعد حصوله على حكم قضائى يقضي بذلك، باعتبار أن لديه عقد احتكار لسوزان مع شركته "الشركة العربية الأوروبية للتسجيلات الموسيقية"
يصر عادل معتوق على أن سوزان ظلت زوجة له حتى لحظة مقتلها. غير أن كمال يونس محامي سوزان يؤكد أن العلاقة بين عادل معتوق وسوزان انتهت بإيقاع الطلاق بينهما منذ سنوات، عندما قام عادل معتوق بتوكيل المحامية كلارا إلياس محامية سوزان وطلب منها إيقاع الطلاق في بيروت
وبعد وفاة سوزان ونحرها في دبي استخرج معتوق إعلان وراثة شرعي تضمن أنه وريث في تركة سوزان، الذي انحصر في زوجها معتوق ووالدها عبدالستار تميم وأمها ثريا إبراهيم الظريف، إلا أن والد سوزان تحرك، فأصدرت المحاكم الشرعية السنية في لبنان حكماً بوقف تنفيذ الإعلان الذي استخرجه معتوق
من جهته، قال محمد عبدالوهاب محامي عادل معتوق: لدينا الأوراق التي تثبت أن عادل معتوق زوج سوزان الوحيد والشرعي، ولدينا وثيقة زواج رسمية، ولا توجد شهادة طلاق منها كما يدعي البعض، أو حكم من المحكمة بذلك، وبالفعل كانت هناك مفاوضات لكنها لم تتم
وأضاف أن معتوق حصل على إعلان شرعي صادر من بيروت بأحقيته في إرث سوزان، وحصل على حكم آخر بتأييده وبعدم أحقية شقيقها خليل وانحصار إرثها في زوجها عادل معتوق ووالدها عبدالستار تميم وأمها ثريا الظريف
أما زوجها الأول علي مزنر، وهو رجل في العقد الرابع من عمره تزوج من سوزان بعد تخرجها في الجامعة، وشهد معها نجاحها الفني الأول عندما حصلت على المركز الأول في برنامج "استوديو الفن" عام 1996، الذي كان يقدمه المخرج اللبناني سيمون أسمر، كما وضعها على أول الطريق عندما انتهز اعتذار مادونا اللبنانية عن مسرحية "غادة الكاميليا" ورشحها لهذا الدور.. ثم بدأت الخلافات بينهما، فهربت سوزان من بيتها وسافرت إلى باريس، وهناك قابلت عادل معتوق
وكانت المفاجأة، عندما فجر محامون داخل قاعة المحاكمة مفاجأة بتأكيدهم أن سوزان لها زوج آخر، هو رياض العزاوي الملاكم العراقي الذي يحمل الجنسية البريطانية، والذي استقرت معه في العاصمة البريطانية لندن
ووصفه البعض أثناء نظر الدعوى بأنه مجرد رجل كان يحميها، في حين أكد محاميه الإماراتي محمد سلمان أن رياض تزوج من سوزان، وقدم أوراقاً لإثبات حقه في تعويض مدني. وقال إن موكله تزوج سوزان تميم رسمياً، وكانت تحبه، وتوجد العديد من صور الزفاف، كما تم توثيق عقد الزواج أمام المحاكم البريطانية. وأضاف: لدينا عقد زواج رياض بسوزان، وسنقدم جميع الأوراق المطلوبة أمام المحكمة المختصة لإثبات زواجه من سوزان، وسوف نستخرج إعلان الوراثة سواء من بريطانيا أو بيروت.. ورياض هو زوج سوزان الوحيد وله الحق في ميراث سوزان
شخصٌ مولع بالنساء، وله علاقات كثيرة مع نسوة لهن مركز اجتماعي مرموق، يعيش ويقتات على ما يتقاضاه منهن
هذه الصفات والنعوت أدلت بها كل من كلارا إلياس، محامية سوزان تميم، وحسان إسماعيل إبراهيم، البريطاني الجنسية، بحق رياض العزاوي، في التحقيقات التي أجرتها شرطة دبي. وقالا إنهما علما من خال المجني عليها، الذي يعمل ويقيم في لندن، أن رياض شخص مستغل ويعيش على حساب النسوان وإنه بحكم كونه ملاكماً يعمل في مجال توفير الحماية وأن طبيعة عمله غير نظيفة، وأنه دون جوان وبلطجي- على حد وصفهما- في الوقت نفسه.. ويؤهله لهذا العمل قوته الجسدية والعضلية الهائلة
وذكرا أن العزاوي تلقف المجني عليها عقب عودتها إلى لندن يوم 23 إبريل نيسان 2007 بعد رفض سلطات ميناء القاهرة الجوي دخولها مصر، وتولد اعتقاد راسخ لديها بأن هشام طلعت مصطفى وراء منعها من الدخول إلى مصر بسبب انشغاله عنها، وقد كانت المجني عليها صيداً ثميناً لرياض العزاوي، لأنها فضلاً عن جمالها امرأة غنية لديها مال وفير مما أغدق به عليها هشام طلعت وغيره. ومن ثم استطاع أن يوقع المجني عليها تحت سيطرته بدعوى حمايتها من زوجها عادل معتوق الذي يطاردها ويهددها
إلا أن العلاقة بين رياض والمجني عليها ساءت للغاية قبل وقوع الحادث، حسب شهادة محامية سوزان تميم التي قالت إن المجني عليها أبلغتها قبل وفاتها بثلاثة شهور، وهي في حالة بكاء، بأنها أصبحت لا تستطيع الحياة وأنها على استعداد للعودة إلى هشام والعيش في مصر لو أراد هشام ذلك، واشترطت أن يقوم هشام بحل مشكلاتها مع رياض وعادل معتوق. وقالت كلارا إن هشام طلعت مصطفى كان يساعد موكلته بدافع إنساني وفي سبيل ذلك أرسل إلى زوجها عادل معتوق مبلغ 2 مليون و750 ألف دولار مقابل إنهاء القضايا المقامة من جانبه ضدها وإنه كان الأب الروحي لها، وكان يقف إلى جوارها في القاهرة، وخصص لها جناحاً في فندق "فورسيزونز"
الشاهدة قالت إنها تعرضت لمحاولة خداع من عادل معتوق الذي تقاضى الأموال ورفض إتمام الطلاق وهددها في إحدى المرات بإشهار سلاحه في وجهها بعد حصوله على الأموال وإيداعها في البنوك، وعزلها ـ أي المحامية ـ من الوكالة القانونية عنه، بعد أن أثبت واقعة طلاقه من سوزان تميم
وبحسب الشاهدين فإن سوزان تلقت رسالة من أليكس كازاكي - الذي يعمل لدى رياض- قبل وفاتها بأيام جاء فيها: "رياض طلب مني الترتيب معك لاستلام بعض أغراضه منك.. الرجاء إخباري فور تجهيزها، سأعود إلى دبي السبت".. وأنها ردت على رسالته في اليوم نفسه برسالة قالت فيها: "الرجاء الاتصال على رقم 00971504677678 وهو رقم ابن خالتي محمود زياد لترتيب كل شىء، لأنني لست في دبي أيضاً"
وأوضح الشاهدان في التحقيقات أن محمد، شقيق العزاوي، أرسل إلى المجني عليها رسالة من هاتف غير هاتفه جاء فيها: "سوزان.. اتصلي بي أو أرسلي لي رقما أستطيع الاتصال بك فيه.. محمد"، وردت عليه في اليوم التالي: "شكراً على الاهتمام.. أنا بصحبة والدي، لا تقلق فقد أبلغت ابن خالتي في دبي بإعطاء أغراض أخيك إلى أليكس.. أرجوك أرسل إليه رقمه.. شكراً لك على كل شىء.. اعتن بنفسك"
كما أن سائقها محمد سعيد الدباغ أثناء وجود المجني عليها بسيارته قبل يوم من الحادث سمعها تتحدث بقسوة ولوم وعتاب شديد عبر هاتفها المحمول مع رياض العزاوي بخصوص إهماله لها، واختتمت المحادثة التي استغرقت نصف ساعة بالقول: "أتركك مع النساء التي معك"
مفاجأة من العيار الثقيل فجرها تسجيل صوتي تم تقديمه للمحكمة لمكالمة هاتفية دارت بين هشام طلعت مصطفى ورياض العزاوي
ويتضح من سياق المكالمة أنه بعد هروب سوزان تميم من مصر وتوجهها إلى لندن، أرسل هشام طلعت من يراقبها ويبحث عنها، حتى تمكنوا من التقاط صور لها أثناء مرافقتها لرياض العزاوي، وأحضروا الصور إلى هشام طلعت، فلما اطلع عليها استشاط غضباً، وطلب رقم هاتف رياض العزاوي للاتصال به وتهديده. تبدأ المكالمة بقيام هشام بسب وتوبيخ رياض العزاوي وشتمه بألفاظ بذيئة.. ثم استطرد هشام قائلاً له: "لماذا تسرق نسوان غيرك؟"، ولكن العزاوي جرح كبرياء هشام طلعت واستفزه، قائلا له: "اسأل نفسك.. لماذا تركتك.. ولجأت لغيرك؟"
فقام هشام بسبه من جديد، وتوعده بإيذائها، طالباً منه الابتعاد عن طريقها حتى لا يؤذيه.. ثم سأله هشام طلعت: "أين تخفى سوزان؟..فرد عليه العزاوي بأنها تعيش آمنة، ولا ترغب في أن يعرف أحد مكانها"
وأثناء نظر الدعوى أمام المحكمة فجر اللواء أحمد سالم الناغي وكيل مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية مفاجأة عندما قال إن تحرياته أثبتت أن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى مرتبط عرفياً بسوزان، كما أكدت النيابة العامة ذلك في مرافعاتها
كل الرجال الذين أحبوا سوزان تميم قالوا إنهم يعملون على حمايتها وزعموا أنها ستكون في أمان معهم
غير أن شبكة الأمان انهارت فجأة، لتهوي معها سوزان تميم ضحية هؤلاء الرجال، وتنتقل أخبارها من صفحات الفن إلى صفحة الجريمة
نهاية مأساوية، ربح أبطالها الكثير، قبل أن يكتشفوا أنهم خسروا أنفسهم
كم نكون ضالعين في حفر البئر التي نسقط فيها!
فالأخطاء الفادحة تبدأ بأن نفتح صدورنا لطعنةٍ نعرف أنها آتيةٌ لا ريب فيها
تابع القراءة

gravatar

جرائم العاطفة في مصر النازفة (18): القتيلة تخاطب المحكمة




الذَّبْحُ: قَطْعُ الحُلْقُوم من باطنٍ عند النَّصِيل، وهو موضع الذَّبْحِ من الحَلْق
والذَّبْحُ مصدر ذَبَحْتُ الشاة؛ يقال: ذَبَحه يَذْبَحُه ذَبْحاً، فهو مَذْبوح وذَبِيح من قوم ذَبْحَى وذَباحَى، وكذلك التيس والكبش من كِباشٍ ذَبْحَى وذَباحَى
والذَّبِيحة: الشاة المذبوحة. (لسان العرب)



طوال جلسات المحكمة، نطق هشام مصطفى موجهاً حديثه إلى رئيس المحكمة نحو 50 جملة، منها 28 "يا فندم"
ففي الجلسة الأولى، عندما أثبت المستشار محمدي قنصوة حضوره كمتهم ثان في القضية، رد بكلمة "أفندم" ونطقها 3 مرات في جمل قصيرة مقتضبة، في الجملة الأولى قال: "أفندم"، بعد أن نادى عليه حاجب المحكمة باسمه رباعياً، وأثبت القاضي أنه يقيم في شارع الصالح أيوب، ثم سأله القاضي عن علاقته بالجريمة وهل حرض المتهم الأول محسن السكرى في القضية على قتل سوزان تميم، وكانت إجابته قاطعة: "لأ يا أفندم"، ثم استطرد القاضي في تفاصيل القضية، وسأل هشام، هل لديك أي معلومات تريد قولها لهيئة المحكمة، فأجاب: "أيوه.. عايز أقول حسبي الله ونعم الوكيل"، الحوار لم يستغرق سوى دقيقة أو دقيقة ونصف الدقيقة بين هشام والقاضي، إلا أنه كان الأول في القضية التي وقف فيها طلعت متهماً بجريمة قتل
وفي الجلسة الثانية، لم ينطق هشام طلعت مصطفى إلا عندما نادت عليه المحكمة لإثبات حضوره، وظل متوارياً خلف القضبان الحديدية خوفاً من كاميرات التصوير التي كانت ترصد جميع تحركاته، واكتفى بتدخين سيجاره المعهود بشراهة.. وتكرر المشهد نفسه 28 مرة هي عمر جلسات المحاكمة، إلا أنه قاطعها في بعض الأحيان
في إحدى الجلسات داخل المحكمة، فاجأ هشام طلعت مصطفى الجميع، عندما صرخ من داخل قفص الاتهام يطلب الحديث، وعندما سمح له القاضي، أخبره أن هناك رسائل خاصة بأعماله الاقتصادية ومجموعة طلعت مصطفى التي كان يديرها قبل المحاكمة، واستأذن القاضي أن تظل الرسائل "سرية" وألا يطلع عليها أحد، لأنها تخص أعماله وليس لها علاقة بالقضية، وكان رد القاضي إلى هشام مريحاً للغاية، عندما أكد له: إننا أمام محاكمة جنائية، ولن يتطفل أحد على الأسرار الاقتصادية في مجموعته، مؤكداً له أن هدف كل الموجودين داخل القاعة إظهار الحقيقة
وأثناء نظر الجلسات، وتحديداً في الجلسة التي قامت فيها المحكمة بعرض الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة ببرج الرمال وفندق هيلتون وشاطئ الواحة للمتهم الأول محسن السكري، ضابط أمن الدولة السابق، وقف هشام داخل القفص يشاهد الصور والفيديوهات التي تم استخلاصها على جهاز تخزين باهتمام، وعلى رغم أنها تسجيلات وصور تخص محسن السكري، فإن هشام طلب من المحكمة أن تعيد عرض بعض الصور مرة ثانية، في محاولة للتشكيك فيها
ولم يكتف هشام طلعت مصطفى بالحديث إلى القاضي أثناء انعقاد الجلسات، بل إنه كان يشير معظم الأوقات إلى شقيقته سحر ويكتب لها ما يريده في أوراق لتعطيها لمحاميه، الذي كان ينصحه دائماً بعدم الحديث، إضافة إلى أن هشام كان يتحدث إلى شقيقته ومحاميه طوال الوقت بصوت هامس في أوقات رفع الجلسات للمداولة
وفي إحدى المرات طلب هشام طلعت مصطفى من القاضي أن يوجه إلى اللواء أحمد سالم الناغي، وكيل مصلحة الأمن العام، سؤالاً، واستجاب القاضي، إلا أن دفاعه فريد الديب، طلب من القاضي أن يطلع على السؤال قبل أن يلقيه هشام على هيئة المحكمة، وعندما توجه إلى قفص الاتهام عاد الديب ليعلن أن هشام عدل عن هذا السؤال
وفى الجلسة التي دارت أحداثها في 18 مارس آذار 2009، وحجزت فيها المحكمة القضية للحكم، سأله المستشار محمدي قنصوة: "هل تريد قول شىء في النهاية يا هشام؟"، فرد هشام: "نعم.. أحب أن أقول إنني أحترم وأقدس القضاء المصري".. بهذه الجملة اختتم هشام طلعت مصطفى كلامه في القضية
وشهدت الجلسة الحادية عشرة مفاجآت، وحملت أسرار وتفاصيل محضر حرره خليل عبدالستار تميم، شقيق سوزان، ضد هشام طلعت مصطفى، وتبين أن المحضر يحمل رقم 4212 إداري قصر النيل لسنة 2007، وهو محرر في 7 يوليو تموز 2007
وقدمت النيابة العامة أربعة خطابات للمحكمة من إنتربول لندن للقاهرة، في أربعة مواعيد مختلفة جميعها مترجمة باللغتين العربية والانجليزية، حول شكوى المجني عليها سوزان تميم ضد هشام طلعت، وتبين وجود أسماء ثلاثة أشخاص مصريين لم يتمكن الإنتربول المصري من معرفتهم، لأن الأسماء كانت ثنائية
وأثناء المحاكمة تحدثت القتيلة إلى المحكمة
فقد قدم محمد حسن، محامي عبدالستار تميم في الجلسة الرابعة عشرة أسطوانة تحوي تسجيلاً لاتصال هاتفي بين القتيلة ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، وتسجيلاً آخر تخاطب فيه المجني عليها والدها، وتقول له إنها تعيش في قلق وتتعرض لتهديدات ومضايقات من جانب هشام طلعت مصطفى، وتخشى على نفسها أن يتم نحرها قريباً، وتحدثت عن أسباب خوفها وتعرضها للقتل
ويمكن القول إن الأحراز في قضية مقتل سوزان تميم لعبت دوراً مهماً، بعد تعددها وتشابكها وارتباط كل منها بالآخر، فالقضية تنوعت فيها الأحراز ما بين تقارير فنية وتقارير البصمة الوراثية، واسطوانات مدمجة، وشرائط فيديو، ورسائل على الهواتف المحمولة، ومكاتبات خاصة بتفريغ ثلاثة هواتف محمولة للمتهمين هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري، وكذلك تفريغ هاتف المجني عليها سوزان تميم، وتقارير الطب الشرعي الخاصة بفحص ملابس المتهم محسن السكري
كما ضمت القضية أحرازاً أخرى تمثلت في السلاح والخزينة الصاج التي عثر بها على 4 طلقات، وكراتين أخرى بها أوراق وتقارير المعمل الجنائي للإدارة العامة لشرطة دبي، وتي شيرتات وبنطلونات، وأربعة أجهزة تليفون محمول، وحقيبة خضراوات وكيس بلاستيك، وجهاز تخزين لتفريغ الصور التي التقطتها كاميرات المراقبة في برج الرمال، بدءاً من 15 يوليو حتى 28 يوليو 2008
وبلغت جملة الأحراز أكثر من 200 حرز فحصتها المحكمة جميعاً وأشَّرت عليها بالإرفاق، منها من تم إرفاقه بالسجلات وتم إيداعها في أحراز القضية، ومنها ما تم إيداعه في مخزن الأسلحة، لكنها لاحظت اختفاء سلاح الجريمة "السكين المستخدم" في قتل سوزان، وطلبت من النيابة تقديمه
وفضّت المحكمة حرز السلاح الخاص بالسكري، وحقيبة أموال كانت في منزله، وكرتونة بداخلها مجموعة من ملابسه، وفوجئ الجميع بالسكري يطلب إثبات مقاساتها، واستجابت المحكمة، واكتشفت أن مقاساتها تراوحت بين "صغيرة" و"كبيرة جداً"، كما فضت حرز القميص الخاص بالمتهم السكري، الذي ضبط في دبي، والشريط الأصلي لتسجيلات دخول وخروج رواد برجي الرمال والواحة، والذي يظهر فيه المتهم السكري أثناء دخوله وخروجه من البرجين، وعلى أبواب المصاعد داخلهما
وقدمت النيابة العامة في القضية العديد من الأحراز، منها كتاب وزارة الإسكان المرفق به عقد ابتدائي بين الوزارة وهشام طلعت مصطفى، والخاص بقطعة أرض مشروع "مدينتي" بالقاهرة الجديدة، كما قدمت العديد من أحراز القضية، التي طلبتها المحكمة وجاء حرزها الأول الخاص بالسلاح، الذي تم ضبطه والمقيد برقم 5419 /2008، وقامت المحكمة بالتأكد من أختام الحرز، وأن الحرز به جراب السلاح 35.6 مللي، ويحمل رقم 29115 وخزينة فارغة، وعرضت المحكمة الحرز على هيئة الدفاع ولم يبد أي منهم اعتراضه
كما فضت المحكمة حرزا آخر به 13 طلقة نارية، وحرزاً ثالثاً به خزينة من الصاج تحتوي على أربع طلقات من العيار نفسه، وبعد أن فحصت المحكمة هذه الأحراز الخاصة بالسلاح والطلقات النارية وتقاريرها الفنية، التي أثبتت التطابق، قررت إعادة السلاح والطلقات إلى مخزن الأسلحة والذخائر على ذمة القضية، وفضت المحكمة أيضاً كرتونة 50 في 15 سنتيمتراً، بها حقيبة جلدية تم ضبطها عن طريق رجال المباحث مع المتهم الأول السكري، في منزله بمنطقة الشيخ زايد، عرضت المحكمة الحقيبة على هيئة الدفاع، وتبين أنها تفتح على رقم 911، وعقبت النيابة بأنها الحقيبة التي عثر عليها بحوزة السكري وبها المبلغ الذي اتفق عليه مع رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى
وفضت المحكمة حرزاً آخر، عبارة عن كرتونة بيضاء اللون 25 في 60 سم، احتوت على "حذاءين رياضيين وشورت أبيض و13 تي شيرت"، تم ضبطها في الشاليه الخاص بمحسن السكري في مدينة شرم الشيخ، وتبين أنها مقاسات وأحجام مختلفة. كما احتوت الأحراز على حقيبة خضراوات وكيس بلاستيك، وقدمت النيابة ثلاثة مظاريف تحتوي على الرسائل والمكالمات الهاتفية، التي تمت بين المتهمين في وقت معاصر للجريمة، كما احتوت على المكالمات الصادرة والواردة على شريحتي محمول خاصتين بالمتهمين
حجز قضية مقتل سوزان تميم للحكم تم بعد خمسة شهور متواصلة من استماع المحكمة إلى مرافعات النيابة العامة والمدعين بالحق المدني، عن عبد الستار تميم والد الضحية، و"زوجها" عادل معتوق، و"زوجها" رياض العزاوي، وبعض المدعين بالحق المدني عن أنفسهم، بينهم نبيه الوحش وسمير الششتاوي وعدد آخر من المحامين. وبعد 210 أيام من الجلسات والمداولات، وفي جلسة لم تستغرق أكثر من ثلاث دقائق، أصدرت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمدي قنصوة في 21 مايو أيار 2009 قرارها بإحالة أوراق المتهمين محسن السكري وهشام طلعت مصطفى إلى فضيلة المفتي، لاستطلاع رأيه بشأن الحكم بإعدامهما
وفي جلسة النطق بالحكم في 25 يونيو حزيران 2009، بدت منطقة المحكمة والطرق المؤدية إليها تبدو كأنها ثكنة عسكرية
فقد شهد شارع بورسعيد بباب الخلق في القاهرة الذي تقع فيه المحكمة، إجراءات أمنية غير عادية، واحتشدت 80 سيارة مصفحة وأمن مركزي في الشوارع والطرقات والمنافذ المؤدية للمحكمة، وانتشر أكثر من 4000 مجند وأكثر من ألف ضابط من مختلف الرتب وقوات الأمن والأمن المركزي في الشوارع المحيطة بالمحكمة وعلى أسطح العمارات المواجهة، وشددت أجهزة الأمن من إجراءاتها التأمينية، واشترك في عملية التأمين ضباط من أمن الدولة ومصلحة الأمن العام ومديرية أمن القاهرة، والنجدة
هذه الإجراءات والاحتياطات الأمنية كان لها ما يبررها، فالقضية تضم شخصيات محل اعتبار، ومتعددة الأطراف، وهي قضية دولية بكل المقاييس. كان الأمن الذي استعان بالأبواب الإلكترونية والكلاب البوليسية والقناصة وكلمات السر لضمان تأمين كل خطوة، يتحسب أيضاً لوقوع مشادات ومشاجرات مثلما وقع في الجلسة التي أحيلت فيها أوراق القضية إلى فضيلة المفتي، عندما تدافع المصورون والصحفيون تجاه قفص الاتهام لالتقاط الصور
الإجراءات تضمنت تأمين هيئة المحكمة بحراسة خاصة، منذ صدور قرار إحالة أوراق المتهمين إلى المفتي. وشمل التأمين جميع الأماكن التي يتردد عليها أعضاء الهيئة. كما تم تأمين ساحة المحكمة من الداخل والخارج، وقاعة السادات التي تشهد المحاكمة. وفرضت قوات الشرطة سياجاً أمنياً على المدخل الرئيسي، ووضعت حواجز أمنية في الجزيرة الوسطى وعلى جانبي الطريق، واحتشد جنود الأمن المركزي في صفوف متوازية، وحددوا مكاناً مخصصاً لدخول وسائل الإعلام والصحفيين، ولم يسمحوا إلا لعدد قليل من الإعلاميين والصحفيين بدخول القاعة
وصل هشام طلعت إلى قاعة الجلسة في الساعة السابعة والربع صباحاً، وسط حراسة أمنية مشددة، وهو يرتدي ملابس بيضاء أنيقة، وبدا متماسكاً وهو يواجه عدسات المصورين، فيما وصل السكري قبله بـ 10 دقائق بصحبة اثنين من الحرس ظلا معه حتي النطق بالحكم، وكان معه مصحف ظل يقرأ فيه لمدة 30 دقيقة تقريباً
أما رئيس المحكمة المستشار محمدي قنصوة، فقد حضر داخل سيارته في الثامنة والنصف صباحاً وسط حراسة مشددة. بدأت الجلسة في الساعة التاسعة و8 دقائق، وبعد دقيقتين بدأ المستشار قنصوة يتلو الحكم الذي صدر بإجماع الآراء بالإعدام لكل من رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، ومحسن السكري، ضابط أمن الدولة السابق، الأول بتهمة التحريض على القتل، والثاني بتهمة قتل المطربة اللبنانية عمداً مع سبق الإصرار والترصد. وعاقبت المحكمة السكري بالسجن المشدد 10 سنوات عن تهمتي حيازة سلاح ناري وذخائر، وقبلت الدعوي المدنية لأسرة سوزان تميم، ورفضت الدعاوي المتعلقة بأربعة محامين، وأثبتت ترك أحد المحامين دعواه المدنية
خمس دقائق فقط هي مدة الجلسة العصيبة، أسدلت أثناءها محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار قنصوة، الستار على الفصل الأول في قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم
في أعقاب صدور الحكم سيطر الوجوم على وجهي المتهمين، وخرجا من القاعة بسرعة، وغادرا في سيارة الترحيلات إلى سجن مزرعة طرة، ليرتديا البدلة الحمراء في أول ليلة بعد الحكم. مصادر مسؤولة في مصلحة السجون قالت إن مشاعر الرعب سيطرت على كليهما عندما سلمتهما إدارة السجن البدلة الحمراء، وهي الملابس التي يرتديها المحكوم عليهم بالإعدام
قضى هشام طلعت مصطفى ليلته الأولى بعد الحكم، داخل سجن مزرعة طرة في حالة ذهول. وظل يصرخ بشكل هستيري "إعدام.. إعدام"، وأخذ هشام يتحرك داخل السجن من زنزانته إلى الفناء وبين العنابر والعكس، ولا يقول إلا جملة واحدة: "عمركم شفتم متهم بالتحريض على القتل ياخد إعدام"، ثم يعود إلى حالة الذهول، وهو يردد مع نفسه: "إعدام.. إعدام"
كانت الليلة الأصعب في حياته، فقد أمضاها باكياً، وأمسك المصحف لفترة طويلة بعد ارتدائه البدلة الحمراء، وأدي الصلوات في موعدها بمسجد السجن، وسيطرت عليه علامات الفزع، وتمتم بكلمات قليلة قال فيها إنه راض بقضاء الله، وإنه مظلوم
عزف هشام عن الطعام ولم يتناول منه إلا قدراً قليلاً، فيما حاول البعض التخفيف عنه، مؤكدين له أن الحكم ليس نهائياً، وأن هناك أملاً أمام محكمة النقض،وطالبوه بالتمسك بهذا الأمل والانتظار لحين الطعن على الحكم، وصدوره نهائياً
كما سيطر الوجوم والحزن على محسن السكري، المتهم الآخر في القضية، داخل زنزانته بالسجن نفسه، وظل صامتاً وشارداً ولم يعلق على الحكم، وواصل قراءة القرآن الكريم، قائلاً إن الله سوف يكشف عنه هذه الغمة في النهاية
والشاهد أنه على مدى الفترة الممتدة، من تفجير القضية، إلى الحكم فيها بالإعدام، انشغلت وسائل الإعلام المختلفة بالتفتيش المستمر، في تفاصيل هشام طلعت مصطفى وسوزان تميم وقضيته، فلما لم تعد هناك تفاصيل جديدة، بدأ الإعلام ينسج الأساطير حول حياة، وزيجات، وثروات وعائلة طرفي القضية الأساسيين سوزان وهشام!
لم تدع وسائل الإعلام أي شيء يتصل بهما من قريب أو من بعيد إلا ومضغت سيرته وتفاصيله بحثاً عن نقطة إثارة تشبع الفضول وتسمح للآلة الجهنمية بالدوران إلى ما لا نهاية!
بعد الحكم بالإعدام على هشام طلعت مصطفى، وصل هشام إلى أخطر ما يمكن أن تصل إليه حياة أي رجل أعمال في العالم.. وقد استنفد فرصته الأولى، ولم تعد هناك غير فرصة ثانية ووحيدة أمام محكمة النقض
"رقبتي أمانة في عنقكم"!
هذا هو عنوان الخطاب الذي أرسله هشام طلعت مصطفى إلى المحامي بهاء الدين أبوشقة يطلب فيه منه تولي مسؤولية الدفاع عنه في مرحلة النقض، بعد أن استخرج له هشام توكيلاً رسمياً من داخل محبسه بسجن مزرعة طرة بتاريخ 10 يونيو 2009. وهكذا عزز هشام فريق الدفاع عنه والذي ضم مجموعة كبيرة من المحامين البارزين بينهم فريد الديب وحافظ فرهود
هكذا تقاطع المال والغرام مع قضية قتل وحكم بالإعدام وجيش من المحامين وقاض مشهود له بالنزاهة والحسم
قانوناً، هناك خمسة ضوابط للنقض إن توفر أي منها فإن ذلك يؤدي إلى قبوله، وهي القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والخطأ في الإسناد، والتناقض في التسبيب، وأخيراً الخطأ في تطبيق القانون
خمسة ضوابط أو قل خمس فرص، ومحكومان بالإعدام، وقتيلة، ورأي عام يترقب
يا لها من جريمة عاطفية
تابع القراءة

gravatar

جرائم العاطفة (17): جريمة عابرة للقارات





قال تعالى: "وتَزْهَقَ أنفسُهم وهُمْ كافِرونْ". قال المؤرِّخُ: المُزْهِقُ: القاتلُ، والمُزْهَقُ: المقتولُ. قال أبو يوسف: زَهَقَ
الفرسُ، وزَهَقَتِ الراحلةُ تَزْهَقُ زُهوقاً، فهي زاهِقَةٌ، إذا سبقتْ وتقدَّمتْ أمامَ الخيل
وكذلك الرجل المنهزم زاهِقٌ، والجمع زُهَّقٌ
وزَهَقَ الباطلُ، أي اضمحلَّ
وأَزْهَقَهُ الله
وزَهَقَ السهمُ، أي جاوز الهدفَ. (الصحاح في اللغة)


بدأت أولى جلسات محاكمة المتهمين في قضية مقتل سوزان تميم في 18 أكتوبر تشرين أول 2008 بإجراءات أمنية مشددة، منذ الساعة الثالثة صباحاً
المستشار محمدي قنصوة وعضوا الدائرة الثالثة المستشاران محمد جاد عبدالباسط وعبدالعال سلامة واصلوا نظر القضية على مدار 28 جلسة داخل قاعة السادات، وحظرت المحكمة النشر في القضية بالجلسة الثالثة، ما عدا قراراتها التمهيدية وأحكامها الابتدائية والنهائية
واستمعت المحكمة إلى 37 شاهداً، بينهم ضباط بالإدارة العامة بشرطة دبي، ووزارة الداخلية المصرية، وخبراء وزارة العدل وخبراء الطب الشرعي بدبي ومصر، وعدد من العاملين في مجموعة شركات طلعت مصطفى
بصياغة بلاغية ولغة تمزج بين الصياغتين القانونية والأدبية، انبرت النيابة العامة في الجلسة السابعة عشرة لتلاوة مرافعتها المطولة لإثبات تهمة القتل والتحريض على محسن السكري ضابط أمن الدولة السابق ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى في قضية مقتل سوزان تميم
استمرت المرافعة أربع ساعات، وصفت خلالها النيابة المتهم الأول محسن السكري بأنه "سفاح أجير" يزهق الأرواح مقابل المال والمتعة الجنسية الحرام ويستهين بجميع الحرمات، وقالت إن المتهمين "هشام والسكري" تحالفا مع الشيطان من أجل قتل سوزان عبدالستار تميم، دون أن تأخذهما بها شفقة أو رحمة، وطالبت النيابة بتوقيع أقصى العقوبة وهي الإعدام شنقاً. ووصفت النيابة نفسها بأنها الحصن الشريف في الدعوى، ومهمتها إعلاء كلمة المجتمع الذي منحها شرف التمثيل والعدالة
قالت النيابة إن قضية مقتل سوزان تميم حظيت ولاتزال باهتمام غير مسبوق من جانب الرأي العام المصري والعربي بسبب تعدد جنسيات أطرافها ومكانة المجني عليها ومكانة أحد المتهمين داخل الحزب الوطني الحاكم في مصر، واعتبرت أن هذه القضية هزت الكيان الاقتصادي في مصر وأن الناس تريد الاطمئنان على قضية جمعت بين المال والسلطة
وفي العاشرة من صباح يوم تلك الجلسة سمحت المحكمة لممثلي النيابة بالترافع، بدأت بالمستشار مصطفى سليمان، المحامى العام لنيابة الاستئناف، فاستهلها بالآية الكريمة: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها"، وقال إن المجتمع منح النيابة العامة شرف التمثيل وإن المتهمين انزلقا وراء نزواتهما وغرائزهما الحيوانية، وإن القضية بكل ما فيها تجمع المال والسلطة والطمع والشرف والغرام والهيام والتهديد والوعيد والهجر والخيانة والذل والمهانة بعد العز والكرامة
وأضاف أن الله خلق الإنسان في أحسن صورة ونهى عن قتل النفس إلا بالحق، لأن قتل النفس من أشد الأعمال جرماً وجزاؤه الخلود في النار

وقال المستشار مصطفى سليمان: عندما تقع الجريمة على امرأة تكون قاسية جداً، فالقضية التي نحن أمامها قتل عمد مع سبق الإصرار، وإزهاق نفس بشرية من جانب رجلين أغرتهما الحياة الدنيا بما فيها المال والسلطة، فسقطا في مستنقع الجريمة والرذيلة
المتهم الأول فيها هو محسن السكري صاحب إحدى الشركات الخاصة قوي البنية ضابط سابق بجهاز مباحث أمن الدولة الذي يحمي الوطن وعضو سابق بفرقة مكافحة الإرهاب لكنه كان يحمل نفساً شريرة أغرته بقوته، وجعله حبه للمال يترك رسالته ويستقيل من عمله بوزارة الداخلية ويضحي من أجل المال بكل غال ونفيس وتحول من رجل شرطة إلى سفاح أجير، يزهق الأرواح مقابل المال
ووصف هشام طلعت المتهم الثاني بأنه من كبار رجال الأعمال في مصر، يعمل في مجال المقاولات، وصاحب كيان اقتصادي يسر الله عليه، وتحصل على "المال والبنون" بجانب عضويته في الحزب الوطني الحاكم وعضو في مجلس الشورى ووكيل لإحدى اللجان لكنه استطاع أن يختبئ وراء البر والتقوى وحرض قاتلاً محترفاً وسلك مسلك العصابات وارتكب جريمة كبيرة بعد أن ظن أن الدنيا أصبحت ملكاً له ولم يقدم الشكر إلى الله بل قدم الجحود والنكران، وساهم في قتل نفس بشرية وسار مع المفسدين في الأرض
وقالت النيابة إن المجني عليها فنانة شابة شاء حظها العاثر أن تتعرف على هشام طلعت ولم تكن تعلم أن نهايتها ستكون على يد من لجأت إليه، حصلت على أموال هشام بعد أن شغفها حبه، إلا أنها أعرضت عنه إلى آخر، فعز عليه بعد كل ما قدمه إليها من مساعدات وحاول إعادتها إليه، لكنها استعظمت فقرر نحرها عن طريق محسن السكري الذي ارتدى ثوب الموت متوجهاً إلى منزلها في دبي ونحرها
وأضاف المستشار سليمان أنه سيقسم مرافعته إلى أربعة أقسام، الأول وقائع الدعوى، والثاني أدلة الإثبات، والثالث تطبيق القانون المصري على هذه الجريمة، والرابع الخاتمة. وقال إن وقائع الدعوى تقول إن سوزان تعرفت على هشام في 2004 ونشأت علاقة بينهما بعد أن ساعدها في عدد كبير من مشكلاتها ودفع مليوني دولار مقابل إنهاء هذه المشكلات وأقامت إقامة كاملة بفندق "فورسيزونز" بعد أن أغدق عليها المال، وقيل إنه تزوجها عرفياً، وأعلنت النيابة ميلها إلى تصديق ذلك "الزواج العرفي"
ولذلك أرسل إليها من يراقبها بعد أن ارتبطت برياض العزاوي، وبعد أن رفضت العودة هددها بالإيذاء فأبلغت السلطات الإنجليزية عنه فعزم على الانتقام منها، وحرض القاتل وأرشده عن أماكن وجودها في لندن، وأرقام سياراتها وأمده بالمال ووعده بمبلغ ضخم في حالة تنفيذ الجريمة
وشرحت النيابة العامة وصول محسن السكري إلى إمارة دبي مساء 23 يوليو 2008 وإقامته في فندق "الجميرا" وشراءه الأدوات الخاصة بالجريمة منها سكين من محل مصطفوي بالإمارات وحذاء رياضى وسدد ببطاقة الائتمان كما قام بتزوير خطاب منسوب إلى شركة "بوند" العقارية
وفي صباح يوم الجريمة توجه إلى مسكن المجني عليها ودخل من الباب الخلفي حاملاً في يده مجموعة من الأوراق مرتديا "كاباً" وحذاء رياضياً ونفذ جريمته بعد أن طرق الباب وأوهم المجني عليها بأنه مندوب من الشركة العقارية وبعد أن نفذ جريمته تخلص من ملابسه في صندوق الحريق الموجود في الطابق21 ببرج الرمال ثم توجه إلى فندق الواحة الذي حجز له وأعد أمتعته وغادر رغم حجزه في الفترة من 25 إلى 30 يوليو عائداً على الطيران الإماراتي في نفس يوم الجريمة، وختم جوازه في مطار دبي في الساعة 11 صباحاً رغم أن طائرته كانت ستقلع في الثالثة عصراً، وبعد وصوله إلى القاهرة وحصوله على المبلغ المالي من هشام طلعت مصطفى قرر الخروج من مصر وحجز تأشيرة سفر إلى البرازيل وكان مقرراً سفره في 19 أغسطس آب 2008
وتابع سليمان سرد أدلة الإثبات قائلاً إن النيابة العامة لا تتعسف وأن هدفها الوصول إلى الحقيقة المجردة وأن القضية أصبحت زاخرة بالأدلة والدفوع والبراهين الساطعة، منها أدلة قولية، واستمعت إلى أقوال 37 شاهداً بجانب إقرار المتهم الأول واعترافه بالجريمة في التحقيقات، وهناك أدلة مادية احتوت على مستندات ومعاينات وصور وتسجيلات وأدلة فنية، احتوت على تقرير خبراء وبصمات وطب شرعى وفحص أجهزة
أولاً: الأدلة القولية:
أقوال الشهود والكاميرات كشفت السكري وجاء في شهادة النقيب عيسى سعيد محمد سعيد، بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية بشرطة دبي، بتحقيقات نيابة دبي أنه بتاريخ 28/7/2008 الساعة 8.45 مساء ورد بلاغ عن وقوع جريمة قتل بالشقة رقم 2204 بالطابق 22 ببرج الرمال “1” فانتقل لمكان الحادث وأبصر جثة المجني عليها مسجاة على ظهرها ومصابة برقبتها وسط بركة من الدماء بصالة شقتها وبجوارها مظروف منسوب لشركة "بوند" للعقارات
وقد عثر بصندوق مهمات الحريق بالطابق 21 على بنطال رياضى أسود ماركة NIKE وتي شيرت داكن اللون مخطط باللون الوردي ماركة "بروتيست" ملوثين بالدماء وخطاب منسوب لشركة "بوند" للعقارات
وقد عهد إليه بفحص كاميرات المراقبة الخاصة بالبرج بالاستعانة بصورة الملابس المعثور عليها فتبين أن هناك شخصاً قوى البنية قد دخل إلى موقف سيارات البرج في حوالى 8.48 صباح ذلك اليوم مرتدياً ذات الملابس التي عثر عليها وينتعل حذاء رياضياً أسود ماركة NIKE ويرتدى قبعة بلون أسود ويمسك في يده كيساً بلاستيكيا أسود عليه علامة NIKE وبيده اليسرى ورقة بيضاء
وتقابل مع حارس الأمن رام ناريان ودار بينهما حديث يبدو منه أنه كان يسأله عن مكان معين فأرشده الحارس للتوجه إلى مكتب الأمن، إلا أن المتهم انحرف يميناً في اتجاه مصاعد المبنى واستقل المصعد رقم 2 التابع للبرج رقم 1 في تمام الساعة 8.52 صباحاً وبعد 12 دقيقة وفي تمام الساعة 9.04 شوهد ذلك المتهم وهو يخرج مسرعاً من المصعد رقم 2 بالطابق “P” الخاص بالمحال التجارية ويرتدي ذات الحذاء والقبعة المشار إليهما ولكنه كان يرتدي تي شيرت أسود اللون و شورت طويل أبيض اللون
وبتتبع حركاته عبر كاميرات المراقبة الموجودة بالعقارات المحيطة تبين أنه توجه إلى فندق الواحة القريب من المكان ودخله من الباب الخلفي في تمام الساعة 9.12 صباحاً وبفحص كاميرات المراقبة بهذا الفندق تبين أن ذلك الشخص كان قد غادر الفندق في الساعة 8.29 صباحاً مرتدياً ذات الملابس التي شوهد بها وهو يدخل موقف السيارات ببرج الرمال “1” وعليه تم تحديد شخصيته
وتبين أنه المتهم محسن منير السكري الذي كان يقيم في الفندق بالغرفة رقم 817 وكان حجزه ينتهي في 30/7/2008 إلا أنه غادر بصورة مفاجئة في الساعة 9.30 صباح يوم 28/7/2008 متوجهاً إلى مطار دبي وختم جواز سفره في الساعة 11.02 صباحاً في حين أن رحلته لمغادرة البلاد كانت الساعة 3.10 عصراً كما تبين من خلال الفحص والتحري قيام المتهم - باستخدام بطاقته الائتمانية "ماستر كارد" الصادرة له من البنك البريطاني بمصر بنك HSBC - بشراء بنطال رياضي ماركة NIKE وهو ذاته المعثور عليه بمكان الحادث وحذاء رياضي من ذات الماركة والذي تطابقت آثاره مع طبعات الحذاء المدممة المرفوعة من شقة المجني عليها
ثم اشترى سكيناً ماركة BUCK وقدم الشاهد سكيناً مماثلة لما اشتراه المتهم لإجراء المضاهاة عليها
كما شهد الرائد محمد عقيل جمعة عبدالله رئيس قسم الجرائم الواقعة على النفس بشرطة دبي بذات مضمون أقوال الشاهد الأول، وأضاف أنه تبين من الفحص قيام المتهم محسن السكري بشراء البنطال المعثور عليه بمكان الحادث وحذاء رياضي من ذات الماركة من محل NIKE بمركز ميركاتو التجارى بتاريخ 27/7/2008 باستخدام بطاقته الائتمانية
كما اشترى في ذات اليوم وبذات البطاقة سكيناً من محل "مصطفوي". واستطرد أن تحرياته دلت على أن المجني عليها تعرضت لتهديدات بالقتل من قبل المتهم هشام طلعت مصطفى
كما شهد العقيد خليل إبراهيم، مدير إدارة البحث الجنائي والتحريات بشرطة دبي، أمام هيئة المحكمة بذات المضمون وأنه تم التوصل إلى تحديد شخصية المتهم محسن السكري بناء على جهود عدة فرق بحث تشكلت لهذا الغرض كما عرضت عليه أيضاً الملابس المضبوطة فقرر أنها ذات الملابس التي كان يرتديها المتهم، وأن اختيار توقيت وقوع الجريمة يدل على معرفة المتهم محسن السكري بتحركات المجني عليها معرفة تامة إذ ارتكب جريمته في الوقت بين استيقاظ المجني عليها واستعدادها للخروج، وأن ارتكاب الجريمة في هذا التوقيت يضمن انفراده بها، وكذلك دخوله المبنى عن طريق موقف السيارات حتى يكون بمنأى عن أعين ورقابة أفراد الأمن المرابطين خلف المدخل الرئيسي ثم صعوده إلى مسكن المجني عليها وقتلها ثم مغادرة مكان الحادث خلال فترة زمنية استغرقت 16 دقيقة فقط يدل دلالة قاطعة على معرفة المتهم بطبيعة مكان الحادث ومعالمه ومداخله ومخارجه معرفة تامة
كما شهدت مارسيل جيرالمان سيبالوس، بائعة بمركز ميركاتو جميرا بدبي، بأن المتهم محسن السكري والذي تعرفت على صورته من واقع صورة جواز سفره والصور التي التقطت له بفندق هيلتون التي عرضت عليها حضر للمحل في التاسعة من مساء يوم 27/7/2008 واشترى حذاء ماركة NIKE أسود اللون عليه علامة NIKE باللون الأزرق في مقدمة كل فردة وكعب الحذاء بذات اللون الأزرق وهو حذاء مخصص للعدو
كما اشترى بنطالا ماركة NIKE أسود اللون عليه علامة NIKE باللون الأحمر على الفخذ من الناحية اليسرى، بثمن إجمالي 460 درهماً وسدد الفاتورة ببطاقته الائتمانية ووضعت مشترياته في كيس أسود اللون عليه العلامة المذكورة باللون الأبيض من الناحيتين وتعرفت على صورة البنطال المعثور عليه بمكان الحادث وقررت أنه مماثل لما اشتراه المتهم المذكور. كما عرضت عليها فاتورة الشراء وإيصال السداد فأقرت بصحتهما
كما شهد النقيب أحمد عبدالله أحمد، بإدارة البصمات، في التحقيقات بأنه بفحص مكان الحادث تبين وجود آثار طبعات حذاء مدممة حول جثة المجني عليها وتم رفعها لإجراء المقارنة وقد تبين من الفحص لاحقاً أن تلك الآثار تتفق مع آثار طبعات الحذاء الذي اشتراه المتهم
شهد الطبيب الشرعي حازم متولي إسماعيل شريف بتحقيقات نيابة دبي وأمام هيئة المحكمة الموقرة بأن الوفاة جائزة الحدوث بين الساعة 8.52 ص و9.4 ص يوم 28/7/2008 وتلك فترة تكفي لصعود الجاني إلى شقة المجني عليها بالنظر إلى السرعة العالية التي تمتاز بها المصاعد في هذه الأماكن ويمكن لشخص ذي لياقة بدنية عالية وقوة عضلية ارتكاب الجريمة في هذه الفترة الزمنية أو أقل
وقالت النيابة إن عبدالستار تميم والد المجني عليها قرر بمحضر الشرطة المؤرخ في 2/8/2008 بأن ابنته أخبرته بأن المتهم هشام طلعت كان يريد خطبتها وأنه التقى معه بفندق "فورسيزونز"، إلا أنها رفضت لوجود خلافات لديها مع عادل معتوق ولأن المتهم المذكور متزوج ولديه أبناء وأنها قد طلبت منه تطليق زوجته الأولى إذا أراد أن يتزوجها ونشبت بينهما خلافات كثيرة حول ذلك الأمر، ثم غادرت إلى لندن، وأن المتهم المذكور طلب منه التوسط لإعادتها لكنها قطعت علاقتها به
وأضاف أنه كان قد توجه بصحبة شقيق المتهم هشام طلعت "المدعو طارق" إلى لندن لتسوية خلافاتهما إلا أنها رفضت مقابلتهما ثم عاد المتهم وأرسل إليها والدتها ومحاميتها كلارا لذات الغرض وأن المتهم كان يخبره أولاً بأول عن تحركات المجني عليها في لندن وعلاقتها بالمدعو رياض العزاوي وقيامها بشراء شقة في دبي وعرض عليه موافاته بنسخة من عقد تلك الشقة
وأضاف في إفادتيه المرسلتين إلى هيئة المحكمة بالطرق القانونية واللتين أيدت أقواله فيهما كل من والدة المجني عليها وشقيقها أن المتهم هشام طلعت قد أخبره أنه اشترى منزلاً باسمه واسم المجني عليها في لندن بمبلغ 4 ملايين دولار
وأنه في غضون عام 2007 أرسل إليه طائرته الخاصة وشقيقه طارق طلعت لاصطحابه إلى لندن لمقابلة المجني عليها وعلم من المرافقين له أن المتهم المذكور يحاول البحث عنها وإلحاق الأذى بها واستشعر أن الغرض من الرحلة هو استدراجه للعثور على المجني عليها وأن ابنته اتصلت به بعد ذلك وأخبرته بما تتعرض له من تهديدات من قبل المتهم هشام طلعت وأرسلت له تسجيلات لمحادثات هاتفية دارت بينها والمدعو عبدالخالق خوجة، مدير أعمال المتهم المذكور. واستطرد أن المتهم أخبره أيضاً أنه سوف يقوم بخطف ابنته من لندن ويعيدها إلى مصر داخل كيس وسيدعوه إلى فتح ذلك الكيس
وشهد المقدم سمير سعد محمد صالح، الضابط بإنتربول القاهرة، بأنه بتاريخ 5/8/2008 ورد كتاب إنتربول أبوظبي لضبط المتهم محسن السكري لاتهامه في قضية مقتل الفنانة سوزان تميم بدبي يوم 28/7/2008 وبتتبع تحركات المتهم تبين أنه كان قد غادر البلاد إلى دبي بتاريخ 23/7/2008 وعاد منها بتاريخ 28/7/2008
وبإجراء التحريات توصل إلى محل إقامته وتمكن من ضبطه صباح يوم 6/8/2008 وعرضه على النيابة ثم اصطحب المتهم بناء على تكليف من النيابة إلى مسكنه الكائن بمدينة الشيخ زايد حيث قام المتهم بفتح باب الشقة واستخرج من فرن البوتاجاز الموجود بالمطبخ حقيبة جلدية تبين أن بداخلها مبلغ 1540000 دولار وقرر المتهم أنه أعطى شقيقه أشرف مبلغ 110 آلاف دولار وأعطى شريكه في العمل محمد سمير 40 ألف دولار
كما أنفق 5 آلاف دولار لشراء تذاكر سفر للبرازيل واستخراج تأشيرة السفر في 3/8/2008 وكان محدداً لسفره يوم 19/8/2008 كما قدم له المتهم مبلغ 5 آلاف دولار كانت بحوزته من أصل ذات المبلغ و3 هواتف محمولة ثم اصطحب المتهم لبنك HSBC فرع العروبة وقام بسحب مبلغ 300 ألف دولار السابق إيداعها بمعرفته
وأضاف الشاهد لدى سؤاله أمام هيئة المحكمة أن المتهم الأول محسن السكري قد أقر له عقب ضبطه بقتل المجني عليها بتحريض ومساعدة من المتهم الثاني هشام طلعت وأن المتهم الثاني كان يريد الانتقام من المجني عليها فحرّضه على قتلها وأمده بالأموال اللازمة وسهل له الحصول على تأشيرة سفر وسلمه صورة من عقد الشقة التي تقيم فيها
وبتاريخ 24/7/2008 سافر إلى دبي وتوجه إلى المنطقة التي تقيم فيها المجني عليها وقام باستطلاعها ودراسة مداخلها ومخارجها ثم اشترى سكيناً وتوجه إليها صباح يوم 28/7/2008 منتوياً تنفيذ جريمته وطرق بابها وبيده خطاب ومظروف نسبهما زورا إلى شركة "بوند" العقارية حتى يستطيع لقاء المجني عليها، وطرق بابها وما إن فتحت له حتى عاجلها بالضرب والطعنات ثم أجهز عليها بذبحها
ولما وجد ملابسه قد تلوثت بالدماء استبدل الـ"تي شيرت" الذي كان يرتديه بآخر ثم خلع بنطاله الذي كان يرتدى أسفله "شورت أبيض طويل" وتخلص من الملابس الملوثة بالدماء بإخفائها بصندوق مهمات الحريق بالطابق 21 ثم هبط إلى الدور الأرضي وخرج مسرعاً من المبنى وتخلص من السكين على شاطئ البحر وتوجه إلى فندق الواحة الذي كان يقيم فيه فحزم حقائبه وعاد إلى القاهرة وتقابل مع المتهم الثاني وحصل منه على مبلغ 2 مليون دولار ثمناً لتنفيذ جريمته
وقالت النيابة إن المتهم الثاني هشام طلعت مصطفى أمد المتهم الأول بمبالغ مالية ومعلومات عن أماكن وجود سوزان تميم في لندن ودبي وبدأ يساعده ويلح عليه من أجل الانتقام منها. وقالت النيابة إن الأدلة المادية في القضية كثيرة منها إفادات في شرطة دبي وفواتير شراء السكين والحذاء والبنطال من محل المصطفى وإفادة إنتربول لندن بتهديدات هشام لسوزان بالقتل وإفادة السفارة البريطانية بأن محسن السكري حصل على تأشيرة للسفر إلى لندن في 5 مايو 2008 بناء على خطاب من مجموعة طلعت مصطفى يفيد عمله مديراً للعلاقات العامة رغم تركه العمل منذ سنوات
كما أن القضية احتوت على العديد من المعاينات والأدلة الفنية والأدلة الجنائية والعديد من تقارير فحص البصمات، وتساءلت النيابة لماذا أصر المتهم الأول على أن يقول إنه توجه إلى لندن لعقد صفقة مع شركة داماك. وتساءلت النيابة أين هذه الصفقة بعد مرور 7 شهور من القبض عليه، وما هو سر وجود محسن السكري في تلك الشهور بالتحديد في دبي رغم أن في هذه الفترة ينصرف كل الإماراتيين إلى الدول الأخرى بسبب حرارة الجو وما هو سر وجود الملابس التي اشتراها السكري في دبي؟
وردت النيابة على التشكيك في الفترة الزمنية التي نفذ فيها السكري جريمته والتسجيلات والبنطال واختلاف مواعيد الكاميرات وسبب اتهام هشام بعض الشركات في التحقيقات بأنها استأجرت السكري في محاولة للنيل منه ومن شركاته، وأن هشام أثناء التحقيقات لم يكن عنده رد سوى "معنديش تفسير"، وطلب المستشار مصطفى خاطر بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين وهي الإعدام
كانت مرافعة النيابة باعثاً على قلق وتوتر المتهمين هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري
لكن الآتي كان أعظم وأخطر
تابع القراءة

gravatar

جرائم العاطفة (16): ضحية..في برج الرمال








الذَّبْحُ: قَطْعُ الحُلْقُوم من باطنٍ عند النَّصِيل، وهو موضع الذَّبْحِ من الحَلْق
والذَّبْحُ مصدر ذَبَحْتُ الشاة؛ يقال: ذَبَحه يَذْبَحُه ذَبْحاً، فهو مَذْبوح وذَبِيح من قوم ذَبْحَى وذَباحَى، وكذلك التيس والكبش من كِباشٍ ذَبْحَى وذَباحَى
والذَّبِيحة: الشاة المذبوحة. (لسان العرب)



صيف دبي اللاهب ازداد سخونة في 28 يوليو تموز 2008
فقد تلقت شرطة دبي في ذلك اليوم بلاغاً بالعثور على جثة سيدة مذبوحة بواسطة آلة حادة في برج الرمال
الجريمة البشعة كان لها دوي كبير في مدينة تعيش كأنها خلية نحل وتسابق الوقت كي تحقق إنجازات جديدة في مجال التوسع العمراني وجذب الاستثمارات
المفاجأة لم تكن فقط في اكتشاف أن القتيلة هي المغنية اللبنانية سوزان تميم، وإنما أيضاً في أن الفريق المكلف بفحص كاميرات المراقبة في البرج السكني اكتشف وجود شخص حضر إلى برج الرمال بحذاء رياضي وبنطلون أسود وقميص ويضع على رأسه "كاب" وصعد إلى المبنى واستمر داخله أكثر من ١٤ دقيقة، ثم نزل بالكاب والحذاء بعد أن استبدل ملابسه
وبعد تحريات مكثفة ومتكتمة شملت المحال التجارية والشهود وبطاقة الائتمان المستخدمة في شراء الملابس والسكين المستخدمة في الجريمة، حددت شرطة دبي هوية المتهم: محسن منير السكري
وكرت المسبحة
ومن جريمة قتل إلى محاكمة تعد الأشهر من نوعها في مصر وهي بالتأكيد الأكثر كلفة، بعد أن حضرها جيش من المحامين المشهورين، ولاحقتها وسائل الإعلام في كل صغيرة وكبيرة
لعل أهم ما يسترعي الانتباه في جريمة مقتل سوزان تميم في أحد الأبراج السكنية الفخمة في مدينة دبي، أنها لخصت كل شيء يتعلق بالمال والسلطة، والغرام والانتقام
فالجثة التي تعرضت للذبح، فتحت أبواب الجحيم على كثيرين، وكبرت كرة الثلج بسرعة لتطال أسماء كبيرة وشخصيات تجمع بين الثروة والنفوذ
وفي ظل المهنية الشديدة التي تعاملت بها شرطة ونيابة دبي مع هذه الجريمة، والأدلة القاطعة التي قدمتها للقضاء المصري وحسمت بالثانية أماكن وجود المتهم، وسجلت له بالصوت والصورة كل ما يثبت ارتكابه هذه الجريمة، ورفعت البصمات، وعرفت أرقام تحويلات النقود، وحتى رقم بطاقته الائتمانية التى استخدمها في شراء السكين التي قتل بها الضحية، كل ذلك دل على مهنية واحترافية عالية
أدلة جعلت المتهمين في الجريمة في مأزق
جثة حاضرة، ووقائع بالصوت والصورة، وشهود وبصمات وتسجيلات ومكالمات، انتهت بالمتهمين في القفص، أمام قاضي جنايات، مشهور عنه أنه يركز في موضوع الدعوى ويصدر أحكاماً رادعة
في القاهرة كانت بداية الملاحقة القانونية يوم الأربعاء الموافق 6 أغسطس آب 2008، عندما وجّه العميد مجدي الشافعي، مدير الإنتربول في القاهرة، كتاباً رسمياً إلى رئيس المكتب الفني للنائب العام، جاء فيه أن إنتربول أبوظبي طلب ضبط المواطن المصري محسن منير على حمدي السكري، وذلك لاتهامه بالقتل العمد لسوزان عبدالستار تميم وأن السلطات القضائية أسندت إلى السكري تهمة القتل، وأن واقعة القتل وقعت يوم 28 يوليو 2008، وأنه بالكشف عن تحركات السكري تبين أنه غادر القاهرة إلى دبي في 23 يوليو 2008، وعاد منها في 28 من الشهر نفسه
وفي إطار اتفاقية التعاون القضائي والقانوني بين دولتي الإمارات وجمهورية مصر العربية، تم ضبط المتهم السكري وتوقيفه، وتبين أنه ضابط شرطة سابق، وأمر النائب العام بإجراء التحقيقات في مكتبه الفني، وطلب جميع المعلومات وإجراءات الاستدلال وصورة التحقيقات التي أجرتها السلطات القضائية في دبي بشأن الواقعة، وفور ورودها تم استجواب الضابط
النيابة العامة انتدبت المستشار مصطفى خاطر، رئيس نيابة الاستئناف، لاتخاذ اللازم، وفي اليوم نفسه في الساعة الرابعة وعشر دقائق مساء بدار القضاء العإلى فتح المحقق ملف التحقيق في طلب الاسترداد الوارد من الإنتربول بدبي، وذكر فيه التإلى أنه عرض عليه أوراق "الملف رقم 249 لسنة 2008 تسليم مجرمين" مؤشَّراً عليه من النائب العام بانتدابه لاتخاذ اللازم، ثم استجوب المحقق المتهم وبدأ بتوجيه تهمة القتل العمد إليه، فأنكرها وقام باستجوابه، فقرر في الرواية الأولى أنه توجه إلى منزل المجني عليها في دبي من أجل توصيل خطاب وبرواز هدية من المتهم الثاني هشام طلعت مصطفى في ذات اليوم الذي قتلت فيه، وحدده أنه 28 يوليو 2008
واسترسل السكري في روايته الثانية عن كيفية تعرفه بالمتهم الثاني، وأن الأخير طلب منه مراقبة زوجته عرفياً سوزان تميم في لندن، بعدما عرف أنها على علاقة بملاكم عراقي يدعى رياض العزاوي، وهو بطل العالم فى الكيك بوكس، وطلب منه رصد تحركاتها بعد أن أعطاه صورتها وعنوانين للمجني عليها في لندن، واعترف أنه تقاضى مبلغاً مالياً من هشام طلعت مصطفى، ثم ساق راوية ثالثة وقال إنه سافر إلى دبي يوم 23 يوليو 2008 لعقد صفقة مع شركة داماك، وإنه أقام بفندق هيلتون ثم فندق دبي بيتش، وإنه كان على اتصال مستمر مع هشام طلعت مصطفى الذي كان على علم بسفره واستصدر له تأشيرة الدخول إلى دبي، وإنه اتصل به قبل سفره بأسبوع وأخبره أن المجني عليها موجودة في دبي، وأعطاه عنوانها هناك وطلب معرفة ثمن الشقة التي تسكن فيها بالضبط، وسلمه مظروفاً مغلقاً قرر أن بداخله خطاباً وبروازاً خشبياً طوله 20 في 15 سنتيمتراً، بإطار جلدي

وقال إن ذلك حدث بمنزل هشام، في شارع الصالح أيوب بالزمالك قبل سفره بأسبوع، وأنه توجه إلى المجني عليها يوم الجريمة في العاشرة صباحاً وأعطاها المظروف والخطاب
وأضاف السكري في التحقيقات أن الاتفاق الذي تم بينه وبين هشام طلعت كان "اشتغالة"، وأنه كان ينصب عليه، من أجل خطف المجني عليها من لندن وإحضارها إلى مصر، ثم تطور الاتفاق إلى القتل في لندن، ثم في دبي، وأنه رفض فكرة الخطف أو القتل في المرتين، وقال إن كلاً من عبدالخالق خوجة مدير أعمال هشام طلعت وحازم توفيق سكرتيره الخاص كانا يعلمان بهذا الاتفاق
لم تتوقف مفاجآت السكري عند هذا الحد
فقد أخذ أثناء التحقيق يسرد رواية رابعة، مفادها أنه أعد الخطاب ولم يتسلمه من هشام في صورة خطاب شكر من الشركة التي باعت الشقة لسوزان، وحصل على مظروف الشعار أو "اللوغو" الخاص بشركة بوند، وقال إن هشام حينما حرّضه على اختطاف المجني عليها، قال له إن هناك من كلفه بأن يحضر أشخاصاً لتنفيذ العملية في لندن، مقابل مليون جنيه إسترليني، تسلم منه 150 ألف يورو نقداً على دفعتين، ومرة أخرى بالإيداع في بنك HSBC، مبلغ 20 ألف إسترليني


السكري قال إنه سجل مكالمة على هاتفه المحمول لهشام كان يتحدث فيها عن ضرورة قتل سوزان، وإن هشام ساعده على الحصول على تأشيرات الدخول إلى لندن ودبي، وتسلم منه مبلغ مليوني دولار، في شإليه خاص بهشام، في فندق فورسيزونز بشرم الشيخ، وإن المبلغ كان مجموعاً من مكاتب الصرافة بفئة المئة دولار


في نهاية اعترافاته قال السكري إن هشام كان يريد أن ينتقم من سوزان تميم
على الجانب الآخر، أمر النائب العام بإدراج اسمي المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر، وتم استصدار إذن من مجلس الشورى لاتخاذ الإجراءات الجنائية ضد المتهم الثاني هشام طلعت مصطفى، لكونه عضواً بالمجلس، وتم استجوابه واستكمال جميع إجراءات التحقيق القانونية للوصول إلى حقيقة الواقعة
أمرت النيابة بحبس السكري وهشام طلعت مصطفى، وفي 3 سبتمبر أيلول 2008 أصدر المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام قراراً بإحالتهما إلى محكمة الجنايات، وحددت محكمة استئناف القاهرة الدائرة الثالثة التي يترأسها المستشار محمدي قنصوة لمحاكمة المتهمين
وجاء في أمر إحالة رجل الأعمال، هشام طلعت مصطفى، وضابط الشرطة السابق، محسن السكري، إلى الجنايات، أن الضابط قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم في إمارة دبي، بدولة الإمارات، يوم 28 يوليو 2008، واشترك هشام طلعت في الجريمة بطرق التحريض والاتفاق والمساعدة.أصيب كثيرون بالصدمة فور الإعلان عن إحالة هشام طلعت مصطفى إلى المحاكمة، لما له من نفوذ سياسي وثراء مالي. بدت المسألة كلها كأنها كابوس بالنسبة لهشام وأسرته والمقربين منه، لكن البعض لخص الأمر ببساطة قائلاً: حين يحب المرء يفقد نصف عقله، وحين يكره يفقد النصف الآخر

تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator