المحروسة

gravatar

مراودة





كم يقصرُ العمرُ حين يلثم ثغرُنا يدَ الحياة
كم تلهبنا سياطُ القلق حين نبذرُ حنطة العشاق ونقطن منازلَ الألوان
فالنجوم استقالت من معسكرها العلوي، والمدينة لم تعد تلقي بتعاويذ الشغف على العابرين
حتى الابتسامة التي سقطت على العشب لن تُسترد
عزاؤنا الوحيد هو أننا لم نُلبس التاريخ طاقية الإخفاء، ولم ننس إيكاروسَ وهو يقتحم مدارَ الشّمسِ
هكذا نَمَت لنا في هذه المدونة أجنحة طرنا على بساطها أربع سنوات كاملة
هكذا التقي حبري على ورقكم، حتى تَجَرَّحَتْ بالعطرِ أرجاءُ المكان
في هذه المدونة دوَّنت أسماء أحبتي لأثبت أني كنت يوماً ما على قيد الحياة
وأنا غريبٌ لا سبيل له إلى الأوطان، ولا طاقة به على الاستيطان
سيف الظمأ في فمي، والنخلة الوحيدة لا تشرب صهد الصحراء
ثمة ليل نهمٍ للخوف يترصدني، يبعثرني مثل ريح مصابة بالصداع، قبل أن يستخرج جمرةً من الصدر حسبتُها منذ دهورٍ رماداً
البعض يصلي الظهر، والبعض الآخر يصلى القهر
لكنني ارتديتُ معطفَ اللغة التي تأخذني إلى ظل الماء الدافق والواثق، ثم تنهض في ندى شفاف كالأرواح لتعانق صفصافةً فوقها تتمزقُ الغيوم كأقمشةٍ بالية
عند مفترق الطرق كتبنا، ونفضنا طحالبَ الوقت حتى تتساقط الأزهار لتنام في راحة اليد
ولأننا مشاغبونَ بالفطرة، فقد سطرنا كلمات تأخذ شكلَ ألسنة طيور وركضنا فوق كرومٍ تعيدُ تشكيلَ الحياة
صدمتنا التفاصيل الصغيرة، لكننا على الأقل دخلنا غرفة المعرفة وتحسسنا جدرانها بحثاً عن زر الإضاءة
خضنا معارك في ساحة الوعي، واستبسلنا في نصرة الحقيقة، ولم ننتظر الأوسمة
والمدونون نوعان: كاتب.. وكاذب
هناك من يدخل من باب الضوء الضيق، ويمشي الزقاق إلى حدود الأرض.. يمضغ قلبه بالموهبة والبديهة الحاضرة ويلوك عينيه الغائرتين لينظم قصيدة
وهناك حشوة الفلين في الطرد الذي يسلمه عامل البريد السريع، والمرأة التي تتغنى بشعرها المستعار، وثرثرة الهاتف التي تفرز تعليقات سمجة وأكاذيب مهشمة
بعض الكتابة جناية: بارودٌ متخثر في بنادق صدئة يكرهها الجدار
وبعض التدوين ابتلاء: حراسُ أضرحةٍ يُعِّمدون بدموعهم هول الضحايا
وبعض الحديث هذر: فخٌ مُحكَم من الثرثرة يُذيقك مرارة الهدر
وبعض الأقلام تائهة: أضواء فلورسنت رخيصة في مطعم للوجبات السريعة
إنها لعنة الغفلة، كمن يبحث في جيوبه عن آخر القطع المعدنية أمام آلة دفع الرسوم
وكلما ضاعت أهدافك كلما قتلت نفسك، وغرقت في نومك كإصبع معقوف
أما نحن، فقد راودنا النصوص وواجهنا اللصوص
أكملنا "أثرياء مصر زمان.. والآن" عن رجال الأعمال الذين صنعوا المال ولم يصنعهم، وأبناء الرغبةِ في الفراغ الذين تَتمايل مُؤخِراتُهم في الهواء بخفَّةٍ
واصلنا "كتاب الرغبة" عن نساء كانت خطيئتهن الوحيدة هي البوح
جميلات يُولَدُ ألفُ ربيعٍ شهيٍّ على شفاههن، وحين يشَفّهُن البوحُ يتمردن على العزلة، ليصبحَ مشيُهن نوعاً من الطيران الخفيف، فالجسد العاري سيرةٌ ذاتية تمتص النزوات كمنديل ورقي
وعندما تكونُ امرأة سعيدة، يهدهدُ ضياؤها الأحلام
تذوقنا "الصورة إن حكت: لن يمروا".. كم يعلمنا العنكبوت قوة النسيج وهو يتصنّعُ الهدوء، وتلقننا الرئة الحرة دروساً في التنفس
لم يكن هذا كل شيء
كانت حكاياتنا بدوية تضع الكحل حتى تصير قيثاراً يوقظ غبش الفجر
وكرت حبات السُّبْحة
"فتوات تحت الطلب" عن الذين نقشت عليهم الشَّمسُ لهبَها، فأشعل بعضهم الحرائق وسقط آخرون في وحل الرصيف
"البحث عن وزير" عن قوانين اقتناص الكراسي المستظرفة، على وزن الأواني المستطرقة
هؤلاء الذين يجلسون فوق المقاعد الوثيرة دون أن ينطقوا بملاحظة أصيلة ولو مرة واحدة في حياتهم
"الإدارة العاجزة" عمن لا نخشى نارهم ولا نطمع في جنتهم. عن هؤلاء الذين يشبهون بطانية أو حقيبة إسعاف أولية لا تجديان نفعا
نافذون في النهار، ينامون على أرق يطول؛ لأن أصوات الشارع تقلقهم
كيف يحقق العاجز معجزة؟
"ذئاب الفصول" عن تلك النظرة الضيقة الخبيثة، والبراءة التي تخشى ضلال الأصابع بين أربعة جدران، وتلك المقاومة الطويلة المضنية للنصل والأنياب في مقاعد الدراسة
"قضية الراهب المشلوح" عن الذين أغلقوا الأيام خلف نهارهم
والليلُ مصباح العمى، والأبيض أمنية الضرير
"جرائم المعطف الأبيض: جنس وقاصرات.. وفياجرا" عن أطياف الملائكة الذين صاروا أشباه شياطين
"جنس الإخوة" عن الرجال الذين أذعنوا للكبت والكراهية
ما أصعب اقتلاع سنّ من لثّة متورِّمة
"صعود على مهل" عن المدن التي ترتعش كأمنية، والموسيقى الهادئة التي تبطىء بشكل غامض إيقاع العالم
وكلما كتبنا أكثر، كلما أصبحت الأحلامُ أغنى والأفكار أغلى، وتطهرنا من تسعة أعشار ذنوبنا
وكان لابد للشجرة من ثمار
أنجزنا كتاب "جرائم العاطفة في مصر النازفة" عن انطفاء القلوب العارية، وعربدة القراصنة في الأجساد المستباحة، وكهرباء الصاعقة التي تسمم الذكريات
روح الانتقام طفل بليد يمزق دفاتر الفروض المدرسية، وقاتل مأجور يحتفظ بالموت في صندوق سيارته السوداء، وينتظر اللحظة المناسبة للتفريق بين حبيبين يوشكان على العناق بعيداً عن الأنظار
وأصدرنا كتاب "يوميات ساحر متقاعد" عن العاشق الذي يعرق بكلمات ترشح من مسام قلبه، والقبلات الطائشة التي ترقد بسلام في مقبرة الذكريات، والسيدات الموسومات بالعشق، اللاتي يطرحن بعد المضاجعة السؤال السخيف ذاته: "هل تحبني؟"
ونشرنا كتاب "فيلم مصري طويل" عن الأشباح اليومية في أوطاننا التي تجعل القهوة دائماً سيئة المذاق
ها نحن نشرب نخبَ أيام مضت، نحتفي بالمنفى ونرقب من خلف الستائر سفينة تغمرها طمأنينة عدم الوصول
أيها الصيادون: وحدها المحارات المغروسة عميقاً تحمل اللؤلؤ

gravatar

اربع سنوات ولازال المجهود والثقافة الموجودة هنا تجبرنا على المتابعة

gravatar

واحد مش فاهم حاجة


شكراً لك

لمثل هذا التقدير النبيل والصادق يكون الجهد جديراً بالعناء

gravatar

طلب واحد٠٠أستمر ياصديقى العزيز٠٠تأكد أن هناك متابعين وقراء لك يقدرون ماتكتب أيما تقدير
تحياتى وصادق مودتى٠٠خالد

gravatar

دام بريق ابداعك المتفرد
ودامت متعتنا بحروف اللؤلؤ
وبهجة أيام ما قبل الطوفان

gravatar

أبوفارس


كل الشكر والتقدير لك يا صديقي العزيز

الحمدلله يا د. خالد أن لي أصدقاء وقراء مثقفين مثلك، فأنت وباقي الأصدقاء هم أجمل هدايا فضاء التدوين التي حظيت بها

gravatar

مها


سعادتي كبيرة بتقديرك ومودتك يا أجمل مشربية في عالم التدوين

دمت بخير

gravatar

مشكوووووووووووووووووووووور

gravatar

Koora

العفو، وأهلاً بك دائماً

gravatar
Anonymous في 11:33 PM

د ياسر ثابت
في يوم 18 فبراير من العام 2006 كانت التدوينة الأولى وفق تاريخ المدونة
و على مدى هذه الأعوام الأربع
علمت اناسا الكثير و أنا منهم
تعلمت منك التنظيم في التدوين و تسلسل التدوينات تحت عنوان واحد لكل مجموعة
و مؤخرا انتبهت لجودة استخدام الصور بالمونة خاصتك
المدونة متالقة و منوعة..
و هذه التدوينة فيها المختصر و المفيد
************
هلا تفضلت بعمل التدوينة الجديدة في العام الخامس لتشمل نصائح للمدونين
مع خالص احترامي و تقديري
*************

gravatar

Sonnet

لك كل الشكر على كلماتك الرقيقة وتقديرك الذي أعتز به

المدونة هي بيتنا الذي نفتح أبوابه لأحبتنا، وقلبنا الذي نمنحه لمن يعرف قيمته. وإذا كنت قد أعطيت التدوين شيئاً من وقتي وجهدي، فقد وفر لي في المقابل فرصة التواصل مع أصدقاء مثلك يرغبون في المعرفة ويتطلعون إلى الفهم ويحترمون فكرة النقاش الهادىء والمجدي

لك مودتي دائما

gravatar

مرحبا

كلامك كبير

أجمل اختزال هو
وحدها المحارات المغروسة عميقًا تحمل
اللوءلوء

المعاني عميقة وجميلة

gravatar

Pure



أشكرك يا عزيزتي. سعيد بزيارتك وإعجابك بالنص. أتمنى أن تكوني صديقة دائمة للمدونة

مع خالص المودة

gravatar

السلام عليكم
وفقك الله استاد ياسر ادكر اننى اول ما عرفت كلمة مدونة عرفتها من هنا وانها اول مدونة تابعتها- فى اوقات فراغى ألجأ الى مدونتك اقلب ارشيفها ولا امل منها ابدا اتمنى ان تستمر مسيرتك الى الامام ومن نجاح الى نجاح الى نجاح بأدن الله
تحياتى

gravatar

العراب

وأنا أعتز بك صديقاً وقارئاً، يتابع ويقارن ويراجع الموضوعات المختلفة. إن قارئاً مثلك هو أهم عندي من أي مكافأة أخرى على جهد الكتابة

مودتي وتقديري

gravatar

كل سنة و حضرتك متألق و المدونة متفردة...بجد كتابات حضرتك ملأت فراغا كبيرا كنا نحتاج من يملؤه...كل عام و حضرتك بألف خير

gravatar

آخر أيام الخريف

سلمت يا صديقتي الدائمة، وأرجو أن أكون عند حسن ظنك بما أكتبه هنا وأطرحه من أفكار

كوني بخير

gravatar

لاأعتقد وارجو أن أكون ظننت خظئا
أنك تريد أن تهجر التدوين
فمدونتك ملاذ لأمثالى من ومظله من المظلات التى نلجأ اليها
ارحو ان تظل لنا واحه ونبع نستزيد منه
تحياتى لصديقى الكريم

gravatar

أبو أحمد

أشكرك يا د. مجدي على السؤال والاهتمام، وهو أمر أعتز به كثيراً

أيها الصديق الغالي، أملي كبير في أن أواصل التدوين، بالرغم من أعباء العمل والحياة، التي تبعدني أحياناً عن هذا المكان والأصدقاء الذين أحبهم وأنت في مقدمتهم

دمت صديقاً رائعاً

gravatar

انتهيت منذ ساعات من قراءة كتاب اليوميات، أمتعني كثيرًا.

شكرًا لك.
كل عام وأنت كاتب.


تحياتي

gravatar

77Math.


سعادتي كبيرة برأيك في "يوميات ساحر
متقاعد". طالعت كلماتك المكتوبة بحبر القلب، ووجدتها من أجمل ما قرأت عن الكتاب

اسمحي لي أن أشارك الآخرين متعة قراءة نصك الراقي

http://77math.blogspot.com/2010/03/blog-post.html


شكراً لك على تقديرك الذي يهمني، وقراءتك لكتابٍ قريب إلى نفسي وروحي

gravatar

شكرًا لك أنت سيدي لمنحي كل ذلك العطر بين طيّات الكتاب
:)

gravatar

77Math.

العزيزة إيمان، تأكدي أن تذوق الكلمات لا بقل أهمية عن كتابتها. ولذا أعتز بأي صديق يبحر مع الحروف ويدور في أفلاكها ويغوص في أعماق أسرارها

دمت بخير

gravatar

لاجديد بمدونتك.. لأن قلمك رائع كالعاده
ومتابع

ودمت بخير وبإبداع

gravatar

واحد من العمال

سلمت وغنمت دائماً وأبداً

لك يا صديقي كل الشكر والمودة على متابعتك واهتمامك الجميلين

gravatar

جهد تشكر عليه أستاذنا
وفرصة سعيدة بالنسبة لي ولقد ساقني القدر إلى هذه المدونة بعد أن تعرفت على تعريف لكتاب لك باسم يوميات ساحر متقاعد وكان سبباً لولوجي هذه المدونة والتعرف على صاحبها

اسلوب متميز استاذنا الكريم وأسأل الله لك التوفيق وأن تمتع القراء العرب بما هو أهل له

gravatar

محمد الكمالي - أبو مشعل

يسعدني ويشرفني التواصل معك قارئاً وصديقاً، وأرجو أن أكون دائماً عند حسن ظنك بي

مع خالص المودة

gravatar

لا أجد من الكلمات ما أعبر به عن ما أحس به تجاه مدونتك الجميلة وشصيتك الأجمل
ربما كما قلت فى الإحتفال السابق
هنا أجد واحد من آخر الأقلام الصادقة التى أقرأ لها وأتابعها سواء فى عالم المدونات أو خارجه

أستاذى العزيز

وحدها المحارات المغروسة عميقاً تحمل
اللؤلؤ


صدقنى أنت لؤلؤة من أندر الأنواع نقاءا
فقلمك يحمل لنا الأمل فى أن نلم ببعض الحقيقة عن ما مضى فنملك أن نكتب بأقلام ما هو آت

أعرف أننى متغيب قليلا
ولكن يعلم الله أن هنا هو من أول ما أدخل إليه عند عودتى

كل عام وأنت ومدونتك الجميلة بخير وسلام

gravatar

الأزهري

لك يا عزيزي كل الشكر على هذا الثناء الذي يفوق ما أستحقه

يكفيني شرفاً أن يكون لي قراء مخلصون ونابهون مثلك، يتابعون ويعقدون المقارنات الذكية بين الأفكار والكلمات

بالتوفيق دائماً في مختلف شؤون حياتك

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator