المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

إيطاليا.. فرصة العمر







حلم التأهل إلى المونديال الكروي زهرة لا تذبل، ما دامت تروى بماء الأمل.. والعمل


وبعد غياب طويل عن بطولة كأس العالم لكرة القدم، وتحديدًا منذ عام 1934، وجد منتخب مصر نفسه يطرق أبواب المونديال، بعد أن اجتاز منافسا قويا هو منتخب الجزائر الذي كان يتطلع إلى التأهل للمرة الثالثة على التوالي وتكرار عروضه القوية التي قدمها في مونديال إسبانيا عام 1982 حين هزم منتخب ألمانيا 2-1 وكاد يتأهل إلى الدور الثاني، لولا مؤامرة عنوانها التواطؤ دبرتها ألمانيا مع جارتها النمسا.


إلا أن منتخب مصر كان له رأي آخر.


فقد تمكن المنتخب المصري من التعادل في الجزائر سلبيًا في اللقاء الأول مع منتخب الجزائر الذي أقيم في 8 أكتوبر 1989، قبل أن يفوز في اللقاء الثاني الذي أقيم في القاهرة على المنتخب الجزائري الذي كان يحمل آنذاك لقب بطل إفريقيا، ليحجز بطاقة التأهل، وسط فرحة المصريين الذين ذاقوا طعم الانضمام إلى الكبار في هذا العُرس الكروي العالمي.


دعونا نستعيد تلك الأجواء الكروية قليلا، كما وصفتها الصحف المصرية.


ففي 17 نوفمبر عام 1989 أقيمت المباراة الحاسمة بين منتخبي مصر والجزائر باستاد القاهرة على تذكرة الذهاب لنهائيات كأس العالم 1990 بإيطاليا، والتي حسمها المصريون برأس حسام حسن، عندما ارتقى مهاجم المنتخب المصري في الدقيقة الخامسة من عمر المباراة وحوَّل عرضية أحمد الكأس داخل مرمى الجزائر. وربما كان هدف حسام حسن في مرمى الجزائر في تصفيات كأس العالم 1990 يمثل أفضل ذكريات المصريين عن هذا الحدث الكروي العالمي
[1]، إذ توج هذا الهدف مشوارًا كاملا حاول فيه المصريون التشبث بالأمل للنهاية حتى لا يفلت كما حدث من قبل ونجحوا.


لاحقا، قال لاعب المنتخب المصري ونادي الزمالك أيمن يونس: "كانت معركة ولم تكن مباراة كرة قدم"
[2].






الصحف المصرية عايشت تلك المباراة ودأبت على الحديث عنها بشكل مكثف طوال الأيام القليلة السابقة لها.


في جريدة "الأهرام" تحدث الناقد الرياضي حسن المستكاوي يوم 16 نوفمبر عن استعدادات الفريقين، وكتب تقريرا مطولا عن الاستعدادات المكثفة للقاء المصيري، وأشار في عنوان فرعي إلى "وجود 15 فريقا تليفزيونيا أجنبيا وأكثر من 100 صحفي ومصور في القاهرة لتغطية الحدث"
[3].


وفي صحيفة "الأخبار" كتب محمود السيد عن اكتمال صفوف المنتخب وتألق اللاعبين قبيل المباراة الحاسمة
[4]، في حين ألقى فتحي سند الضوء على "غرور" الجزائريين ومديرهم الفني عبد الحميد كرمالي قبل اللقاء، وكتب "الجزائريون يتعاملون مع اللقاء المصيري بثقة ودبلوماسية"، مع تصريح لكرمالي قال فيه: المران السري إشاعة سبقت وصولنا للقاهرة. وألقت مشكلة التذاكر بظلالها على المباراة، حيث كتب جمال الزهيري عن "طرح تذاكر جديدة أفضل من الفوضى المتوقعة غدا"، وأشار إلى أن "جماهير الأقاليم تشكو الظلم وليس أمامها إلا التذاكر المزورة".






وحرصت صحيفة "المساء" على أن يكون موضوعها الرئيسي حوار مع اللاعب جمال عبد الحميد، قائد المنتخب الوطني[5]. ونشرت "المساء" كذلك تصريحين لمدربي الفريقين فقال كرمالي: "لا يهمني 120 ألف متفرج وقادرون على الفوز"، وقال محمود الجوهري، المدير الفني للمنتخب الوطني في ذلك الوقت: "اختراق الدفاع الجزائري مهمة صعبة"، ونشرت "الجمهورية" تحقيقا مع الخبراء مثل الوحش والديبة عن الطريق إلى الفوز على الجزائر، كما كتب ناصف سليم مقالا يطمئن فيه الجمهور واللاعبين على أن الفوز على كتيبة محترفي الجزائر ليس بالمهمة المستحيلة، مشيرا إلى أن منتخب الجزائر لا يضم محترفين خارقين للعادة[6].


يوم المباراة كان الوضع في الصحف المصرية مختلفًا تمامًا، حيث زاد الاهتمام باللقاء وخرجت له إشارات في الصفحة الأولى يوم 17 نوفمبر 1989 وكتب حسن المستكاوي موضوعا شحذ فيه الهمم وحدد المطلوب من الجميع حتى يتحقق حلم التأهل إلى المونديال بعد غياب استمر 56 عاما
[7]، فيما أوصى الناقد الرياضي إبراهيم حجازي لاعبي مصر وجمهوره بثلاث وصايا، أولا التشجيع وليس الفرجة، وأن يضعوا أعصابهم في "فريزر"، وأخيرا ألا ينسوا أن المباراة بين أشقاء وقدر مصر دائما أن تتحمل "شقاوة الأشقاء".


أما "الأخبار" فكتبت عن حلم التأهل إلى المونديال الذي يراود جميع المصريين في صدر الصفحة الأولى
[8]، أما في صفحات الرياضة فكتبت عنوانا من كلمتين: "المواجهة الكبرى" وتحته: "هواة مصر الواثقون ومحترفو الجزائر من يفوز بتذكرة الذهاب إلى روما". وأجرى علاء صادق استطلاعا للرأي مع 10 خبراء رشح 9 منهم مصر للفوز، بينما تحدث فتحي سند عن أسلوب الجزائريين الواحد والهادئ للحرب النفسية.


وفي صحيفة "المساء" كانت أحلام التأهل هي أهم موضوعات الصفحة الأولى، مع حديث عن أجواء الساعات الأخيرة وانتظار الجمهور أمام الاستاد منذ الليلة التي سبقت المباراة
[9]، وفي الداخل كتب النقد الرياضي سمير عبد العظيم مقالا أسدى فيه النصح للاعبي المنتخب القومي، حيث أوصاهم بالهجوم المنظم والسريع مع عدم إغفال الواجبات الدفاعية[10].


أما في صحيفة "الجمهورية" فكتب رضوان الزياتي في الصفحة الأولى عن اللقاء المصيري الذي يضمن لمنتخب مصر حجز بطاقة التأهل إلى بطولة كأس العالم لكرة القدم
[11]، كما نشرت الصحيفة تقريرًا عن الفريقين عنوانه "عبد الرسول هداف مصر.. مناد وماجر هدافا الجزائر"، مع تصريح لمحمود الجوهري قال فيه: أمنيتي تحقيق أمل الجماهير. وكان أجمل ما في الصحيفة هو تقديمه المباراة التي كتبها الزميل محمود معروف تحت عنوان "روما فرصة العمر"، حيث تخيل في بداية المقدمة أن مصر وصلت بالفعل إلى نهائيات كأس العالم، وأنه يكتب مقدمة لقاء بين مصر والأرجنتين في المجموعة الثالثة مثلا، والحكم يجري قرعة البداية بين قائد مصر جمال عبد الحميد والأسطورة مارادونا قائد المنتخب الأرجنتيني[12].


حلم التأهل أصبح حقيقة في مونديال 1990، لتهتف جماهير الكرة المصرية "جوهري.. جوهري"، في إشارة إلى المدير الفني للمنتخب محمود الجوهري، وتتغنى باللاعبين الذين حققوا هذا الإنجاز.







في مباراته الأولى في المونديال التي أقيمت في باليرمو في 12 يونيو 1990، تعادل منتخب مصر مع منتخب هولندا بهدف لكل منهما، وبعد أن أحرز الهولندي فيم كيفت هدف السبق للمنتخب البرتقالي في الدقيقة 58، سجل مجدي عبد الغني من ركلة جزاء في الدقيقة 83 هدف مصر الوحيد في البطولة إثر عرقلة المدافع الهولندي كومان للمهاجم المصري حسام حسن. وفي المباراة الثانية له في باليرمو في 17 يونيو، تعادل المنتخب المصري سلبيا مع منتخب أيرلندا، في مباراة اعتبرها الجمهور ثاني مباراة في الترتيب بعد لقاء منتخبي إنجلترا وأيرلندا في المجموعة نفسها من حيث الملل. وفي المباراة الثالثة التي أقيمت في كالياري في 21 يونيو 1990، خسر المنتخب المصري بصعوبة وبهدف وحيد أمام منتخب إنجلترا سجله مارك رايت في الدقيقة 59، ليغادر المنتخب المصري البطولة من دورها الأول[13].

 

ومن إيطاليا إلى 1934 إلى إيطاليا 1990، صام المصريون عن المشاركة في المونديال، وكأن إيطاليا هي فرصة العمر الوحيدة بالنسبة لكرة القدم المصرية.


الهوامش
[1] وائل عباس، أكثر 10 مشاهد تأثيرًا في مسيرة المنتخب المصري بتصفيات المونديال، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 14 نوفمبر 2009.
[2] James Montague, "Egypt against Algeria revives some bitter memories", World Soccer, http://www.worldsoccer.com/features/egypt_against_algeria_revives_some_bitter_memories_part_one_by_james_montague_features_290898.html, November 27, 2009.
[3] حسن المستكاوي، مصر والجزائر يستعدان وسط اهتمام جماهيري وإعلامي هائل، جريدة "الأهرام"، القاهرة، 16 نوفمبر 1989.
[4] محمود السيد، الفريق القومي ينهي استعداداته.. وكلهم جاهزون لتحقيق الفوز غدا، جريدة "الأخبار"، القاهرة، 16 نوفمبر 1989.
[5] ____________، جمال عبد الحميد: يا جمهور مصر اطمئن.. فوزنا على الجزائر رد لجميل لن ننساه، جريدة "المساء، القاهرة، 16 نوفمبر 1989.
[6] ناصف سليم، محترفو الجزائر الكرام ليس فيهم بوشكاش ولا دي ستيفانو، جريدة "الجمهورية"، القاهرة، 16 نوفمبر 1989.
[7] حسن المستكاوي، اليوم في الدور الأخير لتصفيات كأس العالم: مصر والجزائر على التذكرة 22 إلى إيطاليا.. أحلام 56 سنة هل تتحقق في 90 دقيقة، جريدة "الأهرام"، القاهرة، 17 نوفمبر 1989.
[8] ____________، اليوم مصر والجزائر في مباراة العبور إلى نهائيات كأس العالم، جريدة "الأخبار"، القاهرة، 17 نوفمبر 1989.
[9] ________________، الساعات الحاسمة في مباراة مصر والجزائر.. الجماهير قضت الليل حول الاستاد، جريدة "المساء، القاهرة، 17 نوفمبر 1989.
[10] سمير عبد العظيم، يا نجوم مصر كأس العالم يناديكم.. الهجوم المستمر وتأمين الدفاع خير وسيلة للفوز على الجزائر، جريدة "المساء"، القاهرة، 17 نوفمبر 1989.
[11] رضوان الزياتي، اليوم لقاء المصير.. قلوبنا مع المنتخب القومي، جريدة "الجمهورية"، القاهرة، 14 نوفمبر 1989.
[12] إيهاب الجنيدي، ماذا قالت الصحافة عن مواجهة مصر والجزائر قبل 20 عاما؟، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 18 نوفمبر 2009.
[13] عمرو عبيد، مصر أول دولة عربية وأفريقية تتأهل لكأس العالم في إيطاليا 34، مرجع سابق.
تابع القراءة

gravatar

تعازينا في الثلاثي المرح






"الرياضة كالسياسة. فعندنا حزازات وضغائن ومنافسات ودسائس. وعندنا صحف للتأييد وصحف للمعارضة. وإن قيل في البلد نهضة رياضية قلت نعم ولكن انتابتها عوامل الاختلال والاعتلال... أحضر مباراة بين فريق مصري وفريق إنجليزي. وأرى أعضاء النادي المصريين متأخرين. ها قد صفر الحكم وليس في الميدان إلا خمسة أو ستة.. والمتأخرون ينقسمون إلى أحزاب. فحزب تعبان من "سهرة إمبارح" وحزب لا يريد "اللعب والسلام".. الخلاصة أننا في حاجة إلى الإصلاح"[1]



في زمن آخر، ظهر المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة
وأبو غزالة كان وزير الدفاع في مصر، وأصبح مساعدا لرئيس الجمهورية قبل أن تنتهي مسيرته العسكرية والسياسية
في شبابه، كان أبو غزالة من عشاق الساحرة المستديرة
وكان القائد العسكري الذي عمل على تطوير مدرسة المدفعية فـي ألماظة، يشارك الجنود فـي لعب كرة القدم حين كان رئيسًا لأركان المدفعية.. ولم يكن مستغربًا أن يتصايح اللاعبون فـي مدرسة المدفعية وهم من الجنود فيما بينهم، مرددين "العب يا فندم" أو "باصي يا فندم"، عندما كان رئيس أركان سلاح المدفعية المصرية يشاركهم تلك اللحظات الرياضية
[2]
عشق أبو غزالة لعب كرة القدم، وعُرِفَ عنه أنه أهلاوي صميم. وكانت مباريات النادي الأهلي هي الوليمة التي يجتمع عندها الأحباب ويُدعى لها الأقارب والأصحاب. وعندما ينفعل الحاضرون بالتشجيع والهتاف والانتقاد أيضًا وهم يشاهدون المباراة على شاشة التليفزيون، كان أبو غزالة أشدهم انفعالا، إلا أنه إذا أراد أن ينتقد لاعبًا فإن أقسى الألفاظ عنده هو أن يقول: "ريعو النهاردة وحش". وقد كانت ستينيات القرن العشرين في كرة القدم المصرية زمن ريعو والسايس والفناجيلي والشيخ طه إسماعيل
وربما زادت خفة ظله من شعبيته، فقد كان حاضر الذهن سريع البديهة، فضلا عن تذوقه للنكتة بابتسامة خفيفة
حدث أن فاز الأهلي على الزمالك فـي ستينيات القرن العشرين بثلاثة أهداف نظيفة، فأرسل تلغرافًا يسوق فيه التعازي إلى زوج أخته، إذ كان من مشجعي الزمالك. وعندما تلقى زوج الأخت التلغراف لم يجد فيه سوى عبارة "تعازينا فـي الثلاثي المرح"
[3]
وفي عام 1987، نشر الكاتب د. روبرت سبرنغبورغ دراسة مهمة على امتداد 12 صفحة فـي مجلة "ميدل ايست ريبورت" كان عنوانها "الرئيس والمشير.. العلاقات المدنية العسكرية فـي مصر اليوم"
[4]
وضع سبرنغبورغ يده على أوجه التشابه والاختلاف بين مبارك وأبو غزالة فـي مقاله المذكور وأيضًا فـي كتاب صدر فـي الولايات المتحدة عام 1989 تحت عنوان: "مصر مبارك وتكسير النظام السياسي"
[5]
كان من المتفق تمامًا مع الخلفية العسكرية لمبارك، أن يسعى ضمن ما كان يسعى إليه فـي أعقاب توليه السلطة فـي مصر، إلى استعادة ما فقده الجيش من تقديرٍ لدوره بالإضافة إلى بعض النفوذ السياسي

وكان أبو غزالة المرشح النموذجي ليصبح رجل مبارك.. حيث أكد الفارق بينهما فـي السن - عامان فقط- والرتبة سلطة مبارك، ولم يحدث أن كان أبو غزالة ومبارك متنافسين فـي القوات المسلحة، حيث كان أبو غزالة متخصصًا في المدفعية فـي حين كان مبارك طيارًا حربيًا، وقد تلقى كل منهما تدريبًا فـي الاتحاد السوفيتي، انتهيا منه فـي توقيت متقارب عام 1961
ويقول سبرنغبورغ: "منذ 1979، حين كان أبو غزالة ملحقًا عسكريًا فـي واشنطن، ومبارك نائبًا للرئيس، عمل الاثنان معًا فـي تطوير برنامج المعونة العسكرية مع الولايات المتحدة"
اختلفت القناعات السياسية والسلوك السياسي لكل من مبارك وأبو غزالة فـي الشكل والمضمون
إذ يقول سبرنغبورغ: "وبالرغم من أن مبارك وأبو غزالة يمتلك كل منهما صفات شخصية متميزة، ويشتركان في الخبرات، الأمر الذي سهَّل قيام هذه العلاقة السياسية الحميمة، فإنه فـي الواقع، كان الرجلان مختلفين اختلافًا كبيرًا. فأبو غزالة شخصية ذات منطق واضح، قوية وطموح. كما أن مقابلاته غير المسجلة مع الصحفيين الأمريكيين، تعطي المشاهد انطباعًا بقدرته على مواجهة المسائل مباشرة وبشكل محدد - بعكس مبارك- الذي يعطي انطباعًا بأنه حمل عناء الرئاسة كرهًا، وقرر - بصرف النظر عن الواجب- أداء الوظيفة بأفضل ما يمكنه. ويعطي أبو غزالة انطباعًا بأنه يتطلع إلى السلطة، ويريد تنفيذ برنامجه، ويتمتع أبو غزالة بجاذبيةٍ شخصية مختلفة عن الشخصية التي يوحي بها المظهر لمبارك. وإثر اغتيال السادات مباشرة، وقف أبو غزالة منتصبًا، مشيرًا بعصا المارشالية إلى القاتل الفار، مصدرًا الأوامر بمطاردته، بينما لم يفعل مبارك ذلك. سعى مبارك - الذي يتمتع بمزاج إداري- إلى دمج اتجاهات عدة فـي السياسة المصرية، وإعادة بعض التوازن إلى العلاقات المصرية الخارجية، فيما يعد أبو غزالة محافظًا صريحًا، شديد العداء للشيوعية، وبالمقابل مواليا للولايات المتحدة، وقد أكد أن أمن مصر لا ينفصل عن أمن الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي. وبعكس تفضيل مبارك الواضح للعلمانية، فقد اكتسب أبو غزالة صورة التدين، وهو يتمتع بالشعبية داخل العديد من الدوائر الدينية، وترتدي زوجته وحدها تقريبًا بين زوجات الوزراء الحجاب الإسلامي في المناسبات العامة"
الطريف أن الباحث الأميركي يشير إلى قضية كرة القدم والتفاؤل، وتأثيرهما على شعبية الرجلين، فقد "كان أبو غزالة يتمتع بحسن الطالع، إذ كان يتناوب مع الرئيس فـي حضور مباريات كرة القدم المهمة، وتصادف أن فاز منتخب مصر لكرة القدم فـي عددٍ من المباريات المهمة التي كان المشير يتقدم فيها الحضور، ما زاد من شعبيته. وقد استمر هذا الارتباط حتى أصبح فـي عام 1986 نكتة شائعة. وفي صيف تلك السنة فاز الفريق المصري بمعجزة بكأس إفريقيا بينما كان مبارك يشجعه، وأطلق على الكأس فورًا لقب كأس مبارك"
ولعقود طويلة، "كان الفريق القومي يقوم بما تقوم به مصر كلها طوال الوقت‏، وهو أن نبقي الأمور على حالها‏،‏ وعندما نسعى إلى تغييرها فإننا نفعل ذلك مصاحبًا بقدر غير قليل من الاعتذار"
[6]، وما بين الحماس وخيبة الأمل‏ يصيبنا الإعياء،‏ فتسقط مصر مثل الثمرة الناضجة إلى أرض تجربة عقيمة أخرى‏.‏ ويسرد د. عبد المنعم سعيد عددًا من الأمثلة على هذا التشابه في عدم الاستمرارية بين منتخب الكرة المصري ومصر كدولة ومؤسسات‏:‏ "التنمية التي تحدث لبضع سنوات ‏(‏الصمود أمام البرازيل والفوز على إيطاليا‏)‏ ولكننا لا نصل أبدًا إلى الحالة‏‏ "المستدامة‏" والتي ساعتها تأخذ كرة القدم حجمها الحقيقي من اهتماماتنا الوطنية‏؛ والديمقراطية التي تجرى فيها انتخابات كثيرة"[7]
غير أن إعصار الفرح الذي اجتاح مصر كان عنوانه: التأهل إلى مونديال إيطاليا عام 1990



الهوامش



[1] فكري أباظة، مجلة "عالم الرياضة البدنية"، القاهرة، 1925، في: حسن المستكاوي، إصلاح من 85 سنة، جريدة "الشروق"، القاهرة، 24 أغسطس 2010
[2] د. ياسر ثابت، فيلم مصري طويل، مركز الحضارة العربية، القاهرة، 2010، ص 98
[3] المرجع السابق، ص 98- 99
[4] Robert Springborg, The President and the Field Marshal: Civil-Military Relations in Egypt Today, MERIP Middle East Report, No. 147, Egypt's Critical Moment (Jul. - Aug., 1987), pp. 4-16
[5] Robert Springborg, Mubarak's Egypt: Fragmentation of the Political Order. Boulder: Westview Press, 1989
[6] د. عبد المنعم سعيد، لا تهنوا.. ولا تحزنوا، جريدة "الأهرام"، القاهرة، 29 يونيو 2009
[7] المرجع السابق
تابع القراءة

gravatar

الدروايش .. صناع السعادة









لسنوات، ألقت أجواء هزيمة حرب يونيو عام 1967 بظلالها على البشر والحجر في مصر. في تلك الفترة العصيبة، كانت السخرية لغة الشارع. سخرية تقطر يأسا مما جرى، وربما مما سيجري. وكان الكل يعلق هزائمه على مشجب الوضع المتردي بشكل عام
في عام 1971 شاركت مصر في كأس فلسطين لكرة القدم وهي الكأس التي كانت تشرف عليها الجامعة العربية، وعاد منتخب مصر بعدما خسر الكأس التي فازت بها العراق. وفي مطار القاهرة، هاجم الصحفيون مدرب مصر الكابتن محمد الجندي، إذ كيف يخسر كأس فلسطين، ونحن نمتلك أقوى فريق، من المسؤول عن الكارثة؟ ومن يتحمل مسؤولية هذه المصيبة إذا لم يتحملها المدرب؟!
قال الجندي ردًا على الهجوم: جايين تتهموني وتحاسبوني وتحملوني المسؤولية عن ضياع كأس فلسطين، دا فلسطين ذات نفسها ضاعت وما حاسبتوش اللي ضيعوها.. جايين تحاسبوني أنا على ضياع كأس فلسطين!
[1]
وفي لحظات اليأس، يبحث الناس عن أي نقطة ضوء في نهاية النفق، حتى لو كانت النقطة من مواليد برج الساحرة المستديرة
وكان الدراويش جاهزين كي يمنحوا المصريين بعض الأمل بعدما هزمتهم السياسة وأوقعتهم الحرب في بئر لا قرار له

ولم يكن هذا بغريب على النادي الذي تأسس عام 1924 تحت مسمى نادي النهضة الرياضي، ثم تغير اسمه وعُرف باسم نادي الإسماعيلي الرياضي، نسبة إلى المحافظة التي يوجد بها وهي محافظة الإسماعيلية. وإذا كان الإسماعيلي شارك في أول بطولة نظمت للدوري المصري الممتاز عام 1948، فإنه فاز ببطولة الدوري ثلاث مرات أعوام: 1967، و1991، و2002، وكأس مصر مرتين عامي: 1997، و2000
وفي أثناء توقف مسابقة الدوري العام لكرة القدم بسبب الظروف التي أعقبت حرب يونيو 1967، اشترك الفريق الأول في النادي الإسماعيلي في بطولة إفريقيا للأندية أبطال الدوري موسم 1969- 1970 بوصفه بطل مصر. وبطبيعة الحال، كان معظم أفراد الفريق قد تغيروا ما بين اعتزال وإصابة وخلافه، كما تغير الجهاز الفني ليكون مصريًا بدلا من إنجليزي، حيث تولى علي عثمان مهمة تدريب الفريق بدلا من طومسون، وعاونه الكابتن صلاح أبو جريشة والكابتن ممدوح خفاجي
جاء اشتراك الإسماعيلي في بطولة إفريقيا في فترة عصيبة بسبب توقف الدوري مما يعني عدم الاحتكاك بقصد الارتفاع بالمستوى العام، لذا تقرر إقامة معسكر في مركز شباب الجزيرة بالإضافة إلى وضع برنامج مكثف لتعويض نقص المباريات الرسمية، تضمن خوض بعض المباريات المحلية ورحلات إلى الخليج، مثل الكويت والإمارات واللعب مع أنديتها عدة مباريات ودية
[2]
ومن عجائب هذه البطولة أن الإسماعيلي دخل هذه البطولة بثلاثة عشر لاعبا اشتركوا في جميع المباريات. فقد شارك في البطولة: حسن مختار والسناري وأمين إبراهيم وحودة وميمي درويش وسيد حامد ونصر السيد وسيد عبد الرازق "بازوكا" وعلي أبو جريشة وأميرو وريعو وعبد العزيز هنداوي ومصطفى درويش، إضافة إلى العربي ومحمد عباس
كانت البطولة في بداية مشوارها سهلة بعض الشيء بالنسبة للإسماعيلي، ثم بدأت المباريات تزداد في الصعوبة بطريقة تصاعدية
بدأ فريق الإسماعيلي مشوار البطولة مع فريق التحدي الليبي وكانت المباراة الأولى في ليبيا وأقيمت في 12 أكتوبر 1969 على ملعب بنغازي، وفاز الإسماعيلي 5- صفر، فقد أحرز أميرو ثلاثة أهداف وكل من سيد عبد الرازق وعلي أبو جريشة هدفا، وتألف طاقم التحكيم من عبيد إبراهيم وقنديل والخضير وهو طاقم سوداني
علقت على المباراة جريدة "الحقيقة والعمل" الليبية بالقول إن الإسماعيلي لعب مباراة هائلة وإن الدراويش نصبوا السيرك وإن "التحدي" لم يكن ندا له. وفي مباراة العودة والتي أقيمت بملعب الزمالك في 19 أكتوبر 1969 فاز الإسماعيلي 3- صفر وأحرزها أميرو وعلي أبو جريشة وسيد عبد الرازق، وحكم المباراة تسيمبا الإثيوبي


وتقابل الإسماعيلي في دور الثمانية مع فريق جورماهيا الكيني، وأقيمت المباراة الأولى في القاهرة في 31 أكتوبر وانتهت بفوز الإسماعيلي 3- 1 أحرزها علي أبو جريشة، وكانت نتيجة الشوط الأول التقدم بهدفين نظيفين. في تلك المباراة القوية، تألق اللاعب ميمي درويش صخرة دفاع الإسماعيلي
وفي المباراة الثانية التي أقيمت في 9 نوفمبر 1969 تعادل الفريقان 1- 1 وأحرز هدف الإسماعيلي سيد عبد الرازق، وكان الإسماعيلي متقدمًا حتى قبل نهاية المباراة بأربع دقائق. حكم المباراة موكاسا الأوغندي، وقد شهدت خشونة متعمدة أصيب خلالها اللاعب علي أبو جريشة وميمي درويش وسيد عبد الرازق
في دور الأربعة التقى الإسماعيلي فريق كوتوكو الغاني، وأقيمت المباراة الأولى في كوماسي في 13 نوفمبر 1969 وتعادل الفريقان 2- 2 وأحرز للإسماعيلي علي أبو جريشة وأنوس
بادر فريق الإسماعيلي بالتسجيل أولا بعد 38 دقيقة من بداية المباراة عن طريق هدف من مجهود فردي للاعب علي أبو جريشة، ثم أضاف أنوس الهدف الثاني مع بداية الشوط الثاني.. ولكن كوتوكو تعادل عن طريق إبراهيم صنداي الذي أحرز هدفين، كان آخرهما هدف التعادل الثاني وذلك قبل نهاية المباراة بأربع دقائق
حكم المباراة كودبالي من كوت ديفوار
في المباراة الثانية والتي أقيمت على ملعب الزمالك في 7 ديسمبر فاز الإسماعيلي 3 – 2 وأحرز هنداوي هدفين وعلي أبو جريشة هدفًا. كانت نتيجة الشوط الأول 2- 1 وسجل الأهداف هنداوي من تمريرة من أبو جريشة ثم تعادل أبوكاري لكوتوكو، قبل أن يهدي علي أبو جريشة هنداوي كرة سجل منها الهدف الثاني
في الشوط الثاني، أحرز علي أبو جريشة الهدف الثالث وكان أجمل أهداف المباراة، ثم نجح عثمان لاعب كوتوكو في تسجيل الهدف الثاني لفريقه، لتنتهي المباراة لمصلحة الإسماعيلي. وقد حكم المباراة طاقم حكام من الجزائر
صعد الإسماعيلي إلى المباراة النهائية، ليواجه صخرة عملاقة اسمها الإنجلبير

والإنجلبير هو فريق عريق، أسسه عام 1932 رهبان الكنيسة البنديكتية لممارسة الكرة فتحول سريعًا إلى أشهر أندية زائير، وعاش كأقوى أندية القارة السمراء في ستينيات القرن العشرين، إذ تأهل لنهائي بطولة إفريقيا للأندية أبطال الدوري 4 مرات متتالية بين 1967 و1970 وأحرز اللقب مرتين، كما هيمن على البطولة المحلية لسنوات طويلة
الفريق الذي حمل أولا اسم راعيه الرسمي "انجلبير" وهو أحد أنواع إطارات السيارات، كان مخيفا بفضل ترسانة المهارات الكروية في صفوفه، وخبرة لاعبيه في البطولة الإفريقية
أقيمت المباراة الأولى في كينشاسا في 21 ديسمبر 1969 وتعادل فيها الفريقان 2- 2 وقد تقدم فريق الإنجلبير من ركلة جزاء في الدقيقة 8 أحرزه تشينا قبل أن يحرز السناري هدف التعادل، وكان من أغرب أهداف البطولة، فقد لعب الركلة الحرة المباشرة وسدد الكرة فإذا بها تخدع كالامبيا حارس المرمى ومدافعه كاتومبيا لتعانق الشباك
بعدها ينجح الإسماعيلي في إحراز الهدف الثاني بعد أن ارتدت الكرة من تسديدة ريعو ولكنها تصل إلى سيد عبد الرازق الذي يلعب الكرة وتدخل المرمى ليتقدم الإسماعيلي 2- 1، ولكن فريق الإنجلبير أدرك التعادل لاحقا. حكم المباراة كامدين الكاميروني
وفي يوم الجمعة الموافق 9 يناير من عام 1970، احتشد 130 ألف مشجع داخل ستاد ناصر (ستاد القاهرة حاليًا) بخلاف الجماهير الموجودة خارج الاستاد، كانوا جميعًا في انتظار فرحة كروية تعوض خيبة السياسة وهزيمة الحرب
في ذلك اليوم المشهود أقيمت مباراة مثيرة بكل المقاييس، فاز فيها الإسماعيلي 3- 1 إذ أحرز سيد عبد الرازق هدفين وعلي أبو جريشة هدفا، فقد نجح أبو جريشة مع الدقائق الأولى في إحراز الهدف الأول للإسماعيلي بعد أن استغل خطأ دفاع الإنجلبير حين أعاد لحارس مرماه كرة قصيرة استغلها أبو جريشة ليحرز هدف الإسماعيلي، وينتهي الشوط الأول بتقدم الدراويش بهدف
وفي الشوط الثاني، وفي الدقيقة الخامسة، ينجح موليندا في تسجيل هدف التعادل، لكن الرد جاء من سيد عبد الرازق الذي أحرز هدف الإسماعيلي الثاني من ركلة جزاء أهداها له اللاعب علي أبو جريشة بعد أن أعاقه حارس مرمى الإنجلبير
وقبل نهاية المباراة بثلاث دقائق، احتسب حكم المباراة خطأ على حارس مرمى الإنجلبير، ليمرر أبو جريشة الكرة إلى اللاعب سيد عبد الرازق فيسددها قوية تسكن الزاوية العليا لمرمى الإنجلبير، وتنتهي المباراة بفوز الإسماعيلي بأول كأس إفريقية لمصر والدول العربية

يومها بكى الإذاعي الكبير فهمي عمر وهو ينقل تفاصيل المباراة عبر الآثير، وتعالت هتافات الجماهير المحتشدة، خصوصا حين صعد كابتن الفريق ميمي درويش ليتسلم الكأس الغالية
لعب الإسماعيلي في البطولة ثماني مباريات، فاز في خمس منها وتعادل في ثلاث وأحرز 22 هدفا، ليحقق البطولة دون أي هزيمة

جاء "فاكهة الكرة المصرية" علي أبو جريشة هداف الفريق وهداف البطولة برصيد 8 أهداف، وأحرز سيد عبد الرازق 6 أهداف وأحرز أميرو 4 أهداف وهنداوي هدفين، وسجل كل من أنوس والسناري هدفا، ودخل مرمى الإسماعيلي 9 أهداف


وحصل أبو جريشة أيضا على لقب أحسن لاعب في القارة في استفتاء مجلة "جون أفريك" كما فاز بالكرة الفضية في استفتاء مجلة "فرانس فوتبول"
خرجت الصحف المصرية في اليوم التالي للمباراة بعناوين رئيسية تحختفل بالفوز الكبير، وكانت عناوين جريدة "أخبار اليوم" كالتالي:
"الإسماعيلي بطل إفريقيا هزم الإنجلبير 3/1
دفاع الإسماعيلي شل خطورة الإنجلبير
الحكم يقول : كنت حازما في تطبيق القانون
وحاملا الراية يقولان: أبو جريشة وكازادي أحسن اللاعبين"
[3]

فوز الإسماعيلي باللقب الإفريقي مسح دمعة من عيون المصريين، ومنح بصيص أمل في غد أفضل، فالكرة تصنع المعجزات، وترفع الروح المعنوية إلى السماء السابعة، بعد أن سقطت تلك الروح المعنوية فوق رمال سيناء
كان الدراويش على موعد مع فصل مهم من إمتاع جمهورهم لدرجة الذوبان في فنهم. نشير هنا إلى أن الناقد الرياضي نجيب المستكاوي هو الذي أطلق على فريق الإسماعيلي لقب الدراويش. وحين أطلق عليه هذا اللقب كانت عائلة درويش ممثلة في الفريق، وبقي هذا الاسم مرتبطا بالفريق حتى يومنا هذا، مع أن أصحاب اللقب‏ (‏درويش‏)‏ في تاريخ هذا الفريق يعدون على أصابع اليد الواحدة‏،‏ بينما آل أبو جريشة قدموا له عشرات النجوم. ولا نبالغ حين نقول إن عائلة أبو جريشة سعيدة بلقب الدراويش؛ لأنه جاء من رجل ساند الإسماعيلي حين كانت المساندة شجاعة
[4]

الهوامش


[1] عزت القمحاوي، حتى في اللعب.. المجد للديمقراطية، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 13 يوليو 2010
[2] سعيد عبد الغني، الدراويش في أدغال إفريقيا، بدون ناشر، القاهرة
[3] جريدة "أخبار اليوم"، القاهرة، 10 يناير 1970
[4] حسن المستكاوي، الدراويش.. أم (الدهاشنة)؟!، جريدة الشروق"، القاهرة، 6 أغسطس 2010

تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator