المحروسة

gravatar

كيمياء.. أيام النصر







الإدمان الكروي في مصر فتح صندوق الأسئلة

برز تساؤل منطقي مفاده: "ما سر كرة القدم مع المصريين؟ هل هي كالأفيون، أم هي المخدر الذي يهدئ أعصاب المصريين، هل ولد المصريون وكرة القدم تجري في دمائهم، أم هي الشيء الذي يُنفس (بضم الياء) فيه المصريون عن هذا الكبت والحرمان الذي يعيشونه، ما هذا الفوز الذي يبعث الحياة في المصريين، ما هذا الحب الذي ينزل فجأة وبالهبل لبلدهم مصر، ما سر هذه الأعلام التي يتسلح بها المصريون، هل هذا العَلم - الذي بدا في أجواء المباريات بهيا قويا كما لم يبد من زمن بعيد، خفاقا كما لم نره من قبل إلا قليلا - هو الحضن الذي يبعث الحنان والدفء لديهم، أم هو الساتر الذي يمنع عنهم صعوبات الحياة التي يعيشونها، ولماذا كرة القدم؟ لماذا لم يخرج المصريون عندما حصل نجيب محفوظ والرئيس السادات وأحمد زويل على جائزة نوبل، لماذا لا يخرجون في احتفالات نصر أكتوبر مثلما يخرجون الآن؟

"إذن هناك سر خاص، هناك كيمياء بين المصريين وكرة القدم خصوصًا أيام النصر"



صحيح أن الأفراح الكروية تنفجر في كل مكان، غير أن الحالة المصرية ترتبط أكثر من غيرها بالسياسة. فالمواطن المصري بات يرى فريقه، سواء المنتخب أو النادي، "مشروعه القومي، وجماعته الخاصة.. ففوزه انتصار له وخسارته تعني هزيمته.. وهو يرى نتيجة مشاركته في هذا المشروع القومي الذي هو المنتخب فورًا، يرى النتيجة في الحال، ويعتبر نفسه صاحب الانتصار، ويعتز بذلك ويفخر به ولو لم يعلنه. والمواطن المصري يرى أنه لا يخسر في الانتخابات السياسية؛ لأنه لا يشارك فيها أصلا، فكيف يخسر شيئًا لم يفعله، وهو أيضًا لا يفوز في الصحة أو في التعليم، ولا ينتصر في عمله على أنصاف المواهب وأصحاب الواسطة.. وهو يرى الفريق ملكًا له. وبقدر ما في قلبه من انتماء لمصر إلا أنه لا يجد حدثا عاما يحرك هذا الانتماء سوى كرة القدم.. وهذا هو الفارق"

ويبدو أن مصر فقدت الإنجازات التي تجعل المصريين يلتفون حول هدف محدد، وهذا ناتج عن غياب الدولة والرعاية الاجتماعية التي تجعل الإنسان شغوفًا مهتمًا بتحقيق الهدف، وكرة القدم هي الشيء الوحيد الذي له شعبية ويتم الالتفاف حوله. والمشكلة الآن محورها أن الشعب المصري لا يلتف أو يبتهج ولا يهتم ولا يحزن ولا يحشد نفسه ولا يجيش شبابه ولا يحقق ذاته إلا من أجل كرة القدم؛ لأن كل شيء غير كرة القدم غير محقق

ويمكن هنا أن نلفت الانتباه إلى رأي يقول بأن المشجع الأوروبي يرى الملعب ساحة للخروج عن النظام والقانون والقيود؛ لأن كل ما يحيط به، في الشارع والمكتب والمنزل يخضع للنظام، والقانون والقيود.. ويرى المشجع المصري الملعب ساحة للتعبير من سخطه؛ لأنه يعاني من غياب النظام والقانون والقواعد في الشارع والمكتب والمنزل

ويستغرب د. جلال أمين "ذلك الربط المدهش بين الفوز في لعبة ككرة القدم، وبين الشعور القومي والولاء للوطن. من الممكن أن تتصور أن يشتعل الحماس للوطن لدى الانتصار في حرب من أجل قضية يؤيدها الناس، أو للنجاح في اقتحام الفضاء أو النزول على القمر، أو اكتشاف أحد مواطنينا اكتشافًا عبقريًا أو اختراعه اختراعًا يفيد العالم بأسره، أو حتى فوز أحد مواطنينا بجائزة نوبل في الأدب أو العلم.. إلخ"


ولعل النجاح الكروي على الصعيد القاري استدعى تساؤلات سياسية وإسقاطات لا تنتهي

فقد تساءل البعض لماذا تحقق مصر إنجازاتها الكبيرة في مباريات كرة القدم في حين تخيب جامعاتها ولا تذكر في أي تصنيف عالمي محترم. أحدهم سأل: لماذا لا يعين الكابتن حسن شحاتة رئيسًا للوزراء، ووصل الأمر إلى أن رئيس تحرير سابق أيد الدعوة بأن استشهد بتولي محمد علي حكم مصر عام 1805 وكان تاجر دخان لا يعرف القراءة والكتابة. وتورط بعض الكتاب والصحفيين برفع الفوز بكأس الأمم الإفريقية إلى مستوى أهمية انتصار القوات المسلحة في حرب أكتوبر 1973



أحد أصحاب الأقلام الجادة، جعل حسن شحاتة، المدير الفني لمنتخب مصر، أحد رجلين - إلى جانب مرشح الرئاسة الإيرانية حسين موسوي- من العالم الثالث استطاعا في توقيت متقارب أن يدفعا شعبي بلديهما إلى الشارع. تحدث الكاتب عن "دولة تحتاج إلى منقذ في السياسة يمتلك براعة منقذها في الرياضة"، مشيرًا إلى أنه "لم يأمر الكابتن حسن شحاتة أحدًا بالجري في الشوارع والرقص حتى مشارف الفجر، لكنه أنجز مهمة ثقيلة في صمت فاستحق الإعجاب والثناء، وعبر الناس عن إعجابهم عفويًا بحناجرهم وأكفهم وأرجلهم التي دبت كثيرًا في الأرض، وبأبواق السيارات التي ملأت آذان كل العابرين" 

العالم المصري د. محمد النشائي، أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة كامبردج البريطانية، طالب بضرورة وجود منتخب علمي يرفع اسم مصر عالميًا ويقودها نحو المستقبل، مثلما فعل منتخب كرة القدم بقيادة الكابتن حسن شحاتة، بفوزه ببطولة إفريقيا للمرة الثالثة على التوالي

وأشار النشائي إلى أن الإصرار والإخلاص والإرادة وتحديد الهدف، هي الخلطة السحرية للنجاح والتقدم على كل المستويات، وقال: "ما حققه منتخب شحاتة لمصر وللعرب يمكن تحقيقه في جميع المجالات، وأولها البحث العلمي الذي يحتاج إلى تشكيل منتخب علمي يكون هدفه تقديم حلول عملية لمشكلات مصر والمشاركة والمنافسة بقوة في الهيئات والمراكز البحثية العالمية"



وعلى حافة منطقة رمادية، وجهت انتقادات لسوء استخدام بعض نجوم الكرة – وخصوصًا حارس مرمى المنتخب عصام الحضري- عَلَم مصر، الذي هو جزء من التعبير عن الانتماء للوطن. وجزء من التعبير عن رغبتنا في احتضان الوطن لنا. وانتقد هؤلاء صورة الحضري وهو يضع العلم حوال خصره ويرقص فرحًا بالفوز الكروي أمام كاميرات التليفزيون 

وبلغ الأمر مداه حين تساءلت بعض الأصوات: ماذا لو كان لمنتخب كرة القدم المصري علم خاص به "هل كان الناس سيحملون علم مصر بهذه الكثافة، أم أن نسبة الأحمر والأبيض والأسود كانت ستتضاءل؟!.. بتبسيط أكثر: هل كان هؤلاء السعداء الراقصون في الشوارع ينتمون لمصر أم ينتمون لمنتخب مصر؟"

ويبدو أن صحيفة "لوموند" الفرنسية على حق حين تقول إن المصريين يمزحون في كل ما يتعلق بحياتهم اليومية من أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية، حتى إن "النكت" السياسية في مصر هي أقرب للرياضة الوطنية التي يمارسها الشعب، إلا أنه فيما يتعلق بالرياضة وتحديدًا كرة القدم فالأمر أكثر جدية والنكت والمزاح أمر مرفوض تماما

ومع استدعاء المقارنة بين الرياضة والسياسة، والتساؤل عن أسباب النجاح في الأولى دون الثانية، تطوع البعض بالرد والتفسير



gravatar

هيه الناس بتحب مصر أوي
دي حقيقة

وكمان نفسهم يفرحوا
ودي برضه حقيقة

جات الكورة عملت كوبري علوي بين الغايتين عن طريق تحقيق إنجاز كبير

يعني الكورة كانت وسيلة لتعبير الناس عن حبهم لمصر بفرحة عميقة

الناس كمان بتحب تنتصر
ودي بررررررضه حقيقة

والناس بتسعى للإنتصار
ودي في مصر مش حقيقة

فتخيل واحد انتصر بدون ما يسعى للإنتصار
يعني ناس طبقت كل معاني الأنتخة والتبلد والكسل والعشوائية في الإدارة واللاتخطيط ,, ودي حقيقة
ومع ذلك انتصروا

شوفت دي حاجة تفرح ازاي؟
دي تفرح أوي أوي الشعب المصري

حاجة عاملة زي كوك زيرو

يعني تلعب من غير خطة ومن غير لاعبين حقيقين محترفين دوليين
وتاخد بطولة الأمم ثلاث مرات متتالية

gravatar

د. ياسر عمر عبد الفتاح


أتفق معك تماما في أن النصر الكروي يحقق للجماهير المحبطة نصرا بلا جهد، وتعويضا عن انكسارات يومية نعرفها جميعا

أعجبتني فكرة الكوبري العلوي بين الغايتين، ومفهوم "كوك زيرو" في الفوز ببطولات إفريقية

:)

gravatar

انا بشوف ان كرة القدم دى مجرد لعبة
مهما كان ومهما حصل هى لعبة
ممكن الناس تفرح وتعبر عن فرحتها فى الشوارع لكن ان الموضوع يتحول لحرب بين الشعوب العربية ده غير مقبول بالمرة
حاجات تانية كتير تستحق ان العرب ينشغلوا فيها لكن لما تكون الكرة هى شغلهم الشاغل دى اكيد مشكلة كبيرة

gravatar

Noha Saleh

أتفق معك تماما

تحولت الكرة إلى سبب للعداء، بدل أن تكون فرصة للتلاقي والتقارب

ربما يكون للإعلام والسياسة دور في هذا، لكن تبقى كرة القدم رياضة ذات شعبية طاغية، شرط ألا يتلاعب بها البعض لمصالح سياسية خاصة

gravatar
Anonymous في 9:02 PM

الأديب الكبير الدكتور ياسر
أحييك على هذا التحليل الرائع للشعب المصرى من خلال وباء كرة القدم
أيام هزيمة سبعه وستين قالوا ان عبدالناصر ألهى الشعب بأم كلثوم وكرة القدم ولقمة العيش بعيدا عن السياسه واستمر الحال على هذا المنوال فى عهد السادات وتغير الحالى فى عهد مبارك لأن أم كلثوم انتهت وكذلك الغناء والطرب ولم يبق الا كرة القدم التى كان فريقنا يفوز فيها أحيانا بفضل داء الوالدين فلاعندنا كرة قدم حقيقيه وفقدنا كل شئ يمكن أن نفخر به حتى الرياده التى كانوا يتشدقون بها فى الاعلام والسياسه والفن والتعليم والزراعه وغيره وغيره فقدناها حتى المياه التى نشربها أصبحنا مهددين بها بفضل فشلنا فى التعامل مع افريقيا والتعالى على دولها
ولانملك الا أن نقول عليه العوض ومنه العوض وهذا دعاء العجز
وشكرا لك سيدى الفاضل على تحليلك الجميل لحالنا من خلال الكره المستديره الملعونه التى أصابت الشعوب بالجنون
عبدالهادى كامل

gravatar

عبد الهادي كامل

أخي وصديقي المهندس عبد الهادي، لك الشكر على هذه الكلمات الجميلة والتعليق الثري عن دور كرة القدم في حياة المصريين

كما قلت في تدوينة سابقة، فإن الإلهاء هو أحد مفاتيح التوظيف السياسي لكرة القدم، وما نراه الآن من مشاحنات وعداوات بسبب الكرة إنما يعود في الأساس إلى هذا التفسير

مودتي وتقديري

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator