المحروسة

gravatar

الكرة المقدسة




"ربما هي ديانة جديدة تجتاح العالم. و"ليتقدس أسيادنا الجدد"[1]!


الدين.. هل هو دينامو اللاعبين، أم ديناميت كرة القدم؟!

هذا هو السؤال الأكثر صعوبة في مسيرة اللعبة الشعبية الأولى في العالم، الذي يهز
 البعض عليه رأسه بالإيجاب، فيما يهز البعض الآخر رأسه بالنفي المطلق.

وفي رياضة تبدو انعكاسًا للمجتمعات والثقافات، لا يبدو مستغربًا أن يُزجّ بالدين في هذه
 اللعبة الجماهيرية. ويصعب تجاهل حضور الدين في ملاعب كرة القدم، حتى وإن
 انشغلت العقول والأقدام بالبحث عن هدف أو لقب.

إن العلاقة بين الدين وكرة القدم علاقة معقّدة. فإذا كان الدين، لدى كارل ماركس، أفيون
 الشعوب، فإنّ كرة القدم صارت، اليوم، ذلك الأفيون. على أنّ كرة القدم هي دين بلا
 آلهة، وإنّما أبطالها بشر موهوبون قادرون على استبدال الرموز والطقوس المقدسة بما
 يمنحونه للجمهور من الذهول والمتعة وروح المفاجأة والجمال.

وما بين عامي 1324 و1667، كانت كرة القدم محظورة في إنجلترا وحدها بموجب أكثر من 30 مرسومًا وقانونا ملكيًا ومحليًا. والأسباب كانت تتعلق عادة بالدين والأخلاقيات
 العامة.

ومن ذلك أن ملك انجلترا إدوارد الثاني قرر في 13 أبريل 1314 حظر كرة القدم؛ لأن
 ضوضاء الكرة تأتي بالشياطين أعداء الله والمسيح. في المقابل، فإن "كتاب الرياضات"
 الذي أصدره ملك إنجلترا جيمس الأول عام 1618، يطلب من المسيحيين ممارسة لعبة
 كرة القدم بعد ظهر أيام الآحاد في أعقاب فترة العبادة. ويبدو أن الكتاب كان محاولة للحد من صرامة المهاجرين البيض البروتستانت المعروفين باسم"البيورتانيين" أو الأطهار الخاصة بالامتناع عن ممارسة أي نشاط في يوم الإجازة الأسبوعية.


ولكن بعد فترة من المعارضة، تغير موقف الكنيسة من كرة القدم، فانتشرت مدارس الكرة المسيحية والروابط التي شملت اللاعبين المحترفين المسيحيين المؤمنين من مختلف الفرق العالمية. ولقد نشأت عدة فرق للكرة في بريطانيا انطلاقا من الكنيسة، التي وجدت فيها منفذًا للوصول إلى الشباب استقطابهم.  وقبل الحرب العالمية الثانية كانت نوادي كرة
القدم كثيرًا ما تشتمل على عنصر عرقي أو ديني: فكان نادي تونتهام هوتسبر في لندن
 "يهوديا"، في حين كان ينظر إلى الأرسنال على أنه "أيرلندي". وتظل علامات الهوية
 هذه قائمة: فما زال نادي أياكس في أمستردام في نظر خصومه المحليين "ناديا يهوديا".
 وما زال ناديا سيلتيك ورينجرز في غلاسكو منقسمين بموجب الانتماء الديني، فنادي
 سيلتيك كاثوليكي ونادي رينجرز بروتستانتي[2].

نادي "هاللويا" في كوريا الجنوبية مثال آخر، فهو نادٍ للمحترفين مبني على أساس ديني.
 تم إنشاء النادي عام 1980 وفق رسالة معلنة وواضحة، وهي أنه ناد لا يهدف فقط إلى تطوير كرة القدم في كوريا الجنوبية إنما يقوم بأعمال تبشيرية من خلال كرة القدم داخل كوريا وخارجها، حيث ينظم لاعبو النادي زيارات لمعسكرات الجيش ويقيمون مباريات مع الجنود تتبعها عادة عظات دينية، كما شهد عام 2009 مشاركتهم في مباريات كأس الملكة بتايلاند معقل البوذية.. وتبع إنشاء نادي "هاللويا" للكرة عدد من الأندية المسيحية واليهودية المماثلة.
ولعل كثيرين لا يعرفون أن الخلط بين الدين والكرة نشأ أساسًا في الغرب. وكان أول لاعب تشهده الملاعب يسجد أثناء المباراة شكرًا لله هو الأميركي هرب لاسك الذي لعب في منتخب فيلادلفيا لمدة 3 مواسم وذلك قبل أن يصبح قسيسا وينشيء كنيسته الخاصة وكان ذلك عام 1977. ومنذ ذلك التاريخ وعدد اللاعبين المتدينين في منتخب فيلادلفيا في ازدياد مستمر.. معظمهم يقيمون الصلوات بعد المباريات ويحرصون على حضور العظة في أيام الآحاد، ويتشاركون في دراسة الإنجيل ويتحدثون عن إيمانهم بالمسيح في كل حواراتهم الصحفية والتليفزيونية، ويعملون جاهدين على إقناع غير المؤمنين منهم بالانضمام إلى أنشطتهم الروحانية[3].

كرة القدم، هذا "الطقس الاجتماعي" الذي يملك أكبر عدد من "الممارسين" أو من
 "المنتسبين"، دفعت المفكر الفرنسي مارك أوجيه إلى القول، في مقالة شهيرة له بأنه
 "ربما كان الغرب اليوم، يتجه إلى ديانة جديدة من دون أن يدري"، مشيرًا إلى أن
 الشعبية الساحقة للعبة كرة القدم ووجودها في حياة عدد كبير من الناس، يشكل معنى ذا دلالة، أي أنه أكثر من موجة عابرة، وبخاصة حين يتحول اللاعبون إلى "آلهة" فوق
أرضيات الملاعب كما خارجها. وإذا كانت الديانات "تفرض" طقوسا ما، فإن كرة القدم
مليئة بالطقوس، "الشعائرية" حتى (من تحية الجماهير ولغاية الاحتفاء بالفوز)، لدرجة
 أن الملاعب أصبحت أشبه بمعابد تستقطب أناسا أكثر من المعابد الحقيقية[4].

وإذا مددنا خط على استقامته فسنجد أن كل كلمة تقال أو حركة أو حتى إيماءة في عالم
كرة القدم، توضع على ميزان ديني ومقياس أخلاقي صارم، لتقدير حجمها وآثارها. والمؤسف أن إغراق الكرة بالرموز الدينية وجرّها إلى فضاء المقدّس والمطلق، وتحويل فضاء اللعب والحرّية إلى فضاء تعبّد وخضوع، قد يقودان إلى شيطنة اللعبة من حيث أُرِيدَ لها القداسة، وسلبها، بذلك، واقعها الخصوصي الحر القائم على المشاركة والمنافسة والمفاوضة وعلى عفوية الحركة وجمالية المشهد واللّعب[5].

الدين فجَّر أسئلة لا تنتهي في ملاعب كرة القدم حول اللاعبين.. وربما الجمهور.


فقد فتح الكاميروني صامويل إيتو صندوق التساؤلات عقب احتفاله بهدفه الأول في مرمى المنتخب التونسي في المباراة التي جمعت المنتخبين في ختام مباريات المجموعة الرابعة بكأس الأمم الإفريقية التي استضافتها أنغولا في يناير 2010.

وانطلق إيتو مسرعا نحو الكاميرا، وخلع شارة قيادة منتخب "الأسود التي لا تقهر" وقام بتوضيحها للكاميرا، ليكشف عن جملة مكتوبة باللغة الفرنسية ترجمتها باللغة العربية "الله أكبر".

وزامل إيتو عددًا من اللاعبين المسلمين في برشلونة الإسباني وإنتر ميلان الإيطالي، أمثال إيريك أبيدال وسيدو كيتا وسولي علي مونتاري، وبالتأكيد هو يعرف معنى  كلمة "الله أكبر"، خاصة أن مجموعة من زملائه في الفريق مسلمون، وأبرزهم محمد إدرسو زميله في خط الهجوم.

وانشغل كثيرون بالتساؤل عما إذا كان إيتو قد اعتنق الإسلام وسار على درب المالي المولود في فرنسا فريدريك عمر كانوتي، والفرنسيين إريك أبيدال و"بلال" أنيلكا و"بلال" ريبيري، والهولندي روبن فان بيرسي، والبرازيلي فريد.

وبالحديث عن كانوتي، فإنه بعدما سجل هدفا في مرمى نادي ديبورتيفو لا كورونيا ضمن بطولة كأس إسبانيا في 7 يناير 2009،  رفع قميصه وكشف عن كلمة مكتوبة على القميص الداخلي(فلسطين). وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن كانوتي كان يرغب في لفت انتباه الرأي العام العالمي للاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة. نتيجة لذلك أشهر حكم الساحة البطاقة الصفراء له، وقررت اللجنة المنظمة للبطولة تغريمه 4 آلاف دولار[6].

وفي مونديال جنوب إفريقيا، حضر الدين عند الجميع.

هوامش



[1]  اسكندر حبش، الدين الجديد، جريدة "السفير"، بيروت، 26 يونيو 2010.
[2]   Ian Buruma, Taming the Gods: Religion and Democracy on Three Continents, Princeton University Press, Princeton, 2010.
[3] ديانا الضبع، هل الله ضد الفريق المهزوم؟، مجلة "روز اليوسف"، القاهرة، 6 فبراير 2010.
[4]  اسكندر حبش، الدين الجديد، مصدر سابق.
[5] مختار الخلفاوي، الدين لله والكرة للجميع، موقع "الأوان" الإلكتروني، http://www.alawan.org/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%84%D9%91%D9%87-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A9.html ، 1 ديسمبر 2009.[6] Kanoute faces T-shirt fine, BBC online, http://news.bbc.co.uk/sport2/hi/football/africa/7818831.stm, January 8, 2009.

gravatar

مقال رائع جدا

gravatar

بالرغم اني ماليش في الكورة بس استمتعت بالقراءه جدا
وعرفت معلومات كتير جدا
واستغربت عن الامريكي اللي سجد في الملعب وكنت فاهمه ان الحركه دي اختراع مصري
كمان حركة فلسطين كنت فاهمه ان اللي عمل كده ابو تريكه(يارب يكون الاسم صح)بجد بوست مفيد
ومبسوطه ان في لاعبين مشهورين مسلمين علشان دول يكونوا خير سفير للأسلام

gravatar

Sharm


شكرا لمرورك وتعليقك الجميل

gravatar

شمس النهار


يسعدني كثيرا أن أعلم أن هناك من قرأ واستفاد معلومات جديدة من تلك المدونة


وهذا في رأيي سبب كاف جدا، كي أشكرك

gravatar

الدين لم يعد مقدس كالكرة التي خطفت عقول الملايين ولكن من تعلق قلبه بالله عز وجل فقط فهو له حسن الجزاء بارك الله فيك

gravatar

المملكة البيضاء لأمة اقرأ


بالتأكيد هناك نوع من التأثير الهائل لكرة القدم على مشاعر المشجعين. تأثير يقترب في كثير من الأحيان من درجة الانتماء الديني

والنتيجة، كما نرى

شكرا جزيلا على حضورك

gravatar

أؤمن على ما قلت وأضيف:

وسبق أن جرم النظام الإيراني كرة القدم ووصل بها يوماً لمصاف التحريم قبل أن يتراجع عن ذلك تماماً مع بدايات عهد "خاتمي" .. بل إنه اعتبر كرة القدم وسيلة لتحقيق نصر "سياسي" على "الشيطان الأكبر" (="الولايات المتحدة") في المباراة التي أقيمت بين الفريقين في بطولة كأس العالم 1998 بفرنسا..جزء من الطبيعة البراجماتية للنظام الطهراني الذي يقدم ما يراه "المصلحة" على الاعتبارات الأيديولوجية التي يستخدمها في "الوقت المناسب"..

أما التيارات السلفية المختلفة فتبنت فيما بينها مواقف معادية للغاية لكرة القدم ما بين تحريم عام تام وما بين أحكام وفتاوى.. ووصلت الحملة إلى ذروتها في مصر عن طريق التيار "الحساني" (=نسبة إلى الشيخ "محمد حسان") التي شنت حملات معادية على قناة "الرحمة" قبل غلقها ضد كأس العالم الأخير..ومن بين ما قيل فيها ما قيل عن "تمييع عقيدة الولاء والبراء" و..و...

gravatar

قلم جاف

كلام سليم، خصوصا موضوع إيران، وقد تحدثت عنه بتفصيل أكبر في كتابي "حروب كرة القدم"، ولكنني أقتطف هنا أجزاء مما هو منشور في الكتاب، مع تعديلات طفيفة، حفاظا لحقوق النشر


أشكرك على متابعتك وتعليقاتك النابهة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator