المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

ثورة الكرامة



في الثورة لا يسعك أن تبحث عن دور.. فالأدوار تبحث عنك: إما بطلاً مقاوماً يشارك أحبته الغناء.. أو خائناً لا ماء في بئرِ قلبه.. أو خائفاً يبحث عن طوق النجاة من نهايات مؤلمة

فكن من الصنف الأول.. وقتها يكون الله خمس أصابع في كف كل ثائر

ولا تكن لص مقابر.. فتكتشف أن الجثة التي بعتها للتو كانت لأخيك

ولا تكن ضحيةً بلا سببٍ.. فالموتى لا تأتيهم الأحلام في نومتهم القسرية
 
 
 

تابع القراءة

gravatar

الصورة إن حكت (4): انتهى الدرس






الصورة: محتجون يتظاهرون في 14 يناير 2011 ضد الرئيس التونسي زين
 العابدين بن علي، قبل ساعات من مغادرته البلاد وتنحيه عن السلطة بعد حكم دام
 23 عامـًا

 
تصوير: زهرة بن سمرة/ رويترز


Photographer: REUTERS/Zohra Bensemra





كانت الطائرة تعلو وتعلو، و"السيد الرئيس" يهبط ويهبط إلى هاوية سحيقة

والقاع فقط جهاته بلا سقوط!

كانت الطائرة الرئاسية التي تتسلل خفية إلى الأجواء، كأنها تحاول الفرار إلى السماء، على موعد مع نوع غير مألوف من التسول

فوق الجزر، والمدن القصية، التي تفوح منها رائحة "نعم"، كانت الطائرة تحلق، وتستجدي الإذن بالهبوط

والرد؟

"لا صارمة"، أو "نعم مُوَقَّتة".. ما دام الأمر متعلقـًا بالتزود بالوقود، من أجل رحيل آخر.. واستجداء جديد

العالقون في تابوت يكفي كل الموتى ويسبح في الهواء الشحيح، كانوا مجرد فارين إلى خنادقِ المنفى مع أول صافرةِ إنذار، بعد أن سقطت دولة البصاصين مثل قلعة من رمال

كانت السماء للشعب لغة، ولأعوان "الباي الأخير" ضجة أحرف كلمةٍ واحدة: الخزي

لعلهم حين حلقت بهم الطائرة فوق سماء العاصمة نظروا من النوافذ إلى الدخان الكثيف الذي يغلف المدينة

حريق كامن في الصدور منذ سنين

أهوال يناير.. وشمسٌ تنقذ الأرواحَ من مافيا الأبناء والأعمام والأخوال، والبطانة، وأذناب العائلات الفاسدة

الطرابلسي والماطري وشيبوب.. سلالة بلا مزايا ولا بريق، أعماها الاستقواء بالسلطة المتوحشة، فانتفعت من وهم حُكم "أبدي"، إلى أن لاحقتها اللعنات حتى النهاية

جنرال الهروب، على ساحل المنفى، لم يعد لديه من يكاتبه

والشارع على مسافةِ خَمسِ خُطواتٍ من الحرية والانعتاق

خطوة، قطعها المهمشون الذين مر على جسدهم الأصهار والمواكبُ الفخيمة

وثانية، مشاها الثائرون أمام مبنى الداخلية المقيت، الذي أورثَ الأرضَ تعاسة وطوفانـًا من الدّم

وثالثة، سارها اكتمال الحشد في قلب العاصمة، وسط دمع ينتظر في المحاجر

ورابعة، بدأها من كانوا جاهزين لاستقبال طلقة، وكلهم شغف بأن يلف جسدهم علم الوطن

وخامسة، كانت من نصيب مُلهمٍ شربَ نخبَ احتراقه، حتى ثملت الطرقاتُ والأحزانُ في المُقل

المنسحقون استفاقوا تحت شمس ألقتهم يومـًا في لظاها

الجموع الهادرة، موجة خرجت لتصقل الصخر وتجرب لونها

غضب الشعب الذي عاش تحت قدم الخوف والتخويف زمنـًا طويلا، يواجه جنون حاكم ينزع إلى الانتقام، ويجد لذته في الإقصاء

"السيد الرئيس"، المستبد، كسوط يلوح للقادمين: هل سرنا في عهدكِ/عهركِ من قبرٍ إلى قبرِ؟

رصاصك الذي حصد الأبرياء وقصف الأقلام وقطف الرؤوس بعيون دامعة من الغبطة، علَّمنا أنه حين تطلقُ السلطة النارَ على جماهيرها يكون النظام قد أدرك أنه يخوض معركته الأخيرة

هتاف الحناجر من بركان يثور، قال كلمته: الشعب أراد الحياة.. فهرب "صاحب الفخامة" وأطلق ساقيه للريح!

الشرارة التي واجهت الشراهة، انطلقت من سيدي بو زيد، وشملت كل من هدهم الفقر ونهشهم الخوف ردحـًا من الزمن، انقلبت ذات جُمعةٍ إلى فرح أشبه بالبكاء

بكاء، لا يماثل دموعـًا محتملة انحدرت من عيني الضِّلِّيل على الكتف العاري لعزيزته التي ذهبت يومـًا إلى الكراهية ولم تعد

كانت الظلمات تؤكد اختفاء "السيدة الأولى"، واختباء مصففة الشعر التي تتغندر بوصفها "سيدة الجمهورية الضرورية"

لعل "حاكمة قرطاج" تندب حظها العاثر، وتثرثر مع أشباحها، متناسية كم كتفـًا تسلّقتْ، وكم تدلل جسدها مثل عشبة شاردة، حتى تصل!

المرأة التي تعشق الملابس الباذخة وجولات التسوق والتدخل في الاستثمارات والتعيينات الحكومية، تطيلُ التحديق في الفراغ الهائل المُحيط بها، وتهاجمها نوبات الصداع كلما تذكرت هتافات المحتجين: "يا ليلى يا حجامة، ردي فلوس اليتامى"

ها هي الخليلة التي جاءت في غفلة من التاريخ، لتظهر علنـًا كزوجة شرعية مصحوبة بهالة كأنما هي "سلامبو"، سليلة المجد الفينيقي، تتساءل - في ارتباك لص جشع- ساعة الرحيل: ماذا سنأخذ معنا وماذا سنترك خلفنا؟

مخلوقان يبدوان خائري القوى.. وحيدين بالاختيار والاضطرار، حين يلتقي طَرَفُ البداية بعجز النهاية

لكن الجلاد الذي يغالطُ الشيب بصبغة مستوردة، ليس سوى خليط من بابا عسكري، وممثل كوميدي

نام طويلا على حرير التقارير التي تستقر في وداعة في الأدراج، وسط تطمينات المستشارين وتحية الجنرالات التي تفوح منها رائحة الولاء القاطع، وترويض الدستور الذي أصبح موظفـًا يدمن الانحناء

يا سيد الانقلاب، كم من مرة كممت الأفواه وفقأت الأعين، وأصدرت التعليمات بأن تفتح وَقَبَات البندقية هوة بين الموت والحياة؟!

والأوامر.. أورام في جسد الطاغية

أيها "الشاه" الذي تتفصدُ منه دائمـًا حباتُ عرق لامعة، لماذا "جميع القيم مهدرة، لكن الأمن مستتب"؟!

قيامة الأحرار حانت، بعد أن استقر في يقينهم مقولة نجيب محفوظ: "عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة"

هل هناك شارع عربي؟

أبو القاسم الشابي يجيب بثقة: نعم.. شارع يجترح في كل لحظة معجزة

قالها تاركـًا ساعده الأيمن ينزف بسلام

هي الحرية الحمراء.. التي تبدأ من تونس الخضراء

طاغية آخر سقط من التاريخ، بعد أن أطفأ الأنوار وراح

"فهمتُكم جميعـًا"، قال "السيد الرئيس" في فصاحة متأخرة، وفي دمه رائحة الجنازات، ليستجدي وقتـًا إضافيـًا

لا، أيها الرجل الذي لا تشمله المغفرة.. أنت لم تفهم، وربما أدركت الحقيقة متأخرا

"هذا التغيير استجابة لمطالبكم التي تفاعلت معها"، قالها بوجهه المتجهم وهو يغترف كلماته من جوفه بصعوبة بالغة

"لا رئاسة مدى الحياة"، رددها بصوت مرتعد وهو يجثو على ركبتيه في هوان مصطنعـًا العجز.. حيلة لم تنطل على شعب رد بعنفوان: بل لنا الحياة

"أمهلوني ثلاث سنوات إضافية"، يقولها بائع المسكنات، لكن الوقت يخون الحاكم

"اهدأوا"، يتوسل المسخ الذي ظهر خلال لحظة شكسبيرية في مأساة احتضار البورقيبيّة، وعلى جبينه قرحٌ دائم، مثل أفعى شربت سمها

أسرابُ النفاق تتساءل في الصحف اليائسة والقنوات البائسة: أليس من حق الرئيس أن يبتهل؟

لم يصدقه أو يصدقهم أحد.. كان الكل يعرف أن المخالب مخفيةٌ تحت قفازيّ الرجل الذي سقط بعض قناعه أرضـًا، مثل رماد هش لسيجارة

لم يصدقه الشارع، الذي يحفظُ وصايا التاريخ، وبطش الهرم الأمني، وحكايات بحر لا يتوقف عن لفظ جثث الحالمين بالهجرة إلى الشاطئ

وكذَّبه البسطاء الذين يتندرون عما جرى، حين مر الاستعراض العسكري أمام منصة مقاعدها خالية.. لكن المقاعد التي أدمنت المسؤولين الحكوميين، أخذت تصفق بحماس!

وسخر من أفكاره المغشوشة ووعوده الزائفة بالبرد والسلام، من ذاقوا ويلات نظامه المسرف في إهلاك الحرث والنسل

يا نجم نشرات الأخبار، أين ذهب أصحابُ المباخر الذين كانوا يمطرونك صباح مساء بالإشادات والقصائد والورد؟!

تتفتح غرزات الخيبة في جسد شعب عاش في قرارة الجحيم وداهمته كل أشكال القلق

شعب، ليله أسف، ونهاره لهف،

شعب، غذاؤه محن، وعشاؤه شجن، وزيتونه فتن

شعب، سره علن، وخوفه وطن

إناء القهر لم يعد يتحمل المزيد، ولم يبق أمامهم رشادٌ أو غواية

ها هو طائر الحرية يعلو فوق قلوبهم يوم حُمَّ القضاءُ

ارتفع الأذان: حي على الكرامة.. حي على التغيير

الأغاني التي طفحت، وترهات جوقة النخب المدجنة، التي تتغنى بمناقب "السيد الرئيس"، زادتهم عطشـًا إلى العدل

حين يتكوم البرق في لجة الظلام، تنحني الأسئلة

تنمية؟ بل تعمية

زين؟ بل شين

حقيقة أنجبت من الاحتياج احتجاجـًا على "المحتل الوطني"، في سوسة وصفاقس وقفصة والقصرين والكاف وقابس

ينهض رجال التضحية ونساء التمنيات، والأطفال الذين نسوا أن يكبروا

يتابعون نمو الحرية كأنها ابنة في طريقها إلى الحياة

كلهم تحدوا قناصة الجنرال بصدورهم العارية، وبدّلوا آنية أرواحهم بأخرى خالدة

يطعمون الموت أجسادهم، وتبقى أرواحهم كسرة نور نقتاتُ منها للآتي

بهم، تونس تزداد اخضرارا، وسط محيط رمادي كذئب أغبر

وجه جديد لتونس.. يؤنس ويضيء الطريق

عاطل شاخت أيامه، يقول لعدسات المصورين: كبرت في وقت الفراغ، ونما الذل في ضلوعي كالديون، وهوى القمع فوق صدري بحذائه العسكري الثقيل

يخوض في حسابات الفلسفة: "عندي ستة وعشرون عامـًا، لكنني عشتُ مع الأسى ثلاث دقائق في كل دقيقة مهدرة.. فكم يكون عمري الآن؟!"

والسخط ينتظر الشرارة

يحرق محمد البو عزيزي بجسده العفيف قش النظام، لتستقيم الصورة المائلة في الإطار

هدير عربة الخضار لم يبلغ أسماع الطاغية، إلا بعد أن أصم أذنيه عن أنين شعبه

بائع خضراوات أسقط الطاغية وزوجته ابنة بائع الخضراوات

شاحنة النفايات مرت مسرعة، لتتسخ معها السترة البيضاء لصاحب الهيبة والهيلمان

الأمن الرئاسي يحرس العتمة الموحشة، والوشاةٌ يقايضون الهارب بالندم

وحدها قبور الضحايا، تخفي تحتها حكايات آسرة!

أبو القاسم الشابي يواسي الريح قائلا: لسنا عابرين، هم الذين عبروا وانتهوا

أيها الباذرون القمح.. موسم الأمطار يُولد، فاتقدوا، ثم اتحدوا، وانضجوا

الآن نتأهل لنبل الحياة

يهتف الشاعر بملامح وجه شديدة الوضوح، كأن نحاتـًا مرهفـًا حددها من مادة ثمينة: سنذهب إلى أنقاض الأحياء المهدمة والأرض المعشوشبة، بحثـًا عن غدنا.. ببندقية؟!

كلا.. بل بوردة في يد وقبضة تحد في اليد الأخرى سيبقى لأثرها صدى يتردد عبر العصور

جوهر درس التغيير ثابت

المهم أن يريد الشعب.. والباقي تفاصيل:

إذا الشّعْبُ يَوْمَـًا أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر


وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر


وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر


فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
تابع القراءة

gravatar

امتحان النجاسة



دخلت كرة القدم المصرية أكثر من اختبار عنوانه الأبرز: الأخلاق
وبينما عاشت الجماهير المصرية ليلة حزينة بعد الهزيمة المريرة لمنتخب مصر أمام نظيره الأميركي بثلاثة أهداف نظيفة في ختام الدور الأول لكأس القارات 2009، كانت القنوات الفضائية في حرب طاحنة انقسمت فيها ما بين مهاجم ومدافع في قضية سرقة بعض اللاعبين المصريين واتهامهم من قبل صحف في جنوب إفريقيا بالاحتفال مع عاهرات بالفوز على منتخب إيطاليا.
بدأت سخونة الأحداث مع تفجير عمرو أديب في برنامجه "القاهرة اليوم" على قناة "أوربت" بترجمته لما نقلته صحف جنوب إفريقية، فرد محمد زيدان، لاعب بروسيا دورتموند والمنتخب المصري، في مداخلة هاتفية للدفاع عن نفسه باعتباره أحد المتهمين، رافضا ما ذكره أديب، وقال: إن منتخب مصر يضم لاعبين على قدر كبير من التدين، ويكفي أنه يضم شخصـًا مثل محمد أبو تريكة. وأضاف: من العيب أن ينساق الإعلام المصري وراء ما ذكرته الصحافة في جنوب إفريقيا على رغم نفي البعثة رسميـًا.
وعندما حاول أديب استفزازه بأسلوبه الساخر انفعل زيدان، وازدادت حدة المناقشات لتنتهي بإغلاق الأخير الهاتف في وجه أديب بعدما سخر منه بقوله قائلا: "أنا لا أعرف مع من أتحدث.. وهل أنت دكتور أم مهندس"؟! وبعد دقائق قليلة تدخل أحمد حسن، كابتن المنتخب، في مكالمة هاتفية للدفاع عن زملائه، وقال: من حق الإعلام أن ينتقد النواحي الفنية كما يشاء، ولكن ليس من حقه أن يخوض في أعراض اللاعبين، ويردد افتراءات لصحف تحاول تجميل صورة وطنها.
وأضاف أحمد حسن: إن لاعبي مصر شرفاء ويداومون على الصلاة. وقال إن أحد اللاعبين الذين تعرضوا للسرقة هو محمد أبو تريكة، فهل يجرؤ أحد على اتهامه؟ وطلب كابتن المنتخب اعتذارًا رسميـًا من البرنامج، فانفعل أديب مؤكدًا أنه لم يخطئ ومن يطلب اعتذارًا فليطلبه من صحف جنوب إفريقيا، و"بي بي سي" التي نقلت الخبر.

وأشار حسن إلى حالة الغضب داخل أتوبيس اللاعبين بمجرد وصول أنباء عن إذاعة الحلقة. وطالب أديب بعدم اللعب على مشاعر المصريين، فقال: أديب إذا كنتم 20 نفرًا فنحن هنا 80 مليونـًا نحترق. وطلب أبو تريكة الحديث فقال منفعلا: "اتقوا الله في هؤلاء اللاعبين ولا تخوضوا في أعراضهم، لأن اللاعبين لم يرتكبوا أي فعل مناف للأخلاق".
وهنا انتقل الحديث إلى حسن شحاتة دون سابق إنذار، فقال منفعلا: "إن الإعلام يحاول تضخيم الأمور، وإن الصحف في جنوب أفريقيا افترت على المنتخب المصري دفاعا عن سمعة بلادهم". ووجه سؤاله إلى عمرو أديب: "أنت ركبت الموجة، والناس دي محترمة عن أي حد فيكم، والكلام اللي انت بتقوله ده ما يصحش"، وأنهى مكالمته غاضبا: "طظ فيكم كرهتونا في الكرة، الله يخرب بيوتكم"، ورد أديب ببرود شديد: "عادي يا كابتن حسن وهي دي الناس اللي بتصلي".
وانتقل الحديث إلى برنامج "القارات كمان وكمان" من تقديم أحمد شوبير على قناة "الحياة" المصرية، فتحدث أحمد حسن قائلا: "ما قيل لا يصح أن يقال في حق المنتخب.. نحن نقبل النقد الفني من أي شخص لأنها في النهاية مباراة كرة قدم وخسرناها ونعترف أننا لم نكن في مستوانا الطبيعي، ولكن أن يتم التشهير بنا واتهامنا في سمعتنا، فهذا لا يجوز، كان من الأحرى بوسائل الإعلام المصرية مساندتنا في هذا الموقف ضد صحف جنوب إفريقية، ويجب أن نحصل على حقوقنا بعد الاتهامات التي تم توجيهها لنا".
وتدخل في الحوار محمد زيدان، مهاجم المنتخب، الذي قال منفعلا: "لن نتنازل عن تقديم بلاغ للنائب العام في مصر ضد هذا الإعلامي والقناة التي سمحت له بذلك، ونحن في منعطف خطير لأن الكثير من اللاعبين يصرون على إعلان الاعتزال الدولي، وعلى رأسهم أبو تريكة، وأن كل ما يقال محاولة من وسائل إعلام جنوب إفريقيا لعدم تشويه سمعة بلادهم، خصوصـًا أنهم مقبلون على تنظيم كأس العالم؛ لأن خبر سرقة متعلقات المنتخب المصري انتشر في أنحاء العالم كله، حتى أن أصدقائي في ألمانيا اتصلوا بي لمعرفة قيمة المسروقات التي بلغت 20 ألف دولار".

وعاد أحمد حسن للحديث مرة أخرى، وقال: "جميع وسائل الإعلام لها مراسلون يسكنون معنا في نفس الفندق بل وفي نفس الطابق، فهل يمكن أن يحدث ذلك دون أن يروه وينقلوه لوسائلهم الإعلامية، كما أن أعضاء الجهازين الفني والإداري يقطنون معنا في نفس الطابق، فكيف نحضر فتيات إلى الغرف"، ثم عاد زيدان وهاجم أحد الفنانين الذي رفض ذكر اسمه لاتهامه اللاعبين المصريين بأنهم مدانون في هذه القضية وضرورة الكشف عليهم عند العودة خوفا من نقل الأمراض إلى زوجاتهم المصريات.
وأكد محمد أبو تريكة، نجم المنتخب، أنه لن يتنازل عن حقه وحقوق زملائه من اللاعبين، وأنه سيعلن اعتزاله اللعب دوليا إذا كانت كرة القدم ستأتي عليه بمثل هذه الإهانة.

وقال أحمد فتحي: "كيف نفعل ذلك ونحن معروفون حول العالم بمنتخب الساجدين، فضلا عن أننا نقيم الصلاة سويـًا ونقيم الشعائر الدينية في جماعة مع أفراد الجهاز الفني".
وتدَّخل الفنان هاني شاكر، الذي هاجمه لاعبو المنتخب بسبب قوله مع عمرو أديب إنه من الضروري الكشف على اللاعبين لأن زوجاتهم مصريات لا ذنب لهن فيما حدث ونقل الأمراض لهن، وقال شاكر إنه فهم الموضوع بشكل خاطئ، وإن الجميع يعرف أن جنوب إفريقيا بلد تنتشر فيه الجريمة والسرقات، وإنه لم يكن يقصد توجيه أي تهمة أو إهانة للاعبين الذين رفعوا رؤوسنا أمام إيطاليا.
وشن رئيس اتحاد كرة القدم المصري سمير زاهر هجومـًا شرسـًا على عمرو أديب بسبب اتهاماته الباطلة للاعبي منتخب كرة القدم المصري، وقال إن حديث أديب في برنامجه تسبب في أزمة كبيرة وصدمة للاعبين أكثر من الهزيمة.
في السياق ذاته، أبدى حسن شحاتة، المدير الفني للمنتخب، استياءه من الاتهامات التي وجهها عمرو أديب، وقال إنه كان يتمنى أن يتم انتقاده فنيـًا وتحميله واللاعبين مسؤولية الهزيمة بدلا من الخوض في الأعراض واتهام اللاعبين بمثل هذه الأمور البعيدة كل البعد عن أخلاق وسلوكيات لاعبي المنتخب. ونفي شحاتة تمامـًا العلاقة بين حالة السرقة التي تعرض لها اللاعبون وما أثاره أديب في برنامجه، بدليل أن محمد أبو تريكة كان ضمن اللاعبين الذين تعرضوا للسرقة، وتساءل: "كيف نصدق هذا الاتهام في لاعب بأخلاق أبو تريكة؟".
وقد تسببت هذه الاتهامات بالفعل في أزمة كبيرة للاعبين مع زوجاتهم، حيث أحدثت بلبلة بين اللاعبين وأسرهم[1].

وفي ظل تصاعد وتيرة الهجوم عليه، تقدم عمرو أديب باعتذار عن قسوته في الهجوم على المنتخب المصري مستخدمـًا مصطلحات مثل "النجاسة والنجسين" دون التأكد من صحة ما أثارته إحدى صحف جنوب إفريقيا، حول اصطحاب لاعبي المنتخب لفتيات داخل غرفهم بالفندق، إلا أنه تمسك بحقه في نقل الأخبار للجمهور[2].
وقال عمرو أديب "أنا لم أقصد الإساءة لأحد من أعضاء بعثة مصر من لاعبين أو جهاز
 فني أو إداريين، فأنا أكن لهم كل تقدير واحترام"، موضحـًا: "أنا فقط نقلت ما نشر في
 وسائل الإعلام العربية والعالمية بصفة عامة وجنوب إفريقيا بصفة خاصة، عن حادث
 سرقة لاعبي منتخب مصر، حيث قالت وسائل الإعلام إن خمسة من لاعبي المنتخب
 تعرضوا للسرقة عن طريق (عاهرات) كُن معهم في غرف إقامتهم". وأضاف: "ومن
 يرد أن يتأكد من صدق كلامي عليه الاطلاع على وسائل الإعلام، وخاصة الجنوب
 إفريقية"، مشيرًا إلى أن "بي. بي. سي" تحدثت عن هذا الموضوع أيضـًا[3].

السقطة الأساسية هنا هي أن هيئة الإذاعة البريطانية نقلت الموضوع، لكنها لم تتبن
 الادعاءات، وهو الأمر الذي بدا لكثيرين أن عمرو أديب أقدم عليه تصريحـًا أو ضمنيـًا، حين تحدث عن رائحة النجاسة في المنتخب في أعقاب الهزيمة أمام المنتخب الأميركي

غير أن هذه الضجة هدأت تدريجيـًا، خصوصـًا بعد أن صدر بيان إعلامي عن لجنة التحقيقات في جنوب إفريقيا، بخصوص السرقة التي تعرض لها منتخب مصر لكرة القدم، خلال مشاركته في بطولة كأس القارات، جاء فيه أن التحقيقات انتهت إلى أن كاميرات المراقبة في فندق "بريتوريا وندررز"، مقر إقامة لاعبي المنتخب المصري خلال مشاركتهم في البطولة، لم تثبت دخول أي امرأة إلى غرف اللاعبين، باستثناء طاقم الفندق المسموح له بدخول الغرف، وأنه لا دليل على تناول أي كحوليات[4].

وهكذا تجاوز منتخب مصر هذه الفترة العصيبة، لكن المؤسف حقـًا أن من أطلقوا التهم جزافـًا أو أولئك الذين رددوها بفظاظة أقرب إلى الجهل، أفلتوا من الحساب والعقاب.

هوامش



[1] محيي وردة وكريم أبو حسين ومحمد يحيى، معركة في الفضائيات عقب "الهزيمة" حول اتهام اللاعبين بالسهر مع عاهرات، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 23 يونيو 2009.
[2] علام عبد الغفار، اعتذار "أديب" للمنتخب.. والطاعون وشائعات حل البرلمان.. تسيطر على برامج الـ"توك شو"، جريدة "اليوم السابع"، القاهرة، 23 يونيو 2009.
[3] طارق صلاح، عمرو أديب: أنا ما جبتش حاجة من عندي.. ووسائل الإعلام قالت إن السرقة عن طريق "عاهرات"، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 23 يونيو 2009.
[4] محمد طلعت الهواري، "المصري اليوم" تنشر النص الكامل لتقرير براءة منتخب مصر من تهمة "بنات الليل"، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 1 يوليو 2009.

تابع القراءة

gravatar

السحرة قادمون



في ملاعب الكرة، اختلط الدين بالتمائم، والرقية، والدعاء.. والسحر

هذا الخليط سواء عن قصد أو غير قصد، كان صورة للصراع الكروي وانعكاسا لروح التنافس الذي تمردت في عدة مناسبات على المفهعوم الرياضي، لتتحول إلى صراعات وأزمات لا تنتهي

وقبيل لقاء منتخبي مصر والجزائر في القاهرة في 14 نوفمبر 2009، أشارت صحيفة "الشروق" الجزائرية إلى أن المنتخب الجزائري اصطحب معه إلى العاصمة المصرية أحد الشيوخ، ليقوم بعمل رقية شرعية في غرف فندق "إبروتيل" المطار، مقر إقامة المنتخب الجزائري، بعد ما زعمته وسائل الإعلام الجزائرية عن وجود أعمال سحر ضد منتخب بلادهم[1].

وسائل إعلام جزائرية تحدثت عن هذا صراحة، حتى إنها قالت إن اللاعبين الجزائريين آمنوا بالعين بعد أن طاردت لعنة الإصابات أعمدة المنتخب  ولجأ أبناء رابح سعدان إلى الرقية الشرعية بعد أيام من الاستطباب في أرقى العيادات بفرنسا وألمانيا، كما كانت الحال لمجيد بو قرة وكريم زياني؛ "لأنه لم يعد معقولا أن يتعرض جل العناصر الأساسية في وقت واحد"[2].

واقترح عضو الطاقم الإدراي لمنتخب الجزائر وليد صادي فكرة رقية فندق "إبروتيل" والغرف التي سيقيم فيها المنتخب خشية تعرضهم للشعوذة أو أمور أخرى على سبيل الاحتياط. في الوقت نفسه كان المنتخب المصري يستمع لمحاضرات الداعية خالد الجندي الذي دعا بالنصر للمنتخب المصري.
 
في تلك الفترة التي اهتزت فيها المفاهيم بسبب احتدام الصراع بين مصر والجزائر على بطاقة التأهل إلى المونديال، حذر دعاة ومفكرون من خطورة استخدام الدين في حشد الناس لتشجيع المنتخب المصري، مشيرين إلى أن ذلك يعكس خللا في ترتيب الأولويات.

وفي خضم الاستعدادات للقاءات مصر والجزائر في إطار التصفيات المؤهلة لمونديال جنوب إفريقيا 2010، بدا الخطاب الديني وكأنه يحول المباراة مع الجزائر إلى معركة، ورأى البعض أن إقحام الدين في الرياضة يشبه إقحامه في السياسة وفيه إفساد للدين في الحالتين.

ومع ارتفاع وتيرة شحن وتحفيز الجمهور للمشاركة في تشجيع ومتابعة مباريات كرة القدم، لمسنا نوعا من التلاعب بالدين و"الهوس" غير المفهوم الذي تختلط فيه المفهوم. وأصبح الدين جزءًا من هذه التركيبة المختلة في المجتمع، إذ ظهرت الفتاوى الرياضية والدعاء الرياضي، في وقت غفل الدعاة ورجال الدين عن الأضرار الجسيمة التي أصابت العلاقات الوثيقة التي تربط بين مصر والجزائر، فأصبح الانتصار في مباراة مهما كانت أهميتها، أهم من الأخوة.

والمؤسف أن علماء الدين تعاملوا مع مباراة الجزائر على أنها معركة وحرب للدفاع عن الأرض أو العرض فتحولوا إلى أداة لحشد الجماهير وشحنها وحثها على الصلاة والدعاء والمشاركة والتشجيع والهتافات، وحشد الناس تحت راية الدين والوطنية وهو أمر في غير موضعه[3].


وشاهد كثيرون دعاء المنتخب الجزائري في أعقاب فوزه على المنتخب المصري في أم درمان بالسودان في نوفمبر 2009، والذي بثه التليفزيون الجزائري على الهواء مباشرة.. دخل لاعبو المنتخب الجزائري إلى غرفة خلع الملابس وهم يغنون مهللين بالفوز حتى أوقفهم أبو بكر شنيوني إداري المنتخب وحثهم على الدعاء، فتوقفوا عن غنائهم وتجمعوا في شبه دائرة رددوا الفاتحة وراءه بحماس حيث فردوا أذرعهم على أكتاف بعضهم البعض وخفضوا رؤوسهم وأغمضوا أعينهم وبدأ الحماس يزداد عندما رددوا وراء الرجل دعاءه "اللهم إنك قلت وقولك الحق "ادعوني أستجب لكم". وازداد الحماس أكثر وأكثر حينما جاءت سيرة حمد الله على تمكين منتخب الجزائر من الفوز على المنتخب المصري. وكان نص الدعاء الجزائري كالتالي:
"يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.. اللهم لك الحمد.. آمين (كررت 7 مرات).
اللهم لك الحمد على نصرك .. آمين (كررت 3 مرات).
اللهم إنك قلت وقولك الحق .. "ادعوني استجب لكم".. اللهم ردنا إلى بلدنا غير خائبين.. وأعدنا سالمين غانمين.. اللهم انصرنا ولا تنصر علينا..اللهم عليك بالظالمين.. اللهم عليك بمن ظلمنا.. اللهم عليك بالفراعنة"[4].

في المقابل، كانت الحملة الإعلانية لشركتي الاتصالات في مصر قبل المباراة الفاصلة أم درمان شعارها "يااااارب" حتى إن إحداهما أطلقت حملة تحت مسمى "الدعاء قبل الماتش بخمس دقايق"، وكان المعلق يقول "كل الناس بتقول يارب"، والناس تردد بصوت مؤمن مؤثر[5].
 
 
هوامش:
[1] محيي وردة ومحمد يحيى، اتحاد الكرة يختار "السودان" لـ"المباراة الفاصلة" وزيدان يتعهد بحرق قلوب الجزائريين، "المصري اليوم"، القاهرة، 11 نوفمبر 2009.
 [2] إلياس ف.، الشروق ترصد تأثير الوازع الديني في ملحمة أم درمان: لاعبو الخضر بدأوها بالدعاء وأنهوها بتلاوة جماعية للقرآن، جريدة "الشروق"، الجزائر، 25 نوفمبر 2009، ص 9.
[3] أيمن حمزة، دعاة ومفكرون يستنكرون "إقحام" الدين في الرياضة.. ويتهمون رجال الدين بـ"اللعب" على مشاعر البسطاء، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 18 نوفمبر 2009.
[4] إلياس ف.، الشروق ترصد تأثير الوازع الديني في ملحمة أم درمان: لاعبو الخضر بدأوها بالدعاء وأنهوها بتلاوة جماعية للقرآن، مصدر سابق.
[5] ديانا الضبع، هل الله ضد الفريق المهزوم؟، مصدر سابق.
تابع القراءة

gravatar

الأقباط في المنتخب


كم اندهش من تابعوا مباراة مصر وزيمبابوي في نهائي مسابقة كرة القدم بدورة الألعاب الإفريقية في سبتمبر 1995، وهم يستمعون إلى عبارة رددها المعلق التليفزيوني والحكم السابق محمد حسام، حتى انطبعت في ذاكرة الجمهور حتى الآن. 
 فقد ساد التوتر في هذا النهائي المثير، وسط حالة تعاطف حقيقية مع "منتخب الهولندي رود كرول" بعد خروجه قبل بضعة أسابيع من تصفيات أتلانتا 1996 على يد نيجيريا. ووسط الأجواء المشحونة في هراري، يمر شريط أخبار أسفل الشاشة عرضه التليفزيون المحلي في زيمبابوي، معلنـًا عن مكافأة سخية بالدولارات للاعبي الفريق صاحب الأرض في حال فوزهم.
كان رد محمد حسام الذي اختلطت فيه الحماسة بالعصبية بأنه "ربما تكون الدولارات هي دافعهم الأول ولكن ربنا معانا"، و"إحنا معانا ربنا وهم معاهم الدولارات". ربما كان حسام بحاجة إلى صياغة جملته عشرات المرات قبل أن يوضح وجهة نظره البريئة، إلا أنها أوضح تعبير تليفزيوني عن المزج بين الجانب العقائدي وكرة القدم عرفه النقل التليفزيوني المصري. ولعل المثير للاهتمام هو تقسيم أرض الملعب صراحة إلى أخيار وأشرار، وهو تقليد حرص عليه عدد كبير من المعلقين الكرويين في المنطقة العربية.. كأنه فخ أدمن البعض السقوط فيه[1]!
وفي كأس العالم في إيطاليا عام 1990 رأى البعض أن عدالة السماء نزلت على استاد باليرمو، حينما احتسب الحكم ركلة جزاء في الدقيقة الثالثة والثمانين من عمر مباراة مصر وهولندا، سجل منها اللاعب الملتحي مجدي عبد الغني هدف التعادل لمصر، فصرخ المعلق التليفزيوني محمود بكر قائلا في عبارة صارت مضربـًا للأمثال: "عدالة السماء نزلت على استاد باليرمو".


وحينما فاز المنتخب المصري على رواندا في كيغالي في 5 سبتمبر 2009 في إطار التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم، قالت صحيفة الجمهورية "ببركة رمضان منتخبنا كسبان"، وخلال بطولة كأس الأمم الإفريقية في غانا 2008 أطلق الإعلام على الفريق المصري منتخب الساجدين لأن اللاعبين يسجدون شكرًا لله بعد كل هدف، وعقب نهاية كل مباراة.
تزامنت مباراة مصر ورواندا مع حلول شهر رمضان، فانشغل كثيرون في مصر بمسألة فتوى إفطار اللاعبين وهل يتم الأخذ بفتوى الأوقاف التي تبيح إفطارهم لأنهم يؤدون عملا بأجر ويجب على اللاعبين عدم الصوم إذا أمرهم رب عملهم بذلك للقيام بالعمل؟.. وحين قامت الدنيا ولم تقعد بسبب هذه الفتوى، صدرت فتوى أخرى بجواز الإفطار؛ بدعوى أن اللاعبين في رواندا على سفر.. ولهم حق الإفطار والله يحب أن تؤتى رخصه.
غير أن الحقيقة التي يغفلها البعض هي "أن عدالة السماء لم تهبط على باليرمو، وإنما عرقل المدافع الهولندي كومان حسام حسن، واحتسبت ركلة جزاء أحرز منها مجدي عبد الغني هدفـًا.. ولا نحن كسبنا رواندا ببركة رمضان وإنما بهدف أحمد حسن وبعد نزول محمد بركات الذي غيَّر شكل المنتخب وأعاد الاتزان والفاعلية الهجومية للفريق".
وهذا صحيح إلى حد كبير، فلعبة مثل كرة القدم لها عناصر ثابتة، من المهارات الأساسية واللياقة البدنية والأداء الجماعي، إلى الخطط التدريبية المناسبة وقراءة الفريق المنافس.
 وكان منطقيـًا أن ينادي أحدهم بالعودة إلى أرض الواقع ووضع "كرة القدم في مكانها رياضة جميلة وهي الأكثر الشعبية في كل أنحاء العالم، لا أكثر ولا أقل.. وليس لها علاقة بالدين من قريب أو بعيد.. ولا عدالة السماء تتدخل من أجل فريق رياضي في مباراة رياضية.. ولا رمضان له أية بركة على فريق كرة قدم حتى ولو كنا ندعو الله.. أو لعب اللاعبون المباراة وهم صائمون وموحدون"[2].
وطرح الكاتب الصحفي والروائي يوسف القعيد تساؤلا فجَّر نقاشـًا واسعـًا في الإعلام المصري.
يقول القعيد: "سألت نفسي: هل يتابع المصريون - مسلمين ومسيحيين-  مثل هذه المباريات؟ وإن كان هذا صحيحـًا فهل في الفريق القومي المصري أبطال كرة من المسيحيين؟ هل أتقدم في اعترافاتي درجة أكثر جرأة، وأقول إنني بعد هذا، وعندما شاهدت مباراة مصر مع الكاميرون لاحظت اللاعبين. إن اللاعب قبل أن يشوط الكرة في الجون، كان يتمتم بآيات من القرآن الكريم. وإن حدث وجاء جون. فإن كل اللاعبين يسجدون علي أرض الملعب في صلاة جماعية. سألت نفسي - والنفس أمارة بالسوء - هل الفريق كله من المسلمين؟! إن الجهل في هذه الحالات قد يكون نعمة. وأنا لم أشاهد أي لاعب يرسم علامة الصليب، مع أن مصر عرفت من لعيبة الكرة من المسيحيين هاني رمزي الذي كان في الأهلي ثم احترف وأصبح لاعبـًا مهمـًا في الفريق القومي، ثم اعتزل والآن يعمل في مجال التدريب.
"خجلت من سؤال أي صديق عن حكاية "أديان" من يلعبون باسم مصر. خفت من مجرد طرح السؤال. لذلك قررت الكتابة وأجري على الله"[3].
وقبل أن تشتعل حرائق كامنة، جاء الرد على ما أثاره يوسف القعيد بشأن الدين وكرة القدم، وأنه لم يكن هناك أي مسيحي ضمن لاعبي منتخب مصر الفائز بكأس الأمم في أنغولا. فقد قال نقاد رياضيون إنه لم يكن هناك لاعب واحد يحتاجه المنتخب واستبعده حسن شحاتة لأن هذا اللاعب قبطي. واستعادت الذاكرة الرياضية في مصر أجواء مونديال ١٩٩٠ حين كانت قلوب المصريين جميعهم مأخوذة ومعلقة بالنجم الشاب هاني رمزي، "الذي كان ولا يزال قبطيـًا لكنه بالنسبة للجميع سابقا والآن لاحقـًا هو واحد من نجوم مصر الكبار.. ولو كان لاعب قبطي هو الذي جاء بالانتصار لمصر في هذه البطولة بدلا من جدو لكان سيحصد نفس الفرحة والاهتمام وكانت صوره ستملأ كل مكان وكل شارع وميدان في مصر"[4].


ويعد هاني رمزي، نجم دفاع مصر، أبرز اللاعبين المسيحيين في تاريخ كرة القدم المصرية، وساهم مع المنتخب المصري في تحقيق انتصارات عدة، حيث شارك في 124 مباراة دولية. وإضافة إلى مشاركته في مونديال إيطاليا 1990، فإن لرمزي دورًا بارزًا في حصول المنتخب المصري على كأس الأمم الإفريقية 1998، وقد اختير مديرًا فنيـًا للمنتخب الأوليمبي بعدما كان مدربـًا عامـًا لمنتخب الشباب الذي شارك في كأس العالم 2009.
ويقول هاني رمزي إنه كان يرسم الصليب دائمـًا قبل خوضه أي مباراة، "لكن في مباراة مصر وهولندا في كأس العالم 1990 جاءت الكاميرا عليّ وأنا أنزل أرض الملعب وأنا أقوم بالتثليث، وكان الكثيرون لا يعلمون أني مسيحي، خصوصـًا وأن اسمي هاني رمزي جودة جاد الله ولم يكن يدل على ديانتي، وبعد عودتي من كأس العالم كان لأول مرة يتم سؤالي عن ديانتي"[5]!
ويدحض هاني رمزي الاتهامات الموجهة إلى حسن شحاتة بشأن اضطهاد اللاعبين الأقباط فيتساءل قائلا: "أين هم اللاعبون الأقباط أصلا حتى يختار منهم المدير الفني؟!"، وهو أمر صحيح، إذ إن ظاهرة اختفاء اللاعبين الأقباط من الملاعب الرياضية في مصر باتت واضحة بشكل لا يقبل الجدال، فالدوري المصري في موسم 2010- 2011 يضم لاعبين قبطيين فقط من ضمن 400 لاعب مقيدين في سجلات الأندية الـ16 المشاركة في المسابقة، والاثنان هما حارسا مرمى: الأول هو ناصر فاروق حارس نادي بترول أسيوط والثاني هو عماد فريد شوقي حارس مرمى طلائع الجيش.


ضعف المشاركة لم يكن وليد الموسم الكروي المذكور فقط، بل إن عدد اللاعبين الأقباط المشاركين في أندية الدوري الممتاز في مصر خلال نحو ثلاثة عقود (1980-2010) لم يتعد ستة لاعبين فقط، هم محسن عبد المسيح لاعب الإسماعيلي والترسانة السابق، وهاني رمزي نجم الأهلي ومنتخب مصر، وأشرف يوسف في المنيا والزمالك، وناصر بولس في المحلة، إضافة إلى الحارسين سالفي الذكر في بترول أسيوط وطلائع الجيش. الأزمة لا تقتصر على اللاعبين الكبار المقيدين بالفرق الأولى بل تمتد إلى قطاعات الناشئين في الأندية الأخرى داخل مصر[6].
وهذا أمر يدفع إلى التفكير مليًا في هذه الصورة وحل ألغازها الغامضة.




ومع ذلك، فإن هذا العدد القليل من اللاعبين ضم مواهب يصعب إغفالها، مثل محسن عبد المسيح، لاعب الإسماعيلي الشهير في ثمانينيات القرن العشرين، والذي عُرف عنه السرعة والحرفية في الملعب. حلم هذا اللاعب كثيرًا وطويلا بارتداء فانلة منتخب مصر لكرة القدم، ولكن ذلك لم يحدث، وهو ما عزاه في تصريحات لاحقة إلى كونه قبطيـًا، قائلا بكلمات لا تخلو من شعور بالمرارة: "كان هناك مسلمون يقولون لي أنت أحق بالاختيار في المنتخب، لكنك منعت لأنك مسيحي". محسن عبدالمسيح، أو "سيحه" كما يناديه البعض، يرى أن "هناك تعصب ضد المسيحيين في الكرة بنسبة 20٪"، وقال عن تجربته الشخصية: "بعد كابتن (عبده صالح) الوحش درب المنتخب Mr Smith ولم يخترني وأنا كنت من أفضل الباكات لفت في مصر والشعب المصري كان كله يتساءل، وجاءني مسلمون وقالوا لي إنهم لم يختاروني لأني مسيحي"[7].

باب التساؤلات الذي يفتحه مثل هذا الكلام يتطلب التفكير لا الزعيق، والنقاش لا

 الكتمان، والمنطق لا الجدل

 ويبدو أن الآراء تتعدد وتتباين في تفسير الحالة التي نحن بصددها، وفي كل رأي قد

 نجد ملمحـًا من الحقيقة، وليس الحقيقة المجردة

وهكذا نجد من يأخذ على الأقباط السلبية بعدم تشجيع أولادهم على الانضمام إلى 

الأندية ومراكز الشباب، وهناك أيضـًا من يشير إلى وجود تمييز ديني في مجالات

مختلفة، تبدأ بالرياضة ولا تنتهي بمناصب الدولة المختلفة. ويتحدث هؤلاء عن

قبول بعض الاعبين الأقباط في المراحل السنية الأولى، ثم استبعادهم بعد هذه

المرحلة. فريق ثالث يتحدث عن  شيوع حالة من الإحباط في ظل عدم ترسيخ مفهوم

 المواطنة لدى المجتمع بأسره، كذلك تركيز بعض وسائل الإعلام على الجانب الديني

 في الرياضة أكثر من الموهبة[8].



هوامش
 


[1] خالد يوسف، أهم 15 جملة تعليق مصرية على مر العصور من لطيف حتى عبده!، http://filgoal.com/Arabic/News.aspx?NewsID=57855، 20 يوليو 2009.
[2]  محمد حمدي، تديين الكرة.. بركة رمضان.. وعدالة السماء!، جريدة "اليوم السابع"، القاهرة، 6 سبتمبر 2009.
[3]  يوسف القعيد، هل يشجع المسيحيون فريقنا القومي؟، جريدة "الدستور"، القاهرة، 3 فبراير 2010.
[4] ياسر أيوب، انسوا المنتخب فقد عاد الدوري والأهلي والزمالك.. يا أهلا بالمعارك، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 5 فبراير 2010.
[5] أحمد باشا، هاني رمزي: لو لم أكن لاعبًا لأصبحت قسيسًا.. تمنيت السجود مع المنتخب، مجلة "روز اليوسف"، القاهرة، 6 فبراير 2010.
[6] وائل سامي، غياب اللاعبين الأقباط.. هل سببه التمييز الديني أم غياب الموهبة؟، مجلة "روز اليوسف"، القاهرة، 6 فبراير 2010.
[7] أسماء نصار، اللاعب المسيحي مضطهد بنسبة 20%، مجلة "روز اليوسف"، القاهرة، 6 فبراير 2010.
[8]  نور قلدس، جووون في ملعب التعصب، سلسلة "الأقباط والرياضة"، كتاب "وطني"، القاهرة، 2010.



تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator