المحروسة

gravatar

بركات الشيخ طه


عرفت  مصر عددًا كبيرًا من نجوم اللعبة الذين تمتعوا بقدر عال من الانضباط الأخلاقي والالتزام الديني، مثل طه إسماعيل، ومحمود الخطيب، وربيع ياسين، وهادي خشبة، ومحمد أبو تريكة ووائل جمعة. كما شهدنا تدين حارس عرين الأهلي سابقـًا إكرامي الذي اشتهر بلقب "وحش إفريقيا"، ولعب في شبابه عدة أدوار سينمائية بدا فيها أقرب إلى المشاكسة وحب الحياة. غير أنه مال إلى التدين وإطلاق لحيته بعد سنوات من اعتزاله لعب كرة القدم.
ولعل أول لاعب ومدرب ارتبط اسمه بلقب الشيخ هو طه إسماعيل لاعب النادي الأهلي ومدربه، الذي حمل هذا اللقب لأربعين عامـًا. جاء لقب الشيخ طه نتيجة لواقعة شهيرة، فقد تصادف أن تم تحديد موعد مباراة الأهلي مع فريق الترسانة في الدور قبل النهائي لكأس مصر في أحد أيام شهر رمضان، وطلب مدير الفريق من الشيخ طه أن يفطر في هذا اليوم مثل باقي اللاعبين، لكنه رفض، وخرج في نهاية الشوط الأول متعادلا 1/1، وكان هذا مبررًا لكي يطلب مدير الفريق من طه إسماعيل الإفطار من جديد، ولكنه واصل رفضه.
يبدأ الشوط الثاني، وفي إحدى الهجمات تتهيأ الكرة لطه إسماعيل ويسددها بكل ما أوتي من قوة في اتجاه مرمى مصطفى زعتر حارس الترسانة، وخرجت الكرة غاية في الضعف، ولكنها أخذت طريقها إلى المرمى وسكنت الشباك بعد أن غيرت اتجاهها بسبب عدم استواء أرض الملعب .. وفاز الأهلي بالمباراة لتتأصل فكرة بركة الشيخ طه إسماعيل، حتى إنه قال: وصل اعتقاد جمهور الأهلي في بعض الأوقات إلى حد الاقتناع بأن الفريق يمكن أن يفوز وهو في حالة سيئة بفضل بركات طه إسماعيل[1].
ويقول عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية سابقـًا د. ناجح إبراهيم: "كنت أعشق كرة القدم في صباي وشبابي وكنت ألعبها كل يوم مع معظم أشقائي الذين كانوا يعشقونها كذلك.. وكنت في صغري في الستينيات كشأن كل أبناء الصعيد نشجع النادي الأهلي.. ولم نكن وقتها نسمع عن لاعب متدين سوى لاعب الأهلي طه إسماعيل..  وكان يطلق عليه دون غيره من اللاعبين وقتها الشيخ طه، ويقول المعلق: وأخذها الشيخ طه.. وقطعها الشيخ طه.. وهكذا اقترن اسمه من دون اللاعبين بلقب الشيخ؛ لأنه كان من القلائل الذين يواظبون على الصلاة والصيام والتدين في الستينيات".
اعتزل الشيخ طه اللعب بعد توقف نشاط الكرة رسميـًا بعد حرب يونيو 1967، وقد عمل بالتدريب وتولى تدريب منتخب مصر الأول مرتين كانت أخراهما عام 1994، لكن بركته لم تحل على المنتخب ولم يحقق انتصارات تذكر.
ويسرد ناجح إبراهيم ذكرياته مع كرة القدم، فيقول عن الربع الأخير من القرن العشرين: "وإذا بنا نرى محمود الخطيب ساحر الأهلي قديمـًا يصبح مثالا للشاب العفيف المتدين.. ويلتحي ليكتمل ظاهره مع باطنه.. ولولا ظروف قاهرة لاستمر على لحيته. وإذا بمحمود الجوهري المدرب الشهير يجعل جوائزه للاعبيه عند فوزهم على الفرق الأخرى الذهاب إلى العمرة .. سبحان الله!".



ويستطرد قيادي الجماعة الإسلامية في تقديم من يراهم نماذج مضيئة لأخلاق لاعبي كرة القدم، فيقول: "وبالأمس قام اللاعب الخلوق المهذب محمد أبو تريكة بإظهار "فانِلَّته" الداخلية وعليها شعار "تعاطفـًا مع أهل غزة" باللغتين العربية والإنجليزية.. وقد قام بذلك في وقت يراه قرابة خمسين مليون متفرج في أنحاء العالم كله على الأقل.. وذلك بعد إحرازه الهدف الأول والثاني في مرمى السودان وتوفيقه توفيقـًا عظيمـًا أنقذ الفريق المصري من هزيمة محققة. والغريب والعجيب أن الاتحاد الإفريقي قد عاقب أبو تريكة بإنذاره.. وهذا ابتلاء بسيط من الله .. أرجو أن يرزقه الله خيره ويقيه شره وأن يكتبه له في ميزان حسناته".
لم يكن هذا الموقف الوحيد من نوعه للاعب الخلوق أبو تريكة، فحينما سجل هدف الفوز الذي منح مصر الفوز على منتخب كوت ديفوار في نهائي بطولة كأس الأمم الإفريقية عام 2008، إذا به يرفع فانلته ليظهر على فانلته الداخلية شعار "نحن فداك يا رسول الله" وكان أول لاعب يظهر هذا الشعار ثم تبعه عبد الظاهر السقا وعبد الحليم علي وآخرون[2].



أما ربيع ياسين نجم الأهلي ومنتخب مصر، أو الشيخ ربيع كما كان يطلق عليه زملاؤه، فقد  كان حريصًا على إطلاق لحيته كما رفض البقاء في الملاعب وكاد يعتزل بعد الفتوى الخاصة بتحريم ارتداء لاعبي الكرة للشورت في أوائل تسعينيات القرن العشرين، ونجح ربيع في الهروب من قوانين الفيفا الصارمة بخصوص الزي من خلال ارتداء - الاستريتشات- الشهيرة التي تقترب من الركبة.
 وقد شبَّه البعض ربيع ياسين بالشيخ محمد متولي الشعراوي، وذلك لقيامه بالدعوة للهداية سرًّا في الوسط الكروي وهو ما أدى إلى تحولات كبيرة في حياة نجم الكرة جمال عبد الحميد بعد اعتزاله، حيث أطلق لحيته وانطوى وأصبح يعيش حياة الزاهدين.
في حوار صحفي شهير معه أجري بناء على طلبه في أحد مساجد القاهرة وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، قال ربيع ياسين: "الطاعة كانت سر تألقي".. ثم انطلق يحكي عن بدايته فقال:
منذ انضمامي للنادي الأهلي في 1979، حققت نتائج مبهرة بفضل الله؛ حصلت مع النادي على بطولات الدوري والكأس ودوري أبطال إفريقيا، كما حققت مع المنتخب القومي بطولة الأمم الإفريقية وتأهلنا للأولمبياد ودورة ألعاب إفريقيا وكأس العالم، وكلها بطولات حققتها بفضل شهر رمضان حيث كنا نسافر ونأخذ معنا التموين وكنا نقيم صلاة التراويح وصلاة الفجر والتهجد، فضلا عن الدروس الدينية التي كان يعطيها لنا الكابتن محمود السايس والشيخ طه إسماعيل، وكنا ننظم مسابقات فيما بيننا، وكان العامل المهم في كل ما سبق هو وجود القدوة الحقيقية أمثال السايس والشيخ طه!



ويعد هادي خشبة المدير التنفيذي للجنة الكرة بالأهلي واللاعب السابق في الأهلي والمنتخب القومي، نموذجـًا للاعبين الملتزمين دينيـًا، وهو ليس مجرَّد لاعبٍ مهذبٍ ينتمي إلى أسرةٍ عريقةٍ خلقـًا - والده شريف عبد الهادي خشبة، رئيس منطقة أسيوط لكرة القدم وعضو مجلس إدارة اتحاد الكرة الأسبق- ولكنه أيضـًا رافق خلال رحلته الطويلة أشهر الدعاة. هناك شخصيات لعبت دورًا مؤثرًا في عقلِ خشبة، ومن أبرز هؤلاء الرجال - كما يقول هادي بنفسه- الداعية عمر عبد الكافي، الذي كان خشبة يحرص على حضور ندواته الشهيرة مساء الأربعاء من كل أسبوع في منتصف تسعينيات القرن العشرين. كانت هذه الندوات تركز على تلاوةِ القرآن وإلقاء دروس دينية، وشهدت هذه الجلسات تعرَّف نجم الأهلي الكبير على عددٍ من الممثلين المعتزلين مثل محسن محيي الدين ومجدي إمام.
وفي هذا الشأن يقول هادي خشبة إن "من الدعاة الذين أحرص على حضور دروسهم ومتابعتها د. عمر عبد الكافي والشيخ وجدي غنيم و عمرو خالد وهم من أكثر الدعاة تأثيرًا خاصة بين الشباب. كما أحرص على متابعة فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي من خلال الفضائيات، وأُفضل قراءة كتبه كثيرًا وسماع أشرطة محاضراته وخطبه".
التعارف بين هادي خشبة عمرو خالد، المعروف بلقبِ داعية الشباب، بدأ في أوائل الألفية الثالثة لتنشأ بينهما صداقة قوية، شهدت رحلة طويلة لدراسةِ الأحاديث النبوية الشريفة والمذاهب الأربعة. ويقول هادي إنه لم يتأثر بعمرو خالد من الزاوية الدينية بعد جلساته القديمة مع الداعية عمر عبد الكافي، ولكنه - كما يقول - أعجب بأسلوبه البسيط في زرع الإيمان بنفوس الشباب. وهو الدور نفسه الذي لعبه هادي مع زملائه بالأهلي، وشهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نشأة مجموعة يطلق عليها رجال خشبة، وهي تضم: أحمد بلال (قبل انتقاله من الأهلي) وسيد عبد الحفيظ (قبل اعتزاله اللعب) وأسامة حسني ووائل جمعة وعددًا آخر من زملائه. واهتمت هذه المجموعة بتحديد يوم من كل أسبوع - لأداء التمارين الدينية - بعد صلاة العشاء ليصبح كل منهم لاعبـًا محترفـًا متدينـًا.
وعندما سئل هادي خشبة عن انتشار ظاهرة الالتزام الديني في الوسط الرياضي أجاب قائلاً: "بالفعل هناك إقبال شديد بين اللاعبين على الالتزام بالإسلام، ويزيد باستمرار خاصة في شهر رمضان، فالوسط الرياضي في رأيي أكثر تقبلاً للالتزام الديني؛ لأن اللاعب دائمـًا بحاجة إلى النصر والتوفيق وهو ما يجعله دائم الاتصال بالله. كما أن الرياضة تعود الإنسان على الالتزام وتجعله جزءًا من تكوينه، إذ لا بد من النوم مبكرًا والانتظام في التدريب والغذاء، وضبط والأعصاب، وعدم تضييع الوقت وعدم الانغماس في الملذات.. إلخ، وهذه كلها صفات إسلامية في الأساس، وتجعل اللاعب بدوره أقرب إلى الالتزام بالسلوكيات والأخلاق الإسلامية ، وهذا ما نجد أثره حاليـًا في الملاعب فقد صار الالتزام سمة غالبة بين اللاعبين خاصة الشباب، وهذا في رأيي يرجع إلى تأثير الصحوة الإسلامية".


وعن عادات هادي خشبة في المعسكرات أو التجمعات بالنسبة للأهلي أو المنتخب يقول هادي خشبة: "نحاول التجمع قبل التدريب أو بعده في حلقة جماعية لتلاوة القرآن، وكذلك أيضـًا بالنسبة لأذكار الصباح والمساء حيث نحرص دائمـًا على أدائها بشكل جماعي، وأحيانـًا نذهب إلى أحد دروس العلم التي تشهدها مساجد القاهرة".
حارس المرمى الدولي نادر السيد والذي عُرف بإجادته تلاوة القرآن منذ صغره اتخذه زملاؤه إمامـًا خلال الصلوات الخمس، سواء على مستوى الأندية التي لعب لها أو أثناء معسكرات المنتخب المصري في عهد المدير الفني محمود الجوهري. وعن الأشياء التي كانت سببـًا في إطلاق لقب شيخ عليه، يقول نادر: سواء في الوسط الرياضي أو الفني بالأغلبية كل إنسان تبدو عليه علامات الالتزام يطلقون عليه كلمة شيخ، وكأنَّ التزامه هذا سيمثل عبئـًا أو عائقـًا له، ولم يعلموا أن الالتزام مع الله يجعل الفرد موفقـًا في كل عمله، وعمومـًا أهم أوجه الالتزام التي اتبعتها أني بدأت أداوم على الصلاة والعبادات وأدعو زملائي لأداء الصلاة.  
وائل رياض أحد نجوم النادي الأهلي السابقين. تألق "شيتوس" - وهذا هو اسم شهرته في ملاعب الكرة-  في صفوف النادي، ولكن تكرار الآلام الغريبة التي كانت تصيبه بمعدته دون التوصل إلى حل أو علاج دائم لها، دفعه إلى الانطواء واللجوء لقراءة القرآن وسماع شرائط الوعظ، ما جعل كثيرين يطلقون عليه الإمام القادم في الملاعب.  
أما طارق السيد نجم نادي الزمالك فقد لُوحظ تدينه بعد أن مضى ربيع انتصاراته كلاعب مهاجم في منتخب مصر القومي من خلال مشاركته في بطولة الأمم الإفريقية، وبعد أن قاد الزمالك إلى تحقيق انتصارات كبيرة في الدوري. داوم طارق على تلاوة القرآن الكريم بين زملائه أثناء فترة تراجع أداء فريق الزمالك، ليتحول طارق إلى أحد شيوخ الكرة في المستطيل الأخضر.
وعن التزامه الذي جاء مع أفول نجمه، يقول إنه بفضل تقربه من الله استطاع أن يكون واثقـًا طاهر النفس لا يهاب المصاعب، ويضيف أنه لا يربط بين الالتزام والتفوق.. بمعنى أنه لا يلتزم لكي يتفوق في المباريات والتدريبات، بل إنه يؤدي فرض الله وواجبه في الحياة، فالإنسان خُلِقَ للعبادة وكل شيء آخر مسخر لإتمام تلك العبادة.


هوامش


[1] محمود سماحة، لاعبون في سبيل الله!، مجلة "روز اليوسف"، القاهرة، 6 فبراير 2010.

[2] د. ناجح إبراهيم، من الشيخ طه.. إلى أبو تريكة، موقع "الإسلام اليوم" الإلكتروني، 31 يناير 2003.

gravatar

كل الاحترام والتقدير للاعبي كرة القدم المصرية .. عن جد فن واخلاق وتدين .. ربنا يديم الانتصارات عليهم ويرفعوا رأسنا عالياً في ميادين الرياضة ..

gravatar

وجع النفسج

أشكرك على تعليقك الجميل ومتابعتك الكريمة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator