المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

في حضرة "الكتاب الزئبق"..1-2

في حضرة "الكتاب الزئبق".. (1-2)



في حضرة "الكتاب الزئبق".. (1-2)

"يوميات ساحر متقاعد" للكاتب المصري د. ياسر ثابت، كتاب كالزئبق. كل جملة فيه تحيلك إلى أخرى أقوى، والأقوى إلى ما هي أجزل، والأجزل إلى ثالثة أكثف. وكلها تأسرك في عمق المعنى، فتغرق في بحور الكنايات. فمثلاً تجد قصة متكاملة العناصر في سطرين. مشهد قصير بالألوان يلخص رواية مليئة بالتفاصيل في فقرة لا تتعدى أربعين كلمة. حكمة في عشر كلمات أو أقل. تحريك جميل لذات الحرف في كلمتين مختلفتين لتطّلِع على تناقض المعنى رغم مساحة التحريك المحدودة.. المحدودة جداً.
وهذا الكتاب يشبه كاتبه، وفيه يصف حاله فيقول: "يشبه الرجل الزئبق.. حال بين الصلابة والسيولة.. فلا هو هش قابل للكسر، ولا هو صلب يستعصي على الصهر.. ويستدرك: "أفضل ما في الزئبق أنه قد يساعد على استخلاص الذهب من خاماته.. وأسوأ ما فيه أنه يصعب الإمساك به". وهذا حال كتابه، الذي حاولت أن ألخصه، فكان كله. وهنا كله، لكن في بعضه. وإن تمكن أحدكم الإمساك به فلا يهديه لغيره.
يبدأ د. ثابت بأن يهدي كتابه "إلى المرأة التي تخاف على بياضها من حسد الثلوج"، ويقول لها: "ها أنا أدفن الضوء.. حياً". وفي المقدمة يطرح نفسه ببساطة: "هذا أنا: أنتم". وعما جاء بين دفتيه يقول: "الصفحات التالية ليست سوى شاهد ملك في قضية خاسرة، وربما كانت مرافعة في قاعة محكمة غادرها المتهمون وبقي القاضي يشكو وحدته داخل زنزانة تليق بمهابته". ويشبه قصصه التي يحكي عنها بـ"الخمر"، إذ "تتعتق حين تروى".
عناقيد الأمنيات..
وعنده "الكاتب الأصيل طينة من تذكارات شرسة، يتحدى ويتمرد، يرصد ويسجل حتى النهاية، وعندما تذهب إلى قبره لا بد أن ترى قدميه خارجتين منه. وهو أيضاً إنسان مستعد لأن يجرح قلبه حتى ينظم قصيدة عن جمال حبيبته". "والمدون ينزع قفازات يديه ليكتب بحبر أصابعه.. ليتحدى أكاذيب الإعلام الرسمي، ودعاية أصحاب الأقلام الخاضعة الخانعة، وسطحية المسلسلات التلفزيونية الرخيصة".
ويجيب د. ثابت عن السؤال المزمن الذي يطارد أي كاتب متمرس: لماذا نكتب؟ بالقول: "لقد علمتني الدفاتر التي أضعها تحت إبطي أن الكتابة درس في التنفس". "نحن نكتب لنقاوم الفناء الذي يطوق سراب صورنا مع أحبتنا – أو من كانوا كذلك – على جدران الذاكرة". ويضيف: "نحن نسطر تلك الذكريات حتى نؤكد لهم ولأنفسنا أننا شفينا من أوهامنا التي جعلتنا نظن أننا وجدنا أخيراً من نحبه إلى الأبد". وفي نظره: "الكتابة مغامرة شخصية بامتياز لكل من قرر أن يقطف عناقيد الأمنيات التي تتدلى فوق خاصرة المدينة". فـ"الكتابة مواجهة، ففي هذا العالم الفسيح لا مكان للهرب". بشرط أن تكون "كماتنا تشبهنا.. إلا إن ارتدينا الأقنعة".
الكتابة.. فعل الإنصات للذات والآخر..
يقول د. ثابت: "عندما نكتب فإننا نتنفس.. نستنشق هواء الحرية، فعل الإرادة". ولصديقه "الذي وقف على حافة اليأس من الكتابة وقرر أن ينتحر بالصمت"، يقول: "اكتب كي تبقى حياً ترزق.. اكتب حتى تضمد جراحك النازفة، أو تستأصل من جسد الشارع ما لا يلزم". ويستطرد: "الكتابة يا صديقي فعل إنصات للذات وللآخر، يمنحنا نوعاً من التواطؤ الخلاق بين الكاتب والمتلقي".
إذاً، "فلنكتب حتى تسقط الجدران ويتساقط المطر الناعم على أرضنا الطيبة فيروي عطشها إلى الحرية". "اسكب سطورك التي تقطر حرية في إناء العقل وفضاء الروح.. فكل حرف مغموس بحبر الصدق والإيمان، يبعدنا خطوة أخرى عن حالتنا المزرية كجمهورية موز، أو مملكة فساد أو إمارة لذة". "اكتب.. ففي كل ديانة كتاب مقدس.. وفي كل ثورة كلمات مقدسة". فـ"الأفكار لها أجنحة.. لا أحد يستطيع أن يمنعها من الطيران". كم أنه "لا شيء يموت.. فالأفكار تبقى وتزرع وردة في عقل قارئ واحد على الأقل.. وهذا يكفي ويزيد".
"الموسيقى وعي"..
ويصف د. ثابت الموسيقى بأنها "سر البهاء والأحزان النبيلة والمتعة التي تتغذى على رغيف الجسد". فهي "تنتشر في المكان، وتقتحم السماء، كأنها وباء من النشوة المتنقلة". "وهي القصيدة الوحيدة في العالم التي يمكن أن نقرأها من دون ترجمة.. هي تترجم نفسها ذاتياً للآخرين..". فـ"حين تتسلل الموسيقى إلى عقولنا وتغفو على راحات اليد مثل عصفور، نكتشف كم نحب هذا الكون.. نعشق هذا الحبيب.. نشكو هذا البعاد.. نطرب لهذا المغني..". و"ترحل بنا إلى جزر بعيدة.. وتقف بنا على أبواب الأزمنة.. تمنحنا معطف الدفء وفرو الطمأنينة.. تمارس فن الغواية. وتبكي مثل حورية تشتاق إلى الماء".
أيضاً، "هي الحب الذي يأتي من دون موعد.. وأسرع وسيلة لاستدعاء الذكريات التي نخبئها عن الآخرين وعن أنفسنا". "هي إذاً الحب المناسب.. في أي وقت.. والحزن اللائق.. في أي زمن". "نحب الموسيقى ونعرف مقامها: دائماً في القلب". حتى أن "الراكب الأخير لا يفعل شيئاً سوى أن يطقطق أصابعه، كأنما يبحث عن نغم شريد بين الأصابع". فـ"ما من موسيقى حقيقية إلا تلك التي تجعلنا نجس الزمن". ويخلص إلى أنه "لولا هيمنة العقل لحلت الموسيقى محل الفلسفة".
المرأة نص أدبي.. وأكثر
يرفض د. ثابت الوصف الشهير للنساء بـ"الجنس الناعم"، إذ إن "الرجل عادة هو الجنس الناعم.. فحين تحبه امرأة يذوب مثل قطعة سكر.. وحين تهجره حبيبة، يبكي مثل طفل.. وعندما تمتدحه أنثى يظهر الطاووس داخله وتطول قامته بضعة سنتيمترات". فالـ"عاشق يقبل المرأة التي تترك له باب أحلامها موارباً، والقبلة شجرة يشعلها عاشقان كي يستدفئا بها إلى الأبد".
"والمرأة لا تموت إلا حين يكف من تحبه عن حبها". وحين تكون "عيناها تمارسان لغة التحريض"، لتقول للرجل: "كن منفلت السهم، لأكون عصية الصيد"، تبدو "ابتسامته المنصوبة على وجهه فخ متيقظ، لاصطياد رعشة وجهها".
وعندما تقسو المرأة على الرجل، تتجلى حكمة تقول: "حين تهدي قلبك لامرأة فإنها قد تمضغه مع علكتها". والمرأة قد تخونك وإن كنت إلى جوارها. فهذه "فتاة تنظر بوله إلى المغني فوق خشبة المسرح.. نظرات تدل على أن الفتى الذي يرافقها إلى الحفل لا يعني لها شيئاً، وأنه مجرد بديل ناقص لمثالها الأعلى الحقيقي".
هذه قسوة ليست دائمة، فهناك "رجل يسأل المرأة التي أغمضت عينيها عما تفعله. يتجلى فجره في مرأتها، فتقول ببراءة: أحاول تخيل العالم في حال غيابك". ثم "تتركه في عطرها وتمضي، فيتساءل: كيف يمكنني تحمل رائحة البشر، بعد أن غمرني ذات صباح عطر الملائكة؟!".
تعود القسوة مرة أخرى حين "تقول له الفتاة العابثة: لعينيك أطلي أظافري، ولظهرك أطيلها". لكن "الأكيد أن النساء احتكرن الحنان كي نتكئ عليه حين نشعر بضعفنا أو تجرفنا القسوة". والأكيد أيضاً أنه "حين نحب تولد الحماقة". وهذا حال كل "عاشق فذ، وجلاد فظ".
يعود المشهد إلى جماليته من جديد فيقول د. ثابت في إحداهن: "بشرتها بياض يرتب فوضى الألوان، قبل أن يخرج ليتنزه في أحراش الرغبة". فهي "طاغية شقراء، تفرض بخناجر شهوتها حظر التجول، وتعلن حالة الطوارئ في شوارع الجسد"، الذي يصفه قائلاً: "جسم المرأة قيد، لكن روحها فضاء".
يراها في إحدى المرات "ترفع خصلة شعرها بصلوات أصابعها، فيسجد لها الهواء مغشياً عليه". ويتساءل: "ترى من يمشط شعرها في غياب الريح؟". و"حين نحب يجب أن تقاتل من أجل كنزك الأغلى. لا تنتظر أن تمطر الدنيا حباً.. عليك أن تكون صانع المطر".
و"في قاموس الحب لا توجد كلمة اسمها حقد.. إلا إذا كان الحب عملة زائفة ومزورة تسللت إلى الأسواق في غفلة من شرطة العشاق". فـ"في المادة الثالثة من دستور الحب، لا يجوز أن يخذل أحدكما الآخر.. وعلى المتضرر اللجوء إلى سلطة العقل لتقدير حجم الأضرار". ويظهر ذلك عادة بسبب الكذب الذي هو "عدو الحب.. وفي اللحظة التي تكذب فيها على من تحب، فإنك تدق مسماراً في نعش حبكما".
على أي حال، تبقى قراءة الرجل للمرأة مثل فهم كل منا لنص أدبي واحد بشكل مختلف، فـ"النساء مثل النصوص الأدبية، تُقرأ من كل الجهات".
موسى محمود الجمل
دبي
26 أكتوبر 2011
تابع القراءة

gravatar

صراع العقول والأقدام



نداء التعقل كان صيحة في واد.


ووجدنا في الجزائر من يزعق بأعلى صوته قائلاً: "الجزائر تنتصر على مصر دبلوماسيـًا وتهزم التهور ببرودة الأعصاب"[1].


المشكلة أنه في الوطن العربي لا يؤخذ شيء أبدًا في إطاره‏. ومثّلَّ الشحن المعنوي عبر وسائل الإعلام نتيجة طبيعية لحالة الفراغ السياسي التي يعانيها المصريون والجزائريون على حد سواء. ولذا لمسنا اهتمام الرأي العام بالمواجهة الكروية بين منتخبي البلدين، كأنما الجمهور يحاول إخراج كل ما لديه من شحنة عاطفية في الرياضة باعتبارها المجال المسموح فيه بالتحزب والتحيز والانقسام‏،‏ والتفريغ لغضب مكبوت. لقد ظنت تلك الجماهير أنها بالكرة تمرر السياسة التي منعت عليها فإذا بمحتكري الحكم والسياسة هم الذين يحركون أيضـًا تلك الكرة ويديرون أنديتها وجحافل المشجعين والمحرضين والمشاغبين[2].


تدريجيـًا أصبحت ملاعب كرة القدم، وحلبات السجال التليفزيوني، مجال الاجتماع الطوعي للجماهير، بعد أن استسلمت هذه الجماهير لفكرة حرمانها من التجمع أو التظاهر لقضايا معيشية أو سياسية[3]. ويبدو أن القضية المركزية والجماهيرية، الآن باتت قضية كروية، وعليه "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"[4]. وبهذا المعنى، فإنه حين اندفع المصريون والجزائريون في تشجيع منتخبي بلديهما بكل هذا التعصب، بدا أنهم يبحثون عن السعادة بأي طريقة‏، ويجدون في كرة القدم ما لم يجدوه في مجالات أخرى.


لم يكن هذا وليد اللحظة، فقد عرفت المواجهات الرياضية بين مصر والجزائر في العقود الأربعة الأخيرة درجات من العنف المتفاوت. ففي عام 1978، اجتاحت الشرطة الجزائرية اللاعبين والمشجعين المصريين خلال بطولة الألعاب الإفريقية، أثناء مباراة بين مصر وليبيا في الجزائر[5] . وفي ثمانينيات القرن الماضي، تكررت مظاهر العنف خلال المباراة المؤهلة للألعاب الأولمبية في لوس أنجليس التي أقيمت عام  1984 وانتهت بفوز مصر على الجزائر 3-1 وتأهلها للدورة الأوليمبية[6].


وشمل مسلسل الأزمات الاعتداء بالحجارة على حافلات تقل المنتخب المصري والفرق المصرية في الجزائر، واتهام لاعب منتخب الجزائر الأخضر بللومي بفقء عين طبيب مصري عام 1989[7]،  وإدانته في حكم غيابي بارتكاب الواقعة[8]، وصدور مذكرة اعتقال من شرطة الإنتربول ضده طوال عشرين عامـًا، على الرغم من قوله إن الواقعة بطلها حارس المرمى كامل قدري[9]، لكن أكثر الحلقات درامية على الإطلاق هو واقعة أم درمان.


وحين تؤاخي الرياضة "البلطجة"، فإن البعض ينسى أن البلطجة ترتد دائمـًا على مستخدميها.


وبدأت رحلة المراجعات.


فأمام اجتماع اللجنة المشتركة من لجان الشباب والشؤون العربية والدفاع في مجلس الشعب المصري، اعترف المهندس حسن صقر رئيس المجلس القومي للرياضة بوجود تقصير من الجانب المصري، سواء في نقل الجماهير والسفر العشوائي للسودان، مشيرًا إلى أن اختيار السودان لم يكن موفقـًا. وأوضح أن مبارك قال له صباح ذلك اليوم خلال لقائه مع الفريق القومي لكرة القدم "أوعى في أي مسابقة تجازف بنقطة دم واحدة لأي مصري"[10].


وفي خطوة اعتبرها الإعلام المصري أول اعتراف جزائري بسفر الآلاف من الخارجين عن القانون إلى السودان واعتدائهم على الجماهير المصرية في أم درمان، قالت جريدة "الشروق" الجزائرية في 13 ديسمبر 2009، إن وزارة الداخلية في الجزائر بدأت في استعادة جوازات السفر التي تم منحها للخارجين عن القانون من أجل حضور مباراة مصر والجزائر الفاصلة في تصفيات كأس العالم، التي أقيمت في السودان. ونقلت جريدة "الشروق" الجزائرية، عن وزير الدولة، وزير الداخلية، يزيد زرهوني، قوله: "إن مصالح الأمن فتحت تحقيقات عن كل جوازات السفر التي تم استخراجها يومي 16 و17 من شهر نوفمبر الماضي، في إطار الإجراءات التسهيلية التي منحتها الحكومة لنقل مناصري الخضر إلى الخرطوم، لسحب أي جواز سفر تمكن منه أحد الأشخاص المنزوع الحقوق المدنية من أصحاب السوابق القضائية"[11].


وزير الخارجية المصري حينذاك أحمد أبوالغيط فجَّر قنبلة مدوية عندما أكد في تصريحات له أن الخارجية المصرية ومن ثم الحكومة كانت على علم بمؤامرة الجزائر في السودان قبل أن تحدث. تصريحات أعادت فتح ملف أكثر خطورة من ملف الأزمة المصرية ـ الجزائرية الكروية ذاتها.. لأن أبوالغيط اعترف بأن الحكومة كانت على دراية بكل شيء قبل أن يحدث وأنه كانت أمامها ثلاثة اقتراحات.. الأول إقامة المباراة بدون جمهور لكن رئيس الوزراء الجزائري رفض، والثاني منع سفر جماهير مصر وذلك كان سيغضب المصريين، والثالث إرسال قوات مصرية خاصة بملابس مدنية لحماية الجماهير المصرية، لكن الجانب المصري خاف من عقوبات الاتحاد الدولي على الكرة المصرية لو اكتشف تدخل الدولة.


تصريحات أقل ما توصف به أنها كارثة بكل المقاييس.. أولا، لأن أبوالغيط خاف - حسب روايته- على زعل رئيس الوزراء الجزائري ونسي الجانب المصري كله بجماهيره بل وبسياسته.. ثانيـًا، خاف أبوالغيط على مشاعر المصريين غضبـًا من عدم سفرهم ثم تركهم يسافرون دون أي حماية.. ثالثـًا، خاف وزير الخارجية المصري حينذاك من عقوبات الاتحاد الدولي واعتبر ذلك مبررًا لأن يترك منتخب مصر وجماهيره بمن فيهم جمال وعلاء مبارك وغيرهما من كبار السياسيين لمواجهة ما أسماه هو بالمؤامرة الجزائرية، وكارثة أبوالغيط لم يكن من الممكن أن تمر مرور الكرام؛ لأنها فتحت جرحـًا أعمق من مجرد مباراة كرة قدم أيـًا كانت أحداثها وهو أن الحكومة المصرية قررت التضحية بالمصريين وهي تعلم ما قد يحدث لهم في بلد آخر من بلد آخر[12].


الأخطر من ذلك أن "العرب قد أصيبوا بخسارة فادحة ولا تعوض بفضيحة صراع الأقدام بين مصر والجزائر، التي أثارت "الأسى عند إسرائيل" كما عبر رئيسها شيمون بيريز"[13].


ويبقى أن ذلك التدني والهوس والعصاب الجمعي الذي رافق الأزمة تخلّق في الإعلام، وراج عبره، وحرَّف اتجاهات الجمهور حيال القضية، وجيّشه، وحرّضه، وتلاعب بعواطفه، وتدنى بوعيه.


ففي 31 يناير 2010، أصدرت "مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان ومؤسسة صاحبة الجلالة" تقريرًا بعنوان "دعاة الكراهية – الإعلام الرياضي في مصر والجزائر". تضمن التقرير نتائج دراسة تحليل مضمون شملت عشر صحف جزائرية ومصرية لنتائج التغطية الصحفية لمباراتي مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم  2010.


التقرير الذي جاء في 160 صفحة استهدف بحث معايير الحيادية والموضوعية في التغطية الصحفية للمباراة في مجموعة من الصحف المصرية منها (المصري اليوم- الأسبوع – صوت الأمة – نهضة مصر – الأحرار – الشروق المصرية) والصحف الجزائرية مثل (الهداف – الأيام- أخبار اليوم- الخبر اليومي- البلاد – صوت الأحرار).


وقد أكدت نتائج الدراسة أن 79.2% من تغطية الصحف الجزائرية كان تحريضيـًا ضد المنتخب المصري والقائمين على العمل الرياضي وطال بعض القيادات السياسية في مصر؛ فيما كانت الصحف المصرية أكثر موضوعية في التغطية، وجاءت جريدة "المصري اليوم" و"الشروق" في مقدمة الصحف التي تسعى للتهدئة بنسبة بلغت 94.6%.


الصحف الجزائرية والمصرية اتبعت نظرية التطهير والتنفيس الإعلامي، وذلك بأن جعلت المواطنين يقرؤون ويرون مشاهد العنف الذي يمارسه البعض، في محاولة للتنفيس عنهم وجعلهم يرون العنف، وبالتالي تفرغ طاقاتهم وميولهم نحو العنف. أما عن الأخبار المجهولة فقد احتلت الصحف الجزائرية وبخاصة صحيفتا "الهداف" و"الأيام" نسبة 94% من إجمالي أخبار الصحف الجزائرية.


وأشارت الدراسة إلى أن وسائل الإقناع المستخدمة في التغطية من الجانبين اعتمدت على عرض وجهة نظر واحدة، وبلغت نسبة هذا الاتجاه في الصحف الجزائرية 97% فيما كانت النسبة في الصحف المصرية 84.5%، كما أظهرت النتائج أن جريدة "الهداف" الجزائرية في مقدمة الصحف التي اعتمدت على أسلوب عرض وجهة النظر الواحدة[14].


هوامش

[1]  سميرة بلعمري، الجزائر تنتصر على مصر دبلوماسيًا وتهزم التهور ببرودة الأعصاب، جريدة "الشروق"، الجزائر، 21 نوفمبر 2009، ص 5.
[2]  عبدالوهاب بدرخان، الكرة "بتتكلم عربي"، جريدة الاتحاد"، أبوظبي، 24 نوفمبر 2009.
[3] Joseph Mayton, Feeble excuses for Egypt's football riots, http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2009/nov/24/egypt-cairo-football-riots, The Guardian, London. November 24, 2009.
[4]  ماجد كيالي، عصبيات كروية وهويات سلطوية، جريدة "الحياة"، لندن، 24 نوفمبر 2009.

[6] ___________، هل يكون لقاء مصر والجزائر المقبل "مباراة كراهية" جديدة؟، موقع "سي إن إن" بالعربية، 13 نوفمبر 2009.

[8]  Brian Oliver, Twenty years on, the 'hate match' between Egypt and Algeria is on again, The Sport Blog, The Guardian, London, op. cit. 
[10]  أمل الحناوي، شهاب يعلن قطع العلاقات الرياضية مع الجزائر، موقع "اليوم السابع" الإلكتروني، 23 نوفمبر 2009.
[11]  ________، جريدة "الشروق"، الجزائر، 13 نوفمبر 2009.
  [12]  فيصل زيدان، كارثة تصريحات أبوالغيط.. أسوأ ختام لسنة كروية فاشلة، جريدة "الفجر"، القاهرة، 1 يناير 2010.
[13]  طلال سلمان، شهادة فتى عربي عاشت مصر في وجدانه كقيادة للأمة والجزائر بوصفها الثورة، جريدة "السفير"، بيروت، 9 ديسمبر 2009.

[14]  منى نادر، دراسة تتهم الصحف الجزائرية بالتحريض ضد المنتخب المصري، موقع "اليوم السابع" الإلكتروني، 31 يناير 2010.
تابع القراءة

gravatar

خطة تسميم الآبار



كانت الخطة تسميم الآبار
فقد عمل البعض على إشعال الكره بين الشعبين المصري والجزائري، لتكون القطيعة طويلة، ولذا رأى نقاد أنه "إذا كان هناك أشخاص مسؤولون عن الهزيمة فليس حسن شحاتة، بل مصطفى عبده ومدحت شلبي وعمرو أديب وخالد الغندور ومحمود معروف"[1]، مثلما شجب آخرون أن "نسلم أمر سياستنا المهمة إلى خالد الغندور وشوبير ومصطفى عبده الذي قال عن الجزائر شعب المليون لقيط - كده مرة واحدة - ولمدحت شلبي ونهال عنبر ومحمد فؤاد ولرؤساء تحرير جهلة ولوزير إعلام لا يعرف الفرق بين السياسة العليا للدولة وبين الموسوعات - كله بيتباع- ولمذيعين جهلة"[2].

كأنك ضغطت على زر التفجير، فتطايرت حمم وقذائف من كل حدب وصوب، حتى داخل المؤسسات الإعلامية نفسها. المشهد الذي حدث في "دار المعارف" كان دليلا على هذا الانفلات العشوائي للأعصاب. فقد احتج عشرات العاملين في الدار الصحفية على غلاف عدد مجلة "أكتوبر"[3] الذي تضمن تهنئة للجزائر لفوز منتخبها على مصر، واصفين ذلك بـ"عدم المسؤولية وغياب الإحساس" بما يشعر به المصريون إثر أحداث أم درمان.

ومزق عدد من المحتجين غلاف المجلة الذي جاء تحت عنوان كبير يحمل خارطة وعلم الجزائر وفوقه عبارة "مبروك للجزائر"، فضلا عن عناوين أخرى رأى الغاضبون أنها تقلل من شأن المنتخب المصري مثل "سعدان نصب الكمين.. وشحاتة وقع فيه"، و"أبوتريكة نام في حضن دفاع الخضر"[4]. واضطرت قناة "الحياة" إلى قطع برنامجها "الحياة اليوم"، بسبب السجال الذي دار على الهواء مباشرة بين رئيس تحرير المجلة مجدي الدقاق ونائبه أسامة أيوب الذي أظهر معارضته الشديدة لرئاسة التحرير بعد موافقتها على نشر عناوين الغلاف التي أثارت الجدل[5].


وبسبب هذا الشحن الإعلامي المبالغ فيه والإساءات المتبادلة، لم ترغب جموع المشجعين في الجزائر تصديق الحقيقة وأن خبر "استشهاد" جزائريين في القاهرة فبركة صحفية.. ولا المصريون أرادوا أن يروا أبعد من ليلة الهروب الكبير في الخرطوم. في الجزائر تحدثوا عن توابيت عائدة من القاهرة ليسود مناخ الجنازات والانتقام بدون قتلى، وفي مصر وقع كثيرون في ورطة عاطفية بعد حكايات عن سيوف وخناجر جزائرية تطارد المشجعين المصريين في شوارع الخرطوم، ليتم استدعاء غوغاء قطعوا المسافة بين حرب افتراضية في الملعب والحرب الحقيقية بين نظامين متشابهين[6].

وفي ظل إعلام يعمل بأفكار مراهقة أو وفق رؤية متعصبة، غابت المسؤولية تمامـًا عن الكثير من المعالجات الإعلامية، والأصوات المعتدلة والمسؤولة احترافيـًا على خلق التوازن والموضوعية، غابت تمامـًا لمصلحة أصوات تعمد إلى تحقيق الرواج على حساب القيم المهنية، وظهر الكثير من تشويه الحقائق واختلاق القصص وفبركتها[7].

وانساقت عقول ناضجة في مصر والجزائر أو استسلمت - ربما عن غير قصد- لمجانين كرة القدم، وسط هتاف نفر من التغريبيين دعاة الانفصال وإقصاء العروبة والإسلام.

واستغرب كثيرون أن يكون النائب وعضو مجلس الشورى السابق د. مصطفى الفقي، بالذات هو الذي يطالب في اتصال هاتفي مع برنامج "الحياة اليوم" على قناة "الحياة"، بأن تعمل القاهرة، من خلال الاتحاد الدولي لكرة القدم، ومن خلال أصدقائها على امتداد العالم، على تعطيل وصول الجزائر إلى كأس العالم؛ لأن ما جرى من جانب متعصبيها في الخرطوم، لا يدل على روح رياضية، بقدر ما يشير إلى نزعة إجرامية!

وطالب المستشار مرتضى منصور في اتصال هاتفي أيضـًا مع برنامج "48 ساعة" على قناة المحور، بطرد السفير الجزائري من القاهرة. واندهش البعض لرؤية رئيس تحرير جريدة "المصري اليوم" مجدي الجلاد، وهو يعلن من خلال البرنامج نفسه، على قناة المحور، سحب مبادرة "المصري اليوم" التي أطلقتها من قبل، تحت عنوان "وردة لكل لاعب جزائري"[8]!


 واستغل عدد من رجال الأعمال الموقف بسرعة، فظهر إعلان تليفزيوني يحتشد فيه بعض الشبان وهم يهتفون بصوت عال منادين "مصر ـ مصر"، وجاءت الاستجابة في لقطة تالية ركزت فيه الشاشة على مشروب معلب لإحدى شركات المياه الغازية. وربما جاز أن نشير إلى أن "كوكاكولا" أطلقت حملة دعائية كبرى سمتها "تذكروا 1989"، في إشارة إلى تأهل المنتخب المصري على نظيره الجزائري في ذلك العام وتأهله إلى مونديال 1990، لحث المصريين على الوقوف خلف فريقهم[9].

وبطبيعة الحال، انضمت طلائع جيوش المشجعين والصحفيين وقراصنة الإنترنت وغيرهم من جحافل المتعصبين كرويـًا - سواء لمنتخب "الفراعنة أو "ثعالب الصحراء"-  إلى حملة ترهيب "الخصم" والنيل منه بأي طريقة ممكنة. وتعرضت مواقع مثل "الشروق" الجزائرية و"الأهرام" المصرية لاختراق القراصنة[10]، وسط اتهامات تدور في فلك الخلاف الكروي.

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية رأت أن تبادل الاتهامات بين البلدين هي لحظة أسف للعالم العربي كله، فاللحظة التي شهدت تأهل بلد عربي إلى أضخم حدث رياضي في العالم سادها نيران واتهامات عبر ثلاث قارات.[11] نشير هنا إلى وقوع أعمال شغب وعنف من جانب مشجعين جزائريين في عدد من المدن الفرنسية في أعقاب تأهل منتخب الجزائر إلى مونديال جنوب إفريقيا، ما اضطر الشرطة الفرنسية إلى نشر 500 جندي في مارسيليا وحدها[12] واعتقال عدد من مثيري الشغب الجزائريين[13]. وفي الإجمال، جرى اعتقال 150 جزائريـًا في أنحاء فرنسا بسبب شغب أو جرائم في أعقاب المباراة[14].

إن ما حدث من توتر في العلاقات المصرية - الجزائرية نتيجة مباراة كروية، كان واضحـًا للجميع باستثناء الطرفين المعنيين بالأمر، أو كما قال الكاتب أنيس منصور: "ضربناهم بحجر في المباراة الأولى فضربونا، شتمناهم فشتمونا، هاجمتنا وسائل إعلامهم فهاجمتها وسائل إعلامنا.. وكان المفترض ألا تتعدى المسألة حدود ذلك. ولكن للأسف تطورت الأحداث بشكل سريع، وبات من الضروري التعامل مع الوضع بحكمة وصبر ورؤية سياسية حقيقية. فما بين الجزائر ومصر أكبر من مباراة في كرة القدم، وعلى الجميع في كلا البلدين أن يدركوا ذلك"[15].

غير أن نداء التعقل كان صيحة في واد.

ووجدنا في الجزائر من يزعق بأعلى صوته قائلا: "الجزائر تنتصر على مصر دبلوماسيـًا وتهزم التهور ببرودة الأعصاب"[16].

 وانساق بعض المحسوبين على الإعلام الرياضي في مصر وراء شهوة المزايدات وسيل الإهانات الخارجة عن النص.

هوامش




[1]  خالد طلعت، ضحكوا علينا.. وضحكوا أخيرًا، جريدة "الدستور"، القاهرة، 20 نوفمبر 2009.


[2]  طارق رضوان، مصر العظيمة، جريدة "الدستور"، القاهرة، 30 نوفمبر 2009.


[3]  ___________، مبروك للجزائر، مجلة "أكتوبر"، القاهرة، 19 نوفمبر 2009.


[4]  هشام عمر عبدالحليم، صحفيو "أكتوبر" يمزقون غلاف المجلة ويطالبون "الدقاق" بالاعتذار عن تهنئته الجزائر وسخريته من مصر، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 22 نوفمبر 2009.


[5]  زقاي الشيخ، مجلة أكتوبر المصرية تتعرض لانتقادات إعلامية لاذعة، جريدة  "الشروق"، الجزائر، 25 نوفمبر 2009، ص 11.


[6]  وائل عبدالفتاح، مباراة بين القتلى، جريدة "الدستور"، القاهرة، 22 نوفمبر 2009.


[7]  مها البهنساوي،  الإعلام الرياضي.. مراهقة ومهنية غائبة، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 18 نوفمبر 2009.


[8]  سليمان جودة، لا تستسلموا لعقلية القطيع، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 21 نوفمبر 2009.


[9] Khaled Diab, Algeria and Egypt play political football, The Guardian, London, November 7, 2009.


[10]  Joseph Mason, Egypt, Algeria duke it out online ahead of big match, Bikya Masr. http://bikyamasr.com/?p=5391, 2 November 2009.


[11]    James Montague, Unity through soccer? Not in the Middle East, op. cit.


[12]  Tom Dart, "Bitter rivals Egypt and Algeria battle for place in World Cup finals, The Times, http://www.timesonline.co.uk/tol/sport/football/article6920020.ece, London, November 17, 2009.




[13]  محمد يحيى، عنف وشغب في احتفالات الجزائريين بفرنسا، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 20 نوفمبر 2009.


[14] Andrew Hussey, Why French Algerians' football celebrations turned into a battle, The Observer, London, November 22, 2009.


[15]  نشوى الحوفي، "المصري اليوم" تحاور الكاتب الكبير أنيس منصور (1- 2) مصر أمة استفحل فيها المرض وانتهى عمرها الافتراضي، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 1 ديسمبر 2009.


[16]  سميرة بلعمري، الجزائر تنتصر على مصر دبلوماسيًا وتهزم التهور ببرودة الأعصاب، جريدة "الشروق"، الجزائر، 21 نوفمبر 2009، ص 5.
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator