المحروسة

gravatar

خطة تسميم الآبار



كانت الخطة تسميم الآبار
فقد عمل البعض على إشعال الكره بين الشعبين المصري والجزائري، لتكون القطيعة طويلة، ولذا رأى نقاد أنه "إذا كان هناك أشخاص مسؤولون عن الهزيمة فليس حسن شحاتة، بل مصطفى عبده ومدحت شلبي وعمرو أديب وخالد الغندور ومحمود معروف"[1]، مثلما شجب آخرون أن "نسلم أمر سياستنا المهمة إلى خالد الغندور وشوبير ومصطفى عبده الذي قال عن الجزائر شعب المليون لقيط - كده مرة واحدة - ولمدحت شلبي ونهال عنبر ومحمد فؤاد ولرؤساء تحرير جهلة ولوزير إعلام لا يعرف الفرق بين السياسة العليا للدولة وبين الموسوعات - كله بيتباع- ولمذيعين جهلة"[2].

كأنك ضغطت على زر التفجير، فتطايرت حمم وقذائف من كل حدب وصوب، حتى داخل المؤسسات الإعلامية نفسها. المشهد الذي حدث في "دار المعارف" كان دليلا على هذا الانفلات العشوائي للأعصاب. فقد احتج عشرات العاملين في الدار الصحفية على غلاف عدد مجلة "أكتوبر"[3] الذي تضمن تهنئة للجزائر لفوز منتخبها على مصر، واصفين ذلك بـ"عدم المسؤولية وغياب الإحساس" بما يشعر به المصريون إثر أحداث أم درمان.

ومزق عدد من المحتجين غلاف المجلة الذي جاء تحت عنوان كبير يحمل خارطة وعلم الجزائر وفوقه عبارة "مبروك للجزائر"، فضلا عن عناوين أخرى رأى الغاضبون أنها تقلل من شأن المنتخب المصري مثل "سعدان نصب الكمين.. وشحاتة وقع فيه"، و"أبوتريكة نام في حضن دفاع الخضر"[4]. واضطرت قناة "الحياة" إلى قطع برنامجها "الحياة اليوم"، بسبب السجال الذي دار على الهواء مباشرة بين رئيس تحرير المجلة مجدي الدقاق ونائبه أسامة أيوب الذي أظهر معارضته الشديدة لرئاسة التحرير بعد موافقتها على نشر عناوين الغلاف التي أثارت الجدل[5].


وبسبب هذا الشحن الإعلامي المبالغ فيه والإساءات المتبادلة، لم ترغب جموع المشجعين في الجزائر تصديق الحقيقة وأن خبر "استشهاد" جزائريين في القاهرة فبركة صحفية.. ولا المصريون أرادوا أن يروا أبعد من ليلة الهروب الكبير في الخرطوم. في الجزائر تحدثوا عن توابيت عائدة من القاهرة ليسود مناخ الجنازات والانتقام بدون قتلى، وفي مصر وقع كثيرون في ورطة عاطفية بعد حكايات عن سيوف وخناجر جزائرية تطارد المشجعين المصريين في شوارع الخرطوم، ليتم استدعاء غوغاء قطعوا المسافة بين حرب افتراضية في الملعب والحرب الحقيقية بين نظامين متشابهين[6].

وفي ظل إعلام يعمل بأفكار مراهقة أو وفق رؤية متعصبة، غابت المسؤولية تمامـًا عن الكثير من المعالجات الإعلامية، والأصوات المعتدلة والمسؤولة احترافيـًا على خلق التوازن والموضوعية، غابت تمامـًا لمصلحة أصوات تعمد إلى تحقيق الرواج على حساب القيم المهنية، وظهر الكثير من تشويه الحقائق واختلاق القصص وفبركتها[7].

وانساقت عقول ناضجة في مصر والجزائر أو استسلمت - ربما عن غير قصد- لمجانين كرة القدم، وسط هتاف نفر من التغريبيين دعاة الانفصال وإقصاء العروبة والإسلام.

واستغرب كثيرون أن يكون النائب وعضو مجلس الشورى السابق د. مصطفى الفقي، بالذات هو الذي يطالب في اتصال هاتفي مع برنامج "الحياة اليوم" على قناة "الحياة"، بأن تعمل القاهرة، من خلال الاتحاد الدولي لكرة القدم، ومن خلال أصدقائها على امتداد العالم، على تعطيل وصول الجزائر إلى كأس العالم؛ لأن ما جرى من جانب متعصبيها في الخرطوم، لا يدل على روح رياضية، بقدر ما يشير إلى نزعة إجرامية!

وطالب المستشار مرتضى منصور في اتصال هاتفي أيضـًا مع برنامج "48 ساعة" على قناة المحور، بطرد السفير الجزائري من القاهرة. واندهش البعض لرؤية رئيس تحرير جريدة "المصري اليوم" مجدي الجلاد، وهو يعلن من خلال البرنامج نفسه، على قناة المحور، سحب مبادرة "المصري اليوم" التي أطلقتها من قبل، تحت عنوان "وردة لكل لاعب جزائري"[8]!


 واستغل عدد من رجال الأعمال الموقف بسرعة، فظهر إعلان تليفزيوني يحتشد فيه بعض الشبان وهم يهتفون بصوت عال منادين "مصر ـ مصر"، وجاءت الاستجابة في لقطة تالية ركزت فيه الشاشة على مشروب معلب لإحدى شركات المياه الغازية. وربما جاز أن نشير إلى أن "كوكاكولا" أطلقت حملة دعائية كبرى سمتها "تذكروا 1989"، في إشارة إلى تأهل المنتخب المصري على نظيره الجزائري في ذلك العام وتأهله إلى مونديال 1990، لحث المصريين على الوقوف خلف فريقهم[9].

وبطبيعة الحال، انضمت طلائع جيوش المشجعين والصحفيين وقراصنة الإنترنت وغيرهم من جحافل المتعصبين كرويـًا - سواء لمنتخب "الفراعنة أو "ثعالب الصحراء"-  إلى حملة ترهيب "الخصم" والنيل منه بأي طريقة ممكنة. وتعرضت مواقع مثل "الشروق" الجزائرية و"الأهرام" المصرية لاختراق القراصنة[10]، وسط اتهامات تدور في فلك الخلاف الكروي.

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية رأت أن تبادل الاتهامات بين البلدين هي لحظة أسف للعالم العربي كله، فاللحظة التي شهدت تأهل بلد عربي إلى أضخم حدث رياضي في العالم سادها نيران واتهامات عبر ثلاث قارات.[11] نشير هنا إلى وقوع أعمال شغب وعنف من جانب مشجعين جزائريين في عدد من المدن الفرنسية في أعقاب تأهل منتخب الجزائر إلى مونديال جنوب إفريقيا، ما اضطر الشرطة الفرنسية إلى نشر 500 جندي في مارسيليا وحدها[12] واعتقال عدد من مثيري الشغب الجزائريين[13]. وفي الإجمال، جرى اعتقال 150 جزائريـًا في أنحاء فرنسا بسبب شغب أو جرائم في أعقاب المباراة[14].

إن ما حدث من توتر في العلاقات المصرية - الجزائرية نتيجة مباراة كروية، كان واضحـًا للجميع باستثناء الطرفين المعنيين بالأمر، أو كما قال الكاتب أنيس منصور: "ضربناهم بحجر في المباراة الأولى فضربونا، شتمناهم فشتمونا، هاجمتنا وسائل إعلامهم فهاجمتها وسائل إعلامنا.. وكان المفترض ألا تتعدى المسألة حدود ذلك. ولكن للأسف تطورت الأحداث بشكل سريع، وبات من الضروري التعامل مع الوضع بحكمة وصبر ورؤية سياسية حقيقية. فما بين الجزائر ومصر أكبر من مباراة في كرة القدم، وعلى الجميع في كلا البلدين أن يدركوا ذلك"[15].

غير أن نداء التعقل كان صيحة في واد.

ووجدنا في الجزائر من يزعق بأعلى صوته قائلا: "الجزائر تنتصر على مصر دبلوماسيـًا وتهزم التهور ببرودة الأعصاب"[16].

 وانساق بعض المحسوبين على الإعلام الرياضي في مصر وراء شهوة المزايدات وسيل الإهانات الخارجة عن النص.

هوامش




[1]  خالد طلعت، ضحكوا علينا.. وضحكوا أخيرًا، جريدة "الدستور"، القاهرة، 20 نوفمبر 2009.


[2]  طارق رضوان، مصر العظيمة، جريدة "الدستور"، القاهرة، 30 نوفمبر 2009.


[3]  ___________، مبروك للجزائر، مجلة "أكتوبر"، القاهرة، 19 نوفمبر 2009.


[4]  هشام عمر عبدالحليم، صحفيو "أكتوبر" يمزقون غلاف المجلة ويطالبون "الدقاق" بالاعتذار عن تهنئته الجزائر وسخريته من مصر، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 22 نوفمبر 2009.


[5]  زقاي الشيخ، مجلة أكتوبر المصرية تتعرض لانتقادات إعلامية لاذعة، جريدة  "الشروق"، الجزائر، 25 نوفمبر 2009، ص 11.


[6]  وائل عبدالفتاح، مباراة بين القتلى، جريدة "الدستور"، القاهرة، 22 نوفمبر 2009.


[7]  مها البهنساوي،  الإعلام الرياضي.. مراهقة ومهنية غائبة، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 18 نوفمبر 2009.


[8]  سليمان جودة، لا تستسلموا لعقلية القطيع، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 21 نوفمبر 2009.


[9] Khaled Diab, Algeria and Egypt play political football, The Guardian, London, November 7, 2009.


[10]  Joseph Mason, Egypt, Algeria duke it out online ahead of big match, Bikya Masr. http://bikyamasr.com/?p=5391, 2 November 2009.


[11]    James Montague, Unity through soccer? Not in the Middle East, op. cit.


[12]  Tom Dart, "Bitter rivals Egypt and Algeria battle for place in World Cup finals, The Times, http://www.timesonline.co.uk/tol/sport/football/article6920020.ece, London, November 17, 2009.




[13]  محمد يحيى، عنف وشغب في احتفالات الجزائريين بفرنسا، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 20 نوفمبر 2009.


[14] Andrew Hussey, Why French Algerians' football celebrations turned into a battle, The Observer, London, November 22, 2009.


[15]  نشوى الحوفي، "المصري اليوم" تحاور الكاتب الكبير أنيس منصور (1- 2) مصر أمة استفحل فيها المرض وانتهى عمرها الافتراضي، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 1 ديسمبر 2009.


[16]  سميرة بلعمري، الجزائر تنتصر على مصر دبلوماسيًا وتهزم التهور ببرودة الأعصاب، جريدة "الشروق"، الجزائر، 21 نوفمبر 2009، ص 5.

gravatar

فكرتنا بأيام مش لازم نفتكرها
تحليل جميل
تحياتي

gravatar

بصراحة أغلبيتنا صدقت الإعلام الكاذب والمخادع وانسقنا خلف مشاعرنا وعواطفنا .. رغم معرفتي بان الشعب الجزائري يعشق التراب الذي يمشي عليه الفلسطيني إلا اننا صرخنا وبأعلى الصوت " إلا مصر ، فهي خط أحمر " وخرجت المظاهرات في غزة تندد بالاعتداء على المنتخب المصري في السودان وعند الفوز خرجنا نغني ونرقص بالشوارع فرحا بالاربعة صفر

خدعونا لبعض الوقت ولكن ليس لكله .. الحمدلله فهمنا اللعبة وتم اصلاح الامور بين المنتخبين والشعبين ..

نبقى إخوة وأشقاء جمعتنا كلمة الاسلام ولن تفرقنا كرة قدم

تقبل تحياتي دكتور ياسر

gravatar

AHMED SAMIR

تحياتي

من المهم أن نتذكر، حتى لا تتكرر

وفي تقديري أن القراءة المتأنية للأزمة ستكون مفيدة للجميع

gravatar

وجع البنفسج

الإعلام لعب جزءاً رئيسياً في التضليل وإذكاء روح العنف والتحريض وكيل الاتهامات لشعبين بأكملهما

بالتأكيد كان هناك عقلاء، لكن أصوات هؤلاء ضاعت وسط ضجيج الزاعقين

دمت بخير

gravatar

شكرا على الموضوع

gravatar

نادي حواء

الشكر موصول لك على حسن المتابعة

gravatar

إعلامنا ما زال يثبت كل لحظة بمعارضته وغير المعارضة
أنه يسير فى الركب بلا وعى أو إدراك

ليكن الله فى عوننا فى خضم كل ذلك

gravatar

الأزهري


للأسف، الأخطاء تتكرر، والإعلام يترنح، ويثير الأزمات، بدلاً من القيام بدور التوعية والتنوير، إلى جانب التسلية والترفيه

gravatar

يا رب يعم السلام و المحبة علي كل الامة الاسلامية و العربية

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator