غابة عتيقة
الأيام نافذةٌ عالية أعمتها
شمس الأصيل، والسنوات امرأٌةٌ نسيت أن تضع على كتفيّها وشاحـًا من الريح.
أما أحزاننا فهي ذلك الميزان
النحاسي الصارم الذي يختل لكي نكون أكثر دقة واتزانـًا.
تناديني خصلة شعر النهار، فأمنحُها
نومي المتقطع وحنجرتي الجريحة وحرفـًا من اسمي.
اسمي ورسمي، ألمي وقلمي.
قد يكابد هذا القلم، لكنه لم
يتثاءب يومـًا.
خط شهادته على ورقة استعرتها
من جِلد الكون، حتى ارتعش من جَلَدها الهواء.
والكتابة تهويدة، أما الكاتب
نفسه فهو سفينة عملاقة عالقة في جليد المحيط، لم يبق منها سوى شراع مستسلم وأضواء
كابية على سطحها، وموتى ينتظرون موجة عالية.
أكتبُ، وتحتي تصغر الأرض،
وفوقي قشعريرة تهب من الشمال، وكل الطرق تتقاطع ثم تعاود الافتراق.
وفي الأفق، طائرٌ حُرٌ يغني،
حتى وإن اضطر إلى أن يغني وحده.
نحن كائناتٌ متشابهة نرتدي
أفكارًا فضفاضة ونبحر في حقيبة مفتوحة اسمها سفينة العقل.
ها أنا أضع في قلبي كل ما لا
يستطيع الإبحار من أثاث روحي، وأنشد أغنية من سنوات الطفولة، مثل ريح تذكرت للتو إلى
أين ستذهب.
هذه هي الحكاية التي تخاف
المضي قدمـًا، حتى وإن أخذ بيدها راويةٌ من طراز فريد.
لكننا روينا وكتبنا ومشينا
على جنون الأبجدية التي تكاد تحترق. لم نجلس على مائدة الخزي والجزع من المساحات
البيضاء في الورق.
كتبنا، وتركنا التفاصيل تحلم
بالحقيقة.
وأنا حملتُ بخار أنفاسي
واحتضنت وطني وقبَّلتُ فراغـًا عمره ألف عام.
في الذكرى السادسة لإنشاء
مدونة "قبل الطوفان"، أفكر في قارةٍ جديدةٍ يجدر بي اكتشافها، وأحفر
خندقـًا جاهزًا لاستقبال الكتيبة.
هكذا كتبتُ سلسلة ضافية عن "قانون محاكمة الوزراء": "الثغرة"، "النكتة"، "الإجهاض"، "الانفجار".
هكذا كتبتُ سلسلة ضافية عن "قانون محاكمة الوزراء": "الثغرة"، "النكتة"، "الإجهاض"، "الانفجار".
في تلك السلسلة، تحدثنا عن غياب
قانون محاكمة الوزراء - في ظل الدولة الرخوة التي كانت- وقلنا إن "مصر شهدت طوال أكثر من نصف قرن، وصولاً إلى
مطلع عام 2011، فراغـًا تشريعيـًا نجم عن عدم وجود قانون ينظم محاكمة الوزراء. وباتت الحاجة أكثر إلحاحـًا من ذي قبل لوجود قانون بهذا المعنى يواجه جميع
التغيرات والتطور الذي طرأ على الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مصر، بعد
أن أصبح لديها وزراء رجال أعمال وحدث خلل في الهياكل الاجتماعية وتفاوت هائل بين الطبقات،
وطرأت أفعال وجرائم جديدة لم تكن معروفة في مصر منذ نصف قرن".
وأردفنا قائلين: "وإذا كان
دستور 1971 ينص على أن لرئيس الجمهورية أو لمجلس الشعب حق إقالة الوزير أو محاكمته
عما يقع منع منه من جرائم أثناء تأدية أعمال وظيفية أو بسببها، فإن ما يهمنا هو أنه
لم يحدث أن حوكم وزير واحد وهو على مقعد الوزارة؛ لأنه لا قانون يحكمه".
في "عشتُ تقريبـًا"..
كتبتُ عن نفسي التي تغلّفها العزلة، وصورتي التي أطفأها مصباح الزمن، وقلت:
"الآن يكتملُ الزمان،
فأصبحُ جزءًا من الماضي
أنتزعُ الأيامَ إلى الأبد،
كنشيد قديم في فم الريح
أروي عن حياتي، فقط لأكتشف
حقيقة الشيب الذي اعتراني".
تلك الرواية تتسلق الوقت
وتخاطب الحبيبة: في الغياب، يلمسني صوتكِ برقةٍ أكبر، ويغويني كي انقاد وراء عزفه
الغامض وأسير في دربه الهامس، حتى ترتقي
ما هتكت يداك من نسيان.
سأمضي إذن محدودبـًا متثاقلاً،
وعند آخر خيطٍ من شعاع الشمس أختفي في عتمة عين أحد العابرين.
في عالم كرة القدم والتقاطعات مع السياسة والدين والإعلام، كانت لنا وقفات.
"بركات الشيخ طه"
عن التدين في ملاعب كرة القدم المصرية و"كأس مرشد الإخوان" الذي قلنا
فيه "والثابت أن اهتمام جماعة الإخوان المسلمين بالرياضة أمرٌ حيوي؛ حيث شرعوا
في تأسيس أندية خاصة بالإخوان، وأصبحت هذه الأندية تنافس في بطولات الجمهورية في أكثر
من لعبة.
وحظيت لعبة كرة القدم بعناية خاصة
من الإخوان المسلمين بسبب شعبيتها وإقبال الناس عليها، حتى إنه كان للإخوان قبل
منتصف القرن العشرين 99 فرقة كرة قدم في مناطق القُطر المختلفة".
وأضفنا قائلين "الأكيد أن
الدين كان، وغالبـًا سيظل على الدوام، جزءًا من نسيج لعبة كرة القدم، وستبقى أشكال ذلك وصوره شاهدًا على التأثير الكبير للدين على
اللعبة داخل المستطيل الأخضر.. وخارجه".
وعن الأزمة المفتعلة بين مصر
والجزائر، من ملاعب كرة القدم إلى مضماريّ الإعلام والسياسة وبالعكس، حدّث ولا
حرج.
فقد كتبنا سلسلة مطولة في
المدونة ضمت: "مصر والجزائر.. المصائر"، "إعصار في استاد القاهرة"،
"أم المباريات"، "معركة البرابرة"، "ليلة الرعب في
السودان"، "صراع الكباتن"،
"الحقونا"، "شارع المتعصبين"، "خطة تسميم الآبار"،
"صراع العقول والأقدام"، "حفلات الإهانة"، "فرسان الجهل"،
"مراهقة إعلامية"، "فنون الغزل والتعصب".
قلنا بوضوح إن "الأزمة الكروية بين مصر والجزائر
انتهت، أو في أضعف الأحوال تراجعت، وقد يجادل البعض بأنه آن الأوان للأعصاب المتوترة
والنفوس المشحونة أن تهدأ، ولكن الأخطر في نظرنا أنها كشفت مدى جهل المجتمعين المصري
والجزائري ببعضهما البعض، ومدى مغازلة السلطة هنا وهناك لجماهير تتسم سلوكياتها وردود
فعلها بالغوغائية والاندفاع غير المدروس".
ثم جاء كتاب "لحظات
تويتر".
كتابٌ يلتقط اللحظات والانفعالات
ويلتزم بضوابط النشر على موقع التواصل الاجتماعي الشهير.
قلنا يومها:
"هذا هو عالم تويتر: الحكاية
كاملة في 140 حرفـًا على الأكثر!
حروفُ النار التي تنام على الألم
وتصحو على الأمل، تكتبُ نفسها وتضمد جراحها وترتدي ثوب اللهفة وتاج الحكمة وروح الثورة.
وفي كل أحوالها وأطوارها، تبدو
الكلمات على تويتر كأنها اسم على مسمى: تغريدة على شرفة الحياة.
في هذا المنبر الإلكتروني تفتحُ
شرفة على الذات ليراها غيرك، وتنالُ فرصة استثنائية للتفكير والتأمل والتعبير بصوت
مسموع ومقروء، يتخطى المسافات والحواجز ويتجاوز الأقطار والقارات، بسحر الكلمة وقوة
تأثيرها، التي تشبه بطش الدهشة".
كتابٌ عن النسوة اللاتي يحملن
مظلات كبيرة واقية من الشمس، والصيادين الذين يؤنسون وحشة القوارب الصغيرة، والصبية
الذين يمشون إلى المدرسة مغمضي الأعين، والعشاق الذين يراقبون في دعةٍ غروبـًا
مثاليـًا للشمس، والطغاة الذين خلصوا إلى أنهم لا يملكون أرواحـًا، والمجاعة التي
تفتك بالوطن/ المهرجان في الليالي التي يُفترَض أن تكون ماطرة.
كتبنا عن البشر العاديين
الذين لا يُسمع سوى صوت حفيفهم الغامض، ويحفّون قاع الصحن بالملعقة، ثم يرتمون على
فراشهم مثل كسرة أولى تسقط عن المائدة وهي لا تحسب أن أحدًا يسمعها.
نحن نسمعها، ونرصدها ونحكي
عنها، واثقين من أن الجياد دومـًا أطول من العُشب، والطاغية أصغر من الشعب.
وفي لحظةٍ طال انتظارها، خرج
إلى حيز الوجود كتاب "قصة الثروة في مصر"، الذي قلنا في تقديمه:
"عن ستة حروف يتحدث هذا الكتاب:
الثروة.
هذه الحروف الستة حكمت مصر، وحرَّكت
الأحداث مثل مسرح العرائس، وأقامت نهار المحروسة، ولم تقعد ليلها حتى الآن.
لم تكن الثروة في بلادنا راقصة
باليه تسير على أطراف أصابعها بخفةٍ ورشاقة، وإنما دبت بقدميها على الأرض مثل مصارع
سومو، في مهمةٍ عنوانُها الإقصاء والانفراد بالمشهد.
لم تكن الثروة في مصر ترفـًا،
بل طرفـًا في كل شيء: الحروب والمقاومة، الصناعة والزراعة، التحالف والصراع، الفرد
والعائلة".
نقرع الآن أجراس عامٍ جديد
لهذه المدونة، ونمضي مثل مراكب الناجين من الغرق، مبللين بالماء، وتوّاقين إلى
اليابسة.
سنحصل أخيرًا على سماء معبئةٍ
بالنجوم، وغابةٍ عتيقةٍ حُبلى بالأمل.