المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

الوارثون



"مـلـك أم كتابـة ؟
صـاح بــي صاحـبـي، وهـــو يـلـقـي بـدرهــمٍ فـــي الهواء
ثم يلقفه
(خارجيـن مـن الـدرس كنـا .. وحبـر الطفولـة فــوق الــرداء
والعصافير تمرق عبر البيوت
وتهبط فوق النخيل البعيد)
...

"ملك أم كتابة؟"
صاح بي .. فانتبهت ورفـت ذبابـة
حول عينين لامعتين
فقلت الكتابة"
...
فـتــح الـيــد مبتـسـمـاً، كـــان وجــــه الـمـلـيـك الـسـعـيـد
باسـمـاً في مـهـابة
...
"ملك أم كـتابة؟"
صحت فيه بدوري
فرفــــرف فـــي مـقـلتــيــه الصـبا والنجابة
وأجـاب : "الملك"
(دون أن يـتـلعــثم .. أو يـرتـبـك)
وفتحت يدي
كان نقش الكتابة
بارزاً في صلابة"
أمل دنقل-قصيدة: من أوراق أبو نواس
حتى في اليمن الذي كان سعيداً.. الدنيا حظوظ.. ومواريث أيضاً
تفوق الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على جميع الرؤساء الذين حكموا البلاد قبله... وحتى هؤلاء الذين مزجوا بين الدين والعشيرة والسياسة لينعموا بالسلطة لم ينجحوا في البقاء في الحكم لفترة تناهز تقترب من ثلاثة عقود كما فعل صالح.. والحبل على الجرار كما يقولون

الرجل قال في حديث تلفزيوني لقناة الجزيرة أجراه معه أحمد منصور إن لا أحد يعرف اليمنيين مثله.. فهو يحكمهم منذ نحو ثمانية وعشرين عاماً.. وفي سؤال آخر عن اتهامه بمحاباة أهله وأقاربه وتوليتهم المناصب العليا في الدولة رد صالح بطريقة غريبة: كل اليمنيين أقاربي.. ونحن دولة مؤسسات

غير أن الحقيقة شيء آخر.. وبوسعنا -على سبيل المثال لا الحصر- أن نطالع ما ورد في موسوعة ويكيبيديا حيث نقرأ ما نصه إن صالح الذي لم ينل قسطاً من التعليم سوى ما تلقاه من دروس في كُتاب القرية "قرَب منه إخوته من أمه وآثرهم بالمناصب..كما قرَب أبناء منطقته وزرعهم في الجيش ووظائف الدولة المهمة.. وكافأ من باعوا رفاقهم.. ومنهم شخص يسمى محمد خميس معطياً إياهم مسؤولية الأمن السياسي..لتبدأ فترة مروعة على المثقفين اليمنيين..فالأمن السياسي اعتقل منذ أواخر السبعينيات وحتى الثمانينيات جل المثقفين اليمنيين الناصريين أو المتعاطفين مع الناصرية.. أو الذين لا تعرف انتماءاتهم السياسية.. وخضع بعضهم لتعذيب مروع.. خصوصاً من كانت له منهم علاقات بالانقلابيين.. أو عرف عنه تعاطفه معهم"

لكن اللافت أن الرئيس اليمني كان يردد باستمرار كلمة معينة: شعبي

وآهٍ من أفاعيل وأباطيل ياء النسب

فهذه الياء تجعل الشعب إقطاعية خاصة للحاكم.. الذي يظن أنه امتلك هذا الشعب وأنه الرئيس الضرورة الذي يتعلق أبناء هذا الوطن ببنطاله أو جلبابه باكين: يا أبي.. لا تتركنا وحدنا

وأحمد لم يسأل الرئيس صالح مباشرة عن أحمد.. أي نجل الرئيس اليمني الذي يصعد في السلطة ويجمع في خزانته مجموعة من المناصب والرتب من بينها قيادة قوات الحرس الجمهوري.. ليذكرنا بما جرى من قبل في بلد عربي آخر هو سوريا حين أخذ الرئيس الراحل حافظ الأسد يعد ابنه باسل لخلافته.. إلى أن توفي الابن في حادث سير عام ألف وتسعمائة وأربعة وتسعين.. وسرعان ما انتقل الأب إلى ابنه بشار الذي خلف حافظ الأسد في المنصب بالرغم من وجود نائب للرئيس
إن المضحك المبكي أنهم أعادوا تفصيل الدستور السوري ليكون على مقاس بشار ومتناسباً مع عمره..إذ أقر مجلس الشعب السوري تعديل الدستور وخفض السن القانونية لتولي الرئاسة إلى الرابعة والثلاثين بدلاً من أربعين عاماً. ويقول بعض الخبثاء إنه كان الأحرى بهم أن يزيدوا عمر بشار بضعة أعوام بدلاً من خفض سن الرئيس في الدستور

وحين نتابع أعمال المؤتمر السنوي للحزب الوطني الديمقراطي الذي تشهده القاهرة حالياً سنجد أن القاسم المشترك على المنصة هو جمال نجل الرئيس المصري حسني مبارك.. ولم لا وهو أمين لجنة السياسات في الحزب الحاكم الذي يرأسه والده؟! وبعد ذلك نجد من يقول إنه لا داعي للقلق من احتمال خلافة جمال مبارك لوالده الذي يحث الخطى إلى الثمانين

والشعوب تتفرج على ما يراد بها ولا تتحرك..مع أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. وأول تغيير هو الإصلاح في مختلف قطاعات المجتمع والقضاء على الفساد والجهل ونقص الوعي.. والكف عن السلبية القاتلة التي جعلتنا ميراثاً في صندوق السيد الرئيس

تلك أمثلة ثلاثة على الوراثة في دول عربية يفترض أنها ذات نظام جمهوري..لا نريد أن ننكأ مزيداً من الجراح فنضيف إليها ما هو كائن في ليبيا تحت قيادة العقيد معمر القذافي التي يتردد فيها اسم نجله سيف الإسلام.. ولا ما كان في العراق أيام صدام حسين ونجليه قصي وعدي
كانت هذه ممالك أو إمارات لما كان هذا شغلنا الشاغل -وتلك حكاية أخرى- غير أن العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم في دولنا بات في خبر "كان" وأخواتها.. فالحاكم يستبيح لنفسه حق التوريث السياسي أو يمهد الطريق لابنه وفلذة كبده كي يهبط على المنصب الرئاسي بالمظلات.. ويستعين في ذلك بأجهزة الأمن ووسائل إعلام مملوكة للدولة أو تسير في فلكها عملاً بنصيحة عبد الحليم حافظ "أمرك يا سيدي"..وتجمعات هشة يقال عنها إنها مؤسسات تشريعية مثل مجالس الموافقة وبرلمانات سلق القرارات..وحاشية من ساسة وأصحاب أموال تعرف أن من مصلحتها بقاء الفساد على ما هو عليه

تقفز إلى الذاكرة الآن قصة عبدالله بن عمر بن الخطاب.. ذلك الفقيه الورع الذي كان شديد الاقتداء بالسنة النبوية الشريفة وكان من أبرز رواة الحديث الثقات

ومع ذلك.. لم يختره الفاروق عمر وريثاً له

بل إن عبدالله بن عمر ظل يرفض الخلافة حتى أواخر سنوات حياته
يقول الحسن رضي الله عنه:" لما قتل عثمان بن عفان قالوا لعبد الله بن عمر: إنك سيّد الناس وابن سيد الناس فاخرج نبايع لك الناس
قال: إن والله لئن استطعت لا يهراق بسببي محجمة من دم
قالوا: لتخرجن أو لنقتلنك على فراشك.. فأعاد عليهم قوله الأول
فأطمعوه.. وخوّفوه.. فما استقبلوا منه شيئاً"

الشعوب الحرة تختار من توليه أمرها بوعيٍ وإرادة ووفق أسلوب ديمقراطي نزيه.. ولا ترضى بأن تتحول إلى ياء نسب على لسان الحاكم.. ولا تقبل أن تصبح إرثاً ينتظر صاحبه

وما أدراكم من الوارثون هذه الأيام

تابع القراءة

gravatar

سيد الحرافيش

نيل من الحبر والبساطة.. تدفق حتى آخر قطرة بروايات وقصص مسكونة بالواقعية والانتماء

إنه نجيب محفوظ.. أحد أبرز رواد الرواية العربية والابن النجيب للثقافة المصرية

الرجل الذي لم يسافر خارج مصر قط سافر إلى أربعة أركان الدنيا بأدبه وإبداعه.. وتمكن الكاتب الذي كان يخط كل كتاباته بالقلم الحبر أو الرصاص من أن يحفر مكانته عميقاً في الوجدان المصري والعربي.. بعد أن راهن على فن الرواية الذي وصفه في رده على عباس محمود العقاد بأنه "شعر الدنيا الجديدة".. وهكذا كان وفياً لرهانه الرابح

بدأ في اتجاهه للأدب بعد تخرجه في كلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة القاهرة. غلب على أسلوبه الطابع الخيالي التاريخي ثم تحول بعد ذلك للتعبير بمهارة عن المجتمع المعاصر.. فكان على رأس هذه الأعمال "الثلاثية" التي عبرت عن التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأجيال عدة من المجتمع

وُلدَ نجيب محفوظ في حارة درب قرمز الواقعة في ميدان بيت القاضي بحي الجمالية في الحادي عشر من ديسمبر عام ألف وتسعمئة وأحد عشر. وفي هذا الحيّ القديم الأصيل النائم في أحضان القاهرة القديمة..عرفَ نجيب محفوظ الحياة الشعبية وعادات أهلها..حيثُ تركت أثراً عظيماً في أدبه وفي معظم رواياته وقصصه التي لجأت في أحيان عدة إلى الرمزية للإفلات من قبضة الأيديولوجيات الثقافية والسياسية التي لاحقته طويلاً

فمن حيّ الجمالية أخذ الكثير من أسماء أعماله التي تلقفتها السينما.. مثل "خان الخليلي" و"زقاق المدق" و"بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية". ومن حيّ الجمالية أخذ نجيب محفوظ كلمة "الحارة" التي أصبحت فيما بعد رمزاً للمجتمع والعالم.. أي رمزاً للحياة والبشر

من عالم الحارة القاهرية شديد الخصوصية استقى نجيب محفوظ روءاه الفلسفية للوجود الإنساني كله. فقد جمع التفاصيل الصغيرة.. أصغى لدبيب الحياة فيها.. وعى انتقالها وتطورها..مشى متأملاً..ثم جلس في مقهاه ليحكيها بأسلوب شديد البساطة بالغ الإيحاء

وربما يكمن نبوغ أدب نجيب محفوظ في قدرته على وصف التيارات الاجتماعية بواقعية.. فأعماله الروائية تجسيد لشخصيات تنشد الخلاص من أوضاع متأزمة حافلة بالمتناقضات. صراعات وأحداث وقضايا مزدحمة بمداخل سياسية وتاريخية ونفسية ووطنية واجتماعية..تتعارك جميعها لتنقل لنا نموذجاً لحياة تسمع فيها صخب الباعة الجائلين وأصوات عربات "الكارو" وصوت الفتوة بجبروته وعنفوانه يهتك صمت الحارة

وهج أدبه جعله ينحت رموزاً عاشت طويلاً في ذاكرة قرائه ومشاهدي أعماله السينمائية والتلفزيونية.. فاسم سي السيد في "الثلاثية" تحول من شخصية روائية إلى رمز دال على النموذج السلطوي الأبوي العربي.. وشخصية مثقف ما بعد عام سبعة وستين المهزوم من الداخل: تحولت إلى نموذج النخبة المرتبكة أمام هزات الواقع وحسابات السياسة..مثلما نرى في "ثرثرة فوق النيل" وغيرها من أعمال

ولعل كثيرين لا يعرفون أن نجيب محفوظ شارك في كتابة حوار أفلام عدة منها "الناصر صلاح الدين" و"الاختيار"..كما كتب مباشرة للسينما بدءاً من منتصف الأربعينيات ومن أعماله "مغامرات عنتر وعبلة" و"المنتقم" و"ريا وسكينة" و"الوحش" وغيرها

وقائع التاريخ المصري ولحظاته الحاسمة أثرت في أعمال نجيب محفوظ منذ ثورة عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر مروراً بثورة يوليو وصولاً إلى اغتيال الرئيس السادات.. فتحولت إلى محطات لإعادة إدراك الواقع ومراجعة المسلمات بحبكات قصصية تطابقت أغلبها مع الواقع اليومي

ولعل ما يسترعي الانتباه هو تلك السنوات العجاف التي مر بها أدب محفوظ.. فقد توقف عن الكتابة بضع سنوات حتى عام ألف وتسعمئة وتسعة وخمسين بحجة أن العالم القديم الذي كان يسعى إلى تغييره بالإبداع تغير بالثورة وكانت المشروعات الروائية جاهزة لكن حافز الكتابة غير موجود. ثم اكتشف أن للواقع الجديد أخطاءه فكتب رواية "أولاد حارتنا" التي نشرتها آنذاك صحيفة "الأهرام" كاملة.. بالرغم من اعتراض كثير من رموز التيارات المصرية المحافظة

تجاوز محفوظ في الستينيات أزمة "أولاد حارتنا" بالانشغال بكتابة أعمال ذات طابع رمزي يجسد فلسفة الشك والبحث عن يقينٍ وغايةٍ للحياة.. أعمال ذات سمات وجودية نرصدها في "الشحاذ" و"اللص والكلاب" و"السمان والخريف" و"الطريق" و"ثرثرة فوق النيل" و"ميرامار".. فضلاً عن عدد من المجموعات القصصية منها "خمارة القط الأسود" و"تحت المظلة" وغيرها
ويرى بعض النقاد أن "ملحمة الحرافيش" التي نشرها في عام سبعة وسبعين تمثل أفضل أعماله الإبداعية.. غير أن آخرين يرون أنها عزف على وتر روايات سابقة له.. على أي حال تمثل تلك الرواية الملحمية بأسلوبٍ فذ حياة أجيال متعاقبة والصراعات التي تعتمل في المجتمع
وبعد جائزة نوبل للآداب التي نالها عام ثمانية وثمانين ردد محفوظ أنه أصبح موظفاً عند السيد نوبل في إشارة إلى أن الجائزة حرمته نعمة الهدوء وجعلته موضع الاهتمام الإعلامي.. حيث طاردته كاميرات التلفزيون وأربكت برنامجه اليومي وغيرت عاداته في الكتابة

عاني من صعوبات في يده اليمنى بسبب محاولة اغتيال بسكين تعرض لها في أكتوبر تشرين الأول من عام أربعة وتسعين.. احتجاجاً على روايته "أولاد حارتنا" التي اعتبرها البعض تجديفاً

لكن هذا الحادث لم يسرق منه عشقه للضحك والنكتة والموسيقى والطرب.. فظل وفياً لشلة الحرافيش من أصدقائه المقربين.. ودوداً مع زائريه ومريديه.. إلا أنه حُرِم من ارتياد المقاهي التي ارتبط بها وارتبطت به ليلتقي بالأصحاب والأصدقاء

انتهى إلى محاورة الذاكرة ضمن آخر أعماله القصصية.. محيراً ناقديه ومحبيه على السواء في الانتقال بيسر من أسلوب في القص إلى آخر دون أن يسجن نصه في شكل واحد
تحدى ضعف سمعه وبصره والسنوات التي يحملها على ظهره بقوة إبداعه.. ولسان حاله يقول:
سنّي بروحي لا بعدّ سنيني ... فلأسخرن غداً من التسعين

أنهى نجيب محفوظ تاريخه الأدبي بأكثر من خمسين عملاً روائياً وقصصياً.. وجائزة نوبل.. ونظرة تأمل لما فات..وربما ما هو آت

تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator