المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

هيا بنا نلعب


تعالوا نلعب لعبة الأسماء
فلكل إنسان من اسمه - أو نقيضه- نصيب
دعونا نرى ما يمكن استقراؤه من أسماء رؤساء الوزراء والحكومات العربية
نوري "المالكي" اختير أخيراً رئيساً للحكومة العراقية.. ومن رئيس حزب الدعوة إبراهيم "الجعفري" الذي احتجت عليه قوى مختلفة هي في أغلبها سنية من عرب وأكراد.. إلى نائبه في الحزب "المالكي" الذي انتهت إليه الحكومة بعد أخذ و رد.. "الجعفري" و"المالكي" يملكان رؤية واحدة وأجندة متشابهة.. لكن سُنة العراق رفضوا عهد "الجعفري".. وهاهم يأملون في وضع أفضل مع "المالكي".. لعل وعسى
اللبنانيون تقلبوا في فورة الأحداث التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ما بين محامي طرابلس عمر "كرامي" الذي اتهمته المعارضة آنذاك بأنه يميل إلى حيث تميل دمشق.. ونجيب "ميقاتي" الذي أشرف على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدد.. حتى انتهى بهم الأمر إلى فؤاد "السنيورة" الذي اختير لرئاسة الحكومة في الثلاثين من يونيو حزيران عام ألفين وخمسة.. ربما لاعتقادهم أن "السنيورة" ورقة رابحة في ظل التحولات السياسية التي يشهدها لبنان حالياً
السوريون يتمسكون حتى الآن بمحمد ناجي "عطري" الذي شغل المنصب منذ العاشر من سبتمبر أيلول ألفين وثلاثة ..مع أًن "عطري" لم ينجح في القضاء على ما تعتبر رائحة فساد واضطرابات تزكم الأنوف.. وكان عندهم منذ العام ألف وتسعمائة وثمانين ولسبع سنواتٍ تلت رئيس حكومة يدعى عبد الرؤوف "الكسم".. مع أنه كان نحيلاً بشكل لافت النظر..أيامها لم يكن أحد في سوريا يجرؤ على أن يغازل امرأة - ولو كانت امرأته- بالقول: يسلم لي هذا "الكسم".. وفي العام ألف وتسعمائة وسبعة وثمانين سلم الرجل دفة رئاسة الحكومة إلى محمود الزعبي.. الذي انتحر في الحادي والعشرين من مايو أيار عام ألفين
أما طريقة الانتحار -التي تكررت مع وزير الداخلية غازي كنعان في الثاني عشر من أكتوبر تشرين أول عام ألفين وخمسة- فهي مقتبسة بتصرف عن نص توفيق الحكيم .. وعنوانها المعدل هو: رصاصة.. في الفم

الفلسطينيون انتخبوا من اختاروا إسماعيل "هنية" رئيساً للوزراء.. ولأنه من قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" فقد قال بعض الخبثاء إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرر ألا يشرب الماء أمام أحد حتى لا يسمع كلمة "هنية".. وقبل ذلك كان رئيس الوزراء الفلسطيني هو أحمد "قريع" وهو اسم على مسمى
أحدث رئيس وزراء عربي هو الجزائري عبد العزيز "بلخادم".. وهو مقرب من سميه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيث شغل حتى أيام قليلة مضت منصب الممثل الشخصي للرئيس الجزائري.. وكاتم أسرار من عينة "بلخادم" يمكن أن يصبح رئيساً للوزراء ما بين غمضة عين وانتباهتها..وإذا كان "بلخادم" قد سطع نجمه في الجزائر فإن نجم عبد الحليم
"خدام" قد أفل في سماء القيادة السورية بعد أن شق عصا الطاعة
وقبل ذلك تولى مولود حمروش رئاسة الحكومة الجزائرية وكان في نظر كثيرين ظلاً لا يفارق بوتفليقة حتى سخر البعض منه بأن اختاروا لكل حرف من حروف لقبه "حمروش" كلمة ذات دلالة فكانت النتيجة: حامل مظلة الرئيس وقت الشتاء.. وهو ما دأب عليه حمروش لفترة طويلة.. ويوم أعفي حمروش من منصبه منح البعض بوتفليقة على سبيل التندر لقب: الرجل الذي فقد.. ظله
رئيس وزراء ليبيا البغدادي المحمودي.. وهو طبيب شغل في السابق منصب وزير الصحة.. ولأن السلطات في ليبيا ترفع شعارات قومية تطن في الأذن مثل نحلة.. فإن هذا قد يفسر اختيار "البغدادي" ليقود ليبيا.. مثلما كان طاهر"المصري" ذات يوم هو رئيس الحكومة التي تقود دفة الأردن.. و"البغدادي" تولى المنصب بدلاً من شكري "غانم".. وفي عهد "غانم" غسلت ليبيا يدها من كل ما تملكه من برامج أسلحة دمار شامل ودفعت الحكومة الليبية التعويضات لكل من هب ودب.. من أهالي ضحايا طائرة "بان أمريكان" التي تحطمت في لوكربي إلى أقارب ضحايا ملهى "لا بيل" في برلين
و"غانم" سبق له أن قال في مطلع يناير ألفين وأربعة لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية إنه لا يوجد رأي عام في ليبيا ..ببساطة لأن قائد الثورة الدائم معمر القذافي –الذي يغنون له "معمر يا ولد الخيمة.. أنت القائد ديما ديما"- يعرف ما يفكر فيه الشعب الليبي ويترجمه إلى الواقع.. يا لبؤس التفكير ويا لشقاء الشعب
أحمد "نظيف" تولى رئاسة الحكومة المصرية منذ التاسع من يوليو تموز ألفين وأربعة.. وربما اختاره الرئيس المصري حسني مبارك بعد أن شاهد مسرحية "مدرسة المشاغبين" وتحديداً ذلك الجزء الذي يتحدث فيه المشاغبون عن مدير الإدارة التعليمية "رابسو" الذي قال عنه "الناظر" حسن مصطفى إنه سينظف الوزارة.. ولكن لا "رابسو" عصره وارد جامعات كندا ولا أي منظف آخر بوسعه أن يجمل وجه بلد غارق في الفساد والمحسوبية ويطارده شبح التوريث
ويحتفظ الرئيس السوداني عمر حسن "البشير" برئاسة الحكومة منذ السادس عشر من أكتوبر تشرين أول من العام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين.. غير أن "البشير" تخلى في اتفاقي مشاكوس ألفين واثنين ونيفاشا ألفين وثلاثة عن الجنوب السوداني عقب مفاوضات جرت تحت ضغط أمريكي.. وها هو يتأهب للاستغناء عن إقليم دارفور غرب البلاد عبر بوابة اتفاق أبوجا
معروف سليمان "البخيت" هو رئيس الحكومة الأردنية منذ الرابع والعشرين من نوفمبر تشرين ثان ألفين وخمسة.. ولا أحد يعرف ما إذا كان حظ "البخيت" الذي عمل سفيراً لبلاده لدى إسرائيل سيكون أفضل من سابقيه.. مثل عبدالكريم "الكباريتي" –حكومة عام ألف وتسعمائة وستة وتسعين- الذي "أشعل" أزمات عدة في بلاده
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في لبنان اختير "مصباح الناطور" مديراً عاماً لمؤسسة كهرباء لبنان..ربما على سبيل التفاؤل.. مثلما شغل في مصر –وأرجو أن تسعفني الذاكرة- ناجي "شتلة" منصب وزير التموين وأمين "ميتكيس" منصب وزير الزراعة وأصبح عبد الخالق "عجينة" وكيلاً لوزارة التموين.. وتكر الأيام ليصبح أحمد "ماهر" وزيراً للخارجية.. في حين احتكر صفوت "الشريف" منصب وزير الإعلام في مصر المحروسة لأكثر من عقدين من الزمان..والحكايات في هذا المجال كثيرة لا تخلو من طرافة تدعو إلى البكاء

سأتوقف عند هذا الحد

قبل أن تستبد بي –وربما بكم أيضاً- رغبة في تطبيق لعبة الأسماء على.. قادة وحكام و"حكماء" العرب
تابع القراءة

gravatar

امبراطورية ميم








كأنها بروفة على منصب سيدة مصر الأولى

ففي أول ظهور لها في حدث عام كبير.. تهادت وتبخترت خديجة.. ابنة المقاول المعروف محمود يحيي الجمال.. في قاعات المنتدى الاقتصادي العالمي الذي استضافته شرم الشيخ.. وبدت ابنة الرابعة والعشرين في كامل زينتها نجمة المنتدى وهي تدخل وتخرج من قاعة الاجتماعات برفقة حماتها سوزان مبارك.. وتعطفت أكثر فتحدثت مع صحفيين ومصورين تحلقوا حولها

خديجة الجمال التي تمت خطبتها في مارس آذار الماضي .. اختارت الجلوس بين خطيبها جمال مبارك ووزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في الصف الأول في افتتاح قمة المنتدى.. كما حضرت فتاة الجامعة الأمريكية مع حماتها ورشة العمل التي شارك فيها "جيمي" الأمين العام المساعد للحزب الوطني ورئيس لجنة السياسات بالحزب..بعد ظهر السبت ..حول الإصلاح السياسي في العالم العربي

ولكن ما علاقة خديجة بالمنتدى؟ وما هو سبب حضورها جلساته؟ ومن هو الذي دعاها أصلاً للحضور وسط ألف شخصية سياسية واقتصادية لها وزنها؟ أسئلة وعلامات استفهام تحتاج إلى إجابات واضحة

وبينما حار البعض في التساؤل عما إذا كانت خديجة شقراء بالميلاد أم بالتجميل.. بدا واضحا لكثيرين أنها حضرت لتدشين صفتها المنتظرة كزوجة لولي العهد.. الذي يغذ الخطى نحو العرش في تلك الجملوكية –أي الجمهورية الملكية- في ربوع مصر المحروسة

ولأن الرئيس المصري حسني مبارك ألقى كلمة في افتتاح المنتدى الاقتصادي العالمي وقرينته سوزان تستعد لإلقاء كلمة.. في حين تابع كثيرون كلمة جمال.. فإن البعض لا يستبعد أن تلقي خديجة كلمة مفاجئة هي الأخرى عنوانها: أهمية أن تكوني زوجة رجل مهم

وفي هكذا ظروف تبدو الصورة مضحكة.. ماذا لو أن القائمين على المنتدى صححوا خطأهم وأسموه "منتدى مبارك العائلي" أو "امبراطورية ميم" نسبة إلى مبارك وشركائه في قصر العروبة والحكم؟ ألن يكون ذلك التوصيف أكثر دقة من اسمه الحالي؟ أقول هذا وفي ذهني ما قاله الرئيس مبارك في افتتاح المنتدى من أن الإصلاح ينبغي أن "يتبنى نهجا حكيما ومتدرجا يضمن استمراره ويحاذر من طفرات متسرعة تتعجل نتائجه فتؤدي إلى الفوضى وانتكاس مسيرته".. وشدد مبارك على أن الإصلاح في المنطقة لن يكون الطريق إلى تسوية للقضية الفلسطينية بل العكس هو الصحيح

وكلام مبارك يعني أنه علينا وعليكم بخير.. وأنه لا داعي للتفكير في الإصلاح خلال الألفية الثالثة.. وإنما يتعين استيعاب متغيرات العصر في هذه الألفية.. وعندما تحل الألفية الرابعة فسيكون لكل حادث حديث

وبكلمة أخرى: في المشمش

جمال مبارك أدلى بتصريحات في الاتجاه ذاته..وقال إن عملية الإصلاح "يمكن أن تشهد انتكاسات" إلا أنها مستمرة.. لكنه لم يوضح إلى أين تسير مصر في عهد الأب القائد والابن الرائد

الكلام نفسه ردده بأسلوب ببغائي رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف الذي قال للصحفيين قبل افتتاح المنتدى إن الحكومة المصرية ليست في عجلة لتغيير النظام السياسي ..بل إن نظيف قال بالحرف الواحد ردا على سؤال بشأن وتيرة الإصلاح في المحروسة إنه "لن يحدث ذلك في شهر أو شهرين أو ستة بل سيستغرق أعواماً..لدينا الوقت لسنا في عجلة من أمرنا".. والذريعة جاهزة: الإسلاميون

نظيف الذي اختاره مبارك كأطول رئيس وزراء تاريخ مصر.. في محاولة للإيحاء بأنه عصر الطهارة مادام لديه رئيس حكومة يحمل مثل هذا الاسم النزيه.. أقول: نظيف أوضح أن الحكومة المصرية "تعيد الحسابات بعد أن نجح الإسلاميون في كسب مواقع عندنا وفي فلسطين والعراق".. في إشارة إلى فوز جماعة الإخوان المسلمين بنحو عشرين في المائة من مقاعد البرلمان في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة وفوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات العامة الفلسطينية وحصول الائتلاف الموحد في العراق على الغالبية البرلمانية

الرجل قال وبراءة الأطفال في عينيه ردا على قمع واعتقال قوات الأمن للمتظاهرين لمناصرة قضاة مصر الشرفاء: "لماذا نلوم الشرطة؟.. بصراحة نفد صبري إزاء توجيه الناس اللوم لمن يحاولون الحفاظ على السلم في مواجهة من يحاولون تقويض السلم".. أعتقد والله أعلم أن "نفد صبري" هذه أخت سمير صبري

ولكن ما لنا ننشغل بمستقبل مصر ونحار في تصور ملامحه في ظل قضايا الإصلاح وتعديل الدستور وإلغاء قانون الطواريء وكارثة التوريث.. وخديجة الجمال تعطينا إجابة شافية على جميع تساؤلاتنا

إنها مسرحية هزلية من الطراز الأول مأخوذة عن مسلسل كوميدي سوري يعود تاريخ عرضه إلى عام ألفين.. اسمه: حكم إلى الأبد.. مع عائلة الأسد
الفارق الوحيد أن المسرحية تحمل العنوان التجاري: عزبة الزعيم.. لصاحبها امبراطورية ميم
تابع القراءة

gravatar

العالم في غرفة نومك



هذه رواية نقرأها من ثقب ضيق.. حتى تقودنا إلى فضاء رحب

فخلف كل باب قصة.. وداخل كل غرفة نوم حكاية..لكن الذي قد ينساه البعض أن أمام النوافذ وتحت مقابض الأبواب.. قد يكون هناك شخص ما يبحث عن لذة مجانية.. مستعيناً بطقوس التنصت وألاعيب استراق السمع وتقنيات التلصص واختلاس النظرات إلى أكثر لحظات الآخرين حميمية

وفي عالم القصة والرواية توجد نماذج عدة للتنصت على عباد الله في مجالسهم وغرف نومهم بحثاً عن تلك المتعة المحرمة.. ومن ذلك ما كتبه وفيق الفرماوي في إحدى قصصه القصيرة ومنال القاضي في مجموعتها القصصية العين السحرية.. إضافة إلى شذرات هنا وهناك في الأدب والسينما.. مثل ذلك المشهد المثير في البيانو للمخرجة جين كامبيون بين البكماء هولي هنتر وهارفي كيتل.. في حين كان زوجها سام نيل في الفيلم يشاهد من بين شقوق الخشب شبق زوجته المتمنعة عليه..تمنح هداياها السرية لرجل آخر

لكنها المرة الأولى التي أقرأ فيها عملاً يدور بالكامل حول التنصت وعالمه الخاص.. فقد أهداني الصديق أسامة القفاش ملفاً يحمل رواية شدني اسمها:المتنصتون.. وفيها يقدم كاتبها أحمد والي عالماً متكاملاً من هواة التنصت في قرية أدمنت تلك اللعبة التي يستباح فيها كل شيء.. لأنه ببساطة يمكن النفاذ إلى العالم الخاص والسري للآخرين .. بالصوت والصورة

وحول عنوان المتنصتون يقول أحمد والي إنه اختاره "لما فيه من تفخيم أتت به واو الجماعة فجعلت للعنوان هيبة .. وينطوي هذا العنوان على دور المتنصّت عليه بالتضمين وهو يفتح للقارئ سرداباً سيحبّ أن يلجه ويفتش فيه عن كنز .. فيا ليته لا يخيب".. وهو لم يخب بل أصاب قلب المعنى
ويلجأ صاحب الرواية الصادرة عن دار رياض الريس للنشر إلى العامية – باللهجة المصرية عادة..والعراقية حين يستلزم سياق السرد ذلك- وهو يبرر ذلك بالقول: "فللعامية أحكام كما للضرورة .. إذ هناك ألفاظُُ فيها توضّح وتلخّص وتبين ما تعجز عنه مفردات فصحى. وليس هذا تحيزاً لهذه على تلك وإنما قصدت السلامة في وصول الإحساس والشعور ونقل الصورة"... ثم يعود في موضع آخر فيقول : ولولا أن العامية تؤدى دوراً تفشل فيه الفصحى لما اخترعتها البشرية

وربما يجادل البعض – ومنهم كاتب هذه السطور- بأن العامية ليست الوسيلة المثلى للتعبير في عالم الرواية..وأن العربية الفصحى أو حتى الفصحى المبسطة قادرة على توصيل المعاني والأحاسيس بدقة بالغة ..على أن الرجل استخدم العامية حين رأى أن الأمر يستلزم ذلك ولم يفرط في استعمالها فبقيت الفصحى سيدة الموقف

ويعتبر صاحب الرواية أن المتنصّت يسعى أول ما يسعى بالأذن وهو حين يتسمّع فإنما يرى بعين خياله وأداته في ذلك الأذن والعقل طبعاً.."فإن أتيحت للعين فرصةُُ فلا بأس وذلك مما يحُمد لها .. ربما لإكمال الصورة".. وهكذا فإن أحمد والي يذهب إلى ما قصده الشاعر حين يقول: تجتلي الأذن منه أحسن مما ... تجتلي العين من وجود البدور

وبحكم قيود الكبت وحالة الهوس الجنسي.. فإن جمهرة أهل التنصت عند صاحبنا هم من طلاب المدارس الذين يصفهم بأنهم "عدة جيش المتنصتين ومنهم عرف الإنسان منا جغرافيا النساء الغانجات.. يتحججون بحر البيوت فيخرجون لاستذكار دروسهم أسفل أعمدة النور في الشارع"..غير أن دائرة المتنصتين تضيق وتتسع وفقاً لعوامل عدة...لعل من بينها نوع وأطراف الحدث مثلما نرصده عندما يقول:" أما هنا فالمتنصّت ربما كان بلداً بأكملها والمتنصّت عليه كان عريساً يبنى بعروسه على سنة الله ورسوله والخلق أجمعين".. هنا فعل جماعي بدرجة فضيحة.. لأن الحدث لا يمكن تفويته بالنسبة لهذا "الجمهور" الخاص الذي يتابع صراع المساء مع صدر عروس.. وأشواق عريس يدخل امرأته في عالم اللازورد

ثم نراه وهو يراوح بين تحديد جمهور المتنصتين وبين تقديم تعريفه للظاهرة..فيقول: " كان من الممكن ألاّ ندرج تلك الواقعة كواقعة تنصت.. لأن التنصت هو استراق السمع لأناس تمارس الفعل الجنسي وفى الغالب يكون المتنصّت فرداً ويكون الدافع هو إثارة الشهوة وتخزينها للممارسة إذا كان متزوجاً أو له علاقات بنساء .. فإذا لم يك ممن تربطه بالنسوة رابطة فإنه يتخلص من شهوته أثناء التنصت داخلاً في لحظة النشوة مع الفاعلين "..إنها الفرجة التي يحلم فيها المشاهد بدور البطولة

انظر إليه يستخدم منطق الأمور مستعيناً بما يملكه من دراية بشكل وتصميم الحارات الشعبية وإلمام بطبيعة وسلوكيات قاع المجتمع.. حين يقول: "وفي عرف المتنصتين فإن هذه الحارة تتمتع بميزات عديدة أولاها أنها حارة سد لا تقود إلى شارع آخر أو حارة أخرى ..وبذا فالقدم عليها معدومة.. وثانيها امتداد لأولاها ..فلأنها سد وليست مطروقة من الممكن أن يتحجج الإنسان منا ويزعم أنه يقضى حاجة عرضت ولا يحتمل السير للجامع القريب ..وثالثها أن هذه الحارة دائماً غارقة في ظلام دامس ..لأن سكانها فقراء وشراء لمبة كهرباء يحتاج إلى اقتراحات وموافقات على الحجم والنوعية وكم وات ..ومن أي دكان يشترونها وهكذا ينتهون لبقاء الحال على ما هو عليه .. ورابعها أن سكان الحارة فلاحون (عدا الشيخ عبيد الكفيف ومقريء الجامع المجاور) يشقون طوال النهار ويتعبون فنومهم ثقيل ولا يحتاجون إلا نور الله في الفجر"..كأنك تدور معه في دهاليز وكواليس الحارة وأهلها فتعرفهم واحدا بعد الآخر

وعندما يصطدم الحب بصراع داخلي يتعلق بأسلوب أو لغة التعبير عن المشاعر.. تعانق التفاصيل الإنسانية الدقيقة حقيقة مؤلمة عن أمراض الريفيين ورؤية ساخرة لمن ينافقون أو يخضعون في خنوع للحاكم... يجد المرء نفسه أمام كاتب يؤرخ للقرية وتغيراتها الاجتماعية مثلما يؤسس لشكل روائي يقترب أحيانا من عبد الحكيم قاسم وخاصة في أيام الإنسان السبعة ومصطفى نصر في الهماميل.. إضافة إلى الوسية لخليل حسن خليل ..وأعمال محمد مستجاب

وهاهو صاحب المتنصتون يحدثنا بأسلوبه المتدفق عن قصة حب مختلفة.. فيقول:" كان سرحان يدبّج خطاباً غرامياً لنجلاء المنوفي زميلته بالمدرسة الثانوية التي أصبحت مشتركة بين البنين والبنات بعد الهجرة. وكانت هي من بورسعيد وأول من لبس البنطلون من الفتيات في بلدنا وأول من رّكبت الدراجة. كانت تذهب لدروس التقوية عليها وكذا لتتسوق لأمها المشلولة وتشترى الطلبات.. كتب لها يا ربيع حياتي ويا قطعة من دمى ويا حتّة من كبدي … وكانت تعذبه كلمة حتة هذه ..فهي عامية وهو يتفاصح في الخطاب ..فهكذا درجنا على أن تكون الكتابة للبنات بالفصحى ..ربما من باب الاحترام وجلال حالة الحب أو لبيان شدة لواعجه .. وكان لا يرتاح أيضاً لكلمة قطعة من دمى رغم أنه جّرب أن يكتب لها رسالة بالدم كالتي تكون للزعماء (هي عنده أهم وأفضل) فوجد دمه مكبداً إلى قطع لم يمشِ فيه سن القلم ولا البوصة".. ومن يعرف أمراض أهل القرية في مصر قد يرى في ما كتبه أحمد والي في عبارته الأخيرة إشارة إلى أمراض الدم والبلهارسيا والتهاب الكبد الوبائي التي تنهش في الأجسام كغول لا يرحم

بل إن أحمد والي يقدم في روايته ما هو أعمق مكن مجرد سرد حوادث تنصت في القرية الصغيرة.. إذ نراه يرصد ما يقول إنه تغير اجتماعي واقتصادي لهذا السلوك.. حيث يشير إلى أنه "حدث في السنين الأخيرة انحراف في ظاهرة التنصت.. فقد كانوا في الزمن
القديم وإلى عهد قريب يتنصتون بدافع الشبق وتأجج الشهوة .. أما بعد كثرة السفر للخارج وزيادة المناطق الحرّة وتلوين التليفزيون ثم زيادة قنواته لمائة قناة بما في ذلك انتشار الأطباق ..فإن الجنس أصبح لا يمثل الهمَّ الأول لدى الشباب (وهم عماد المتنصين وعمدتهم) بل انصرف معظمهم عن الزواج (وكثيرُُ منهم بأموال أهله العائدين من النفط عليه وعلى نفقاته جدُّ قادر) لكنهم بدلاً من ذلك ومن كثرة ما شاهدوا من أفلام العراة والجنس المفضوح أن اتجهوا للمخدرات ولخلط أدوية الكحة والسعال مع الأدوية المضادة للهستامين وكل هدفهم أن يعملوا دماغ … خدر وتنميل وغياب عن الواقع.. وبالليل لم يعد التنصت همّاً بل ربما صار مادةً للمزاح وتزجية للوقت وشغل الفراغ".. إنها رؤية باحث رصين لتغيرات عميقة حدثت في القرى والنجوع والكفور.. في العقود الثلاثة الأخيرة

ثم يمضي صاحب الرواية في رصده المدهش بالقول: "أما الحادث الثاني الذي يُعدّ انحرافًا عن هدف التنصت فهو يخص انحرافاً مألوفاً ولكنه يحظى مع ذلك باستبشاع لدى جمهور عريض من الناس ألا وهو موضوع المثلية .. فأن يكون هناك من يحب ممارسة الجنس مع نفس النوع فهذا بشع لدى الكثيرين .. أما الأكثر إثارة للاندهاش والاستغراب فهو التنصت عليهم.. لكنّا نستطيع أن نلتمس للمتنصت عذراً إذا عرفنا أن المتنصّت هنا لا يسعى إلا للتفكّه والتندّر .. فالموضوع في النهاية مجلبة للضحك والحواديت وتزجية أوقات الفراغ ولا تشوبه شائبة شهوة أو شبق اللهم إلاّ شهوة الفاعل والمفعول".. وفي الرواية سخرية لا تخطئها العين من هذه النماذج وغيرها بعد افتضاح أمرها

وفي سياق الرواية يحكي لنا أحمد والي عن الأحداث والشخصيات التي يرسم لأصحابها ملامح ويصنع لها تاريخا.. حتى في تفسير الأسماء وشرح الألقاب.. إذ يروي لنا تفاصيل التنصت في ليلة دخلة عبد الحميد بن أبى معزة... ويعزو هذا اللقب إلى أن "جدهم كان يأتي معزة بالزريبة بعد بلوغه فضبط واحتفظ للأبد بالاسم له ولنسله من بعده".. كما يشير في تأصيله للأسماء والألقاب إلى "مختار أبو عدس هذا والمشهور بـ"مختار أُقّة" (من أوقية .. إذ سرق من أحد البقالين في الزمن البعيد أوقية الميزان وباعها لفاكهاني ليشتري لزوجته وأولاده خبزاً فلمحه أحد الزبائن وبلّغ البقال فيه المركز .. ثم تم صلح وبقي من الواقعة اسم مختار أقة مدى حياته)".. وعبر صفحات الرواية كثير من هذا التأصيل الغرائبي المضحك

ويحكي عن زوجة العربجي الضخمة اللحيمة.. وشباب الجيران الذين "يعلمون أنها من اللواتي يصرخن أثناء الجماع كالقطط .. فكانوا يحتالون للتنصت حتى إنهم كانوا يقفون على أكتاف بعضهم بالتناوب ..فإن جاءتها النشوة فأتتهم ..انهدّ السُّـلم البشري المنتصب وعلا الدبيب في الحارة ..ولكنها لا تتوب عن الصراخ والمواء .. ولا بديل عندهم فالدار غرفتان للأولاد السفلى والعليا فيها يتناسلان ويحكيان وينامان".. مشهد تجد فيه صورة متكاملة كأنها مقتطعة من عمل سينمائي أبدع فيه المخرج ومدير التصوير والمونتير

أما عن تقنية التنصت فحدث ولا حرج.. يكفي أن نقرأ معاً ما فعله أحدهم حين "سلّط ولداً صغيراً فكسر زجاج النافذة الملّون بزهرة زرقاء مخلوطة بالغراء حتى لا يظهر نور البيوت أثناء الغارات .. ولأنها وحيدة فلسوف تنتظر إجازة الزوج ليشتري زجاجاً جديداً ..وخلع هو بالليل والناس نيامُُ ورقتين من خشب الشيش .. فانكشف أمامه السرير وبان لحمها الأبيض كالنيون والفائر المتقلّب أثناء النوم .. و قوّر في مستوى عضوه مكاناً بالحائط ..وجرّب فوضع فيه كيساً من النايلون الرقيق بللّه بالزيت وراح كل ليلة يمارس العادة مع الحائط بينما عيناه تأكلان ما ينكشف من لحم ماري"

أحمد والي.. روائي يغرد خارج السرب وينحت لغته الخاصة وأسلوبه المتفرد.. ويدفعنا إلى التساؤل عبر صفحات روايته عما إذا كانت تلك مجرد قرية.. أم أنها مجرد صورة مصغرة من وطن يمتد من الخليج إلى المحيط

هنا المجاز ينام على ضفة النهر

أحمد والي.. على الريح يمشي.. وفي الريح يعرف من هو

ولا سقف للريح
تابع القراءة

gravatar

القضاء العالي.. والأحذية الواطئة



استفزتني الصورة وأنا أتأمل تفاصيلها إلى أن شاركني في عذاب تأملها صديقي المغربي النابه عبد السلام أبو مالك
سطران على موقع هيئة الإذاعة البريطانية رافقا هذه الصورة التي تذبحنا من الوريد إلى الوريد: لقي هذا المتظاهر عقاباً قبل أن يتم القبض عليه مع آخرين خرجوا للمطالبة بإصلاحات ولإظهار التأييد لرجلي القضاء المتهمين
كل هذا الضرب والركل.. فقط لأن هناك من تضامن بطريقة سلمية مع القضاء المصري النزيه..ممثلاً في نائبي رئيس محكمة النقض في مصر المستشارين هشام البسطويسي ومحمود مكي

عندي سؤال لرجال الأمن والمباحث و"من لف لفهم": من يدفع لكم الأجر الذي تشترون به هذا الحذاء الثقيل الذي تركلون به هذا المواطن بعد أن انفردتم به كما ينفرد قطيع من الضباع بفريسة؟

إنه الوطن.. وأبناء هذا الوطن.. هم الذين يدفعون ضريبة انتمائهم لمصر.. فقط كي تنالوا رواتب تشترون بها من بين ما تشترون.. أحذية تركلوننا بها
أيتها الأحذية.. توقفي عن ركلنا
أيتها "الأجهزة".. توقفي عن قمعنا
أيتها السلطة الغاشمة.. ارحمينا من "هذا الحب القاسي" كما يقول الشاعر محمود درويش
ولنتذكر جميعا أن الفارق كبير.. كبير جداً.. بين دار القضاء "العالي".. وبين الأحذية الواطئة التي تدوس وتركل وتهين المواطن
وشتان بين من يتضامنون مع القضاء.. ومن سينال منهم القدر.. بالقدر الذي يستحقونه
تابع القراءة

gravatar

استدراج


أتعرفون ما أصعب الأسئلة؟: أبسطها

رمت الصديقة رات حجراً في بحيرتي العميقة وتركتني في حيرة.. سألتني وعدداً من الأصدقاء المدونين سؤالاً: ماذا تحب في الحياة؟.. يا له من سؤال "يقيم الليل ويقعده" يستدرجني إلى إجابات تنام عادة بين جوانحي وأغطيها كل مساء متمنياً لها أحلاماً سعيدة

جربت أن أسكب روحي في سطور.. بتلقائية يدركها من يعرفني عن قرب

وهأنا في عشر إجابات ليس لها ترتيب وبعد يوم طويل من العمل الذهني الشاق.. أوافق طوعاً على استدراج ملامحي


الليل.. الذي يملك في هدأته وسائد من الوحدة والتأمل والبوح

وجه أبي الذي احتارت فيه الطيبة.. وصار في دائرة الزمن ابني الأعز

رائحة الروايات التي أتنفس منها الهواء.. لا الخواء.. من أساطير غابرييل غارثيا ماركيز وحكايات خورخي بورخيس ورمزية جورج أورويل وملحمية ليو تولستوي.. إلى واقعية نجيب محفوظ وأستاذية يوسف إدريس.. وصولاً إلى "ذات" صنع الله إبراهيم و"أنا الملك جئت" لبهاء طاهر.. ومن "أيام الإنسان السبعة" لعبد الحكيم قاسم و"احتضار قط عجوز" لمحمد المنسي قنديل و"عرس بغل" للجزائري الطاهر وطار و"الخبز الحافي" للمغربي محمد شكري.. إلى "دارية" سحر الموجي و"الخباء" لميرال الطحاوي .. و"حجر الضحك" للبنانية هدى بركات و"حبات النفتالين" و"المحبوبات" للعراقية عالية ممدوح و"ذاكرة الجسد" للجزائرية أحلام مستغانمي.. غرام يمتد إلى أعمال السعودي عبد الرحمن منيف والليبي أحمد إبراهيم الفقيه والفلسطيني الرائع غسان كنفاني والسوري حنا مينه واللبناني أمين معلوف الذي تشم منه رائحة التاريخ

وعود الجمال الذي يضيء فلا يخبو.. وأحسن منها هدايا الروح الآسرة التي تجد في حضنك مرفأ ..كأن الشاعر يهمس في أذني
خيالك في عيني وذكرك في فمي.. ومثواك في قلبي فأين تغيب

ومع ذلك.. لا بأس يا رفيق التدوين محمد علاء الدين أن أنشد معك

مولع بالحسن أتبعه.. ليس لي منه إلا لذة النظر

جسر الغناء الشجي والموسيقى الصافية.. الذي نسير فوقه يومياً كأطياف ملونة.. من رباعيات العبقري صلاح جاهين بصوت سيد مكاوي إلى أم كلثوم وهي تتساءل في لوم أقرب إلى النفي "أنساك؟" أو وهي تعلن "ثورة الشك"..ومن فيروز وهي تشدو "أنا عندي حنين ما بعرف لمين" قبل أن تقول"ياحبيبي.. أنا عصفورة الساحات.. أهلي ندروني للشمس وللطرقات" وتختم في أسى لا يخلو من كبرياء "أنا صار لازم ودعكن".. إلى شجن "أي شيء في العيد" و"أقول وقد ناحت" و"سمراء من قوم عيسى" للعراقي ناظم الغزالي.. وعذوبة "ريتا" و"أحن إلى خبز أمي" للبناني المقاوم كشجرة أرز مارسيل خليفة.. وصولاً إلى إيقاعات راهب العود العراقي نصير شمة

طلب المجد بشرف وكرامة...وفي هذا البحر أهوال من "ضعاف الأُسد" الذين تحدث عنهم المتنبي.. وأنواء من العمل والبذل في مواجهة هواة سوء الفهم والتأويل.. يقول أبو تمام
طلبُ المجدِ يورثُ المرء خَبْلاً .. وهموماً تُقَضْقِضُ الحَيْزوما
فتَراهُ, وهو الخَليُ, شَجياً .. وتَراه, وهو الصحيحُ, سقيما
تَيَمتْهُ العلى فليس يَعُدّ الب..ؤسَ بؤساً ولا النعيمَ نعِيما

ابتسامة امتنان من إنسان وقفت إلى جانبه بشجاعة وكلمة حق.. دون أن تكون بينكما صداقة عميقة.. أو حتى دون أن تكون بينكما معرفة سابقة

سحر السينما: صندوق العجائب الذي يدهشنا بقصص تمس المشاعر وتلهب الخيال وتنتزع الضحكات وتستدر الدموع.. و اكتشاف العالم في مشهد الوداع في "كازابلانكا" ورقصة "زوربا اليوناني" التي تتحدى فريد أستير وجين كيلي.. والنظرة المخيفة لأنطوني هوبكنز وهو مكمم الوجه ومقيد اليدين في "صمت الحملان" ولهفة داستن هوفمان وهو يقاطع حفل زفاف حبيبته في "الخريج"..وقراءة الحياة عبر دموع نجيب الريحاني في "غزل البنات" ومشقة السر الدفين في عيني أحمد زكي في "أرض الخوف" والحوارات المدهشة في "الناصر صلاح الدين" و"الأرض" و"المومياء" و"سواق الأتوبيس" و"الطوق والأسورة".. وغواية حواء في "شباب امرأة" وكيد سعاد حسني في "الزوجة الثانية" وفلسفة "الشيخ حسني" الضرير أو محمود عبد العزيز في "الكيت كات".. ومن "حلفاوين: عصفور السطح" للتونسي فريد بوغدير إلى "أحلام المدينة" للسوري محمد ملص.. ومن "خارج الحياة" للبناني مارون بغدادي إلى "وقائع سنوات الجمر" للجزائري محمد الأخضر حامينا

الصورة الأخيرة لمن وهبونا الحياة: كل الذين فتحوا صدورهم لعارية ليقاوموا الاحتلال والاستعمار ويتصدوا للطغاة..من أسد الصحراء عمر المختار الذي قاتل حتى الرمق الأخير.. وصولاً إلى الثائر تشي غيفارا وهو يصرخ في وجه قاتله:" أطلق النار يا جبان.. إنك فقط ستقتل رجلاً"..فأي رجل.. وأي نساء

المدونون الصامدون الذين يتعمدون بالصدق ويكتوون بالنار من أجل وطن أفضل.. من عطاء المثقف أسامة القفاش إلى سخرية فلان الفلاني.. ومن عمق شريف نجيب و"دماغ" مختار العزيزي إلى حماسة محمد طارق "زنجي".. ومن لبنانية هلال شومان ورات وعراقية إيهاث.. إلى مصرية مالك وعبد الحق وعمرو عزت

أقول لكم: أحب في الحياة تناقضات الفظاظة والعبقرية.. و انتحار الوعود على عتبة خيبات الأمل.. ولقاء الأحلام بالصدمات.. وعربة الرعشة التي تنساب كسيمفونية لتكون سبباً في الوجود
.......
.......

وكم في الحياة من قصائد لم تكتمل
تابع القراءة

gravatar

صاحب الضربة الأرضية

الحمد لله أن الرئيس المصري حسني مبارك ليس زهير بن أبي سلمى

فشاعر الحكمة قال في معلقته: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش.. ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم

لكن مبارك لا يبدو أنه سئم حتى ساعته وتاريخه

ربما لأن الرجل الذي يحتفل اليوم- الرابع من مايو أيار- بعيد ميلاده الثامن والسبعين يرى - كما قال مستشاره


السياسي أسامة الباز- أنه لا يوجد أحد في مصر يستطيع أن يقود البلاد كما يفعل.. أو لأن مبارك الذي قال يوماً إن


منتهى طموحه بعد حرب أكتوبر تشرين أول من العام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين أن يكون سفيراً في عاصمة غربية


مثل لندن.. يجد نفسه اليوم في موقع الحاكم الفرعوني الذي يهتف ويصفق له أينما حل ثلة من الأعوان والمأجورين


والمخبرين وعدد من السذج الذين تشابه عليهم البقر أو ولدوا وأيديهم تصفق بطريقة غير إرادية.. في حين يرتج هو بابتسامته أو ضحكته التي لا يحمد بالنظر إليها على مكروه سواه

والذاكرة لاتنسى أن شخصاً من عينة سمير رجب رئيس مجلس إدارة دار التحرير.. قرر في يوم الاستفتاء على بقاء


مبارك لفترة رئاسية سابقة –ضمن الفترات الرئاسية التي جثم بها فوق بلادنا- أن يضع في الجانب الأيسر من مقالته على الصفحة الأخيرة من جريدة الجمهورية آية قرآنية تقول "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله.." (الآية العاشرة من سورة الفتح)... الله عليك يا سمير... والله أكبر

وربما أيضاً لأن مبارك الذي وعد عقب إفلاته من رصاص الملازم أول خالد الإسلامبولي ورفاقه في حادث المنصة بأن


يتولى رئاسة المحروسة لفترة واحدة... ومع أن مبارك مازال يعاني من طنين في أذنيه يعزوه خبيث مثلي إلى أن أذنيه تحفظان حتى الآن دوي الرصاص في حادث اغتيال الرئيس أنور السادات في العام ألف وتسعمائة وواحد وثمانين..أقول: مع ذلك.. فإن مبارك تراجع عن وعده الذي نشرته الصحف آنذاك ومن بينها صحيفة "الأخبار" التي خرجت به عنواناً رئيسيا.. إيماناً منه بأن مصر لم تنجب أحداً بعده يستطيع قيادة البلاد إلى المجهول كما يفعل

وللتاريخ.. فإن رئيس الوزراء الماليزي السابق محاضر محمد تولى قيادة بلاده في العام نفسه الذي أصبح فيه مبارك رئيساً لمصر.. وكانت ماليزيا آنذاك في مرتبة سياسية واقتصادية أدنى بكثير من مصر.. فانظروا إلى أين وصلت ماليزيا اليوم ..التي استهزأ بها عادل إمام في مسرحية "مدرسة المشاغبين" وهو يتحدث عن عاصمتها كوالالمبور.. وإلى أين انتهت مصر

تراجع دور هذا الوطن..من السياسة إلى العلم والفن والرياضة والأدب..واكتفينا بمشاهدة مسلسل احتلال عواصم عربية مثل بغداد وتمزيق دول أخرى مثل السودان التي تعد بالضرورة امتداداً للأمن القومي المصري.. وخاف وزير خارجيتنا أحمد أبو الغيط أن يلتقي وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار خلال زيارته السابقة لمصر..في حين كان أقصى ما فعله وزير خارجية سابق - أحمد ماهر- لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.. هو إهداؤه بعض المعلبات



والمضحك المبكي أنهم غضبوا يوماً من الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل عندما قال قبل نحو خمسة عشر عاماً: هذه


سلطة شاخت في مواقعها .. مع أنه بوسع أي شخص الآن أن يعيب على هيكل هذا الخطأ الإملائي الساذج في كلمة: شاخت





في عهد مبارك أكل المصريون من صفقات المبيدات المسرطنة التي تورط فيها كثيرون في قضية فساد وزارة الزراعة


من بينهم يوسف عبد الرحمن رئيس مجلس إدارة بنك التنمية والائتمان الزراعي سابقاً ورئيس مجلس إدارة البورصة


الزراعية ..وراندة الشامي المستشارة الفنية بالشركة المصرية لإنتاج وتسويق وتصدير الحاصلات الزراعية







في عصر رجل الشرق الأوسط المريض ..استنسخت الدولة نماذج لا تحصى من "الحباكين".. نسبة إلى رئيس مجلس


إدارة الشركة القابضة للصناعات الهندسية عبد الوهاب الحباك الذي أسدلت محكمة أمن الدولة العليا في الرابع عشر من


يوليو تموز من العام ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين الستار على قضيته وعاقبته بالسجن عشر سنوات وتغريمه ما


يعادل تسعين مليون جنيه.. بعد إدانته بالكسب غير المشروع والاستيلاء على أكثر من مائة مليون جنيه أثناء عمله في


الشركة القابضة

وفي غفلة من الزمن...تزوج الفساد عرفياً بالفضيحة في مختلف شركات ومؤسسات وأجهزة الدولة..وهكذا هرب


صاحب العبارة الغارقة ممدوح إسماعيل عضو مجلس الشورى المرفوعة عنه الحصانة وصاحب عبارات السلام بعد أن


راح أكثر من ألف مصري ضحية غرق عبارته.. وقبله هرب كثيرون مثل رامي لكح الذي يتسكع الآن في فرنسا وعليه


نحو ثلاثة مليارات ومئتي مليون جنيه ديوناً للبنوك.. ومحمد حاتم الهواري صاحب شركة الإسكندرية للصلب الهارب


من تنفيذ حكم محكمة جنايات القاهرة بالسجن خمسة عشر عاماً في أغسطس آب من العام ألفين وأربعة بتهمة الاستيلاء


على مليار وثمانمائة مليون جنيه من أموال بنك القاهرة





وهناك أيضا من رجال الأعمال الهاربين محمود وهبة الذي استولى على ثلاثمئة مليون جنيه من بنكي الأهلي وأميركا


اكسبريس ..وهاني يعقوب شقيق الجراح العالمي مجدي يعقوب والذي هرب بـمئتي مليون مليون جنيه وتوفيق زغلول الهارب بخمسين مليوناً ..ومبارك حلمي خمسمائة مليون جنيه.. ومحمد الجارحي سبعمائة مليون جنيه..والحبل على الجرار
وفي عهد مبارك الميمون فاحت رائحة قضية شركة النصر للمسبوكات التي بلغ حجم الضرر المالي فيها ملياراً وأربعمائة


مليون جنيه أهدرت خلال فترة تصل إلى ستة عشر عاما دون أن يشعر بالأمر أحد. في هذه القضية بلغت خسارة


الشركة أربعة مليارات ومائة مليون جنيه في الفترة ما بين العامين ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين وألفين في واحدة من


كبرى قضايا الفساد.. وتورط فيها عشرون شخصا بينهم رئيسا مجلس إدارة الشركة صلاح عزام وأسامة عبدالوهاب


والأعجب في اتهام أسامة عبدالوهاب أنه تم تكريمه من قبل مبارك كواحد من أوائل رجال الصناعة ونال وسام


الاستحقاق من الدرجة الأولى في العام ألف وتسعمائة وثمانية وتسعين.. وكان هذا الوسام هو بداية انطلاقه في عالم


الفساد مستمداً قوته وجرأته منه.. تماما مثلما تم تكريم المهندس الحباك بالوسام نفسه قبل أن يتهم ويدان بالفساد

ومثلما هربت علية العيوطي -بطلة مسلسل نواب القروض- بملايين الدولارات إلى فرنسا..وقبلها هدى عبد المنعم التي


هربت إلى اليونان بعد أن اتهمت في القضية رقم ثلاثة آلاف وخمسمائة وستة وخمسين لسنة ألف وتسعمائة وأربعة


وثمانين بحبسها ثلاث سنوات مع الشغل لإصدارها شيكاً من دون رصيد بقيمة خمسين مليون جنيه..ظهرت أيضاً منى الشافعي الملقبة بالمرأة الحديدية..التي استطاعت الاستيلاء على ثمانية وأربعين مليون جنيه من أموال شركة النصر للتصدير والاستيراد لدى البنك الأهلي فرع النصر بمساعدة بعض قيادات الشركة






وفي سجل الفاسدين في عهد مبارك يبرز اسم عبدالله طايل رئيس مجلس إدارة بنك مصر اكستريور السابق ورئيس


اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب في دورة العام ألفين وحتى حكم محكمة جنايات القاهرة عليه في السادس والعشرين


من أكتوبر تشرين أول من العام ألفين وأربعة بسجنه أربعة عشر عاماً هو وثلاثة عشر متهماً آخرين.. بتهمة الاستيلاء


على خمسمائة مليون جنيه من أموال البنك عن طريق التربح والإضرار العمدي بالمال العام وتقاضي رشى

وفي ظل مبارك..قاد إعلام "الريادة" ثم مجلس الشورى صفوت الشريف الذي كان حوكم في نهاية عقد الستينيات -أيام كان برتبة رائد في جهاز المخابرات- لقيامه بتصوير فنانات وقادة ومسؤولين عرب وأجانب في الفراش.. بقصد الابتزاز..لا عجب إذن أن تستيقظ مصر في العام ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين على فضيحة اتهام ممدوح الليثي رئيس


قطاع الإنتاج سابقاً بالقوادة في قضية الشيخ السعودي عبد العزيز الإبراهيم والفنانة شيرين أبو النصر (قبل أن يقال إنه


زواج مكتمل.. الأركان).. وأن يدان بالفساد عبد الرحمن حافظ الرئيس السابق لاتحاد الإذاعة والتليفزيون ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي.. وفي العام ألفين واثنين ضبط محمد الوكيل رئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون سابقاً بالصوت والصورة وهو يتلقى رشى.. وهاهو يقضي الآن عقوبة السجن لمدة ثمانية عشر عاماً





وتولى وزارة الثقافة لعقدين كاملين فاروق حسني.. المسؤول الأول عن ضياع وتهريب آثار مصر وإهمال أخرى مما أدى إلى حريق المسافر خانة وباب العزب.. وجرائم أخرى مثل حريق مسرح قصر ثقافة بني سويف في الخامس من سبتمبر أيلول من العام ألفين وخمسة..الذي التهم عشرات الضحايا من بينهم عدد من خيرة رجال المسرح نقداً وإخراجاً
وفي عيد ميلاد المحروس.. ابن المحروسة..تبدو مصر وكأنها بناية تحترق... فأما الحريق الذي في الأعلى فلا مرد


له.. لأن أجهزة الأمن وعيون وآذان النظام اتفقت على أن تبلغ ساكن الطابق العلوي بأن "كله تمام" وأن الحريق في


الأدوار السفلية سببه "القضاء" – ماركة هشام بسطاويسي ومحمود مكي نائبي رئيس محكمة النقض- والقدر.. وأما


الحريق الذي في الأسفل فلعله يؤدي إلى صهر معدن هذا الوطن فينفث الخبيث ويبقى المعدن الأصيل قوياً صلباً في


مواجهة المحن والإحن

إنه حريق يذكرنا وفي قلوبنا غصة بحريق قطار الصعيد الذي أودى بحياة أكثر من ثلاثمائة وسبعين شخصاً في العام


ألفين واثنين.. ومحرقة قرية درنكة بمحافظة أسيوط في العام ألف وتسعمائة وأربعة وتسعين ..التي راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل .. بعدما نزلت عليهم كرات من نار الإهمال.. إثر اختلاط مياه السيول التي اجتاحت قريتهم بالمواد البترولية التى تسربت من خزانات أقامتها الجمعية التعاونية للبترول في مخر السيل على سفح جبل أسيوط الغربي



وفي هذه المناسبة التاريخية التي لاتنسى أقترح تغيير تسمية مبارك في الإعلام المصري من: صاحب الضربة الجوية


إلى: صاحب الضربة الأرضية.. فقد نزل علينا في بر مصر كالصاعقة التي لا تبقي ولا تذر.. وأخذ يردد الإفيه


المسرحي القديم: "أنا مبسوط كده.. أنا مرتاح كده"

كنت قد كتبت من قبل تحت عنوان "في عيد ميلاد ذي القرنين" موضوعاً مهماً يرتبط بما أكتبه الآن.. أوضحت فيه


بالأرقام والتواريخ أن مبارك لم يبق أمامه سوى محمد علي باشا ليصبح الحاكم الأكبر عمراً والأطول بقاء في السلطة


في تاريخ مصر المعاصر.. وبما أنه لم يسأم.. فلا بأس أن نقتدي به في هذا الأمر

ولا عزاء لزهير بن أبي سلمى
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator