المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

مراهقة إعلامية




فجأة، أقيمت سوق حرة للكلام المفتوح والمزايدات بين مصر والجزائر.

وخرج كثير من البرامج المسائية والبرامج الرياضية المصرية في المحطات الفضائية المصرية والتليفزيون المصري من نطاق الإعلام المحترف إلى دائرة السباب والردح، ووقعت في أخطاء مهنية أخرجتها عن السياق المهني، وفتحت فترات بثها للسب، ومنحت الحرية للجمهور كي يتواصل ويشتم، كما استضافت الفنانين والصحفيين والمطربين الشعبيين، الذين قالوا إنهم تعرضوا للمهانة بعد المباراة كي يستفيضوا في شرح ما تعرضوا له في السودان على أيدي مشجعين جزائريين[1].

وانخرط مذيعون وكتاب وصحفيون في البلدين في تراشقاتٍ صبت في أسئلة عن مدى تفوق وأفضلية هذا البلد أو ذاك أو هذا الشعب أو ذاك.

مهاترات، تساءل معها كاتبٌ مصري "هل نضعها على بند البلاهة الكروية التي تصيب الناس أحيانـًا الهلوسة أم نأخذها بجدية على أنها تعبر عن العجز في تحديد علاقة صحية بين الجماعة الوطنية المصرية وغيرها من الجماعات؟"[2].

"الزلنطحية قادمون"!

هكذا صرخ الكاتب أسامة غريب، بعد أن قال "الدكتور" مصطفى عبده عن شهداء الجزائر إنهم "مليون لقيط"، وطالب أهل الجزائر بأن يلموا بناتهم العاهرات من الشانزليزيه[3].

وتابع الجمهور "أصواتـًا عبر فضائيات "المراهقة الاعلامية" أو‏ "فضائيات الجزم"‏ تطالب بانسحاب مصر من بطولة الأمم الإفريقية في أنغولا إذا تصادف لقاؤها الجزائر في الأدوار النهائية، بل إن هناك من طالب بإرسال فتوات وبلطجية وما شابه إلى الجزائر لمواجهة جماهيرها على الأراضي الأنغولية بالقوة لو لزم الأمر"[4]‏!‏

وفي صبيحة اليوم التالي للقاء القاهرة الذي فاز فيها منتخب مصر على نظيره الجزائري بهدفين نظيفين، لم يصدق البعض عينيه وهو يطالع صحيفة مصرية رياضية وضعت عنوانـًا هابطـًا بعد أن رسمت اللاعبين الجزائريين في صورة نساء "يا خضرة قولي الحق اتكيفتي ولا لأ" في إيحاء جنسي قبيح، وتضيف: "لقد أطلق المصريون من خلال معركتهم مع البربر الجزائريين صيحة الحرب على كل من تسول له نفسه المساس بمرمانا"[5].

ويروي د. إبراهيم السايح في جريدة "الدستور" المصرية، نماذج مزعجة لإساءات  زخرت بها صحيفة "عيون الليل" في تلك الفترة، ومنها تصوير رئيس الجزائر في شكل كلب، ودولة الجزائر في شكل امرأة عاهرة تفتح رجليها وقطار عليه علم مصر يستعد لاختراقها. وجريدة مصرية رياضية قالت عن الشعب الجزائري إن "البربر لا ينفع معهم إلا الضرب بالجزمة"!، وجريدة مصرية أخرى صوَّرت حسن شحاتة عريسـًا ومدرب الجزائر عروسـًا وكتبت تقول "الليلة ليلتك يا خضرة".. هذا بالإضافة إلى تلال أخرى من التجاوزات الشفوية والتحريرية عجت بها كل وسائل الإعلام المصري قبل وبعد المباراتين اللتين لعبهما الفريقان المصري والجزائري[6]!



احتقان وتجاوزات توضح إلى أي حد إعلام "الرسالة" غائب.. ربما لأن إعلام التسالي غالب!

على المستوى الحكومي، أقر الدكتور مفيد شهاب وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية حينذاك، بأن الإعلام المصري والجزائري خاصة القنوات الخاصة المصرية، لعب دورًا سيئا في زيادة التوتر بشأن هذه الأحداث[7]. وحامت وزارة الخارجية حول الفكرة نفسها، حين أصدرت في 19 نوفمبر 2009 بيانـًا حملت فيه ما وصفته بـ"الإعلام المأجور" مسؤولية الأحداث المؤسفة التي أعقبت مباراة منتخبي مصر والجزائر لكرة القدم في الخرطوم، و"إخراج الرياضة في العالم العربي عن الروح الرياضية إلى روح النرجسية"، لكن الوزارة عادت وسحبت البيان بعد نحو ساعتين ليخرج بعد ذلك حاملاً اسم إدارة الإعلام والدبلوماسية العامة بها[8].

وإذا كان البيان لم يوضح، بشكل صريح، من المقصود بهذا الوصف، وهل هو الإعلام المصري أم الجزائري، فإنه تضمن في إحدى فقراته اتهامـًا لـ"أجهزة إعلامية، هنا وهناك، بأن التهييج والإثارة هاجسها، ولغة الشحن الإعلامي المريض دينها"، بأنها "تبث سمـًا زعافـًا وتفوح منه رائحة الكراهية".

وبحسب الكاتب الصحفي علي السيد، فقد ارتكب الإعلام المصري سبع خطايا في تلك الأزمة.

"الأولى أنه انجر خلف صحف صفراء لم يكن أحد يسمع عنها، ولم تكن ذات قيمة في الجزائر، فضلاً عن أن أغلبها معاد للعرب والعروبة وبعضها موال لجهات أجنبية تعمل ضد مصالح الجزائر نفسها وفي المقدمة تأتي الشروق والخبر والفجر.

"ثانيا تحدث الإعلام المصري للداخل وزاد من احتقانه وأدخله في حالة شحن معنوي وتركه دون أن يقول له ما الحل وكيف يثأر لكرامته المهدرة وماذا يفعل مع من أهانوه بطريقة غير مسبوقة، وفقا للشحن الإعلامي، وفي المقدمة تصريح وزير الإعلام وقت الأحداث والذي أشعرنا أننا على شفا حرب.

"ثالثـًا لم يدرك إعلامنا أن من يتابعه في العالم العربي لا يتابع الإعلام الجزائري نهائيـًا، بل لا أحد يعرف شيئـًا عن التليفزيون الجزائري وبالتالي تعامل "المشاهد العربي" مع إعلامنا باعتباره إعلام شتام وسباب يبث الحقد والكراهية ويحرق الأعلام، ويصرخ ويبكي من هزيمة في مباراة كرة قدم، بينما الصورة الأخرى لا أحد يراها لأنها هناك في الجزائر حيث لا صحافة يمكن أن تقرأ ولا تليفزيون يمكن أن يشاهد خارج حدود الجزائر.

"رابعـًا نقل وربما لأول مرة مفردات لا تقال في أسوأ الحالات وترك الحبل على الغارب لبعض أهل الفن والرياضة يستخدمون ألفاظـًا لم نسمع بها من قبل في وسائل الإعلام، بل إن المهنية الحقة تحتم الابتعاد عن هذه الألفاظ في أي موقف.

"خامسـًا أظهر للناس أن المشجعين الجزائريين ارتكبوا جرائم ووقعوا في خطايا كبيرة يمكن أن تحرمها من دخول كأس العالم، بينما الواقع يقول إننا لا نمتلك أي دليل إدانة يمكن أن نقدمه للفيفا.

"سادسـًا كانت وسائل الإعلام المرافقة للمنتخب تتابع النجوم ولم تركز ولو للحظة على ما يفعله جمهور الجزائر. سابعـًا اهتم بشكوى الفنانين ولم يضع في حساباته ما جرى للجمهور المصري في السودان خارج الملعب"[9].



لقد تسببت تصريحات عدد من السياسيين والإعلاميين في إشعال الأزمة مع الجزائر، وحاول كثيرون ركوب الموجة لتتفجر الأوضاع، ثم عندما غيَّرت الدولة اتجاهها وسارت نحو التهدئة عاد الجميع إلى الهدوء، ولكن بعد فوات الأوان. كما يتحمل الإعلام المصري جزءًا لا يستهان به من الأزمة، فقد تسبب في شرخ كبير بين مصر والجزائر وتعامل مع الموقف بعاطفية وناقش الموضوع بسطحية شديدة، ولم يكلف نفسه تحري الدقة وشن هجومـًا شرسـًا على كل ما هو جزائري بعد مكالمة من علاء مبارك، النجل الأكبر للرئيس المصري السابق، لأحد البرامج الرياضية، فظن الجميع أن الهجوم على الجزائر هو ما تريده الدولة. وبعد فترة عندما هدأت الأمور حاول الإعلام التراجع عن موقعه، لكن فشل في ذلك وفشل في إقناع الجميع بالتهدئة[10].

ومع ذلك فإننا لن نجاوز الحقيقة إن نحن قلنا إن الإعلام الذي نظم حفلات للصراخ ورواية حكايات الإهانة، ليس الوحيد الذي يتعين إلقاء اللوم عليه في تلك الأزمة. لقد رأى كثيرون في الإعلام أداة التحريض والتضليل والتصعيد المتدني في مصر والجزائر، ونسوا عن غفلة أو عمد أن الإعلام هو قمة الجبل الذي يخفي في أعماقه وتلافيفه الأسباب الحقيقية للأزمة[11]. نعم، الإعلام مسؤول جزئيا، لكن الأخطر هو المخزون من الصراعات الاجتماعية، والقهر الاستبدادي، وتراكم الإحباطات النفسية، وتدني لغة الحوار، وهزيمة الروح الرياضية. وحين أمر الرئيسان المصري والجزائري بوقف حملات الإساءة في وسائل الإعلام في البلدين، بناء على وساطة من الرئيس السوداني عمر البشير والزعيم الليبي معمر القذافي[12]، صمتت المدافع فجأة كأن شيئـًا لم يكن. والشاهد أن هذه التحولات قد تشير في جزء منها إلى أن النظام وجد في التفوق الكروي النسبي الذي أحرزته مصر على مدى السنوات الأخيرة "مطية طائعة لتخدير الجموع المحبطة، وتعويضـًا سهلا عن إجهاض الأحلام الحقيقية في الحرية وتداول السلطة ومقاومة الفساد وتحقيق الإنجاز"[13].

إن ارتباك السياسة الإعلامية هو الوجه المقابل لإخفاق السياسة الخارجية وانحسار التأثير الثقافي، فلا يمكن لواقع بائس أن يعكس نفسه في مرآة الإعلام صورة زاهية.

وإذا كنا ندين أكاذيب رددتها صحف جزائرية فقدت مصداقيتها وهبطت في لغتها لتصنع مجدها على حساب الحقيقة والعلاقات بين شعبين شقيقين بينهما تاريخ كبير وأواصر لا تزول بسهولة، فإننا مطالبون في الوقت نفسه بإدانة أداء رياضيين – وآخرين من الدخلاء غير المؤهلين- ممن اقتحموا الفضائيات في مصر مسنودين بأموال ونفوذ المستثمرين، لكنهم لم يكونوا على مستوى المهمة، فشتموا وأساؤوا، وتحدثوا عن الجزائريات في فرنسا والغرب بما لا يليق.

وبأسلوب مجاراة القطيع، وقع البعض في مصر في فخ الانجرار وراء من وُصِفوا بأنهم "كتيبة من الجهلة" تجعلنا "نخسر كل يوم المزيد من سمعتنا المهنية والقومية"[14].

هوامش

[1]  أسامة هيكل، مذيع أم مثير، مصدر سابق.
[2] سامر سليمان، الحركة الديمقراطية الصاعدة والوطنية المصرية - إعادة بناء مفهوم الجماعة الوطنية بعيدًا عن بيشوي والعوا ومتعصبي الكرة، مجلة "البوصلة" الإلكترونية، http://elbosla.org/?p=1374، أكتوبر 2010.
[3]  أسامة غريب، الزلنطحية قادمون، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 3 ديسمبر 2009.
[4]  عماد عريان، الجزائر ـ فوبيا‏..!‏، جريدة "الأهرام"، القاهرة، 2 ديسمبر 2009.
[5]  د. عمرو الشوبكي، الكرة وصفر الإعلام العربي ، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 19 نوفمبر 2009.
[6]  د. إبراهيم السايح، الله يرحمك يا شيخ كشك، جريدة "الدستور"، القاهرة، 28 نوفمبر 2009.
[7]  أمل الحناوي، شهاب يعلن قطع العلاقات الرياضية مع الجزائر، مصدر سابق.
[8]  شريف عاشور، "الخارجية" تصدر بيانـًا يحمّل "الإعلام المأجور" مسؤولية أحداث المباراة.. ثم تسحبه وتنسبه لإدارة الإعلام، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 20 نوفمبر 2009.
[9]  علي السيد، خطايا الإعلام، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 22 ديسمبر 2009.
[10]  أسامة دعبس، المنتخب الوطني ضحية خلط السياسة بالرياضة.. وإعلام فشل في التعامل مع الأزمة، جريدة "الدستور"، القاهرة، 15 مارس 2010.
[11]  د. عواطف عبدالرحمن، تجليات وتداعيات ما بعد الأزمة، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 13 ديسمبر 2009.
[12] Dina Ezzat, Dangerous games, Al-Ahram Weekly, http://weekly.ahram.org.eg/2009/976/eg1.htm, December 10,  2009,
[13]  ياسر عبدالعزيز، مصر مرتبكة، مصدر سابق.
[14]  عمادالدين حسين، لجنة تحقيق، جريدة "الشروق"، القاهرة، 25 نوفمبر 2009.
تابع القراءة

gravatar

فرسان الجهل



في حرب الصراخ بين مصر والجزائر، تحولت الصحف إلى مصدر رئيسي للأزمات، واستخدمت محطات التليفزيون كمنصات لإطلاق القذائف والقنابل المتفجرة من أفواه المذيعين وبعض الضيوف الذين لا يعون خطورة ما يتفوهون به‏. وانطلقت كلمات كالرصاص مثل المذابح والثأر والانتقام والهمج والبربر،‏ بل والإرهاب المنظم‏.‏ مبالغات سخيفة أفقدت الكلمات معانيها وقيمتها‏.‏
لقد تصدر المشهد الإعلامي في مصر نفرٌ من لاعبي الكرة السابقين الذين جمعوا إلى محدودية الثقافة وقلة الوعي انعدام المسؤولية، فراحوا يقدمون أسوأ صورة لبلدهم الذي نصّبوا أنفسهم دون حق متحدثين باسمه، وانطلق كل منهم يبث الكراهية ضد شعب عربي مستخدمـًا ألفاظـًا يقع بعضها تحت طائلة قانون العقوبات، وتنافسوا على الجنوح نحو كل ما هو سوقي ورديء، وتجرأ أحدهم على التشكيك في وطنية كل العقلاء الذين حذروا من مغبة تلك الحماقات ساخرًا من مبادراتهم للتهدئة.
 وأودى بنا الإعلام الرياضي إلى كارثة نضح عطنها في المواجهة الكروية مع الجزائر، "تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى دكاكين بعض البرامج الرياضية التي أصبحت كيانات شبه مستقلة داخل قنواتها، تعمل وفق أجندات خاصة لتحقيق مصالح مادية ومعنوية شخصية، وتجاري من أجل ذلك مشاعر العامة".
إن الأحداث التي أعقبت مباراة أم درمان بوجه أخص جرى تصعيدها في الإعلام المصري، فتحولت - بسبب "فرسان الجهل" ومندوبي بيزنس الكراهية من مقدمي البرامج الرياضية-  من اشتباك مع المشجعين إلى اشتباك مع الدولة والشعب الجزائري في تعميم مخل وخطير. وجزء من الأزمة التي وقعت يعود إلى حدوث خلط كبير بين متغير آني هو مباراة كرة وما كان يعد ثوابت يتعين ألا تؤثر فيها أي متغيرات آنية مثل العلاقات بين الأشقاء العرب.
وفي لحظة ارتباك، وجدنا أن من ينتمون لهذا المتغير الآني وهو مباراة الكرة، هم الذين أداروا المعركة، وهي في الأساس سياسية، لأنها أخذت أبعادًا تمس العلاقات بين دولتين شقيقتين. ووفق هذا المنطق لم يكن ينبغي ترك الأمر لإعلام يبحث عن الإثارة، ولمعلقي مباريات الكرة يتصدون للرأي العام ويديرون المعركة.



حرب إعلامية لا ناقة ولا جمل للشعبين المصري والجزائري فيها، إذ إنها في حقيقتها تخدم أهدافـًا مؤقتة، مثل الرسائل النصية التي تنهال على الفضائيات وتسعر نيران المواجهة، ومثل زيادة معدلات توزيع بعض الصحف التي تورطت في نشر الأكاذيب من أجل زيادة التوزيع. وهذه هي حال "جريدة "الشروق" الجزائرية التي كانت توزع نحو 800 ألف نسخة يوميـًا، ولكنها بعد قيامها بنشر قصص كاذبة ومغرضة عن القتلى الجزائريين في القاهرة وصل توزيعها إلى مليون ونصف المليون نسخة يوميـًا".
وباطمئنان شديد، يمكن القول إن جريدة "الشروق" أشعلت الفتن والحرائق بين الجانبين المصري والجزائري، وواصلت انتهاك كل القواعد والأعراف الصحفية والأخلاقية، إذ "قادت تلك الجريدة بمنتهى السفالة والحقارة عاصفة تنشر الأكاذيب والشائعات والزعم بأن استاد القاهرة كان في حقيقته استاد تل أبيب، وأن المصريين كانوا أشد كراهية للجزائر من اليهود، وأن يهود القاهرة قتلوا ثمانية جزائريين، وأن الجزائر كلها في انتظار وصول شهداء معركة القاهرة.. فكانت الحرب الحقيقية.. وكانت الصرخات الجزائرية المطالبة بالثأر والانتقام" .
ونتيجة ما نشرته جريدة "الشروق" اندفع مشجعون متعصبون في الجزائر إلى الهجوم على المصريين العاملين هناك، وعمدوا إلى محاصرتهم وقذفهم بالحجارة وزجاجات البنزين المشتعل، إضافة إلى الضرب المبرح لكل من يقع في أيديهم وإحراق منازلهم.
ولم تكتف الجريدة بما لفقته من أخبار كاذبة، تم نفيها بعد ذلك من خلال مسؤولين جزائريين رسميين، بل خرجت، يوم 16 نوفمبر، بعدة موضوعات وتقارير تزيد من معاناة المصريين هناك. وتحت عنوان "رضا سيتي يروي للشروق تفاصيل المذبحة"، ادعى فنان الراي الجزائري أنه لقن مواطنـًا جزائريـًا الشهادة، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة بفندق بالقاهرة وقام بتكفينه بعلم الجزائر. ونشرت الصحيفة صورة لشخص كتبت تحتها "صورة الشهيد الجزائري ملفوفـًا بالعلم الوطني".
وذكرت الجريدة أن هذا الفنان كان شاهد عيان على "المجزرة المرتكبة في حق الجزائريين بمصر"، وأنه دخل الجريدة وملابسه ممزقة على جسده، حاملا الراية الوطنية ملطخة بدماء الجزائريين "الذين اعتدي عليهم من طرف المناصرين بتواطؤ من الشرطة المصرية".
في الموضوع الصحفي نفسه، زعم "رضا سيتي 16" أن امرأة حُبلى تدعى "نور الهدى" قدمت برفقة زوجها لمشاهدة المباراة، وفي طريق العودة إلى الفندق تعرضت الحافلة التي كانت تستقلها للرشق بالحجارة والضرب والاعتداء، وتمكن الجمع الغفير من المشجعين بالقاهرة من عرقلة مسيرة الحافلة وفتح المجال أمام "المتوحشين المصريين" للوصول إلى نوافذ الحافلة بسهولة.


ونقلت الجريدة عن شاهد العيان قوله: "حاولنا حماية السيدة نور الهدى من الأحجار الكبيرة التي كانت تتهاطل عليها وعلينا، لكن الصدمة كانت قوية جدًا عليها لهول الحدث، وما إن وصلنا إلى الفندق حتى فقدت نور الهدى جنينها، وكادت تموت هي أيضـًا لولا تدخلنا مباشرة لإنقاذها" .
ونشرت الجريدة تقريرًا موسعـًا تحت عنوان "الشروق ترصد شهادات جزائريين عاشوا الجحيم نجوا من الموت: ادخلوا مصر آمنين واخرجوا منها قتلى ومصابين"، ضم عناوين فرعية من نوعية "سيدة حامل تضطر للإجهاض بعد الضرب المبرح"، و"أوقفوا حافلتنا فوق النيل وسرقوا مفاتيحها وضربونا"، و"غنينا معهم لنأمن شرهم"، و"رمونا بالشماريخ داخل الحافلة"، و"ضُربنا بالحجارة وكدنا نُرمى في النيل"، و"حتى النسوة تُهن في القاهرة بعد الاعتداء عليهن" .
وادعت الجريدة نفسها أن الشرطة المصرية قامت بتجريد النساء من ملابسهن بحجة تفتيشهن، وأن رجال الشرطة "كانوا يتطلعون عليهن من خلف الباب".
وعقب إسدال الستار على سباق التأهل إلى المونديال أخذت إدارة "الشروق" تتباهى بدورها في التحريض والتأليب، فكتبت تقريرًا تكفي عناوينه التي تقول: "القمر الصناعي نايل سات يسقط في وادي النيل: هكذا فجرَّت "الشروق" الفضائيات المصرية"، "عفوًا .. جريدة هزمت قنوات فضائية بالجملة والتجزئة" .
ولم يمنع هذا من مفارقة محورها أن تلك الحرب الإعلامية فتحت أعين الجزائريين على ضرورة إطلاق قنوات فضائية بعد أن "أظهر الفضاء السمعي البصري الجزائري محدودية كبيرة في تسيير الأحداث"، حتى قال الكاتب عبدالوهاب بوكروح "إن هذا الوضع يجعل الجزائر في حاجة ملحة وآنية لقنوات فضائية قوية لتسويق صورة الجزائر" .
في سياق متصل شارك الفنانون والأدباء والرياضيون بالجزائر في معركة التهييج ضد المصريين المقيمين هناك، وذلك على صفحات الجريدة نفسها. وقالت الأديبة أحلام مستغانمي إن "الإهانة ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما تمت إهانة العلم الجزائري، في بلد يرفرف فوقه العلم الإسرائيلي ويحمي فيه الأمن المصري أبناء إسرائيل"، وأضافت "شكرًا للذين حققوا لإسرائيل أمانيها بما يفوق أحلامها الأبدية"، داعية مصر "العربية"، باسم 36 مليون جزائري، لـ"الاعتذار للعلم".
واعتبر الأخضر بللومي، لاعب الجزائر السابق، أن قيمة مصر "سقطت في الحضيض، بعد الاعتداء الذي تعرض له اللاعبون والمناصرون الجزائريون فوق أرض الفراعنة".


حفلة من الشتائم والأكاذيب التي تحرض على شهوة العنف والانتقام.
وكان من الأجدى والأولى أن يتم التحقيق في المعلومات والوقائع التي نشرتها صحيفة "الشروق" الجزائرية وأي صحيفة أخرى قامت بتغطيات مشابهة في القاهرة أو الجزائر وفرض عقاب رادع ضد هذا النوع من الصحافة الذي تجرد من أبسط أخلاق وآداب المهنة وأراد أن يتورط في بث شائعات الكراهية والحقد بهذه الطريقة.
ولعل هذا ما دعا ناقدًا رياضيـًا شهيرًا إلى مطالبة الناقد الرياضي المعروف حسن المستكاوي بأن يعتذر علنـًا عن أي اتفاقية أو مبادرة وفاق سابقة عقدتها جريدة "الشروق" المصرية مع "الشروق" الجزائرية، والطلب من المعلق الرياضي أحمد شوبير بأن يرسل إلى "الشروق" الجزائرية رفضه أي تكريم يأتيه من تلك الجريدة وأصحابها .
وفي المقابل، وَّجه البعض إصبع الاتهام إلى وزير الإعلام المصري حينذاك أنس الفقي، حتى طالبه أحد الإعلاميين البارزين بالاستقالة بعد أن وصفه بأنه "قائد جوقة الاستنفار والتصدي.. قبل مباراة القاهرة مع الجزائر قاد حملة في الإعلام الحكومي كأنما يحشد لمعركة عسكرية، وبعد مباراة الخرطوم قاد فيلق الانتقام الأرعن".
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator