المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

اللهم انصرنا على الأتراك




تشكل أول منتخب مصري في عام 1916، ولعب مباراة مع قوات الاحتلال الإنجليزي في 5 مايو 1916 وخسر وقتها 2/4.. إلا أن البداية الحقيقية لكرة القدم في مصر كانت في عام 1920، حين تقابل منتخب مصر مع منتخب بلجيكا في لقاء ودي (أغسطس 1920) خارج مصر، وانتهى وقتها بهزيمة مصر 2/4.. ثم تلته مباراتان لمصر في الألعاب الأوليمبية 1920 أمام إيطاليا (28 أغسطس 1920) ويوغوسلافيا (2 سبتمبر 1920) وجاءت النتائج كالآتي:
اليوم: 28 أغسطس 1920 - مصر 1 إيطاليا 2، وأحرز هدف مصر زكي عثمان
اليوم: 2 سبتمبر 1920 - مصر 4 يوغوسلافيا 2، وأحرز أهداف مصر سيد أباظة 2 وحسين حجازي وعلي الحساني
وكان تشكيل المنتخب الأول لمصر هو:
كامل طه - محمد السيد - عبدالسلام حمدي - محمد صبري - علي الحساني - جميل عثمان - توفيق عبدالله - حسين علوبة - حسين حجازي - سيد أباظة- زكي عثمان
وكان الملك فؤاد هو أول حاكم لمصر يرسل برقيات التهنئة والتشجيع لمنتخب مصر لكرة القدم. وكان أول حدث تخرج فيه الجنسية المصرية إلى النور هو مباراة مصر مع تركيا في دورة أمستردام الأوليمبية عام 1928
كانت مباراة صعبة وشديدة الحساسية.. كانت مواجهة أكثر عمقا من مجرد مباراة لكرة القدم.. فلم ينس المصريون بعد أنهم عاشوا طويلا في وطن كان - حتى سنوات قليلة مضت- مجرد ولاية عثمانية.. فإذ بالمقادير تمنح المصريين عبر كرة القدم فرصة إثبات أنهم ليسوا أقل قوة أو شأنا من الأتراك، أسياد الماضي البعيد والقريب.. ولهذا لم يكن من المستغرب أن تصدر جريدة "الأهرام" يوم المباراة، لتقول: "نطلب إلى كل رياضي مصري أن يقف حول منتصف الخامسة بعد ظهر اليوم متجها نحو القبلة، داعيا رب العالمين أن ينصر عبيده وأبناء عبيده لاعبي الكرة من المصريين على إخوانهم الأتراك في ميدان أمستردام"
[1]
لعب المصريون، وأجادوا وتألقوا، وفازوا على الأتراك بسبعة أهداف مقابل هدف واحد لتركيا.. وفاضت الفرحة والبهجة في القاهرة ومصر كلها..
وكما شهدت هذه المباراة قبل أن تقام، مناشدة الصحافة المصرية لأول مرة المصريين الدعاء بالتوفيق لمنتخب مصر لكرة القدم، شهدت هذه المباراة أيضا لأول مرة مبادرة من ملك مصر بإرسال برقية تهنئة كتبها كبير أمناء القصر قال فيها: حضرة فؤاد بك أنور رئيس البعثة المصرية بأمستردام.. كلفني جلالة الملك.. ولي نعمتنا الأعظم.. أن أشكركم وكذلك الفريق المصري.. وأن يهنئكم بالانتصار الذي أحرزتموه.. ومع تمنيات جلالته لكم بالعيد السعيد والنجاح المستمر.. فإن جلالته يضيف عبارات محبته الأبوية
[2]
ومنذ ذلك التاريخ لا يستمتع المصريون بمصريتهم أو يحزنون لها.. إلا في مباريات كرة القدم
ولم يكن خافيا مدى سيطرة رموز الأسرة الملكية على المؤسسات الرياضية منذ مطلع القرن العشرين. فالأمير عمر طوسون ظل رئيسا للجنة الأوليمبية المصرية منذ تأسيسها عام 1910 وحتى تولى رئاستها محسن طاهر باشا ابن عم الملك فؤاد وحتى قيام الثورة
وجعفر والي باشا كان رئيسا لأول اتحاد لكرة القدم تأسس عام 1925 وحتى عام 1933 حين تولى رئاسة الاتحاد حسين صبري باشا ولمدة 8 سنوات حين جاء محمد حيدر باشا وجاء مع حسن رفعت باشا ومحمد شاكر باشا وكيلان وحتى قيام الثورة حين انتهت حقبة الباشوات وسيطرة الأسرة الحاكمة الملكية على اتحاد الكرة وجاء المهندس عبدالعزيز سالم رئيسا للاتحاد في النادي الأهلي أيضا، كان جعفر والي باشا رئيسا لسنوات طويلة ثم جاء أحمد حسنين باشا، ثم أحمد عبده باشا
وفي نادي فؤاد الذي تغير بعد وفاة الملك إلى فاروق، كان محمد حيدر باشا رئيسا، وفي وقت من الأوقات كانت الاتحادات الرياضية خاضعة لنفوذ الأسرة المالكة وكان الملك فؤاد رئيسا فخريا لاتحاد السباحة، وعدد من الباشوات رؤساء لاتحادات أخرى
وكان الملك فاروق حريصا على حضور نهائي كأس مصر التي كانت تحمل اسمه، وفي إحدى المباريات النهائية تقدم الزمالك في مرمى النادي الأهلي وكان يجلس على مقربة من الملك رئيس نادي الزمالك قريبه وزير الحربية الفريق محمد حيدر باشا ورئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا، فتهكم الملك على حسنين باشا بعد دخول الهدف، فقال الأخير: العبرة بنهاية المباراة يا جلالة الملك!
لكن فؤاد باشا سراج الدين وكيل النادي الأهلي خاطب الملك بذكاء قائلا: إن الأهلي سمح بدخول هذا الهدف في مرماه على سبيل التحية لجلالتكم!
فنظر الملك إلى حسنين باشا قائلا:
تعلم من فؤاد باشا كيف تكون دبلوماسيا
وفي أعقاب ثورة يوليو 1952، بدت الثورة حريصة على الأندية ذات الشعبية، وقد غيرت اسم نادي "فاروق" إلى نادي الزمالك، لأنه كان رمزا للحقبة الملكية التي توارثت اسمه من نادي فؤاد إلى نادي فاروق. وحرص جمال عبدالناصر على توظيف الكرة لمصلحة العمل الوطني والثقل المصري في محيطها العربي والإفريقي
واهتمت الثورة بالمنشآت الرياضية فافتتح الرئيس جمال عبد الناصر استاد القاهرة في ‏24‏ يوليو ‏1960‏ ويوم افتتاح هذا الاستاد العملاق كان مشروعه المتكامل يتضمن ملاعب كرة القدم والمجمع الأوليمبي للسباحة واستاد الدراجات والصالات المغطاة والصالة المكشوفة وكل هذا استكمل فيما بعد. وكان بعد الناصر يحرص علي استقبال وتكريم بكل بطل يحقق إنجازا لمصر في المحافل الدولية كما فعل مع عبد اللطيف أبوهيف بطل سباحة المسافات الطويلة وعبدالحميد الجندي بطل كمال الأجسام، كما منح صالح سليم نجم النادي الأهلي وسامًا تقديرًا لدوره مع ناديه ومع منتخب مصر لكرة القدم‏‏
وإذا كان الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل أكد أكثر من مرة أن جمال عبدالناصر لم يكن ينتمي للأهلي أو للزمالك، فإن منير حافظ، الرجل الثاني في مكتب معلومات الرئاسة، قال إن عبدالناصر كان يشجع الأهلي سرا، وإن بيت الرئيس كان يعيش حالة فرحة ظاهرة ومعلنة كلما فاز الأهلي.. لكن الرئيس كان حريصا على أن تبقى أهلويته من أحد أسرار الدولة العليا حتى يبقى عبدالناصر رئيسا لمصر ولكل المصريين
[3]
كانت المرة الأولى التي يتحدث فيها جمال عبدالناصر عن كرة القدم كرئيس لمصر، يوم أشار وفكر وطالب بأن تسهم كرة القدم في صفقة تسليح الجيش المصري وأن يتم تخصيص جزء من مباريات الدوري العام لصالح تسليح مصر. وأكد الرئيس عبدالناصر وقتها أن هذا هو أهم الأدوار التي يمكن أن تقوم بها كرة القدم.. واستجاب اتحاد كرة القدم لهذا الطلب
وبالطبع استجابت الأندية وتسابقت لتنفيذ ذلك وفي مقدمتها الأهلي والزمالك.. واتفق الناديان على تخصيص جزء من إيراد مباراتهما معا التي أقيمت يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر من عام 1955 لصالح تسليح الجيش المصري. أقيمت المباراة في ملعب الأهلي.. وكانت أول مباراة لكرة القدم يحضرها الرئيس جمال عبدالناصر.. وكانت المرة الأولى التي يلعب فيها الأهلي والزمالك معا لصالح تسليح جيش مصر
فوجئ قادة الثورة في مقصورة استاد الأهلي بأحد المتفرجين يقترب من الرئيس عبدالناصر بعدما تقدم الأهلي 2/1 وأصر على أن يعطيه قطعة حلوى، وقبلها الرئيس مبتسما وسعيدا فيما اعتبره الجميع إشارة حب للأهلي وفرحة بانتصاره.. ولكن المباراة انتهت بالتعادل ومبلغ 1200 جنيه لخزينة الجيش. ومثلما نجح عبدالناصر في إجبار الجميع على أن يلعبوا الكرة في مصر لمصلحة جيش مصر. فقد أراد أيضا من المسؤولين عن الكرة في مصر الاهتمام بإفريقيا لتعميق علاقات مصر الإفريقية عن طريق الكرة وفي ملاعب الكرة
وبالفعل سافر عبدالعزيز سالم ومحمد لطيف بتكليف رئاسي إلى البرتغال للاجتماع بممثلي السودان وجنوب إفريقيا لمناقشة فكرة تأسيس الاتحاد الإفريقي وإطلاق مسابقة بين منتخبات القارة الإفريقية. وكانت تعليمات جمال عبدالناصر للوفد المصري واضحة، ومفادها أن مصر تريد إقامة بطولة إفريقيا ولكنها لا تريد البطولة الأولى في القاهرة، بل تريد منحها للخرطوم اعتزازا بالسودان
[4]
إلا أن زواج الثورة بالكرة، لم يكن كله خيرا، إذ كان امتدادًا لزمن طويل سيطرت فيه السلطة على كرة القدم في العهد الملكي


الهوامش


[1] ________، دعوة لإخواننا المسلمين، جريدة "الأهرام"، القاهرة، 28 مايو 1928
[2] ياسر أيوب، الملك فؤاد، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 13 يناير 2010
[3] ياسر أيوب، جمال عبدالناصر، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 7 يناير 2010
[4] المرجع السابق

تابع القراءة

gravatar

وهزمنا الإنجليز






"وكما لهونا بالكرة واستخدمناها واستمتعنا بها، فإنها أيضا بدأت تلهو بنا وتستخدمنا.. وهو خطب، لو تعلمون، جلل"
[1]


على نار هادئة، تنضج كرة القدم في مطبخ السياسة
فالتوظيف السياسي للرياضة يبدو في رأي كثيرين - خصوصا في الأنظمة الشمولية- وسيلة فعالة للخروج من الأزمات، خاصة أن انتصارات الرياضة أسهل كثيرا من انتصارات السياسة. وفي التاريخ دلائل وإشارات لا تخطئها العقول المدركة، وإذا كان الشعب يفتقد هدفا قوميا، ومقبلا على مرحلة انتقالية، فالإيحاء لوسائل الإعلام لتمارس لعبتها القديمة هدف
[2]
وبالنسبة للبعض فإن رئاسة النادي الكروي قد يكون نوعا من الوجاهة لأهل السطوة والحكم خصوصا أولئك الذين يعشقون نجوم الكرة ويذوبون حبا في هذا النادي أو ذاك، أو الترضية (للمهمشين من عائلات السلطة والمستبعدين من أدوار سياسية)، أو التسويق السياسي للقادمين بقوة إلى قصور الحكم. ببساطة، هو نوع من استثمار تعلق الجمهور بالساحرة المستديرة لإضافة رصيد من الشعبية و"التلميع" إلى هؤلاء الذين يجلسون في المقصورة الرئيسية أو يستقبلون الفائزين في مكاتبهم الوثيرة بعد الفوز ببطولة ما محليا أو إقليميا.. وربما دوليا
هنا تصبح كرة القدم أداة فعالة للتغطية على الكوارث والفساد وعجز الإدارة المحلية، وتغييبا للوعي العام في أوقات عصيبة ولحظات فارقة من تاريخ الأمم
وفي مصر، دخلت كرة القدم من بوابة الاحتلال
فقد وقف اللورد كرومر وراء كرة القدم، حتى يشغل المصريين عن غيرها. ولذا قرر تعديل مناهج التعليم واختصار الدروس والسماح بممارسة الرياضة وتحديدا كرة القدم. وهكذا قرر محمد زكي باشا، وزير المعارف، في عام 1892 تعديل مناهج الدراسة. واعترض مجلس شورى القوانين وجريدة "الأهرام"، وكتب أحمد شوقي، أمير الشعراء، قصيدة سخر فيها من اللورد كرومر الذي جعل المدارس المصرية تنسى العلوم وتكتفي بتدريس "الفوتبول"
[3]
لم يضيع المصريون وقتا، إذ بدأوا في إتقان فنون مداعبة الساحرة المستديرة، قبل أن يطمعوا أكثر في تلقين الآباء الشرعيين لكرة القدم درسا
فقد شرع موظف بإدارة الورشات الإنجليزية في العباسية اسمه محمد أفندي ناشد في التفكير في تشكيل أول منتخب لمصر يلاقي الإنجليز. وتحقق له ذلك، لتقام أول مباراة كروية في تاريخ مصر عام 1895 بين أول منتخب لمصر وبين الإنجليز في ملعب قرة ميدان بالقلعة. لعب الفريق المصري مباراة عمره، وأحرز محمد أفندي هدفا، وأضاف أحمد أفندي رفعت هدفا ثانيا. وحين أطلق الحكم الإنجليزي صافرة النهاية معلنا فوز الفريق المصري على فريق الأورانس الإنجليزي ابتهج جمهور الكرة، وباقي المواطنين، فالفوز ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، ويكفي أنه كان على فريق يمثل قوى الاحتلال
وكتبت الصحافة الرياضية في مصر قائلة:
"يحق للمصريين أن يفخروا بالفريق المصري الذي هزم منتخبات القوات البريطانية في لعبة كرة القدم لعبة الانجليز المفضلة، ومن واجب كل مصري أن يفخر برئيس الفريق محمد أفندي ناشد الشاب القوي مفتول العضلات متناسق الاعضاء الفنان سريع الحركة قوي التصويب الذي يجيد أكثر من مركز ويستطيع أن يستخلص الكرة بمهارة عجيبة من بين أربعة من الخصوم ويمررها لإخوانه المصريين في مكان حساس للغاية، كما أنه يسجل الأهداف من مسافة 30 ياردة"
هكذا كانت بداية معرفة المصريين المحدثين للعبة كرة القدم بعد أن شاهدوا الجنود البريطانيين يلعبونها في ثكناتهم العسكرية وتعلموها منهم، بل وهزموهم أيضا
ويمكن اعتبار عام 1909 هو التاريخ الحقيقي لبدء كرة القدم في مصر حيث دخلت اللعبة النادي الأهلي الذي تأسس قبل ذلك بعامين، تلاه المختلط – الزمالك- بعامين آخرين
عام 1900 شهد أيضا إنشاء أول فرق لكرة القدم في المدارس المصرية ومنها مدارس السعيدية والخديوية والتوفيقية وبرزت بعض الفرق المصرية في اللعبة منها فريق حسين حجازي الذي أطلق عليه المصريون فرقة حجازي وهو لاعب الأهلي والزمالك الأشهر والذي توفي عام 1961
وتبدو قصة النادي الأهلي مرتبطة في بداياتها بفترة النضال، إذ كان الزعيم الوطني مصطفي كامل يشعل حماس الطلبة الذين يتجمعون في نادي طلبة المدارس العليا – الذي أنشئ عام 1905- لسماع خطبه الوطنية النارية. فرأت سلطات الاحتلال أن تقضي على هذا النادي فجعلت تحث الخطى في سبيل إنشاء نادٍ رياضي آخر يشغل الشباب بالرياضة عن السياسة، غير أنهم لم يفلحوا. وحل النادي الأهلي محل نادي المدارس العليا وتحول كله إلى النادي الأهلي الذي ما لبث أن تحول إلى نادٍ وطني وسياسي للمصريين
ولدت فكرة تأسيس النادي الأهلي الذي يعود ميلاده إلى عام 1907، في ذهن عمر بك لطفي وهو أحد مؤسسي النادي وعضو اللجنة الإدارية العليا في الفترة من 24 أبريل 1907. ويعتبر تاريخ انعقاد أولى جلسات اللجنة الإدارية العليا الميلاد الحقيقي للنادي.. فقد عرض عمر بك لطفي الموضوع على مجموعة من أصدقائه الذين تحمسوا للفكرة. وفي حزب الزعيم مصطفي كامل "الحزب الوطني" اجتمع المؤسسون وقرروا تكوين شركة رأسمالها خمسة آلاف جنيه مصري على شكل ألف سهم قيمة الواحد منها خمسة جنيهات
ويعتبر النادي الأهلي هو أول نادٍ للمصريين في مصر، وكانت اللجنة الإدارية العليا "مجلس الإدارة" عند تأسيسه قد اختارت الإنجليزي "ميتشيل أنس" كأول رئيس للنادي الأهلي لاستثمار نفوذه لدى السلطات البريطانية لتسهيل عملية الحصول على الأرض التي يتطلبها إنشاء النادي، وأصبح ميتشيل هو أول رئيس للنادي حتى 2 أبريل عام 1908
وكان أول اجتماع عقده مجلس النادي في 24 أبريل عام 1907، وذلك في منزل ميتشيل أنس بالجيزة. أما الاجتماع الثاني فقد طرح فيه إسماعيل سري باشا الرسم الهندسي لتصميم المبنى الرئيسي للنادي الأهلي، فيما عرض عمر بك لطفي عقد الشركة، ليوافق المؤسسون على إنشاء شركة مدنية باسم "النادي الأهلي للألعاب الرياضية"
وكان المؤسسون قد وقعوا على عقد الشركة وتم طرح أسهم الشركة للاكتتاب في 26 مايو 1907 وكانت قيمة السهم خمسة جنيهات
وفي 13 يونيو عام 1907، عقدت اللجنة الإدارية العليا "مجلس الإدارة" اجتماعا لمناقشة الاحتياجات المالية اللازمة والتي طرحها إسماعيل سري باشا
وتم اختيار عزيز عزت باشا رئيسا لمجلس الإدارة بعد سفر ميتشيل لبلاده، وفي 17 ديسمبر عام 1908 قرر المؤسسون الإعلان عن قرب افتتاح النادي في يناير 1909، وتم توزيع استمارات الاشتراكات في نادي طلبة المدارس العليا ومكتب عمر لطفي وصحيفتي "اللواء" و"المؤيد"
وفي 26 فبراير عام 1909 أقيم حفل الافتتاح الرسمي للنادي في المبنى الرئيسي به
وفي 4 يناير عام 1924 قررت الجمعية العمومية للنادي طرد الأعضاء الأجانب من عضوية النادي، لتكون مقتصرة على المصريين وصدر بهذا قرار من الجمعية العمومية للنادي في عام 1925. وفي 8 يناير عام 1929 أصبح النادي الأهلي يخضع لرعاية الملك فؤاد في عهد جعفر والي باشا رئيس النادي
أما اختيار اللون الأحمر لفانلة الأهلي والشورت الأبيض فيعود إلى عام 1911، وكانت الفانلة مخططة طوليا بخطوط حمراء عريضة تتخللها خطوط بيضاء ثم تطورت الفانلة فأصبح نصفها أحمر ونصفها أبيض طوليا أيضا إلى أن استقر الأمر على أن تكون الفانلة كلها حمراء؛ لأنه كان لون العلم المصري آنذاك وهو العلم العثماني في فترة حكم الخديو عباس حلمي الثاني، أما اللون الأبيض فكان لون الهلال والنجوم على هذا العلم
[4]
وفي تاريخ العلاقة بين الأهلي والزمالك أزمات كثيرة، تعكس في جانب منها صراع القوى من جهة وحمى التنافس الجماهيري من جهة أخرى
وحين اجتمع مندوبو الأندية في عام 1921 لتأسيس أول اتحاد للكرة في مصر، لم يكن هناك خلاف على جعفر والي باشا مندوب الأهلي كأول رئيس للاتحاد باعتباره الباشا الوحيد بين الحاضرين، فيما أصبح مندوب الزمالك، يوسف محمد، أول سكرتير عام بعدما انحاز الأهلي للزمالك في صراعه على هذا المنصب ضد نادي القاهرة.. ولكن سرعان ما انفجر الصراع بين الأهلي والزمالك داخل الاتحاد، في أعقاب مقال كتبه الأفوكاتو ميشيل أسود، عضو مجلس إدارة الزمالك، في جريدة "المقطم" في شهر يناير عام 1923
في المقال المذكور، كتب الأفوكاتو أسود يشكو من سوء توزيع اتحاد الكرة للأموال الطائلة التي يجنيها، مشيرا إلى أن الاتحاد لا يعدل بين الأهلي والزمالك. واختتم الأفوكاتو مقاله مؤكدا أنه قد حان الوقت ليسترد الزمالك حقوقه الضائعة. وكاد الأمر يتحول إلى أزمة كبرى لولا حكمة جعفر والي باشا
[5]




وفي عام 1928 وعقب العودة من دورة أمستردام الأوليمبية، بدأ اتحاد الكرة يستعد لإجراء انتخابات جديدة، وسط موجة انتقادات حادة ضد الاتحاد وانتخاباته، وشكوك مثارة حول بيع أصوات الناخبين في الجمعات العمومية بجنيه واحد مقابل الصوت، أو بوعود انتخابية وخدمات أخرى
غير أن جعفر والي باشا نجح على رغم كل ذلك في الاحتفاظ بموقعه رئيسا لاتحاد الكرة إلى جانب رئاسته للنادي الأهلي منذ عام 1924، في حين أصبح محمد حيدر بك، رئيس الزمالك، وكيلا لاتحاد الكرة، الذي شن بدوره حملة شرسة على جعفر والي باشا لفترة، قبل أن تهدأ الأمور بين الجانبين

بعد ذلك بنحو قرن كامل، شهدت مصر واقعة تنابذ بالتاريخ تستحق الإشارة إليها. ففي مباراة القمة التي أقيمت في 26 مايو 2010 بين الأهلي والزمالك في دور الـ16 لكأس مصر، حملت بعض جماهير الأهلي لافتة كبيرة مكتوب عليها "الزمالك.. نادي المختلط للانجليز فقط.. إلى مزبلة التاريخ"!
وتوترت العلاقة بين الناديين بسبب هذه اللافتة خاصة أن جماهير الأهلي حملت لافتة في المباراة ذاتها التي انتهت بفوز الأهلي (3-1) مكتوب عليها "الأهلي.. نادي الوطنية" مما يعني أن الأهلي نادي الوطنية والزمالك لا يمثل الوطنية المصرية!

لجنة المسابقات اكتفت بتوقيع عقوبة على جماهير الأهلي قدرها خمسة آلاف جنيه – تم رفعها إلى 30 ألفا في وقت لاحق- أعلنت بعدها رابطة ألتراس أهلاوي أنها ستتحملها، في حين رفض مجلس إدارة النادي الأهلي الاعتذار أو إصدار أي بيان يشجب أو يدين من خلاله تصرفات جمهوره
وتوالت حروب التصريحات والمقالات في الصحف
ومن ذلك ما كتبه عادل السنهوري قائلا:
"فإذا كانت جماهير الأهلي كتبت بجهل بأن نادي الزمالك هو نادي إنجليزي مختلط، فمن حق جماهير الزمالك أن تفتش وتبحث في تاريخ النادي الأهلي وتتهم مؤسسه إدريس راغب - سواء حقا أو باطلا- بأنه كان ثريا ماسونيا وأنفق الكثير على المحافل الماسونية، وجعل نادي الأهلي مرتعا للمجموعات الماسونية التي تمارس نشاطها من داخل النادي، لهذا اختاروا له اللون الأحمر شعار الماسونية
"ويبقى من حق جماهير الزمالك أيضا أن تعاير جماهير الأهلي بأن أول رئيس لناديهم هو اليهودي الإنجليزي ميتشيل انس، وظل الإنجليز يسيطرون على هذا النادى وظل ميتشيل انس رئيسا له إلى أن نقلته إنجلترا للخدمة في مكان آخر عام 1921. كما أن النادي الأهلي اتخذ شعار الملك فؤاد الأول كشعار له وكتب تحته جملة "تحت شعار الملك فؤاد"
[6]

نأتي إلى منتخب مصر


الهوامش


[1] ياسر عبدالعزيز، تلهو بنا كما لهونا بها.. كرة القدم، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 14 فبراير 2010
[2] علاء الغطريفي، ١٤ نوفمبر .."تكوير" السياسة، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 15 نوفمبر 2009
[3] ياسر أيوب، اللورد كرومر، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 3 مارس 2010
[4] ماهر حسن، النادي الأهلي .. 100 سنة "كورة"، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 24 نوفمبر 2006
[5] ياسر أيوب: جعفر والي باشا، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 7 يونيو 2010
[6] عادل السنهوري، اعتذار إدارة الأهلي ولعنة التنابذ بالتاريخ، جريدة "اليوم السابع"، القاهرة، 31 مايو 2010
تابع القراءة

gravatar

جرائم بالحبر السري



هذا هو التاريخ: نحن بلا رتوش

وتاريخنا القريب هو أصعب تحدٍ بالنسبة لأي مهتم بالرصد والتحليل، فالأحداث تتلاحق ونحن نلهث وراءها، والأزمات تقع ونحن نحاول احتواءها، والأشخاص يظهرون على الساحة ثم يختفون ونحن نسعى إلى فهم أسباب الظهور ودواعي الاختفاء. وفـي هذا كله، تتشكل طينة التاريخ، وتصبح مهمتنا الأصعب هي استيعاب الأحداث وأحوال العباد والبلاد، بعيدًا عن صخب البعض وزعيق البعض الآخر، ممن يقودون حملات تعيد تغليف المبررات العطنة التي تهز الثقة وتربك حسابات المصريين فـي حاضرهم ومستقبلهم

والكتاب الذي بين أيدينا، يجتهد فـي تأمل الظواهر المختلفة من قاع المجتمع إلى قمته، فلا يغفل حكايات الوزراء واختيارهم، ولا يهمل رصد وتحليل جرائم شريحة انحرفت من المدرسين والأطباء، وهم فـي النهاية حالات فردية لا تمثل الكثرة الغالبة ممن يؤدون رسالتهم السامية بتفان وإتقان.. أو هكذا نأمل

ولأنه ليس هناك ما هو أبلغ دلالة من حكاية تُروى بشكل جيد، فقد آثرنا ألا يكون الكلام مُرسَلا، وعززنا ما نقول بقبس من حكايات موثقة ومواقف منشورة فـي الصحف والدوريات والكتب والمراجع، حتى نعرف أصل ما جرى وحقيقة ما يجري

وفـي بلد تبدو إرهاصات التغيير فيه موجودة، لكن اللحظة غير معلومة، فإن التحليل المتأني والاستقراء المتعمق لعدد من القضايا والظواهر المختلفة، مع العودة إلى التاريخ القريب، يمكن أن يلقي مزيدًا من الضوء على ما استغلق علينا وحار كثيرون فـي فهمه بشأن حاضر مصر ومستقبلها
نعم، المستقبل، الذي يبدأ الآن وليس غدًا
وبقدر ثراء مصر شعبًا ووطنًا، بقدر ما تبدو حكايات هذا البلد درسًا فـي التناقضات التي يعجب لها الآخرون. فمن انكسار غير مبرر واستسلام غامض، إلى انتصار مدوٍ وتفوق على الذات، ومن يأس ضارب فـي الأعماق، إلى تفاؤل مدهش وإرادة يعجب لها البشر
هكذا يصنع المصريون "نظامهم" الخاص الذي يصعب التنبؤ به، كأن هذا الشعب الفريد فـي تاريخه والوطن الاستثنائي فـي جغرافيته، حالة لها خصائصها وسماتها وعلاماتها الفارقة
ونحن نؤمن بمقولة العالم المصري الكبير د. جمال حمدان التي ترى أن "ما كان أبوه التاريخ وأمه الجغرافيا، فهو من صنع الطبيعة وصلبها"، مثلما نثق برأيه القائل "إن مصر اليوم إما القوة أو الانقراض، إما القوة وإما الموت، إن لم تحقق مصر محاولة قوة عظمى تسود بها المنطقة، فسوف يتداعى عليها الجميع يومًا ما كالـ "قصعة".. أعداء وأشقاء وأصدقاء"
ولذا، فإن طريق القوة يبدأ بالمعرفة، وتحديدًا معرفة التاريخ واستيعاب الجغرافيا، وهو ينهض بالعلم والإدارة والحرية المسؤولة، ويتعزز بالديمقراطية والنزاهة ومكافحة الفساد
والثابت أن الفساد لا يجعل لجهود التنمية أثرًا ملموسًا، ويخلق بيئة غير آمنة للمواطن، ويهدر كرامته، ويضعف من ولائه للوطن، خصوصًا ذلك النوع الذي يحتمي بالسلطة والنفوذ، لينتقل من صورته المستترة إلى أخرى علنية. وربما جاز لنا أن نحذر من شيوع الإهمال والفساد الإداري وانتشار الرشوة، الأمر الذي أدى فـي عام 2009 وحده إلى إفراز الجهاز الحكومي نحو 70 ألف قضية انحراف ومخالفات مالية، وكذا جرائم جنائية تصل إلى 10 آلاف قضية منها 1300 قضية اختلاس للمال العام، و5 آلاف قضية إهمال جسيم، وأخيرًا 3 آلاف قضية رشوة
إنها الأرقام المؤلمة والحقائق الصادمة
وحين نتكلم عن أوجه الإخفاق والتقصير فـي إدارة الأزمات والكوارث، فإنما نحاول استقاء الدروس والعبر، حتى لا تتكرر الوقائع المؤلمة ويسقط المزيد من الضحايا، ونغرق كوطن فـي دوامة الأحزان. ولأن الإعلام فـي مصر أصبح طرفًا فـي قضايا ساخنة، فقد ارتأينا أن نأخذ بطرف من تلك القضايا لنقدم نموذجًا مثيرًا للاشتباك الذي حدث ذات يوم غير بعيد بين صحيفة وقعت فـي المحظور، ومجتمع استدرج فـي لحظة احتقان وفورة غضب إلى خنادق الطائفية
ومع علمنا بأن هناك من يفضل الاسترخاء على مواجهة المشكلات، ومن يروج للسخرية على حساب البحث الجاد، بدعوى أن الناس أصبحوا بحاجة ملحة لأن يفرحوا، خصوصًا بعدما تكاثرت همومهم وعزّت ابتساماتهم، فإننا نرى أن العقل الممتلئ بالأفكار أفضل من الفم الفارغ إلا من النكات. ولهذا، كان ضروريًا أن نعرف، على الأقل حتى نعرف متى نضحك.. ومتى نبكي
ولأننا نرى أن أول العلاج هو المواجهة مع النفس والوقائع، فقد عمدنا إلى التوثيق حتى لا نقع فـي فخ السرد العام الذي لا يقدم ولا يؤخر. إن كل حرف فـي هذا الكتاب يسعى إلى استنهاض الأمة، وينبه إلى العطب الذي أصاب كيان الجماعة المصرية، ويعمل على رسم معالم طريق الإصلاح، ويقرع أجراس الوعي والمعرفة بما يهدد كيان الجماعة المصرية من مخاطر؛ لأنه لا سبيل لنا للخلاص إلا بحسن الفهم ودقة التخطيط وإخلاص العمل من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة.. والاستعداد لدفع استحقاقاتها
لتكن قراءة الكتاب إذًا هي نقطة بداية على طريق الوعي بالحاضر وصناعة المستقبل
أتمنى لكم قراءة ممتعة

من مقدمة كتاب "جرائم بالحبر السري"، مركز الحضارة العربية، القاهرة، 2010
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator