المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

قضية الراهب المشلوح (5): دموع رئيس التحرير





رئيس تحرير جريدة "النبأ" بكى، واشتكى من أن البعض يريده كبش فداء بهدف إلهاء الرأي العام بدمائه

وعلى مدى ساعتين ونصف الساعة، قدم مهران في مؤتمر صحفي عقده للدفاع عن نفسه في 10 يوليو 2001 أوراق اعتماده كصحفي، على أمل أن يكون ذلك مخرجاً له من الأزمة التي تسبب فيها

رئيس تحرير "النبأ" المصرية لم يجد أمامه سوى اتهام المجلس الأعلى للصحافة في مصر وجهات أخرى لم يُسمها بمحاولة إحداث فتنة طائفية بالتربص به وبجريدته

واستعرض ممدوح مهران تاريخه الصحفي وعلاقاته بالمسيحيين منذ طفولته، وعرض صوراً فوتوغرافية له مع البابا شنودة لتأكيد علاقته القوية برئيس الكنيسة المصرية، مشيراً إلى أنه يدافع عن قضايا الأقباط. ولفت إلى أن مدير تحرير جريدته مسيحي، وقال إن هدفه من نشر قصة الراهب المفصول كان حماية الكنيسة ورجال الدين المسيحي من هذا الشخص. ورفض مهران التعليق على ممارسة الراهب المفصول. وقال إنه "ليس للجريدة سوابق قضائية سوى قضية واحدة أخذنا فيها البراءة"، وأكد وجود كثير من الإعلاميين تكالبوا على "النبأ" بهدف ذبحها. وأضاف أن المجلس الأعلى للصحافة لم يرسل للجريدة سوى شكوى رجل الأعمال نجيب ساويرس، والتي "نشرناها وأرسلنا ردها للمجلس"

وأكد أن التقارير الخاصة بملاحظات المجلس الأعلى للصحافة والخاصة بملاحظاته على الصحف وضع "النبأ" ثالث صحيفة للأخطاء برصيد 930 خطأ وذلك بعد "الأهرام" التي سجلت 1988 خطأ خلال فترة الدراسة، ثم "الأخبار" التي سجلت 1010 أخطاء خلال الفترة نفسها، وأتت "الوفد" في المركز الرابع على حد قوله. كما انتقد مهران تصرف المجلس الأعلى للصحافة بوقف "النبأ" بدعوى هذه الأخطاء، قائلاً إنه من المفروض حسب هذه الأخطاء وقف "الأهرام" و"الأخبار"


مهران رأى أنه "لا توجد صحافة صفراء أو حمراء وما حدث ليس أكثر من جريمة نشر"، وقال "إن ما يربطنا من علاقة مع المسيحيين والبابا هي على أعلى وأسمى ما يكون حتى هذه اللحظة". وأشار إلى أنه "إذا تقدمت الكنيسة بمساع للصلح لن أرفضها"، مؤكداً أن "النبأ" تولت منذ إصدارها قضايا المسيحيين. وقال "إن ما تم نشره كان دفاعاً عن أقدس المقدسات التي أساء إليها الراهب المشلوح وإن ما كتبه كان من خلال مستندات"


ورداً على الصور الفاضحة التي نشرها قال إن "هذه الصور هي مستندات وإنني لم أوضح صورة السيدة الشريفة فريسة الراهب خوفاً عليها وعلى أسرتها". واعترض مهران بشدة على سؤال عما إذا كان الشريط قد تسرب إليه من الأمن أو من جهات أخرى، ونفى بشدة أن يكون قد تسرب إليه من أية جهة أمنية، قائلاً إنه لا يكتب ما يمليه عليه ضابط شرطة أو أي مسؤول، ولكن الشريط يباع في الشارع ببلدة القوصية

وأكد مهران أنه أعلن عن مؤتمر صحفي كي يحتمي بهذه السلطة بالرغم من أنها أصدرت عليه حكمها مسبقاً. وأضاف أن الصحافة هي قاض يخاطب الشعب من خلال السلطة التي منحها لها الدستور، وشدد على أنه خدم 40 سنة في بلاطها، وأنه عندما نشر هذه التحقيق لم يكن يفتقد إلى الخبرة



وأشار مهران وسط دموعه إلى أنه التزم الصمت طوال الفترة الماضية، ولكن عندما "تكالب الجميع" على ذبحه أراد عقد هذا المؤتمر ليوضح الحقائق. وأفرد مهران مساحة كبيرة من مؤتمره الصحفي للحديث عن نفسه وعن إنجازاته وعن تربيته وتعليمه وسط الأقباط في بلدته بسوهاج، وكيف أن والده وهو عمدة أعاد بناء سور دير هدمه الفيضان

رئيس تحرير "النبأ" لم ينس أن يقول إن في مصر دستوراً وقانوناً وحرية رغم الإجراءات التعسفية التي اتخذت، وقال بأسلوبٍ لا يخلو من الخطابة الدعائية: أسجل أن عهد مبارك صنع في مصر استقراراً يرتكز على حرية واسعة وسيادة قانون رادعة وأن الرئيس مبارك نجح في ذلك.. ويكفي أنه لم يظـهر في عهده ما يسمى بمراكز القوى ونجح في أن لا يكون هناك مظلوم

مهران أكد أنه لن يكون في يوم أسيراً لأي حملة إعلامية

وأشار إلى الحكم بوقف جريدته قائلاً: إنني لو كنت في مكان القاضي الذي أصدر الحكم، لأصدرت الحكم بوقفها حتى تخمد هذه الثورة. وأكد أنه بالرغم من وجود هذه الإجراءات الإدارية الزائدة عن الحد فإن القانون وحده هو الذي يحدد موقف الصحيفة، وأن القاضي الذي أصدر الحكم يعلم جيداً أن هناك من تكالب على "النبأ" ليحرمها من الصدور

واستند مهران في هذا إلى حيثيات الحكم الصادر من القضاء الإداري بشأن وقف صدور "النبأ" و"آخر خبر"، مشيراً إلى أن هناك جهات عدة، والقضاء انتصر لهذه الجهات في هذا الحكم، وهي تتمثل في المجلس الأعلى للصحافة الذي تقدم بدعوى ضد مؤسسته الصحفية. وأبدى مهران دهشته من عدم محاكمته أمام قاضيه الطبيعي وهي محكمة الجنايات قائلاً "إنها قضية نشر فكيف أحاكم بقانون الطوارىء"


وأشار مهران إلى أن شريط الفيديو الخاص بالراهب مدته 40 دقيقة وما تم نشره 10 ثوان فقط

وقال إنه "كان لابد من نشر الصور كمستند حتى لا نتهم بالفبركة". ولفت الانتباه إلى بيان الكنيسة التي أكدت أنه فصل بسبب سلوكياته وأوضح أن القضية أخذت منعطفاً خطيراً وبشكل غير طبيعي وهاجمتنا حملة تتارية، كأن هناك من يريد الوقيعة بين الكنيسة وبين النظام فاختلطت الأمور ووقف الجميع يرددون أنهم مع الوحدة الوطنية. وأكد مهران أنه لو عادت "النبأ" للصدور سوف تكون هناك مفاجأة. وأضاف أن تغيبه عن حضور جلسات المحاكمة كان بسبب أنها في مرحلة الإجراءات. ورداً على اتهامه برد المحكمة بشكل مسرحي، قال مهران: "لست ممثلاً ولكنني أتخذ قرار الرد عن طريق هيئة دفاعي ولم يكن في الوقائع سوء قصد"


المؤتمر الصحفي الذي عقده مهران استغرق ساعتين ونصف الساعة وحضره العديد من ممثلي الصحف والوكالات المحلية والعالمية، كما حضره بعض أعضاء هيئة الدفاع عن الكنيسة


في اليوم نفسه للمؤتمر الصحفي، 10 يوليو 2001، قررت محكمة القضاء الإداري تأجيل الدعوى المقامة من دفاع مهران ضد قرار النائب العام بإحالة رئيس تحرير "النبأ" إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارىء إلى جلسة 4 سبتمبر المقبل لتقديم مستندات


الجلسة الأخيرة قبل النطق بالحكم، كانت مثيرة على أكثر من صعيد

ففي حوالي الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد 11 أغسطس، عندما كانت جلسة الاستماع على وشك أن تبدأ، اشتبك المحامون عن الكنيسة في مشادة كلامية مع محامي مهران..على ترتيبات الجلوس. وفي الجلستين السابقتين، طلب رجال الأمن من محامي الكنيسة بالجلوس على المقاعد الخشبية على الجانب الأيسر، فيما جلس محامو مهران على المقاعد الخشبية على اليمين. غير أن محامي الكنيسة ممدوح رمزي قرر لسببٍ غير معروف، الجلوس مع محامي مهران. وبعد ما يقرب من نصف الساعة من تبادل الصراخ، نجح رجال الأمن في إقناع رمزي بالانضمام إلى محامي الكنيسة على الجانب الأيسر


وكالعادة، اتخذ العشرات من ضباط الأمن أماكنهم بين الجانبين، كأنهم قوات فصل


وفي أعقاب دخول القاضي أسامة محمد علي، طلب من فريق الدفاع عن مهران البدء في مرافعته، غير أن محامي الكنيسة نجيب جبرائيل صاح قائلاً: "حضرة القاضي، نود أن تتاح لنا فرصة الكلام". رد القاضي بنفاد صبر "لا يحق لكم الترافع؛ لأنكم لستم طرفاً في القضية. أنتم تحضرون الجلسة فقط لأنها علنية"

أما الدفاع فقد وجد أن حيز المناورة أمامه محدود، بعد أن رفضت محكمة النقض في 8 أغسطس الطعن المقدم من الدفاع في اختصاص المحكمة بالنظر في القضية، والطعن بعدم كون القاضي مناسباً للنظر في قضية حظيت باهتمام عام كبير

من هنا يمكن فهم كلمات محامي الدفاع مرسي الشيخ، إذ قال مخاطباً القاضي "إننا نؤكد احترامنا لهذه المحكمة، ونود التنويه بأن أي إجراءات سابقة اتخذها الدفاع كانت ممارسة لحقوقه القانونية"

وأعاد الشيخ مع محام آخر في فريق الدفاع، هو نبيه الوحش، المطالبة بإجراء تحقيق في تصرفات عادل سعد الله غبريال المعروف قبل عزله عام 1996 باسم برسوم المحروقي. كما طالب الوحش بضم قضية شريط الفيديو الفاضح المنسوب إلى هذا الرجل إلى أدلة القضية. وقال "إن هذا يظهر أن مهران نشر الحقيقة؛ لأن المرأة التي رفعت شكوى ضد برسوم المحروقي قالت إنه ابتزها على مدى السنوات العشر الماضية، أي قبل شلحه"

هنا صاح المحامي نجيب جبرائيل "هذا إصرار على تشويه سمعة الكنيسة"، لتبدأ مشادة كلامية جديدة بين فريقي المحامين. واضطر القاضي إلي مغادرة قاعة المحكمة. تدفق مزيد من رجال الأمن على القاعة، ونجحوا في استعادة النظام، قبل أن يعود رئيس المحكمة ويطلب من الدفاع عن مواصلة مرافعته

بادر المحامي مرسي الشيخ بالقول إنه ينبغي النظر في القضية أمام محكمة عادية، وليس محكمة أمن الدولة ، ينبغي النظر في القضية. كان فريق الدفاع عن مهران يعقد الآمال على إمكان موافقة محكمة القضاء الإداري على هذا الطلب في جلستها المقررة في 4 سبتمبر

بعد استراحة استمرت 15 دقيقة، أدلى القاضي بكلمة قصيرة قال فيها: "إن الحكم في هذه القضية سيصدر في 16 سبتمبر. رفعت الجلسة"
"يحيا العدل"

هكذا هلل محامو الكنيسة، فيما أصيب فريق الدفاع عن مهران بحال من الوجوم

لم يكن وجومهم نابعاً من فراغ

ففي اليوم الموعود، أصدرت محكمة جنح أمن الدولة العليا طوارئ حكماً بسجن رئيس تحرير صحيفة "النبأ" ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة وغرامة مالية قدرها 200 جنيه مصري بتهمة إثارة الفتنة

أدانت المحكمة مهران لنشره تحقيقاً صحفياً وصورا فاضحة عن ممارسات جنسية منسوبةٍ للراهب المشلوح برسوم المحروقي، فضلاً عن إدانته بتهمة ازدراء الأديان والإساءة إلى الكنيسة المصرية. وقال القاضي في منطوق حكمه إن "التحقيق الصحفي لم يكن يستهدف إلا إثارة الفتنة بين نسيج المجتمع المصري"

ووصف ممثل الدفاع الحكم بأنه باطل، مبرراً ذلك بأن المحكمة لم تسمح له بتقديم الدفاع وقال إنه سيرفع دعوى مخاصمة شخصية ضد القاضي، تتضمن من بين طلباتها الرئيسية إبطال الحكم الصادر من محكمة أمن دولة طوارئ. بيد أن محامي الكنيسة أشادوا بالحكم قائلين إنه وسام على صدر القضاء المصري

مجدداً، فاق عدد رجال الأمن باقي الحضور

وفي غرفة المداولة، أوضح القاضي للصحفيين أن مهران وُجِدَ مذنباً في جميع التهم المنسوبة إليه ، باستثناء تهمة محاولة التأثير على القضاء. وأشار إلى أنه لا يجوز معاقبة مهران عن كل تهمة على حدة، وإنما يُحكَم عليه فقط بالتهمة التي تتضمن أقصى عقوبة

لم يكن أمام مهران سوى الخضوع للحكم؛ لأنه لا يمكن الطعن في أحكام محاكم أمن الدولة العليا طوارئ ولا يتاح للمتهم أمامها سوى التظلم من الحكم أمام نائب الحاكم العسكري (رئيس الوزراء طبقا لقانون الطوارئ في مصر) الذي يصدق على الحكم أو يعيده للمحكمة مرة أخرى

وكان مهران قد استأنف حكماً بإلغاء ترخيص صحيفتي "النبأ" و"آخر خبر"، في حين كسب الجولة الأولى في قضية ثالثة رفعها على نقابة الصحفيين لشطب اسمه من سجلات النقابة

وفي 25 فبراير 2002
ألغت المحكمة الإدارية العليا حكماً سابقاً يقضي بإلغاء ترخيص صحيفة "النبأ الوطني" الأسبوعية وصحيفة "آخر خبر" اليومية. وفتح هذا الحكم الباب أمام عودة الصحيفتين للصدور بعد مرور عشرة أشهر على توقيفهما

جاء حكم المحكمة الإدارية نقضاً لحكم محكمة القضاء الإداري الأقل درجة بإلغاء ترخيص "النبأ الوطني" و"آخر خبر" في يوليو 2001. وذكرت المحكمة الإدارية العليا أن حكم إلغاء الترخيص لا يتماشى مع النظام القانوني المصري. وقال رئيس المحكمة إن "قانون العقوبات وقانون تنظيم الصحافة خلت جميعها من أي نص يجيز للقضاء إلغاء ترخيص صحيفة، واكتفى فقط بضبط ومصادرة أعداد الصحيفة وتعطيل صدور الصحيفة بصورة مؤقتة"

بعد ثلاثة أيامٍ فقط من الحكم بحبس مهران، نظرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في الدعوى التي أقامها عدد من المحامين الأقباط ضد وزير الداخلية المصري لإلزامه بتسجيل زي رجال الدين المسيحي بشكل رسمي

وتضمنت دعوى المحامين الاقباط التي بدأت المحكمة نظرها في 24 يوليو 2001 المطالبة بتأثيم من ينتحل أو يرتدي زي رجال الدين المسيحي ما لم يكن له عمل كهنوتي أو رهباني، خوفاً من تكرار قضية الراهب المشلوح منذ عام 96 وظل على ارتداء زيه الديني

وكان عدد من المحامين الاقباط هم المستشار نجيب جبرائيل وهاني داود وبدوي أبوهيبة وولاء إدوار وانتصار يعقوب والفونس ميشيل وسميح وفيق، أقاموا دعوى مستعجلة لتسجيل زي رجال الدين المسيحي في أعقاب الأزمة التي شغلت الرأي العام المصري بين الكنيسة المصرية وصحيفة "النبأ"

وقال المستشار نجيب جبرائيل "إننا طالبنا بتسجيل الزي الديني منذ 10 سنوات ولكن الدولة لم تستجب لطلبنا. ولو كان حدث ذلك ما كانت الأزمة الأخيرة التي أرقت الاقباط وأدت إلى احتقان الشارع المصري". وأشار الى ضرورة تأثيم واقعة ارتداء الزي الرهباني أو الكهنوتي مثلما يؤثم من يرتدي زي الشرطة أو القوات المسلحة وذلك طبقاً لمواد قانون النصب وقانون العقوبات"


غير أن محكمة القضاء الإداري رفضت دعوى تسجيل زي رجال الدين المسيحي حتى الآن


بدأ تنفيذ الحكم بحبس رئيس تحرير "النبأ الوطني" فور المصادقة عليه


غير أن مهران عانى من مشكلات في القلب قبل يومٍ واحد من صدور الحكم، فصدر قرار بعلاجه في معهد القلب في إمبابة شمال الجيزة، حيث بقي هناك لشهورٍ طويلة وسط حراسةٍ مشددة

وبعد 22 شهراً، وتحديداً في 13 يوليو 2003، توفي ممدوح مهران في المستشفى، عن عمر يناهز 57 عاماً. وبعد توقيع الكشف الطبي عليه داخل غرفته بمعهد القلب، تبين أن الوفاة جاءت نتيجة ارتفاع في ضغط الدم. وسرعان ما شيعت جنازة مهران من مسجد مصطفى محمود بالمهندسين إلى مقابر أسرته بمدينة 6 أكتوبر

وبالتأكيد فإن نار الفضيحة أحرقت بشكل أو بآخر ثوب السيدة التي كانت قد تقدمت بشكوى ضد تهديدات وتأثير راهب دير المحرق. أما الراهب المشلوح بطل الفضيحة الذي وصفه البعض بأنه راسبوتين جديد، فقد اختفت أخباره باستثناء خبر أوردته وكالة الأنباء الكويتية "كونا" في 3 أغسطس 2001 قالت فيه إن محاكمة عادل سعدالله غبريال تواجه مأزقاً، حيث لم يتقدم أي محام حتى ذلك التاريخ للدفاع عنه


ونقلت الوكالة عن أقارب الراهب المشلوح قولهم إن اتصالاتهم بالمحامين الأقباط المقربين من الكنيسة والبابا شنودة الثالث فشلت فى إقناع أي منهم بتولي مهمة الدفاع عن برسوم المحرقي الذي ترى الكنيسة أنه" تسبب في كارثة"


أما جريدة "النبأ" فقد عاودت الصدور تحت رئاسة تحرير د. حاتم مهران، نجل ممدوح مهران، وكأن شيئاً لم يكن

تابع القراءة

gravatar

قضية الراهب المشلوح (4): عندما تكلم الوحش




كلاكيت ثاني مرة

في الجلسة الثانية لمحكمة جنح أمن الدولة طوارئ بعابدين للنظر في قضية النبأ والراهب المشلوح، واصل ممدوح مهران غيابه، في ظل استمرار حال الاحتقان والتوتر بسبب تلك القضية الشائكة

عقدت الجلسة في الأول من يوليو برئاسة أسامة محمد علي رئيس المحكمة، وحضور علاء فؤاد رئيس نيابة عابدين ومحمد الفيصل وكيل أول نيابة أمن الدولة العليا. ‏وبالرغم من الإجراءات الأمنية المتعددة التي سبقت وقائع الجلسة وأثناءها، فإن حالة من الهرج والمرج تخللت فترات عقد الجلسة التي تم رفعها‏ ثلاث‏ مرات بسبب تزاحم المحامين عن المجني عليه - ممثلاً في الكنيسة والدير- والمحامين عن المتهم، وتكالبهم على إبداء دفوعهم أمام هيئة المحكمة‏
بدت تلك الجلسة مشوبة بالمشاحنات والمشادات الكلامية بين دفاع المتهم وممثلي الكنيسة

‏ ولعدم إحكام السيطرة على حالة الفوضى التي شهدتها الجلسة، قرر رئيس المحكمة عقب انتهاء النيابة العامة من مرافعتها استكمال عقد الجلسة بغرفة المداولة‏. كما قررت المحكمة ضم الدعويين لوحدة الموضوع

بدأت وقائع الجلسة في جو يشوبه التوتر وقرر رئيس المحكمة في بدايتها أن أعضاء الدفاع عن المجني عليه ليس لهم الحق في الحضور أو إبداء أي طلبات أو الدفع بأي دفوع، باعتبار أن الدعوى جنحة أمن دولة طوارئ وإنما حضورهم الجلسة لكونها جلسة علنية فقط

وجاء ذلك رداً على طلب الدفاع عن المتهم بعدم تدخل الدفاع عن المجني عليه في الدعوى؛ لأن النيابة العامة تمثله علاوة على أن قضاء أمن الدولة طوارئ الجزئي أو العليا لا يجوز فيه الإدعاء المدني

وأصر الدفاع على طلب ضم القضية رقم ‏765‏ أمن الدولة المتهم فيها الراهب المفصول إلى أوراق الدعوى باعتبارها الدليل الرئيسي في القضية

شهدت الجلسة مساجلات طوال مدة انعقادها بين المحامين عن الطرفين‏. في البداية تم إثبات حضور 20 محامياً عن الكنيسة والأقباط فيما تم إثبات 9 محامين عن المتهم مهران، فيما قال أحد المحامين الأقباط مجدي رياض إنه لم ينضم إلى الكنيسة أو البابا ولكنه حضر عن نفسه كمصري. طلب دفاع مهران أن يمثل الكنيسة 3 محامين فقط وأن يمثل المتهم 3 أيضاً، وقررت هيئة المحكمة أن يمثل كل طرف من طرفي القضية 4 محامين، ما أدى إلى وقوع مشادة بين دفاع الطرفين، اضطر رئيس المحكمة بسببها إلى رفع الجلسة للمرة الأولى

وعندما أعيدت الجلسة للانعقاد، سمح القاضي لمحامي الدفاع بالكلام. غير أن هيئة المحكمة سمحت بعد أن رُفِعَت الجلسة للمرة الثانية بأن يتحدث المحامون الأربعة عن الكنيسة لمدة 5 دقائق لكلٍ منهم

وترافع ممثل الادعاء محمد الفيصل لمدة تقترب من الساعتين، مؤكداً أن إحالة هذه القضية إلى المحكمة إنما هي في إطار الدفاع عن المجتمع المصري ومصالحه وعقائده، مشيراً إلى أن ما نشره مهران في صحيفتي "النبأ" و"آخر خبر" حول انحرافات الراهب المشلوح برسوم المحروقي بصورة فاضحة هو أمر لا مثيل له في الصحافة المصرية. وأوضح أن مهران من خلال ما نشره كاد أن يشعل الفتنة بين المسلمين والأقباط في مصر والذين عاشوا معا في سلام وأمان منذ الفتح الإسلامي لمصر وحتى الآن، مؤكداً أن ما نشره مهران أدى إلى استياء جموع الشعب المصري مسلمين وأقباطاً وتسبب في خروج مظاهرات

وشرح ممثل الادعاء أدلة الأتهام في حق المتهم وأركان الجرائم المنسوبة إليه سواء المادي منها أو المعنوي‏. وقرر أن المتهم طلع علينا بصحيفة بث فيها سموماً من القول لم يرع فيها حرمة أو يوقر عقيدة وقرنها بصور فاضحة‏، ومناط الحظر أنه يروج لفحش القول تحت ستار من حرية الرأي وأن يتخذ من كفالة الدولة لهذه الحرية مدخلاً لإثارة الفتنة وذريعة للاجتراء على قيم المجتمع ومثله العليا‏.‏ وقرر أن المتهم نشر بجريدة "النبأ" التي يرأس تحريرها تحقيقه الصحفي المصور الذي تناول فيه سلوكيات الراهب المفصول بدير المحرق بأسيوط وصدره بعناوين مثيرة‏.‏ ولم يكتفِ بذلك بل تبعه بنشر تفاصيل عن الموضوع ذاته في صحيفة "آخر خبر" في اليوم التالي استكمالاً للتحقيق السابق أورد خلالها العبارات الشائنة ذاتها، معرضاً بإدارة شؤون الكنيسة المصرية ومحقراً رجال الدين المسيحي. وقال إن‏ تلك هي وقائع القضيتين أو المشروعين الإجراميين اللذين ارتكبهما المتهم


وبتلك الوقائع نسبت النيابة العامة للمتهم ارتكابه جرائم بث دعايات مثيرة كان من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة،‏ وحيازة مطبوعات معدة للتوزيع تضمن ذلك، وتحريضه بطرق النشر على الازدراء برجال الدين المسيحي وبما كان من شأنه تكدير السلم العام‏، وعرضه للبيع والتوزيع نسخاً من أعداد الصحيفتين "النبأ" و"آخر خبر" تتضمنان صوراً منافية للآداب العامة ونشره أموراً من شأنها التأثير في جهة من جهات القضاء وتلك هي الجرائم المعاقب عليها ـ وبوصف الجنح ـ بمقتضى نصوص المواد ‏102‏ مكرر و‏171‏ و‏176‏ و‏178‏ و‏187‏ من قانون العقوبات فضلا عن نص المادتين ‏20‏ و‏22‏ من القانون رقم ‏96 ‏ لسنة ‏96‏ بشأن تنظيم الصحافة


ثم تناول ممثل النيابة العامة بالشرح والتفصيل كل جريمة على حدة، وقرر أن جريمة بث دعايات مثيرة الغرض من سنها في قانون العقوبات أن المستهدف بها الضرب على أيدي العابثين ممن يعمدون إلى ترويج الأكاذيب أو بث الدعايات المثيرة التي يكون من شأنها تكدير الأمن العام ويقصد بهذا النص الحرص على استقرار السكينة في ربوع البلاد ثم شرح أركان الجريمة المادي والمعنوي وأنها قد تمت بعلم وإرادة من المتهم إذ لا تقع هذه الجريمة إلا عمداً


أما عن جريمة التحريض بطريق النشر على بعض طائفة من الناس فقد كان من شأنها تكدير السلم العام وحالة السلام التي تسود المجتمع والتي من مقتضى بقائها حماية المجتمع من الفتن ومنع تحرش الطوائف بعضها ببعض‏،‏ وقد توافر لدى المتهم أيضاً القصد الجنائي على التحريض. أما الجريمة الثالثة وهي عرض وتوزيع صور منافية للآداب فقد تحققت في حق المتهم، حيث تم الإعلان عنها بعرض تلك الصور والعبارات على أنظار الجمهور وبيعها وتوزيعها فأدرك الأخرون وجود هذا الشئ المنافي للآداب،‏ وكان المتهم يعلم بماهية هذه الصور ومنافاتها للآداب. أما الجريمة الرابعة وهي نشر أمور من شأنها التأثير على جهة القضاء فإن المتهم قد أتى نشاطاً مادياً بأن نشر بإحدى طرق العلانية تفضي إلى إحداث أثر نفسي بصدد دعوى مطروحة أمام جهة قضائية

وأخيراً، فقد نسبت النيابة العامة إلى المتهم ترويجه وبطريق النشر إلى ما من شأنه النيل من رجال الدين المسيحي وهذه الجريمة نظمت أحكامها المادتان ‏22 و20‏ من القانون رقم ‏96 لسنة ‏1996 بشأن تنظيم الصحافة‏، وينبغي أن يكون الجاني صحفياً خاضعاً لأحكام قانون الصحافة والالتزام المهني الذي يقتضي امتناعه عن الانحياز إلى الدعوات العنصرية أو امتهان الأديان أو الدعوة إلى كراهيتها أو الطعن في إيمان الآخرين بها وما أتى به المتهم يعد خرقاً لهذا الالتزام


أشاد محامو الكنيسة بمرافعة ممثل الادعاء، وقال رمسيس النجار المحامي "لم نكن سنعبر عن آرائنا بشكلٍ أفضل مما فعل ممثل الادعاء"

وعندما حان دور الدفاع، حاول د. أحمد سعد محامي المتهم النهوض لمخاطبة المحاكمة، لكن أحد ضباط أمن الدولة دفعه ليعيده إلى مقعده لأسباب مجهولة. سارع أحمد سعد إلى الرد على هذا الاستفزاز، متسائلاً: "كيف يحدث هذا؟ أنا لستُ مجرماً، أنا محامٍ..". تفاعل مع كلماته باقي المحامين، الأمر الذي دفع القاضي إلى مغادرة القاعة مرة أخرى

في الدقائق التالية، زاد عدد رجال الأمن في المحكمة بحيث فاق عددهم الآخرين في القاعة. وأطلق الضباط الذين يرتدون ملابس مدنية تحذيرات من أن القاضي قد يأمر بعقد الجلسات بدون جمهور، في حال استمر الهرج والمرج


وعندما عاد القاضي إلى القاعة، أمر الدفاع ببدء مرافعته

استهل المحامي د. أحمد سعد مرافعته بالقول ساخراً إن ممثل الادعاء بالغ في تضخيم الأمور، ويبدو أن الشيء الوحيد الذي لم يتهم به مهران هو الوقوف في ظل الآخرين. هنا رد عليه القاضي بنفاد صبر، وطالبه بالحديث عن التهم الموجهة إلى موكله وعدم الخروج عن الموضوع

وصف سعد مرافعة النيابة بأنها سيل من الاتهامات، مؤكداً "إن القضية لاقت زفة كاذبة وإن النيابة أول من تدافع عن المتهم لبيان الحقيقة، إنما ما حدث أنها فسرت وأوَّلت بما لا يتفق مع صحيح القانون واختلقت من الأغراض التي لم تخطر ببال موكلي". ثم دفع محامي المتهم بعدم اختصاص محكمة جنح أمن الدولة طوارئ ولائياً بنظر الدعوى ونظرها أمام محكمة الجنح العادية حتى لا تضيع درجة من درجات التقاضي التي تشمل الطعن بالاستئناف والطعن بالنقض بينما محاكمة أمن الدولة طوارئ لا يجوز فيها سوى التظلم أمام مكتب التصديقات على الأحكام

وقال "إن حكم الإعدام أصدرته أجهزة الإعلام على المتهم مقدماً". وأضاف سعد "إن المتهم ليس مقيماً في دائرة عابدين وليس محل عمله هناك، وإن توزيع الصحيفة في عابدين لا يعني أن يحاكم في دائرتها؛ لأنه لا شأن للمتهم بالتوزيع"

ثم حدث انشقاق بين دفاع مهران عندما اعترض المستشار مرسي الشيخ على مرافعة سعد، وأكد له أنه بوصفه رئيساً لفريق الدفاع قرر عدم ترافع الدفاع في هذه الجلسة. لحظتها صرخ د. أحمد سعد في وجه زميله قائلاً: "لا تقل لي ما الذي أقوله وما الذي لا أقوله". وساد الهرج والتوتر قاعة الجلسة بعد أن انقسم محامو الدفاع ما بين مؤيد لمرسي الشيخ ومؤيد لأحمد سعد، ما اضطر رئيس المحكمة للمرة الثالثة إلى رفع الجلسة وطلب حضور 4 محامين عن مهران للدخول إلى غرفة المداولة

وأوضح مرسي للشيخ للصحفيين لاحقاً أن الدفاع لا يريد الترافع، احتجاجاً على نظر محكمة أمن الدولة في القضية، مطالباً بإحالة القضية إلى محكمة الجنح

وبعد ساعة من رفع الجلسة، عاد القاضي أسامة محمد علي إلى القاعة ليقرر تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة الأحد 8 يوليو 2001
فجر الدفاع مفاجأة، حيث طلب رد هيئة المحكمة التي تنظر القضية بناء على توكيل خاص من المتهم الذي شطبته نقابة الصحفيين من جداول قيدها. أثبت الدفاع طلبه برد المحكمة عندما قام القاضي بتلاوة قرار المحكمة بالتأجيل إلى 8 يوليو، حيث طلب محامي الدفاع نبيه الوحش تأجيل هذا الموعد، استناداً إلى أن محكمة القضاء الإداري سوف تنظر في اليوم نفسه دعوى مرفوعة من مهران للمطالبة بوقف قرار شطبه من نقابة الصحفيين. وعندما صمم رئيس المحكمة على الموعد نفسه، طلب محامي الدفاع مرسي الشيخ رد المحكمة

وبنصف ابتسامة، قال رئيس المحكمة: "إذاً، سيتم النظر في اختصاص المحكمة في جلسة 8 يوليو"

أخذت زخات الرصاص تتساقط على مراحل في تلك القضية

وفي إحدى جولات الأزمة، أصدرت المحكمة الإدارية في القاهرة يوم الأربعاء الموافق 4 يوليو 2001 قراراً بإغلاق أسبوعيتي "النبأ" و"آخر نبأ" التابعة لها. وقال مصدر قضائي إن المحكمة ألغت تصريح إصدار وتوزيع الأسبوعيتين إثر الدعوى المرفوعة من المجلس الأعلى للصحافة. وكان المجلس الأعلى للصحافة قرر التقدم بـ "دعوى عاجلة أمام محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة لطلب إلغاء ترخيص" الصحيفتين

وفي الجلسة التالية من المحاكمة، بدت أعصاب الجميع مشدودة، وهواء الأزمة يخنق الحضور

عقدت الجلسة وسط إجراءات أمنية مكثفة ولم تستغرق سوى دقائق عدة في حضور 7 محامين عن المتهم و22 محامياً عن البابا شنودة والكنيسة كطرف مجني عليه من النشر

قدم الدفاع عن المتهم ما يؤكد تقديمه لطلب الرد الذي استند فيه إلى السماح لدفاع الكنيسة بحضور الجلسات والترافع بدون حق قانوني لهم والتصريح لهم باستخراج صورة رسمية من التحقيقات التي تجرى مع الراهب المفصول، مع استمرار المحكمة في نظر القضية قبل ضم صورة من هذه التحقيقات للدعوى، بالإضافة إلى ما قاله محامو الكنيسة من اطمئنانهم لإصدار المحكمة لحكم بالإدانة وعدم تمكين دفاع المتهم من القيام بواجبه في الدفاع

أصدرت المحكمة قرارها بإحالة أوراق القضية لرئيس محكمة جنوب والتأجيل. وقدم رئيس المحكمة مذكرة لمحكمة الاستئناف للرد على ما جاء بمذكرة الدفاع في طلب الرد، أكد فيها أن الدفاع اعتمد على أسباب واهية في مذكرته بغرض تعطيل الفصل في الدعوى، وأن الحاضر عن المتهم يريد إطالة أمر النزاع لغرض في نفسه


المستشار القانوني لمؤسسة "النبأ" نبيه الوحش تكلم دفاعاً عن موكله، لكن دفاعه ظل باعثاً على الدهشة
الوحش قال عن مهران، ما يستدعي التأمل
"هذا الرجل ليس مثلما يعتقد كثيرون، فهو يحب مصر جداً وكذلك فهو يحب جميع الديانات، ويقسم والله العظيم والمسيح الطاهر..ولما السكرتيرة تعرض عليه البوستة وشه بيحمر
"وحينما أسأل ممدوح مهران: لماذا تأخذ اتجاه "الجنس والأحضان" يرد قائلاً: دي مدرسة صحفية ولها أسلوبها وسياستها
"وحينما كنت أخرج أعداداً قديمة من الأرشيف علق أحد المحررين قائلاً "إحنا جريدة قبطية وإحنا مش عارفين" من كثافة دفاع ممدوح مهران عن البابا وعن الكنيسة، حتى ضد بعض من ينشقون عنها ويهاجمونها
"لقد قلد البابا شنودة ممدوح مهران وساماً تقديراً له، وقدم هذا الوسام ضمن حافظة المستندات لدى المحكمة، وكذلك له عشرات الصور التي تجمع بينه وبين قيادات الكنيسة تجعلك تشعر أن هذا الرجل واحد من الأقباط وليس ضدهم"

وفي الحوار الصحفي الذي أجرته معه جريدة "صوت الأمة" في 11 يوليو 2001، يلوم نبيه الوحش المحامي موكله؛ لأنه لم يطلعه على العدد الذي أثار الأزمة قبل نشره، ويقول: "لم أعرف بما حدث إلا من كشك الجرائد الذي قال لي: الحق يا أستاذ..شوف!


"وحين واجهت ممدوح بما نشره كان رده: "أنا معي مستندات بالشريط ولم أتجاوز في شيء.."


ويشير نبيه الوحش إلى العمودين اللذين كان بطول صفحتي "النبأ" واللذين كان يحويان دفاعاً عن الكنيسة ومقدساتها، وعندما سئل المحامي عما إذا كان مهران يناقض نفسه رد بالقول: "هذه وجهة نظري، وقد أشار ممدوح مهران إلى أن الهدف من النشر هو تحذير الناس سواء مسيحيين أو مسلمين أن في صفوف رجال الدين بعض النماذج السيئة، وكذلك نظر الكنيسة إلى وجود مثل هذه العناصر بداخلها"



وبحسب هذا المحامي فإن "البابا أخطأ بأنه لم يعلن عن شلح الراهب في وقته ورئيس الدير أخطأ لأنه تناقض مع أقوال الآخرين. فقد صرح الأنبا ساويرس بأنه قد شلح الراهب عام 1996 بسبب إقامته لمدة طويلة خارج الدير.. في حين أن السيدة قالت إنها عرفته منذ 8 إلى 10 سنوات، أي منذ أن كان الراهب برسوم المحروقي.. كذلك الأنبا باخوس، فقد صرح قائلاً إنه غير قادر على السيطرة على شهوات الراهب..لذا طردناه
"الكنيسة لم تساعد السيدة الشاكية لذا منحت فرصة "لواحد زي ممدوح" يشهر بيهم
ولو نشر الموضوع بدون صورة لكانت الكنيسة قد رفعت قضية دون تدخل من النيابة وكنت وقتها تقدمت إلى المحكمة بالشريط كسند"


نبيه الوحش وجه اللوم إلى ممدوح مهران "لأنه تجاوز حدود النشر"، وحين سُئل عن رقم الخمسة آلاف سيدة والمبالغات التي تضمنها مقال مهران عن الراهب المشلوح، يقول المستشار القانوني لمؤسسة "النبأ" إن "ممدوح مهران قال في النيابة إنه شاهد عدداً كبيراً من السيدات والفتيات في نحو 3 إلى 4 شرائط فيديو، وكان الرقم المذكور مجرد إثارة صحفية"
مجرد إثارة صحفية؟!
ورداً على سؤال عما إذا كان ممدوح مهران يملك التحقيقات مع الراهب المشلوح قبل النشر، يقول نبيه الوحش: "لقد طلب مهران ضم قضية التحقيق مع الراهب المشلوح للمستندات التي تقدمت بها هيئة الدفاع، ولا أعتقد أن نيابة أمن الدولة لها يد في تسريب التحقيقات، وقد يكون من سربها موظفاً صغيراً قد أخذ مقابلاً زهيداً لتصوير نسخ التحقيقات"
وفي كل الأحوال، سواء تسربت بفعل فاعل أو بمقابل مادي، فإنها تظل كارثة تتكرر حتى يومنا هذا


ويشير الرجل إلى أن عدد القضايا المرفوعة ضد مؤسسة "النبأ" الصحفية بلغ من عام 1999 إلى عام 2001 تراوح بين 23 و27 قضية معظمها سب وقذف.. ويقول: "أنا ماسك خرطوم باطفي القضايا"


أما أغرب ما قاله نبيه الوحش عن مهران فهو: "ممدوح مهران قد يكون أرعن أهوج أو متسرعاً، لكنه ليس خائناً، ولم يقصد الفتنة، ولا تحقير رجال الدين المسيحي ولا المساس بالكنيسة. وأنا متضايق من غموضه، وأتعجب كيف يكون غامضاً معي..أنا الراجل بتاعه!"


المفاجأة التالية هي أن المتهم الصامت ممدوح مهران صمت دهراً.. ونطق دمعاً

تابع القراءة

gravatar

قضية الراهب المشلوح (3): هدوء.. من فضلكم






غليان

هكذا كانت الحال في الشارع المصري بعد نشر ممدوح مهران موضوعه عن أفعال وممارسات الراهب المشلوح برسوم المحروقي

لاذ ممدوح مهران بالصمت في الأيام التالية لتفجر الأزمة

صمت جعل الحروف المتآكلة في تلك القضية بلا نقاط تدل على معنى ما جرى ومغزاه

وسرعان ما شخصت الأبصار إلى المحاكمة

كانت قوات الأمن، سواء العناصر بالزي الرسمي أو أولئك الذين يرتدون ملابس مدنية، في حالة تأهب منذ الساعات الأولى من صباح ذلك الأحد الموافق 24 يونيو 2001، داخل وخارج مجمع محاكم عابدين في وسط القاهرة
الكل كان يترقب انعقاد محكمة جنح أمن الدولة عليا عابدين لبدء سماع الدعوى المرفوعة من قبل المجلس الأعلى للصحافة ضد رئيس تحرير جريدة "النبأ" وشقيقتها "آخر خبر" ممدوح مهران بتهم تتعلق بنشر صور فاضحة والإضرار بالوحدة الوطنية وتكدير السلام الاجتماعي

كان ما نشره مهران حول قضية الراهب المشلوح مازال يتفاعل ويثير موجات من الصدمة في أنحاء البلاد، سيما في صفوف الأقباط

بدا من اللحظة الأولى لمحاكمة ممدوح مهران أنها لن تسير على نحو هادئ

خارج مجمع المحاكم، تمركزت منذ الصباح الباكر ما لا يقل عن خمس عربات مدرعة، محملة بقوات الأمن المركزي. انتشر رجال شرطة بملابس مدنية في الشوارع المحيطة بمحكمة عابدين، تحسباً لوقوع أحداث عنف، خاصة بعد اندلاع أكثر من مظاهرة قبطية ضد مهران

لم يكن الأمن مستعداً لاحتمال إفلات الأمور من يده في ذلك اليوم

وعلى عكس المعتاد، تم الإعلان عن عقد جلسة المحاكمة مبكراً في حوالي الثامنة صباحاً ومنع أي أحد من دخولها سوى المحامين والصحافيين بعد إجراءات تفتيش دقيقة والتأكد من هوية الحضور. داخل المجمع كان العشرات من قوات الأمن المركزي والضباط الذين يرتدون ملابس مدنية، يسمحون فقط للمحامين ومجموعة مختارة من ممثلي الصحافة ووسائل الإعلام بالمرور عبر البوابة الإلكترونية التي تؤدي إلى قاعة المحكمة

لم يظهر مهران في هذه المحاكمة، في حين أوضح محاموه أن القانون لا يتطلب حضوره. ربما كان تغيبه هذا قراراً حكيماً؛ لأن وجوده كان سيثير بكل تأكيد غضب البعض، وخصوصاً المحامين الذين يمثلون الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

ووسط زحام الحاضرين، لم ينتبه كثيرون إلى وجود د. حاتم مهران، نجل المتهم في القضية، خصوصاً أن د. حاتم التزم الصمت طوال مدة الجلسة

تأجل انعقاد الجلسة إلى أكثر من ساعة ونصف الساعة، تبارى خلالها محامو طرفي القضية (مهران والكنيسة القبطية) في الادلاء بتصريحات لوسائل الإعلام. كان محامو الدفاع تسعة، أما محامو الكنيسة الذين يمثلون مدعين بالحق المدني فكانوا خمسة

المستشار مرسي الشيخ رئيس فريق الدفاع عن ممدوح مهران قال لوسائل الإعلام إن كثرة الحديث في الصحف حوَّل هذه القضية والإدانة المسبقة من جانبها له دور في خلق رأي عام يمكن أن يؤثر في القضاء. وطالب بوقف النشر لصالح إظهار الحقائق وتبرئة ساحة مهران، مشيراً إلى أن أن هناك حقيقة واحدة يجب التشديد عليها وهي أن هناك جريمة وقعت من جانب الراهب ونشرتها "النبأ" من دون قصد إحداث فتنة طائفية كما يروج البعض

وأضاف رئيس فريق الدفاع: "هناك خطٌ معين سيلجأ إليه الدفاع وهو يرتكز على عدم تكدير الرأي العام أو الاساءة للسلام الاجتماعي، خاصة أن القضية حساسة جداً وهناك من "يصيد في الماء العكر" ويحسم المشكلة"

من جانبه، وصف المحامي القبطي والموكل عن الأنبا ساويرس أسقف دير المحرق رمسيس النجار، مهران بأنه لم يكن يهدف بكتاباته التصعيد ضد المؤسسة القبطية "وإنما كان يهدف إلى إحداث شرخ في المجتمع المصري، وأن وراء كتاباته باعثاً خبيثاً وليس لمجرد النقد بل هو يزدري المسيحية، فكيف يصف الدير المقدس الذي مكثت به العائلة المقدسة بأنه بيت للدعارة؟!"

وشكك المحامي القبطي في واقعة ممارسة الراهب المشلوح للرذيلة مع نحو خمسة آلاف سيدة وعدد ضخم من الأطفال قائلاً: "إن هذا ضد المنطق السليم، فهل يصدق عاقل أن راهباً مخلوعاً يستطيع أن يمارس الجنس يومياً مع هذا العدد الضخم كما أن الأطفال المعمدين الذين تزعم الصحيفة أنه مارس معهم عمرهم 40 يوماً"


وأشار رفعت متري المحامي عن الكنيسة القبطية إلى أنه لم يكن معقولاً بأي حال أن تقبل الكنيسة بحق الرد في واقعة ليست صحيحة، فالصور ملفقة والراهب المشلوح فصل من الكنيسة لخلافات مع البابا وليس لمخالفات أخلاقية
ورأى أن النيابة أخطأت بحبس الراهب في قضية وهمية؛ لأنها بذلك رجحت كفة مهران الذي بث شائعات مغرضة، ولولا تدخل الكنيسة لتهدئة غضب الأقباط لاندلعت حرب أهلية

غير أن الحرب الأهلية كادت تقع قبل بدء الجلسة الأولى من المحكمة


وإذا كانت اضطرابات لم تحدث خارج المحكمة كما كان متوقعاً، فإن حالة من الفوضى قد سادت قاعة المحكمة واستمرت رغم بدء أعمال جلسة المحاكمة. واشتعل غضب المحامين الأقباط وكادت تصل المشادات الكلامية إلى تبادل بالأيدي عقب توزيع بيان من هيئة الدفاع على ورق يحمل شعار "النبأ"


بدأ البيان بتقديم تفسير للسبب الذي جعل فريق الدفاع يوافق على الدفاع عن مهران. وأشار إلى أن ما يبعث على القلق هو تشويه الوقائع للزعم بأن الصحيفة كانت تقصد تشويه سمعة الأماكن المقدسة. قال البيان: إن ما نُشِرَ بالصحيفة لم يكن إلا إعمالاً لرسالتها، ومن ثم فإن جريدة "النبأ" المصادرة وفي مقدمة التحقيق الصحافي محل الدعوى، قد أوضحت أن غرضها من النشر كان القصد منه تطهير بيوت الله مما يدنسها، بما يؤكد حرص الجريدة على حماية المقدسات ودور العبادة وسلامة مصر الوطن، إسلامية وقبطية


وجادل البيان بأنه لم يقصد من النشر سوى تصويب خطأ وقع فيه نفر يرتدي عباءة الدين، ولم يكن إلا لإيضاح الحقائق. وأضاف أن هذا الراهب المشلوح تجاوز كل أشكال السلوك المنحرف، ولم يرتكب فقط أعمالاً منافية للحشمة، ولكنه أقدم على هذه الأفعال داخل أماكن مقدسة


أثار البيان حفيظة عددٍ من محامي الكنيسة، واعتبروه إهانة لهم وتأكيداً لإساءة مهران للأقباط والديانة المسيحية. وأشار بعضهم إلى أن مضمون البيان كان مخالفاً لما أعلنته الكنيسة القبطية التي نفت بشدة أن يكون الدير قد تعرض للتدنيس

"اتخذوا مقاعد لكم؛ ستبدأ المحاكمة"

كانت هذه نصيحة رجال الشرطة الذين ارتدوا ثياب مدنية. امتثل أغلبية الحاضرين وجلسوا على المقاعد الخشبية داخل قاعة المحكمة، لكن تلك المقاعد لم تكن كافية لاستيعاب جميع الموجودين. وما إن دخل القاضي أسامة محمد علي قاعة المحكمة حتى هب الجميع واقفين-- وظلوا وقوفاً. البعض وقف فوق المقاعد لرؤية المنصة بشكل أفضل، في حين احتشد آخرون في الممر الموجود وسط قاعة المحكمة. ونصب مراسلو قنوات التلفزيون الميكروفونات أمام القاضي، الذي لم يعترض على ذلك

طلب القاضي من المحامين إثبات حضورهم، فأخذ محامو الدفاع يثبتون حضورهم، وترأسهم د. أحمد سعد وكيل حقوق بني سويف والمستشار مرسي الشيخ. طالب الدفاع في بداية الجلسة بضم التحقيقات رقم 765 الخاصة بالتحقيق مع الراهب برسوم المحرقي إلى القضيتين المنظورتين أمام المحكمة

لكن سرعان ما تعطلت تلك الإجراءات

"نود أن نؤكد أن الصحفي [مهران] ومحاميه يصرون على إهانة الأقباط عن طريق بيان وزعوه للتو"
هكذا صاح رمسيس النجار، ممثل الكنيسة لتندلع عاصفة من التصفيق

رد عليه محامي الدفاع المستشار مرسي الشيخ بالقول: "نُكن الاحترام الكامل لإخواننا الأقباط". وأضاف النجار: "هذا البيان يصر على أنه [الراهب المشلوح] ارتكب خطاياه داخل الدير"

تدخل القاضي الصبور طالباً من الجميع التزام الهدوء


لكن محامي الكنيسة نجيب جبرائيل صاح قائلاً "إننا لن نتسامح مع هذا"
وفي محاولةٍ لاستعادة النظام في قاعة المحكمة قال القاضي: "من فضلكم اهدأوا، أدعو الدفاع إلى تحديد مطالبه"

قال محامي الدفاع مرسي الشيخ "إن الدفاع يحتاج نسخة رسمية من وقائع محضر استجواب المدعي العام [لمهران]. إن جميع أبواب مؤسسات البلد أغلقت في وجوهنا، ولم تتح لنا فرصة إلقاء نظرة على المحضر. والمحكمة هي الملاذ الوحيد لدينا"

تساءل المحامي نجيب جبرائيل قائلاً: "أي مؤسسات الدولة تقصد؟"

لكن محامي الدفاع تجاهل السؤال، وقال: "إن هدف [المطبوعة] هو تبرئة ساحة الكنيسة من أي مخالفات"
وبحسمٍ، قال القاضي علي "نحن لسنا هنا اليوم للاستماع إلى مرافعة الدفاع"

مرة أخرى، صاح محامي الكنيسة رمسيس "هناك إصرار على تشويه سمعة الأقباط. هذه حرب"
هنا نفد صبر القاضي فقال: "لن أتسامح مع هذا أكثر من ذلك"، قبل أن يرفع الجلسة لحين عودة الهدوء، فيما استمرت مباراة الصراخ المستمر

بعد ذلك علم الجميع من رجال الأمن أن القاضي قرر أنه في حال استمرار هذا السلوك العصبي والمتوتر في القاعة، فإنه سوف يعقد جلسة الاستماع وراء أبواب مغلقة"

غير أن أحداً لم يهتم لهذا التحذير، وتواصل الجو الصاخب في القاعة وخارجها

هنا صاح ضابط شرطة في الجميع قائلا "أريد الهدوء" في الوقت الذي تدفق فيه العشرات من قوات الطوارئ على قاعة المحاكمة لإعادة الانضباط إليها، وتمركزت قوات الأمن المركزي في الممر وسط القاعة، وقرب المنصة

عادت المحكمة مرة أخرى إلى الانعقاد بعد أن ساد قدر من الهدوء، واستمع المستشار رئيس الجلسة لأقوال الادعاء العام وتسجيل طلبات كل من محامي المتهم مهران ومحامي الكنيسة
ثم طلب القاضي من رئيس نيابة أمن الدولة العليا، محمد الفيصل، أن يتلو التهم الموجهة ضد مهران في قضيتي "النبأ" و"آخر خبر"

تلا ممثل الادعاء قرار الاتهام في القضيتين والمتضمن توجيه 10 اتهامات لمهران تتمثل في أنه في يوم 17 يونيو 2001 بدائرة عابدين بالقاهرة وبدوائر أخرى بث دعايات مثيرة كان من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وحاز مطبوعات معدة للتوزيع واطلاع الغير عليها بأن نشر بعدد الجريدة تحقيقاً صحافياً صوَّره في الصفحة الأولى بعناوين مثيرة ومتناولاً سلوك أحد الرهبان السابقين بالدير المشار إليه ومعرضاً خلاله بالدين المسيحي وإدارة الكنيسة المصرية، مما كان من شأنه إثارة المواطنين والمساس بتقاليد المجتمع وقيم وحدته الوطنية، وحرض بطريقة النشر على ازدراء رجل الدين المسيحي بما يكدر السلم العام بنشر ذلك التحقيق الصحافي وعرضه للبيع والتوزيع نسخاً تتضمن عبارات وصوراً جنسية فاضحة منافية للآداب العامة، علاوة على نشر أمور من شأنها التأثير في جهة من جهات القضاء في دعوى مطروحة أمامها، بأن تناول في ما نشر بعدد الجريدة موضوع التحقيقات التي تجريها النيابة

أورد ممثل الادعاء بعض الأمثلة من العناوين الرئيسية في الصحيفتين ومنها: "الراهب المعجزة يمارس الجنس مع 5 آلاف سيدة في مذبح الكنيسة"

من جانبه، دفع فريق دفاع المجني عليه بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، مشيراً إلى أن الاختصاص لمحكمة جنايات أمن الدولة، مطالباً بتعديل الوصف للاتهامات واعتبار أن الوقائع المنسوبة للمتهم تكون جناية ومساساً لأمن الدولة العليا

وجدد الدفاع مطالبته بضم التحقيق مع عادل سعد الله غبريال - الراهب المشلوح برسوم المحروقي- في قضية شريط الفيديو الجنسي، على أن يكون ضمن الأدلة في القضية المنظورة

غير أن المحامي رمسيس النجار احتج قائلاً إن المحكمة لا تعنيها إلا تصرفات مهران، وليس التصرفات المنسوبة إلى الراهب المشلوح، لكن هذا لم يمنع محامي الكنيسة من طلب الاطلاع على ملف القضية

أحد محامي الكنيسة قال إن محكمة الجنح ليست مختصة للنظر في القضية؛ لأن التهم الموجهة إلى مهران هي تهم جنائية، وطالب بإحالة القضية إلى محكمة جنايات أمن الدولة. وطالب محامون أيضاً القاضي بزيارة دير المحرق للتأكد من استحالة ارتكاب الأعمال التي نسبتها الصحيفتان اللتان نشرتا الموضوع إلى عادل سعد الله غبريال

قضت المحكمة بتأجيل النظر في القضية إلى الأول من يوليو 2001، لحين تقديم جميع الأطراف ما لديها من مستندات

لم يكن أحد يعرف أن الدفاع سيفجر مفاجأة من العيار الثقيل في تلك الجلسة
تابع القراءة

gravatar

قضية الراهب المشلوح (2): اعترافات الفتى مهران



الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة

والطريق إلى السجن والحبس والتشريد مرصوفٌ بدوافع تبدو نبيلة، على الأقل بالنسبة إلى صاحبها

وجهنم التي فتح أبوابها الموضوع المنشور في جريدة "النبأ" حول الراهب المشلوح برسوم المحروقي، محفوفةٌ بالأخطار والأهوال، والتساؤلات الحائرة التي تثير الشك وتتراقص معها علامات الاستفهام المعلقة في هذه القضية التي أقامت الدنيا ولم تقعدها

والشاهد أنه بمجرد نشر تفاصيل ووقائع مثيرة عن الراهب المشلوح مدعمةً بالصور في جريدة "النبأ"، اتسعت دائرة الجدل ومساحة الخلاف، وانقسم الكل إلى بعض، وتحول الضوء إلى ظلال وأطياف مبهمة وغامضة. تداخلت الأشياء والخطوط، فلم يعد أحدٌ يعرف بالتحديد من هو الجاني ومن هو المجني عليه، وبات من الصعوبة بمكان القطع بمسؤولية طرف دون الآخر في هذه القضية الشائكة التي سار فيها الجميع على حبلٍ مشدود تمتد تحته ألسنة اللهيب، في انتظار الضحية التي ستقع حتى تلتهمها، وتلوكها النيران وألسنة الجميع

ووسط هذا الضجيج الذي ارتفعت فيه أصواتُ كثيرين حتى لم يعد أحدٌ يسمع شيئاً، وتحول فيه الكل إلى أجهزة إرسال ليست مهيأة لاستقبال رأي أو مناقشة أمرٍ بهدوءٍ وموضوعية، خوفاً من أن تلسعه نارُ حساسية الموضوع، نسي الجميع سماع صوت طرفٍ مهم في هذه القضية: ممدوح مهران

أغفل الكل - أو قل تجاهلوا- سماع رواية الصحفي الذي نشر الموضوع وأثار بالكلمة والصورة موجات متتالية من الغضب والخلاف. وربما أدت الزوابع المحيطة بالقضية إلى السكوت عن هذا الجانب وغض الطرف عنه

غير أن محاضر التحقيق التي أجرتها نيابة أمن الدولة العليا في القضية رقم 769/2001، تبدو كأنها تجرجر وراءها قضية أخرى تحمل رقم 765/2001 حصر أمن الدولة العليا. ومثلما يحمل سيزيف في الأسطورة القديمة الصخرة حتى يبلغ قمة الجبل فتتدحرج إلى أسفل ليعاود رحلة المعاناة من جديد، تحاول قضية "النبأ" أن تحمل حكاية الراهب المشلوح إلى قمة الجبل، لكنها تفاجأ في كل مرةٍ بأنها تسقط إلى سفح الجبل تحت وطأة ثقل القضية التي تحملها فوق ظهرها

وبخطٍ جميل منمق –لا يوحي بسخونة الكلمات التي وردت فيه- يأتي محضر التحقيق الذي أجراه محمد الفيصل يوسف وكيل النيابة وكمال محمد سكرتير التحقيق في سراي النيابة في الساعة 5:45 مساء يوم 18 يونيو 2001 مع ممدوح مهران


أول ما يسترعي الانتباه في هذا التحقيق الذي أتيحت لي فرصة الاطلاع على نسخةٍ منه، ذلك الوصف التفصيلي الدقيق لهيئة وشكل الصحفي الذي جرى استجوابه، حيث نقرأ النص التالي: "وحيث نودي على المتهم خارج غرفة التحقيق فاستبان حضوره فأدخلناه إليها، وبمناظرته ألفيناه رجلاً في نحو منتصف العقد السادس من العمر، متوسط طول القامة، معتدل البنية، قمحي البشرة، أشيب الرأس وأسود لون العينين، يرتدي حلة بيج اللون وقميصاً لبنياً ورابطة عنق رمادية اللون، وبنطالاً أسود وحذاء جلدياً أسود اللون، ولم نلحظ بعموم الأجزاء الظاهرة من جسده إصابة أو علامة مميزة"

لا أحد يدري على وجه التحديد فائدة هذا الوصف التفصيلي الذي يبدو كأنه خارجٌ لتوه من إحدى الروايات والقصص عن أحد الأبطال في ذلك العمل الأدبي

وجه المفارقة أن "البطل" هنا كان في ورطة

فقد كان هذا "البطل" يخضع للاستجواب باعتباره "المتهم" في قضية "النبأ" التي نشرت في 17 يونيو 2001 موضوعاً مصوراً عن انحرافات الراهب المشلوح برسوم المحروقي

ممدوح مهران الذي كان آنذاك في سن الخامسة والخمسين، أبدى أثناء استجوابه عدم رغبته في حضور ممثلٍ عن نقابة الصحفيين التحقيق معه، وقال في محضر التحقيق: "وأنا من خلال رئاستي لمجلس إدارة ثالث أكبر مؤسسة صحفية في مصر، مؤسسة دار النبأ الوطني، وبصفتي رئيس تحرير الصحف الصادرة عن تلك المؤسسة، أضع قواعد وضوابط خاصة في عملية النشر. هذه القواعد أراعي فيها المقومات الأساسية للمجتمع والذي أعلم أنه ينهض على دعامتين هما المسيحية والإسلام، وأنه من هاتين الدعامتين يتشكل نسيج المجتمع"

وبغض النظر عن صحة ما يذهب إليه ممدوح مهران من كون دار "النبأ الوطني للنشر" ثالث أكبر مؤسسة صحفية في مصر في ذلك الوقت، فإن الرجل يتحدث مبرئاً نفسه من التهم الموجهة إليه، وتشمل اتهامه بالتحريض بطريق النشر على بغض طائفة من الناس والازدراء بها، وتكدير السلم العام، وحيازة مطبوعات وصور فوتوغرافية منافية للآداب العامة بقصد التوزيع، ونشره بطريق الكتابة أموراً من شأنها التأثير في دعوى متداولة أمام النيابة العامة

التحقيق مع مهران يكشف - بدايةً- عن أن دار "النبأ الوطني للنشر" التي تعد الأساس مؤسسة عائلية تتألف من ممدوح مهران رئيساً لمجلس الإدارة، وابنه د. حاتم ممدوح مهران نائباً لرئيس مجلس الإدارة وعضواً منتدباً، والزوجة هادية عزالدين أحمد. وإذا كانت النبأ الاسبوعية قد صدرت بدءاً من العام 1996، فإن بطاقة قيد مهران في نقابة الصحفيين – قبل شطبه وابنه من عضوية النقابة في ذروة الأزمة- تحمل الرقم 2087 وتاريخ القيد 26 من مارس 1978. الرجل إذن عضو في نقابة الصحفيين قبل صدور "النبأ"، وهو يقول أثناء التحقيق إنه عمل في كلٍ من "أخبار اليوم" ومجلات "أكتوبر" و"روز اليوسف" و"المصور"، قبل أن يؤسس دار النبأ

اللغز الكبير في أقوال مهران أثناء التحقيق معه اسمه فايز!

فهو يقول في أثناء التحقيق إنه "من حوالي عدة أيام قبل النشر، جاء إلى مكتبي واحد من شباب الصحفيين في المؤسسة وهو تحت التدريب فيها واسمه فايز، واعتذر عن الإفصاح عن باقي اسمه؛ لأنه وفقاً لقانون الصحافة من حقي أن أحتفظ بسرية مصادري في المعلومات. هذا الشاب الصحفي قال لي إن عندهم في الصعيد موضوعاً يتداوله الناس سراً، خاصاً بأحد الرهبان الكبار في دير المحرق، وهو يتم تداوله من خلال شريط فيديو يُباع في أسيوط بمئة جنيه للنسخة. وذكر لي فايز أن الشريط ده مسجل عليه فيلم جنسي بين الراهب وإحدى السيدات. وأثناء رواية هذا المصدر لمعلوماته عن الموضوع كنت أقوم بتدوين بعض الملاحظات عن روايته، وذكر لي أن هناك قضية رقمها 765/2001 أمن دولة يحقق فيها بخصوص هذا الراهب وانحرافاته، فطلبت منه أن يمدني بنسخة من هذا الشريط، وأعطيته مئة جنيه ثمناً لها، وبعد يومين فوجئت بهذا الصحفي الشاب يقدم لي بمكتبي نسخة من الشريط الذي حدثني عنه"

تستوقفك هنا تساؤلاتٌ طبيعية ومنطقية: كيف عرف هذا الصحفي تحت التمرين برقم القضية المذكورة؟ وهل كان من السهولة بمكان الحصول على نسخة من شريط الفيديو الجنسي المذكور في أسيوط؟ ولماذا لم يذهب ممدوح مهران بهذا الشريط وتلك القضية الجاهزة إلى أجهزة الأمن المعنية، بما يساعد التحقيق ويعزز الأدلة؟

السؤال الأخير فقط ورد في التحقيق، وأجاب عنه مهران قائلاً: "أخذت الشريط إلى منزلي وشاهدته، وهالني أمر ما شاهدته، وانفعلت انفعلاً شديداً للغاية واعتملت في نفسي مشاعر متضاربة لدرجة أني أخذت سيارتي في شارع الهرم "رايح جاي"، أفكر في الذي شاهدته..وكان الحوار الدائر بيني وبين نفسي هو كيف أتصدى لخطورة الأمر..في الوقت نفسه، تساءلت إزاي أتصدى لخطورته.. لو رحت بلَّغت مثلاً أي جهة أمنية لا أضمن كيف تتصرف مع هذه الكارثة، وكان عندي تخوف أنه في هذه الحالة من الوارد أن تأخذ مني الجهة الأمنية الشريط وتركنه عندها في الأدراج أو تسيء استعماله بعيداً عن هدفي المنشود، وهو التنبيه لفداحة الكارثة.. في الوقت نفسه، أي جهة دينية أخرى يمكنني إبلاغها ممكن أن تتصرف بذات الطريقة.. ولو أني نشرت الموضوع على استحياء وباقتضاب فقد يتم تجاهل الموضوع من المسؤولين، لذلك لم أجد أمامي سوى النشر الكامل والتفصيلي للموضوع بهدف التنبيه ودق ناقوس الخطر"


الكلام الذي قاله مهران يعكس شعوراً بالشك وعدم الثقة في حسن تعامل الأجهزة والمؤسسات المختلفة مع مثل هذا الموضوع، يقابله اقتناعٌ بأنه الوحيد القادر على إثارة الموضوع. وبالرغم من أن حالة الريبة وعدم الاطمئنان كانت - وفق ما قاله مهران- السبب في اندفاعه نحو النشر غير المحسوب لهذا الموضوع الشائك، فإن السبب الأصح في تقديرنا هو أن مهران وجد أمامه ما تصور أنها وجبة دسمة وشهية، لم يستطع مقاومة إغراء نشرها

هي إذن شهوة نشر، قبل أن تكون رغبة في تحريض أو تكدير السلم العام

ولعل ما يعزز هذا الاعتقاد ما جاء في التحقيق كالتالي:

· ولماذا لم تقطع في هذا الأمر بمراجعة جهات التحقيق قبل هذا النشر؟
- بصراحة أنا أمام الشريط الذي شاهدته، وبشاعة ما فيه، لم يكن أمامي سوى نشره، وليكن ما يكون. وجميع المراجعات أو التأكيدات صغرت في عيني ولم يكن لديها محل
· فكيف كان تقديرك لمردود تحقيقك الصحفي على تحقيقات النيابة؟
- تصورت أن ما أنشره لن يؤثر على سير التحقيقات؛ لأني علمت بعدم وجود حظر للنشر في قضية تتعلق بهذا الموضوع أو تحمل الرقم الذي أعطاه لي فايز

لم يتحقق مهران من صحة المعلومات التي بين يديه، ولم يتأكد على سبيل المثال ما إذا كان برسوم المحروقي راهباً مشلوحاً، طردته الكنيسة ومنعته من ارتدء زي الكهنوت عام 1996، أم أنه مازال يؤدي مهام عمله في دير المحرق في أسيوط كما ورد في الموضوع الذي أثار الأزمة، ولم يتأكد من صحة حدوث الواقعة المصورة على شريط فيديو


لنقرأ السطور التالية من واقع محضر التحقيق

· قررت سابقاً أن تحري الصدق هو من بين القواعد الضابطة للنشر، فكيف كان هذا التحري إزاء ما تناولته في العدد المنشور حول واقعة سرقة الراهب برسوم لأربعة كيلوغرامات من الذهب؟
- لأن محور التحقيق وجوهره هو الانحراف الجنسي للراهب، وهو ما كان مؤكداً من واقع الشريط الذي شاهدته، ولذلك لم أجد حاجة إلى التأكد من واقعة السرقة التي حدثني عنها فايز
· يعني هذا أنك نشرت الواقعة المشار إليها دون التأكد من صحتها؟
- أيوه!

لكن مهران يقدم صورة أخرى عن الدافع وراء نشره الموضوع عن الراهب المشلوح، فيقول في أثناء التحقيق: "أخذت في اعتباري قبل أن أقرر النشر بهذه الكيفية ما يمكن أن يلحق بي من جراء سوء الفهم أو أصحاب المصالح الذين يصطادون في الماء العكر..ولكني حسمت الأمر مفترضاً أني جندي أضحي بروحي فداءً لبلدي، وقلت لنفسي إنه يشفع لي التاريخ الوطني المشرف لمؤسستي الصحفية ولي شخصياً"

وفي موضع آخر من التحقيق يؤكد أن "هدفي هو الصالح العام مع سلامة النية، وبالتالي فلا محل للاتهامات الموجهة لي والتي يجب أن توجه إلى الراهب؛ لأنه هو الذي ازدرى المسيحية وكدَّر "السلم العام"



بل إن مهران يرى أنه أسدى خدمة جليلة وصنيعاً إلى الجهات المسؤولة بنشره هذه القضية، حيث يقول: "أنا تصورت أني أكشف للمسؤولين فساداً هاماً في مكانٍ ديني حساس، وبالتالي، فأنا أقوم بدورٍ وطني"
نعود إلى حكاية الصحفي تحت التمرين: فايز

فهذه الشخصية تشبه - حسب أقوال مهران- الكنز الذي وضع يده عليه، وفي أحيانٍ أخرى بدا كأنه سبب الورطة التي وقع فيها ممدوح مهران ولم يخرج منها أبداً

ولأن التحقيقات تلف وتدور باحثة عن ثغرة أو منفذ لكشف الحقيقة، فإن المحقق يسأل مهران عن سبب التكتم على باقي اسم فايز، فيرد عليه قائلاً: "قانون الصحافة يعطيني الحق في الاحتفاظ بسرية مصادري"، ثم يرد الاستجواب التالي:


· ولكن هذا المصدر صحفي بالجريدة؟
- هو صحفي، ولكنه تحت التمرين وغير مسؤول بأي شكل عن التحقيق الذي نشرته.. هو فقط أمدني بالمعلومات ولم يكن له دورٌ في التحرير إطلاقاً، وبالتالي فهو بالنسبة لي مصدر معلومات وليس صحفياً
· فلماذا أفصحت عن اسمه أحادياً؟
- لأن الحقيقة أنا لا أعرف باقي اسمه بالتحديد
· وهل سبق له أن أمدك المذكور بمعلومات عن تحقيقات صحفية مثيلة؟
- لا.. دي أول مرة كان يدخل فيها مكتبي ويعطيني معلومات من هذا النوع
· وهل مازال المذكور يعمل متدرباً بالجريدة؟
- للأسف هو يوم السبت الماضي 16 -6-2001 انقطع عن الحضور للجريدة ولم أره اليوم ولا الأمس أثناء الضجة التي أثارها هذا التحقيق



وبالرغم من جدية التحقيق، فإنه لا يخلو من طرافة، مثلما هي الحال في الحوار الوارد بين مهران وفايز. وقد جاء في التحقيق ما يلي

· ما الذي قرره لك هذا الصحفي على وجه التحديد؟
- هو قالي يا أستاذ ممدوح في عندنا في البلد في أسيوط شريط جنسي الناس بتبيعه سراً للحبايب بمئة جنيه للنسخة، فقلتله: وماله يا فايز، ما الدنيا مليانة شرائط جنس، أنت باين عليك صعيدي قفل، فقالي: لا يا أستاذ ممدوح، ده شريط مصوره راهب كبير في دير المحرق اسمه برسوم مع واحدة ست. فقلتله: أنت جبت الكلام ده منين؟ قالي: الشريط موجود في البلد وأقدر أجيب لك واحد منه. وسألني بمنتهى البراءة: ينفع الموضوع ده كموضوع صحفي يتنشر؟ قلتله: طبعاً، بس أنت هاتلي الأول شريط يثبت الكلام ده..وأخذ مني مئة جنيه علشان يشتري لي الشريط، وفعلاً جابه لي بعد يومين تقريباً
· هل قرر لك سالف الذكر بمصدر حصوله على هذا الشريط؟
- مقلش لي، لما سألته عن اسم اللي جاب منه الشريط رد وقالي: يا أستاذ ممدوح الحاجات دي زي المخدرات وأنا أخذته في السر من واحد حبيبي

يطل علينا اسم فايز طوال التحقيق، ربما أكثر من أي اسم آخر – بما في ذلك الراهب المشلوح نفسه محور القضية- فهو هنا المصدر الرئيسي – إن لم يكن الوحيد حسب أقوال ممدوح مهران- لما نشرته "النبأ"، حيث يدور الاستجواب التالي بين المحقق ومهران

· وهل أدلى لك بثمة معلومات لدى أن سلمك هذا الشريط؟
- أيوه، وأنا اهتميت بكلامه ودوَّنته في مذكرة على مكتبي؛ لأنه كان كلام خطير جداً، وعلشان أحاول أتأكد من صحة المعلومات اللي قالها
· ما هي المعلومات التي قررها لك في هذا الشأن؟
- هي كل الكلام الذي نشرته في العدد موضوع التحقيق، وما أذكره أنه قال لي إن الراهب برسوم مقرب جداً من الأنبا ساويرس رئيس الدير وإنه مشهور عنه ممارسة السحر والشعوذة وتحضير الجن، وإنه يستقبل سيدات كتير..ويمارس معاها الجنس ويصور الممارسات دي

وينسب مهران في التحقيق إلى فايز معلومة أن هناك قضية رقم 765 أمن دولة حول الراهب المشلوح. وتزيد التساؤلات وعلامات الاستفهام حول "الصحفي المعجزة" فايز، حين يكرر ممدوح مهران أثناء التحقيق معه "المعلومة دي قالها لي فايز". وعلى سبيل المثال، فإن التحقيق يسير على النحو التالي

· وكيف علمت بأن النيابة العامة وجهت إلى الراهب برسوم تهمة استغلال الدين المسيحي في الترويج لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة؟
- المعلومة دي قالها لي فايز، وأنا اعتقدت أن فايز عرفها من خلال ما يتردد في بلده من معلومات، قد يكون علم بها من خلال أحد أطراف القضية "أو" شقيق الراهب اللي بيوزع الشريط "أو" المحامين اللي ممكن يكون اتصل علمهم بها
· فكيف علمت بواقعة حيازة المتهم لدى ضبطه عظاماً وجماجم يستخدمها في تحضير الجان؟
- عندنا في الصعيد الأخبار يتم تداولها وبيسر، خاصةً أدق الأسرار، فمعلومة كهذه وهي الخاصة باستخدام المتهم مثل هذه الأشياء يمكن معرفتها بسهولة، خاصة أنه ذكرها لي فايز
· وبماذا تعلل الفقرة التي نشرتها في هذا التحقيق الصحفي والتي ذكرت فيها اعتراف الراهب لدى مواجهته بالتحقيقات بأمور تتعلق بممارسات غيره من رجال الدين، وبوجود علاقةٍ بينه وبين إحدى السيدات، وبأن النيابة قررت إحالة المضبوطات إلى الطب الشرعي..وقد كانت هذه الأمور جميعها مما تناولها تحقيق النيابة العامة؟
- فايز اللي قالي إن الناس في البلد تتكلم عن تحقيق مع الراهب، وبتقول إنه اعترف في التحقيق بكذا وكذا
· وبماذا تعلل اتصال علم أهالي بلدة المذكور بمجريات تحقيق النيابة العامة والذي لم يجرِ تناوله من قبل؟
- من الممكن يكون شقيق الراهب جرجس من اللي اتصلوا بالقضية سواء المحامين أو غيرهم أشاع هذا الكلام في بلدة فايز، وده كان تعليلي للأمر

ترى، هل كان ممدوح مهران يعلم أكثر مما قال؟
سؤالٌ مشروعٌ ومنطقي، تماماً مثل استنتاجاته المنطقية أثناء التحقيق، فلدى سؤاله
· من قولك والثابت من واقع المنشور بالتحقيق الصحفي، إفرادك عنواناً له تضمن "بلاغ سيدة مسيحية..."، وهو ما يعني علمك بوجود بلاغ، فكيف تسنى لك هذا العلم إذن؟
- علمت من واقع المعلومات اللي قالها لي فايز!

يرجح هذا ما ذكرناه آنفاً في التحقيق من أن المحقق سأل مهران: "وما قولك والثابت في مجمل تحقيقك الصحفي اشتماله على وقائع تناولتها التحقيقات فعلاً وعلى نحوٍ من التفصيل؟".. أما جواب مهران فكان "علمي بأن التحقيقات قد تناولت هذه الوقائع كان مجرد استنتاج". وفي موضعٍ آخر، قال مهران: "ما نشرته كان اعتماداً على ما أخبرني به مصدري الشاب، وتأكد من واقع مشاهدة الشريط. علمت من خلال مراجعة المكتب الإعلامي أنه لا يوجد حظر من نشر في قضية بهذا الرقم. ونسبة هذا الرقم إلى نيابة أمن الدولة من باب الاستنتاج، والإشارة إلى وجود بلاغ في النيابة هو نوع من تحري الصدق بقدر الإمكان"



لعبة الاستنتاج تتكرر مرة أخرى أثناء التحقيق، كما يلي

· ورد بهذا التحقيق المنشور أن الراهب المعجزة – على حد ما نشرت- مارست الجنس مع خمسة آلاف سيدة..فكيف وقفت على هذه المعلومة؟
- فايز قالي إن الراجل ده بقاله 18 سنة في الدير، فأنا ذكرت عدد السيدات اللي مارس معها الجنس باستنتاج منطقي، وهو أن يكون بالضرورة مارس الجنس مع عدد كهذا.. يتردد عليه كثير من السيدات طوال هذه المدة

التحقيق مع ممدوح مهران حول الاستنتاج يجرنا إلى جزئية أخرى في الاستجواب

· هل تأكدت قبل نشرك التحقيق أن وقائعه محل لتحقيقات نيابة أمن الدولة؟
- لا، ولكني كتبت رقم القضية زي ما أخبرني به فايز، ونسبت الرقم إلى نيابة أمن الدولة العليا من باب الاجتهاد والاستنتاج من واقع الخبرة
· وهل يجدي الاستنتاج عن الحق شيئاً في نسبة موضوع كالذي تناولت إلى جهةٍ قضائية دون التحري أو التثبت من حقيقة الأمر؟
- والله إن ما كان يهمني هو نشر الكارثة، ولم أتوقف عند هذا الأمر

لكن ما يستوقفنا نحن هو استجواب ضابط مباحث أمن الدولة في قضية "النبأ" يوم 19 من يونيو عام 2001
· وهل كان يعلم الصحفي ممدوح مهران وقت نشره التحقيق الصحفي المشار إليه بجريدة "النبأ" بأن الموضوع محل التحقيق الصحفي هو موضوع التحقيق في نيابة أمن الدولة العليا؟
- أيوه كان عارف، والدليل على ذلك أنه كان ناشر رقم القضية التي يتم التحقيق في الموضوع في نيابة أمن الدولة، وهي رقم 765 لسنة 2001 حصر أمن دولة عليا

على أي حال، فقد أمر المستشار هشام بدوي المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا بإخلاء سبيل ممدوح مهران بكفالة عشرة آلاف جنيه على ذمة التحقيق، وأحيل إلى محكمة جنح أمن الدولة عليا طوارىء بعابدين لمحاكمته في خمس تهم وجهتها له نيابة أمن الدولة العليا


أما سبب الإفراج عن مهران بكفالة فيعود إلى أنه جرى استجوابه على أساس قانون الصحافة لعام 1996، والذي يحظر حبس أي صحفي يخضع للتحقيق، ويمنع سجن الصحفي إلا بموجب حكم قضائي


هل لدينا أقوال أخرى؟

نعم لدينا، فأسئلة التحقيق اجتهدت في الإحاطة بحقيقة موقف ممدوح مهران ومعلوماته، والإجابات حاولت الاحتماء بشعار الدوافع النبيلة، في حين تولد دوائر لا تنتهي من التساؤلات حول حقيقة ما جرى وكان، وطبيعة النيات وهوية الأطراف التي تقف وراء النشر، وأسماء - لن ننسى فايز!- تم تداولها، بدءاً من إسحق روحي مدير تحرير "النبأ" الذي صحح كلمة واحدة من مقال مهران قبل النشر، واستشاره مهران لأنه مسيحي فعرض عليه المقال مثلما جعله يشاهد الشريط، فأفاده بأنه ليس في الموضوع ما يمس الكنيسة!

القائمة تضم أيضاً علي جمال، أحد المسؤولين الرئيسيين عن التحرير في جريدة "النبأ"، والمصور بالجريدة الذي التقط الصور من شريط الفيديو للنشر، وكل أصحاب الأسماء الواردة في القائمة شاهدوا شريط الفيديو بناء على طلب مهران

إنها أسئلة حائرة، وإجابات تلد علامات استفهام، ومعلومات داخت من التفاصيل في قضية "النباً" التي تداخلت بشكلٍ مثير مع قضية "الراهب المشلوح"

ونظن أن الفصول التي حدثت بعد التحقيق مع ممدوح مهران كانت أكثر إثارة مما توقع الجميع
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator