المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

انهيار المجتمع: فيلم الموسم


اِنْهِيَارٌ - [ هـ و ر]. (مص. اِنْهَارَ). 1. "اِنْهِيَارُ جُدْرَانِ البَيْتِ": اِنْهِدامُها، سُقوطُها. 2."الانْهِيَارُ العَصَبِيُّ": حَالَةٌ نَفْسِيَّةٌ مَرَضِيَّةٌ تُصِيبُ الإنْسَانَ وَتَجْعَلُهُ فَاقِدَ الإرَادَةِ أوْ فِي حَالَةِ غَلَيَانٍ عَصَبِيٍّ أوْ حُزْنٍ وَاكْتِئَابٍ


هذا انهيار من نوع آخر لم يكن في حسباني أن أكتب عنه الآن

إنه انهيار المجتمع على يد فريق من أبنائه: يوم الثلاثاء الأسود
مجموعات بشرية - وصِفت بالسوقة والدهماء - تجتاح وسط القاهرة
للاحتفال بالعيد على طريقتها الخاصة: التحرش الجنسي الجماعي
الصورة الصادمة لما حدث تعطي انطباعاً بغوغائية قد تستدعي إلى الأذهان قصة يأجوج ومأجوج..علماً بأن الصورة الأخيرة في ألبوم الحادث تشير إلى إفلات الجناة بالكامل من العقاب
الهَمَج: مصـ.-: ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمير.-: الجوع؛ قد هلكت المواشى من الهمج.-: الغنم المهزولة.-: الحمقى.-: الرَّعاع من الناس؛ لم يكن سهلاً ضبط الهمج في الثَّورات الدامية المشهررة في العالم.-: سوء التدبير في المعاش/ قوم همج، أي لاخير فيهم ج أَهْمَاج
على أن "الهمج" و"الدهماء" ليسوا وحدهم المسؤولين عما جرى
تبدو تلك الحوادث ذات جذور عميقة وأسباب متشابكة في مجتمع أدمن عدم المبالاة.. وسط وهنٍ سياسي وأزمات اقتصادية خانقة أعجزت البعض عن الشعور بآدميته وممارسة حياته الطبيعية..وضعف الوازع الديني والأخلاقي في مواجهة مغريات تزيد الكبت احتقاناً
دعونا لا ننسى الراقصة دينا التي قدمت وصلة أو عينة من الرقص الحسي أمام دار للعرض السينمائي وسط القاهرة ترويجاً لفيلم الموسم "عليَ الطرب بالتلاتة" ودفع الجمهور إلى الفرجة على المزيد من هذه "الوصلات" عبر شراء تذكرة سينما
كل هذا وأكثر جرى في ظل غياب أمنٍ يرى أن مهمته الوحيدة حماية الرجل الكبير وبطانته هو وأنجاله..وليذهب الآخرون إلى الجحيم
تَحَرُّشٌ - [ح ر ش]. (مص. تَحَرَّشَ). 1."أَرَادَ التَّحَرُّشَ بِهِ": اسْتِفْزَازَهُ وَإِثَارَةَ حَفِيظَتِهِ. 2."التَّحَرُّشُ الْجِنْسِيُّ": إِثَارَةُ الْمَرْأَةِ وَإِغْرَاؤُها لِلإِيقَاعِ بِهَا جِنْسِيّاً

الأسباب كثيرة..تشابكت وتضافرت لتنجب ابناً غير شرعي اسمه الهمجية والتحرش الجنسي الجماعي. والمصيبة أن الكل يلوم الكل وأن هناك حالة من التطهر الاجتماعي ووهم النقاء -عبر وضع مسافة "بيننا" وبين "هؤلاء"- تنتشر بعد كل كارثة أو قضية رأي عام.. كأن هناك كائنات فضائية هبطت علينا من المريخ لترتكب بين الحين والآخر أفعالاً منكرة
وسرعان ما تعلو أصوات تنادي بأفكار أكثر تطرفاً وتدعو إلى التصفية وتقترح الإخصاء وتطالب بمزيد من التهميش لكل من شارك في الواقعة..بدلاً من المناقشة الموضوعية بحثاً عن علاج سليم لما جرى
ثم تنتهي دوائر الجدل إلى لا شيء..لتتكرر الصورة وتتضخم يوماً بعد آخر وعاماً بعد آخر

وكل عام ونحن طيبون

القَمْعُ: مصدر قَمَعَ الرجلَ يَقْمَعُه قَمْعاً وأَقْمَعَه فانْقَمَعَ قَهَرَه وذَلَّلَه فذَلَّ . والقَمْعُ : الذُّلُّ . والقَمْعُ : الدخُولُ فِراراً وهَرَباً. وقمَعَ في بيته وانْقَمَعَ دخله مُسْتَخْفِياً . وفي حديث عائشة والجواري اللاّتي كُنَّ يَلْعَبْنَ معها : فإِذا رأَين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم انْقَمَعْنَ أَي تَغَيَّبْنَ ودَخَلْنَ في بيت أَو مِنْ وراءِ سِتْرٍ ; قال ابن الأَثير: وأَصله من القِمَعِ الذي على رأْس الثمرة أَي يدخلن فيه كما تدخل الثمرة في قمعها

ومما يثير العجب أن أجهزة الأمن في مصر تحشد الآلاف من قواتها وعملائها وعرباتها المصفحة لقمع المظاهرات والمسيرات السلمية وحماية الموكب الرئاسي.. في حين نجدها تعجز عن تبرير غيابها الواضح وتقصيرها الفاضح في ضبط الأمن في الشارع..بل إنها تغيب عن سُرة القاهرة: وسط البلد

ترى التحفز والتربص الأمني في محيط السفارة الأمريكية التي جعلت من السير على الرصيف المحاذي لها مغامرةً غير مضمونة العواقب..في حين تستباح شوارع مجاورة على يد جماعات بشرية تشعر بالكبت والجوع استجابةً لإلحاح الجسد

الفَوْضَى :- من الناس: من لا رئيسَ لهم يَضْبُط أمورهم؛ النَّاسُ فوضى أي متفرِّقونَ مختلطون/ مالُهم فَوْضى بينهم أي مختلطٌ فيهم يتصرَّفُ كلُّ منهم في جميعه بلا نكير. -: اختلالٌ في أُداءِ الوظائف العضويةِ أو الاجتماعية وافتقارها إلى النظام؛ سادتِ الفوضى أعمالَ مؤسّسةِ الخطوطِ الجويَّة/ في ذلك البلد فوضى سياسيّة/ أخذ النَّاقمون يبثُّون الفوضى في المدينة

إن الفوضى حين تستقر تصنع لها جذوراً في المكان ونفوس البشر..عندها تصبح الفوضى "نظاماً" متكامل الأركان
وعندما يتحول الحادث العشوائي إلى ظاهرة متكررة تطل المخاوف من شرفة القلق
إذ إن تلك المجموعات -بغض النظر عن كل ما قيل بشأن عددها..ومع الإقرار التام بصعوبة تحديدها وتصنيفها استناداً إلى الفئة العمرية والمهنة والوضع الاجتماعي- التي تحرشت جنسياًُ وبأسلوب هستيري بالفتيات في قلب القاهرة..عادت لتكرر فعلتها في اليوم التالي وشكلت هذه المرة حسب شهود عيان قطارات بشرية تقترب من الضحية لتفرض عليها حصاراً قبل أن تبدأ في لمسها وتحسس جسدها

وفي ظل غياب القانون والأمن يحاول الناس ارتجال شكل جديد لحماية الأعراض من الانتهاك اعتماداً على ما تيسر من القاموس الشعبي: "الجدعنة" والشهامة

وهكذا وجدنا عدداً محدوداً من أصحاب المحال التجارية وسائقي سيارات الأجرة وحراس العمارات وأفراد شركات الأمن الخاصة يتدخل قدر الاستطاعة لمنع تلك الجرائم عبر توفير الحماية والملاذ الآمن للضحايا.. سواءً أكانت تلك الأماكن هي المحال التجارية أو سيارات الأجرة أو العمارات القديمة النائمة على جانبي الطريق. أما سلاح "المقاومة" فقد تنوع ما بين رش المياه أو استخدام العصي والأحزمة.. وأحياناً التلويح بالمسدسات
لكن تبقى حقيقة مؤلمة مفادها أن قطاعاً واسعاً من المجتمع المصري يعيش حالة من عدم المبالاة.. فالمشاهدة غلبت على النجدة..بمعنى أن من تتعرض للتحرش الجنسي قد لا تجد من ينجدها.. وهو ما قد يؤدي إلى فقد الثقة في المجتمع ككل

هِيَاجٌ - [هـ ي ج]. (مص. هَاجَ، هَايَجَ). "كَانَ هِيَاجُهُ تَعْبِيراً عَنْ غَضَبِهِ" : ثَوْرَتُهُ، فَوْرَتُهُ

الهياج الجنسي الذي أصاب تلك الجموع الجائعة على اختلاف فئاتها العمرية أصاب أفرادها بالعمى وأفقدها القدرة على التمييز...فلم تعد ترى شيئاً سوى الرغبة -أو محاكاة الشعور بالرغبة- ولم تعد تعي أمراً سوى هذا البركان المنفجر من الشهوة التي تعتمل في النفوس..هنا لم يعد مهماً إن كانت الضحية ترتدي فستاناً قصيراً أو عباءة فضفاضة..محجبة أو ترتدي بنطالاً ضيقاً..مراهقة أو سيدة في منتصف العمر..المهم هو أنها مشروع فريسة

وربما كانت هتافات وصيحات تلك الجماعات من الدهماء دليلاً آخر على هذا العمى الذي أصاب أفرادها..فقد تنوعت تلك الهتافات ما بين الإيحاءات الجنسية البذيئة.. وعدم التمييز "واحدة تانية..واحدة تانية"..والقُطرية ذات الطابع العنصري في مواجهة من يشتبهون في أن ملابسها تشي بجنسيتها "بيب بيب بيب..سعودية..بيب بيب بيب..سعودية"
يحدث هذا في بلد تقول أكثر الإحصائيات رأفةً إن نحو عشرة في المئة من رجاله يعانون من العجز الجنسي..وتؤكد دراسة لقسم أمراض الذكورة بطب القصر العيني أن ثلاثين في المئة من الذين يعانون من الضعف الجنسي في مصر يعانون منه لأسباب نفسية
لكن من أقدموا على تلك الفعلة استأسدوا على النساء عندما اطمأنوا إلى هذا الفراغ الأمني
ومن أمِنَ العقاب أساء الأدب

المتهمون كثر في مثل هذه الحوادث المشينة
البعض يلوم الأمن الغائب والبعض الآخر يتحدث عن حالة عدم المبالاة التي أصابت قطاعاً واسعاً من المجتمع المصري حتى أصبح لزاماً على كل فرد أن يحمي نفسه بنفسه وأن يدس سلاحاً ما في جيبه أو حقيبة يده.. فريق ثالث ركز على غياب ثقافة الأخلاق وتراجع الوازع الديني الذي يحض على التعفف وغض البصر..وانصرف معسكر آخر إلى موضوع تأخر سن الزواج
والشاهد أن مثلث الفساد والبطالة والفقر المدقع سحق منظومة القيم الأخلاقية التي تعد شبكة الأمان في أي مجتمع..وتحالف القمع مع العشوائية ليفقد أبناء المجتمع آدميتهم وسط شعور باليأس من أي بارقة أمل في الإصلاح

وفي ظل تلك الصورة القاتمة يحرك الحصان العربة وتقود الرغبة العقل وتسود ثقافة القطيع التي تختار الأهداف الخطأ للتنفيس عن الشعور بالتهميش أو اختلاس لحظات إثارة عابرة: العنف هو الحل واضطهاد "الآخر" هو السبيل
والنتيجة: سقوط العقد الاجتماعي الذي يفترض وجوده بين الحاكم والمحكومين..بعد أن تبين أن الدولة لا تؤدي واجبها المنصوص عليه بموجب هذا العقد بدءاً من منح المواطنين الحريات الأساسية ووصولاً إلى الحقوق المتعارف عليها في أي مجتمع أو بيئة حضارية

التوقيت له أهميته ودلالته أيضاً.. فما حدث تزامن مع الاحتفال بعيد الفطر الذي يلي شهر رمضان..أي أنه يفترض أن نسبة لا يستهان بها ممن أقدموا على تلك الجريمة الأخلاقية قد خرجوا للتو من شهر التعبد والروحانيات..وهو مؤشر على أحد أمرين: إما أن الدين قد تراجع في نفوس هؤلاء وتحولت العبادة – في حال إقامة شعائرها- إلى عادة.. أو أن الجهل وعدم الوعي السائد كان المحرك لهذه الجموع التي اتفقت في لحظةٍ ما على النيل من النساء وأجسادهن وكرامتهن في ظل انتشار ثقافة النظرة الدونية للمرأة

قُصُورٌ - [ق ص ر]. (مص. قَصَرَ). 1."لاَحَظَ قُصُوراً فِي عَمَلِهِ" : تَهَاوُناً، تَرَاخِياً، تَقْصِيراً. 2."قُصُورٌ عَقْلِيٌّ" : ضَعْفٌ، خَلَلٌ. 3."الْقُصُورُ الذَّاتِيُّ" : ضَعْفُ الْجِسْمِ عَنْ تَغْيِيِرحَالَتِهِ بِسُرْعَةٍ مُنْتَظِمَةٍ فِي خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ

على أن ما لفت نظري في هذه الجريمة الجماعية هو ذلك التقصير الفاضح والقصور الفادح لوسائل الإعلام في مصر: المطبوعة والمسموعة والمرئية على حد سواء

ولولا ما عرضته قناة "دريم" الخاصة في برنامج "العاشرة مساء" وما نشرته جريدة "المصري اليوم" على استحياء بعد مرور بضعة أيام على الجريمة وما أثاره عمرو أديب في برنامج "القاهرة اليوم" على قناة "أوربت"..لم يكن الكثيرون ليعرفوا بحقيقة ما جرى في ربوع المحروسة

وليتها كانت فعلاً محروسة

إن ما يبعث على الأسى أن نجد الإعلام الذي يطنطن صباح مساء ويتغنى بإنجازات العهد الحالي أغلق أذنيه وابتلع لسانه وأخفى وجهه حتى تمر الكارثة مرور الكرام.. غير أن الإعلام البديل أو صحافة المدونين – مثل مالك صاحب مدونة "مالكوم اكس" ووائل عباس الذي انفرد بصور الجريمة على مدونته "الوعي المصري"- تمكنت من كشف المستور فإذا بنا وجهاً لوجه أمام عورة نظام يرى أن الأمن لخدمة الحاكم وليس في خدمة الشعب والحرص على سلامة أبنائه وبناته

أمنٌ اكتفى بعد مماطلة وتمنع بالرد على ما جرى بالنفي القاطع.. والقول بأنه لم يرده أي بلاغ عن وقوع مثل تلك الاعتداءات السافرة

إِنْذارٌ - [ن ذ ر]. (مص. أَنْذَرَ). 1."تَوَصَّلَ بِإِنْذارٍ مِنْ إِدارَةِ الْمَدْرَسَةِ" : بِإِشْعارٍ بِهِ تَنْبيهٌ على عَمَلٍ خَطيرٍ قامَ بِهِ. 2."جَرَسُ الإنْذارِ" : الإخْطار، الإِشْعارُ بِوُقوعِ أَمْرٍ مَّا لأخْذِ الحيطَةِ والحَذَرِ. 3."أَلَمْ تَسْمَعْ صَفَّارَةَ الإِنْذارِ" : صَفَّارَةً لَها صَوْتٌ ضَخْمٌ تُشْعِرُكَ بِحُدوثِ شَيْءٍ خَطيرٍ، أَوْحُلولِ مُناسَبَةٍ مَّا. 4."وَجَّهَ لَهُ إِنْذاراً أَخِيراً" : إِشْعاراً. "أَخْرَجَهُ دُونَ سابِقِ إِنْذارٍ"

ما جرى لم يكن الأول من نوعه في مصر..بل سبقته أجراس إنذار كثيرة أصمت الدولة أذنيها عنها..ومن ذلك ما جرى في فبراير شباط الماضي في شارع جامعة الدول العربية ومناطق أخرى من القاهرة خلال الاحتفالات بالفوز بكأس الأمم الإفريقية الخامسة والعشرين..إذ وقعت حالات عدة من التحرش الجنسي والسعار المخيف.. وسكت كثيرون على اعتبار أن ذلك من مظاهر فوضى..الاحتفال


وفي الخامس والعشرين من مايو أيار عام ألفين وخمسة استخدمت أجهزة الأمن وقوات الشرطة المصرية التحرش الجنسي أو سهَلت استخدامه لمجموعات من البلطجية في مواجهة المتظاهرين من معارضي الاستفتاء على تعديل المادة السادسة والسبعين من الدستور. وهكذا جرى التحرش بسيدات بينهم عدد من الصحفيات على أيدي عناصر أمنية و"عصابات مأجورة من البلطجية والمجرمين وأصحاب السوابق قاموا بضربهن وتعريتهن وملامسة أجزاء حساسة من اجسادهن بتوجيه مباشر من أعضاء قياديين في الحزب الوطني الحاكم وفي حماية وحراسة الشرطة" على حد قول البيان الذي أصدرته آنذاك نقابة الصحفيين المصريين

وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي انشغل الرأي العام المصري بقضية "فتاة المعادي"..وهى الفتاة غادة التي اغتصبها عدد من العمال الذين لمحوا أثناء سيرهم ليلاً بعد انتهاء عملهم شاباً وفتاة في وضع مثير للريبة داخل سيارة تقف على جانب الطريق الهاديء.. وهو الأمر الذى أثارهم جنسياً فاندفعوا نحوهما وشلوا حركة الشاب قبل أن يتناوبوا على التهام جسد فتاة الحي الراقي ابنة السابعة عشرة

بحثت الشرطة على الفور عن الجناة وتابعت الصحافة باهتمام مذهل وحكم مسبق حشده له الرأي العام..فصدر الحكم على وجه السرعة ما بين الإعدام والسجن لمددٍ طويلة..وقبل أن ينسى الجمهور الحكاية ظهر فيلم "المغتصبون" للمخرج سعيد مرزوق وبطولة ليلى علوي ليحكي الواقعة من وجهة نظر المجني عليها


وبعد بضعة شهور من الحادث المذكور تكرر سيناريو مماثل في قضية "فتاة إمبابة" التى تناوب سبعة رجال على اغتصابها ..بعد أن اعترضوا طريقها مع صديق زوجها وهما عائدان من مكتب أحد المحامين..واقتادوها عنوةً إلى "عشة"..وبعد سقوط الجناة صدر الحكم بالسجن لمدة سبع سنوات على كل منهم..حكم مخفف في قضية تجرأت فيها صحف على النيل من سمعة المرأة الفقيرة فرددت أن الزوجة عشيقة صديق الزوج.. وهو ما أنكره كل من الزوج والزوجة والصديق


وفي أوائل عام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين استيقظت مصر على قضية فتاة العتبة الشهيرة شاهيناز التي تعرضت لحادث هتك عرض ونزع ملابسها أثناء ركوبها مع والدتها حافلة عامة "الأتوبيس رقم سبعة عشر" المتجه إلى منطقة بولاق الدكرور بموقف أتوبيسات العتبة. واتهم في القضية اثنان أولهما عامل بسيط والثاني محاسب يدعى جمال يعاني من شلل في قدميه ولايستطيع السير سوى بمساعدة جهاز حديدي يرتديه في قدميه.. وتمت محاكمتهما بتهمة اغتصاب أنثى بالطريق العام

اهتز المجتمع المصري للحادث الذي وقع في مكان عام - إن صح القول إن ميدان العتبة مجرد مكان عام- وخلال أحد أيام شهر رمضان المبارك..وسرعان ما تحولت قضية الرأي العام إلى محاكمة ضمنية وجارحة للفتاة المجني عليها حتى أن إحدى الصحف سألتها: هل فقدت بكارتك؟..وأشارت مجلة "روز اليوسف" إلى أن الفتاة لم تكن ترتدي وقت الحادث قطعة ملابس داخلية. ونشر مصطفى حسين وأحمد رجب في الصفحة الأخيرة من جريدة "الأخبار" رسماً كاريكاتورياً لسيدة عجوز تتصل هاتفياًُ ببوليس النجدة وتقول لهم: "بتقولوا إن فيه حوادث اغتصاب في ميدان العتبة..أنتم كذابين..أنا بقالي ثلاث ساعات واقفة في الميدان وما حصلش حاجة"
أما داخل قاعة المحكمة فقد بدت المحاكمة كأنها خاصة بفتاة العتبة نفسها..وردد البعض سيناريوهات عدة تتحدث عن استجابة الفتاة لغزل ومداعبة أحد الركاب أثناء صعودها الحافلة وأن ما حدث تم برضاها إلى أن وصل الراكب إلى نقطة اللاعودة
ولم يقصر الأمن في هذه الحملة التي نالت من سمعة الفتاة..حيث قال اللواء حلمي الفقي مدير مصلحة الأمن العام آنذاك إن الحادث عادي..واتهم الضحية بأنها هي التي شجعت الجاني على هتك عرضها وأنها تركته يفعل ما يشاء حتى وصل بيده إلى منطقة حساسة دون أن تنهره أو تصرخ
وبعد نحو عامٍ صدر الحكم بتبرئة المتهمين في القضية لتتوارى المجني عليها عن الأنظار بعد أن تركت مكتب المحاماة الذي كانت تعمل به..وهكذا تتفاوت في مصر مقاييس العقاب على التحرش الجنسي والاغتصاب وفقاً للتقسيم الطبقي والتمييز العنصري والظروف الاقتصادية

وفي الخامس عشر من أبريل عام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين صدر قرار بتعديل مواد عقوبة هتك العرض إلى الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة بدلاً من الأشغال الشاقة المؤقتة. ونص القانون على تنفيذ عقوبة الإعدام إذا ارتكب الجريمة أكثر من طرفين أحدهما حامل للسلاح

لكن النار ظلت مشتعلة تحت الرماد

السُّعَار: حرُّ النار؛ شبَّ الحريقُ وسرعان ما اشتد سُعَارُه.-: شِدّة الجوع؛ دَفَعَهُ السُّعار إلى التّسوّل،-: التهاب العطش؛ صامت جدّتي أحدَ أيّام القيظ فأحسّت بالسُّعار.-: الجنون؛ عاوده السُّعار فأُدخِلَ مستشفى الأمراضِ العصبية

لكن الخرق اتسع على الراتق..وها هي "تيتانيك" المجتمع تصارع الأمواج حتى لا تغرق..بعد أن اهتم القبطان هذه المرة بسلامته الشخصية قبل أن يحرص على حماية الركاب الذين يتحمل مسؤوليتهم

وساعة الغرق يظهر أسوأ ما في البشر من أنانية وعدوانية وهمجية وسعار مخيف..ويرفع الناس شعار: أنا..ومن بعدي الطوفان

والطوفان آتٍ
تابع القراءة

gravatar

انهيار رجل الأمن: صلاح نصر نموذجاً




















في هذه الدنيا..الموت علينا حق


وفي الشرق الأوسط يردد بعض الخبثاء: والمخابرات أيضاً


رجل المخابرات يقترن دائماً في أذهان العامة بالقوة والقسوة والدهاء


دعونا نتخيل إذاً ما الذي يمكن أن يحدث عندما يقف رجل الأمن والمخابرات على حافة الانهيار..وفي مواجهة الأزمات الصحية المفاجئة


هناك حلٌ أفضل: دعونا نقرأ عن تلك المواجهة


ولنبدأ الحكاية من البداية



نحن الآن في الأيام التي أعقبت هزيمة يونيو عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين


في قلب تلك الظروف العصيبة التي مرت بها مصر عقب الهزيمة..كان هناك برميل بارود على وشك الانفجار اسمه الخلاف بين الرئيس والمشير


ووسط تصاعد الخلافات بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر..ولعبة الشد والجذب التي شهدها منزل المشير في شارع الطحاوي في حي الجيزة..كان مدير المخابرات العامة صلاح نصر على موعد مع أزمة صحية مفاجئة

فقد سقط صلاح نصر في مكتبه في صباح الثالث عشر من يوليو حزيران عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين مصاباً بجلطة دموية شديدة في الشريان التاجي

هزت تلك الأزمة الصحية صلاح نصر من الأعماق.. لم يكن الرجل -المولود لأسرة ريفية في الثامن من أكتوبر تشرين أول عام ألف وتسعمئة وعشرين في قرية سنتماي بمحافظة الدقهلية- يتوقع أن يداهمه المرض بكل هذه القوة وهو في عرينه: مكتبه الخاص في جهاز المخابرات العامة الذي ساهم بقسط وافر في تأسيسه حتى أصبح رئيساً له في الثالث عشر من مايو عام ألف وتسعمئة وسبعة وخمسين

عشر سنوات كاملة تفصل بين صعوده إلى قمة الجهاز وسطوته وحظوته..وبين أزمة جعلته يرى الموت بعينيه فيصرخ طالباً الغوث والعون

يقول صلاح نصر في الجزء الثالث من مذكراته - وهو الجزء الذي يحمل عنوان "العام الحزين"-: "استيقظت من نومي وقد أحسست بإرهاق وإنهاك غير عادي..وكنت قد حددت موعداً من قبل لمقابلة الفريق صدقي محمود ظهر هذا اليوم بناءً على طلبه. وحينما هممت بمغادرة المنزل شعرت بألم شديد في صدري.. وبأن شيئاً ما يكتم أنفاسي..ولكنني تحاملت على نفسي..وتوجهت إلى المكتب..خشية أن يظن الفريق صدقي محمود "قائد القوات الجوية" أنني أتهرب منه بعد أن أحيل إلى التقاعد

"وخف الألم قليلاً.. واستقبلت صدقي محمود في مكتبي الساعة الثانية عشرة ظهراً..وما إن جلسنا حتى قال لي: "لقد علمت بالأمس أن الشرطة العسكرية ستقبض عليَ اليوم..ولذا آثرت بل فضلت أن أجيء إليك وأقدم نفسي بدلاً من محاصرتي في المنزل بالشرطة العسكرية..إن حقيبة ملابسي في عربتي الواقفة أسفل المبنى"

قلت له:" أنت تعلم أنني لست مختصاً بهذا العمل..كما أن الشرطة العسكرية لا علاقة لي بها وتتبع قائد عام القوات المسلحة..ولكنني علمت بهذا الأمر أمس من الفريق محمد فوزي"

"ونصحت الفريق أول صدقي محمود أن يعود إلى منزله وينتظر به حتى يحضر له من سيقوم باعتقاله. كان صدقي محمود يحس بالمرارة والألم وهو يسر لي مكنون نفسه بقوله: "أبعد هذا العمر الطويل وبعد هذه الخدمة الطويلة التي أفنيت فيها عمري للثورة أعامل مثل هذه المعاملة غير الكريمة؟ إنني على استعداد لأن أحاكم ولكن ما أطلبه هو محاكمة عادلة"

"وفي أثناء حديثنا داهمتني أزمة قلبية شديدة..إذ أحسست فجأةً بأن شيئاً يشق صدري وتصبب من جسدي عرق غزير..وأخذت أتحامل على نفسي محاولاً ألا يشعر صدقي محمود بحالتي..فقد تأول في هذه الظروف أنها ملل أو ضيق من حديثه. ولكن صدقي محمود شعر بأنني أعاني ألماً..فسألني عما ألمَ بي..فقلت له إنني أحس بألم شديد في صدري. واستأذن صدقي محمود..وطلب مني أن أعود لمنزلي لأنال قسطاً من الراحة..فقد تكون هذه الآلام نتيجة إرهاق متواصل











"ولكن ما إن غادر الفريق صدقي محمود مكتبي..حتى ازدادت شدة الآلام في صدري..وأحسست أن أنفاسي تكاد تكتم قلبي..فاستدعيت أحد أطباء المخابرات الذي سرعان ما حضر وأجرى فحصه الطبي. وإذا بي أرى في جهه قلقاً ملحوظاً..فسرته تواً على أنني أعاني أزمة صحية خطيرة. وطلب مني الطبيب وهو الدكتور عبد المعطي القيعي أن أرقد على سريري الذي كان موجوداً بالمكتب منذ نشوب أزمة الشرق الأوسط في منتصف مايو..وألا أبذل أي جهد..وتركني ليعود بعد بضع دقائق وفي يده حقنة سرعان ما غرسها في جسدي..وكان يسير خلفه ممرض يحمل أنبوبة أكسجين للتنفس

"وما هي إلا دقائق..حتى أحسست بأن الألم بدأ يزول قليلاً..ولكن سرعان ما عاودني..فوضعوا كمامة الأكسجين على وجهي..ولكن الآلام ازدادت حدة..وإذا بي أرى شبح الموت أمامي..كنت أشعر كأن روحي تريد أن تنطلق من جسدي..وكأن شيئاً يصارع لفصل جزء مني. وما هي إلا نصف الساعة أو أقل حتى رأيت حولي مجموعة من كبار الأطباء كنت أعرفهم جميعاً من الأساتذة: الدكتور منصور فايز ..والدكتور رفاعي كامل..والدكتور ناصح أمين..وانضم إليهم من أطباء المخابرات الدكتوران عبد المعطي القيعي..وإبراهيم شعراوي

"وعلى الرغم من أن هؤلاء جميعاً حاولوا أن يخففوا عني وطأة المرض..فقد أحسست بأن مرضي يتعلق بالقلب..وأحسست أنني في طريقي إلى رحلة بعيدة لا عودة منها

"كان أول شيء قلته لمن حولي: "هاتولي جمال عبد الناصر..إنني أريد أن أقول له أشياء كثيرة"

في تلك اللحظات المتوترة لم يفكر صلاح نصر -كما يقول- "في أولادي ولا في زوجتي ولا في أسرتي ولا في أي أحد آخر سوى مصر..وطلب مني الأطباء أن أهدأ..فالمسألة من وجهة نظرهم بسيطة..وسرعان ما غرسوا في جسدي عدداً من الحقن لم أستطع بعدئذٍ أن أعي ما يدور..كل ما أذكره أنني ذهبت في سباتٍ عميقٍ ولم أفق من نومي إلا في العاشرة مساءً.. وإذا بي أجد الأطباء بجواري.. وكنت حسبت أنهم ذهبوا إلى عياداتهم وعادوا إليَ.. ولكنني اكتشفت أنهم لم ينصرفوا منذ سقطت في المكتب وقت الظهيرة

"وجدت نفسي قد نقلت إلى غرفة ملحقة بمكتبي..أعدت كأنها حجرة في مستشفى. لقد قرر الأطباء خطورة نقلي إلى المستشفى. مكثت راقداً في الغرفة الملحقة بمكتبي لمدة ستة أسابيع..هدتني الحقن..كنت وكأنني في غيبوبة صاحية..ومنع الأطباء الزيارة عني وأصدروا تعليمات بأن أرقد على ظهري بلا حراك"

هذا هو صلاح نصر على فراش المرض.. وهذه فترات عصيبة من حياة الرجل القوي قبل أن الذي حوكم وأدين أمام محكمة الثورة وتم عزله من منصبه وتجريده من رتبته العسكرية إلى جانب عشر سنوات محكومية في السجن الحربي.. أفرج عنه بعدها الرئيس أنور السادات لتردي حالته الصحية إلى أن رحل عن دنيانا في عام ألف وتسعمئة واثنين وثمانين بعد معاناة طويلة مع المرض

انهيار رجل الأمن في أوضح صوره..قلق يمتزج بهاجس الخوف من الموت..لتذوب مهابة الرجل الكبير ويبقى الإنسان الواهن المريض الذي يرقد في فراشه محاصراً بالأطباء المعالجين والأدوية والعقاقير..لا يملك الرجل القوي ساعتها سوى أن يتأمل لحظات ضعفه ويستجدي الأمل في شفائه بالدعاء أو سؤال الأطباء عن حالته

دعونا نتذكر أن هذا هو الرجل نفسه الذي كتب رسالة إلى زوجته يوم السبت الموافق العشرين من يناير كانون ثانٍ من عام ألف وتسعمئة وثمانية وستين يقول فيها: "هناك من تغريهم الحياة.. فالوسادة الناعمة تغري الكثيرين على أن يفقدوا مبادئهم لينعموا ويتمرغوا.. ولكن حينما تبلى الوسادة يصبحون لا شيء.. ما أجمل أن تعرف النفس حقيقتها قبل أن تحاسب الآخرين"


تغيب صورة القوة..ويحل مكانها الضعف..وهنا يقفز التوتر الذي يرافق لحظة الانهيار.. هذا التوتر الذي يؤثر بشدة -ولفترات تتجاوز مدة المرض- على مواقف وقرارات الزعماء وكبار المسؤولين

والمصيبة أن الانهيار قد يأتي في لحظات حاسمة من حياة الأمة – هزيمة يونيو حزيران على سبيل المثال- وهنا تكون المأساة أشد وقعاً وأكثر درامية
تابع القراءة

gravatar

انهيار المشير: إقطاعية اسمها الوطن















المرايا الزائفة تصنع دائماً صورة مشوهة: كذبة قد يصدقها الناس.. ولو لبعض الوقت

هكذا كانت الحال بعد صدمة الحقيقة: هزيمة قاسية وموجعة في الخامس من يونيو حزيران عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين

سماها حملة المباخر نكسة تخفيفاً لحجم الهزيمة.. وصورها البعض على أنها حرب.. في حين أن الحرب تعني قتالاً بين الطرفين.. وهو ما لم يحدث وإنما كانت ضربات متلاحقة من طرف واحد حسم الأمر في غضون ساعات قلائل

وربما كانت الضغوط الشديدة التي حاصرت المشير عبد الحكيم عامر عقب تلك الهزيمة هي السبب في زيادة مساحة الغموض حول ظروف وفاته..وهل ما حدث كان انتحاراً أم جريمة مدبرة..كما ذهب إليه بعض أفراد أسرته

وبعد مرور نحو ثلاثة عقود.. فإن ملابسات الوفاة التي وقعت في الرابع عشر من سبتمبر من عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين بفيللا صغيرة بإحدي ضواحي الجيزة ما زالت تثير بين الحين والآخر الزوابع بل والأعاصير.. التي وصل بعضها إلى قاعات المحاكم

ويرى الكاتب الصحفي عبد الله إمام في كتابه "ناصر وعامر: الصداقة.. الهزيمة والانتحار" أنه ليس غريباً أن يفكر عامر في الانتحار.. ويقدم عليه..وهو الذي كان من قبل يفكر في الانتحار.بل وحاوله في منزل جمال عبد الناصر..على مرأى من زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة بل أيضاً وعقب هزيمة يونيو مباشرة على مرأى من شمس بدران"

ويقول وزير الثقافة سابقاً الدكتور ثروت عكاشة في مذكراته إنه في ساعة متأخرة من ليلة الخميس الثامن يونيو - في العام إياه- اتصل به هاتفياً مدير المخابرات العامة صلاح نصر لإبلاغه أن المشير عامر قد عقد العزم على الانتحار.. ورجاه - لما يعرفه عما كان بين د.عكاشة وبين المشير من ود قديم– أن يسرع إليه ليثنيه عما اعتزمه
وحين زاره د.عكاشة اكتشف أن المشير عامر منهار تماماً حتى أنه يقول في وصف حالته: "كان عبد الحكيم عامر جالساً يترقب قدره في صمتٍ رهيب..ورأيت في عينيه ما هو عازم عليه". ثم يعود فيقول: "على أني رأيت عينيه الجاحظتين تكادان تفصحان عن تصميمه على أن يترك الحياة"

في مذكراته "سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر".. يقول سامي شرف مدير مكتب الرئيس عبد الناصر لشؤون المعلومات إن العلاقة بين جمال عبدالناصر والمشير عبد الحكيم عامر فسدت علي نحو درامي وسريع عقب فجيعة هزيمة يونيو المدوية.. التي أصدر عبد الناصر بعدها قراراً بتنحية عبد الحكيم عامر عن قيادة الجيش وتعيينه نائبا للرئيس..وهو القرار الذي رفضه المشير بشدة.. وحزم حقائبه واتجه إلى بلدته إسطال -مركز سمالوط بمحافظة المنيا - ليقضي بها بعض الوقت

غير أن عامر سرعان ما عاد إلى القاهرة بعد أيام وتحديداً في أول يوليو تموز.. واستقر في منزله بالجيزة. وبدا واضحاً أن نية عبد الناصر كانت قد استقرت حينذاك ودون تراجع على تنحية عامر ومعه شمس بدران.. وإن واصل في الوقت ذاته محاولات احتواء الأزمة ومنع تفاقمها


كان جوهر القضية حسبما يشير سامي شرف في مذكراته هو أن المشير "كان ينظر إلى الجيش على أنه إقطاعية تابعة له ولا يريد التنازل عنها تحت أية ظروف.. بل إنه كان يرى أيضاً في استرداده سلطاته في الجيش بمثابة رد اعتبار له في ضوء مسؤوليته الكبرى عن وقوع الهزيمة العسكرية "

حاول شمس بدران حاول التقدم بحلول وسط.. لكن عبدالناصر أصر على عدم عودة المشير عامر إلى القوات المسلحة مرة أخرى.. في حين أقدم المشير على بعض التصرفات التي زادت الأزمة اشتعالاً.. ربما كان من أهمها توزيعه نص استقالة زعم أنه قدمها للرئيس عبدالناصر بعد النكسة.. مع أنها كانت هي الاستقالة نفسها التي سبق أن تقدم بها عقب أزمة مجلس الرئاسة عام ألف وتسعمئة واثنين وستين

وكانت شقيقة نفيسة عبدالحميد حواس - الشهيرة ببرلنتي عبدالحميد.. زوجة المشير عامر بعقدٍ عرفي- وتدعى زهرة هي التي أعادت طبع هذه الاستقالة في إحدى قري مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية.. وتولت توزيعها هي وزوجها.. بهدف صنع رأي عام مؤيد للمشير..لكن جهاز المباحث العامة ضبطهما مع الآلة الكاتبة والمطبعة

كان الغالبية العظمى من رجال الثورة عقب نكسة يونيو مقتنعين بأن عبد الناصر لن يتراجع عن إبعاد المشير عن القوات المسلحة كحد أدنى..فيما كان البعض الآخر يرى في قبول ذلك إقراراً بإدانة عامر وتثبيت أنه المسؤول عن الهزيمة العسكرية.. لكن عباس رضوان -وزير الداخلية سابقاً- نجح في إقناع المشير عامر بالتوجه لمقابلة عبد الناصر في منشية البكري. وقد كان ذلك اللقاء هو نقطة البداية للعملية "جونسون" التي وضعها الرئيس عبد الناصر لمحاكمة المشير عامر أمام مجلس قيادة الثورة.. وإعلانه بقرار عزله من قيادة الجيش
في الساعة السادسة والنصف من يوم الخامس والعشرين من أغسطس آب.. بدأ وصول أعضاء مجلس قيادة الثورة.. وبعد نحو خمس عشرة دقيقة أي في السابعة إلا ربعاً تقريباً وصل المشير عبدالحكيم عامر. وقد نفذ وزير الداخلية شعراوي جمعة وسامي شرف مهمتهما وفق الخطة الموضوعة.. وكانت تتمثل في اعتقال المرافقين للمشير عامر ووضع سيارته تحت الحراسة بعد تفتيشها في جراج منشية البكري


ووفق ما كان وارداً في الخطة فقد دخل إلى منزل عبد الناصر في الساعة السابعة تماماً كل من: وزير الحربية أمين هويدي ومحمد المصري من مكتب سامي شرف.. وأحد الضباط الأحرار والعميد صلاح شهيب من الياوران.. وأحمد شهيب من الضباط الأحرار وعضو مجلس الأمة عن دائرة مصر الجديدة. وكان قائد الحرس الجمهوري العميد محمد الليثي ناصف يمر باستمرار حول المنطقة وداخل المنزل

في تلك الجلسة.. اتهم عبد الناصر صديق عمره عامر بالتآمر وسرد سلسلة من الوقائع قبل أن يستطرد قائلاً:
" أنا في الحقيقة مش عارف ليه أنت بتربط نفسك بالقوات المسلحة وبقيادة الجيش. هل إحنا لما قمنا بالثورة كان هدفنا أن أتولى أنا رئاسة البلد وأنت تتولى قيادة الجيش؟.. عايز أفكركم كلكم وأنت بالذات مين اللي رشحك.. واقترح وأصر على تعيينك قائداً عاماً.. مش أنا اللي كنت وراء هذا التعيين؟.. وإذا كان الأمر كذلك طيب ألم يكن من الطبيعي بعد الانفصال وما حدث وموقف الجيش ومكتبك هناك ودورك أن تحاسب على ما حدث؟ .. حتى بعد ذلك ألم تكن هناك أكثر من مؤامرة ضد النظام ضبطت وهي من صنع رجال يعملون في مكتبك يا عبدالحكيم؟"

لم يتمالك المشير أعصابه عند هذا الحد من اللقاء.. فانفعل وبدأ يفقد أعصابه.. فقال له عبد الناصر: "الأمور واضحة.. أنت راجل متآمر وعليك أن تقدر الموقف الصعب اللي بنمر فيه وعليك أن تلزم بيتك من الليلة"

وبالطبع رفض عبدالحكيم عامر بشدة هذا القرار.. وهو ما دفع بعض الحاضرين - ومن بينهم أنور السادات- إلى محاولة إقناع المشير بقبول هذا القرار.. إلا أنه قال لهم في غضب:" أنتم بتحددوا إقامتي وبتحطوني تحت التحفظ، قطع لسانك يا..."

في تلك الليلة..سب عبد الحكيم عامر أنور السادات ووصفه بما يعف اللسان عن ذكره

حاول الحاضرون إقناع المشير في تلك الليلة بأن هذا القرار يحقق مصلحة البلاد العليا.. غير أنه كان غاضباً للغاية وأصم أذنيه تماماً.. وبدا أنه يعيد النظر في كل شيء متجهاً بفكره وبصره إلى بيت الجيزة والاستعدادات والرجال هناك - وقد حضر عدد من أقارب عامر بناء على طلبه للإقامة معه في منزله- والمجموعة التي كانت معترضة على إتمام هذا اللقاء.. دون أن يدري شيئاً بأمر الاتصالات بين سامي شرف وبين كل من القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول محمد فوزي ومدير المباحث العامة اللواء حسن طلعت ومدير المخابرات الحربية اللواء محمد أحمد صادق

ومع تصاعد حدة التوتر في الجلسة التي حاكم فيها عبد الناصر المشير أمام مجلس قيادة الثورة.. شن عامر هجوماً على عبد الناصر إلى أن قال الرئيس للمجتمعين إنه سيتركهم لبعض الوقت حتى تهدأ الأمور.. وتنقل جريدة "الأهرام ويكلي" – عدد الخامس من يونيو حزيران عام ألف وتسعمئة وسبعة وتسعين- عن أمين هويدي قوله إنه عندما دخل الغرفة وجد أنور السادات ينتحب وزكريا محي الدين وحسين الشافعي صامتين. بعدها خرج عامر من الصالون متوجهاً إلى دورة المياه.. وقابل أمين هويدي على الباب فقال له: أهلاً بوزير حربيتنا.. الله.. الله.. ده أنتم مجهزين كل حاجة والحكاية محبوكة على الآخر"

دخل عبد الحكيم عامر إلى دورة المياه.. ثم خرج بعد قليل حاملاً ورقة سيلوفان فارغة وكوباً في يده رماها علي طول امتداد ذراعه قائلاً: "اطلعوا بلغوا الرئيس أن عبدالحكيم خد سم وانتحر".. ثم دخل إلى الصالون بهدوء ليجلس على نفس الكنبة التي كان يجلس عليها وهو يبتسم في هدوء وكأنه لم يفعل شيئاً


ويقول أمين هويدي إنه صعد مهرولاً إلى الدور العلوي ليبلغ عبد الناصر الذي استقبله على رأس السلم وهو يرتدي البيجامة و"الشبشب".. وقال له: "أنا سمعت ما قيل واللي بيحصل ده كله تمثيل".. وأضاف الرئيس قائلاً: " عامر جبان..ولو كانت لديه شجاعة الإقدام على الانتحار لما كنا أصلاً نواجه هذا الوضع المرتبك"


استدعي الدكتور الصاوي حبيب طبيب الرئيس الخاص وكان موجوداً في منشية البكري فدخل على عجل وحاول أن يسعف المشير الذي رفض أن يستجيب له مما اضطر معه أن يمسك حسين الشافعي بالمشير بشدة حتى يتمكن الطبيب من حقنه وحاول أن يضع إصبعه في فمه ولكن من دون جدوى


في هذه الأثناء..كانت القوة التي تم تشكيلها بعلم الرئيس عبد الناصر قد نجحت بالفعل في حصار منزل المشير بالجيزة.. ثم أنهت تلك القوة -التي قادها الفريق أول محمد فوزي- الاعتصام بعد إلقاء القبض على من كان متحصناً داخله - وفي مقدمتهم شمس بدران وعباس رضوان- كما تم تفريغ المنزل من كل الأسلحة والذخائر.. لتصبح الفيلا خالية إلا من عائلة المشير ..حيث حددت إقامته هناك بين أهله وأولاده فجر يوم السادس والعشرين من أغسطس تحت حراسة أفراد من القوات المسلحة المصرية


وبعد أن استقر المشير عامر في المنزل تم قطع جميع الخطوط الهاتفية ما عدا خطاً واحداً فقط رؤي الإبقاء عليه
حاول عامر أن يتصل بعبد الناصر أكثر من مرة.. لكنه لم يستجب له فأرسل إليه ورقة تسلمها محمد أحمد السكرتير الخاص للرئيس.. يطلب فيها رفع الإقامة الجبرية عنه وإلا فإن الرئيس سيندم. ومرة أخرى لم يستجب عبدالناصر للتهديد

غير أنه وفي الثالث عشر من سبتمبر أيلول ومع تواصل نشاط واتصالات المشير عامر هاتفياً ومعه بعض من أقاربه وإخوته.. بهدف تأليب الرأي العام ضد النظام بعد وضعه تحت الإقامة الجبرية.. أصدر عبد الناصر قراراً بنقل عامر إلى مكان أمين منعزل يتعذر معه إجراء مثل هذه الاتصالات والنشاط. وكلف الفريق أول محمد فوزي مرة ثانية بتنفيذ القرار فتوجه وبصحبته الفريق عبدالمنعم رياض رئيس الأركان واللواء سعد زغلول عبدالكريم مدير الشرطة العسكرية وبعض الضباط من الحرس الجمهوري إلى منزل المشير.. وكان الضابط المسؤول عن الحراسة في ذلك اليوم العميد محمد سعيد الماحي الذي شارك في تنفيذ المهمة

دخل الفريق عبدالمنعم رياض أولاً ودعا المشير عامر لتنفيذ أمر رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة فأبى تنفيذه.. وتردد في البداية.. ولكن الفريق رياض تلطف معه ونصحه بمرافقته. ويقول سامي شرف في مذكراته: "في تلك اللحظة تناول عبدالحكيم عامر شيئاً وضعه في فمه وأخذ يمضغه.. مما لفت أنظار الكل والعائلة وصرخت إحدى كريماته بأن أباها تناول سماً

ثم دخل المشير في مرحلة فقدان الاتزان فاصطحبه الفريق عبدالمنعم رياض بسرعة إلى الخارج.. وحاول هو والفريق أول محمد فوزي أن يضعوه في سيارة الإسعاف التي كانت مجهزة كإجراء احتياطي.. إلا أن عامر رفض ركوبها فما كان منهما إلا أن وضعاه في سيارتهما وتوجها به إلى مستشفى المعادي للقوات المسلحة التي كانت أخطرت على عجلٍ لعلاج حالة طارئة

في الطريق إلى المستشفى طلب الفريق رياض من المشير إخراج ما في فمه.. وبعد تمنع اضطر لطرد باقي ما كان في فمه وكان عبارة عن مادة تشبه اللادن الأصفر في ورق سوليفان.. فتلقفه ضابط الحرس المرافق الرائد عصمت محمد مصطفى.. وكان معه النقيب محمد نبيل إبراهيم والنقيب عبدالرؤوف حتاتة من الحرس الجمهوري

وضع الرائد عصمت ما تلقفه في منديل ورق حيث سلمه للمعامل فور وصولهم إلى المستشفى. وهناك أجريت الإسعافات السريعة وعمل الأطباء: اللواء عبدالحميد مرتجي والعميد محمود عبدالرازق والعميد عبد المنعم القللي والمقدم عبد المنعم عثمان والرائد أحمد محمود عبدالله والرائد حسن عبد الحي.. على محاولة غسيل لمعدة المشير.. ولما رفض أعطي محلولاً ليتقيأ وتم ذلك فعلاً. وعندما قال له اللواء عبدالحميد مرتجي قائد المستشفى بعد أن أفرغ عامر ما في جوفه إنه لم يعد هناك خطر الآن على حياته قال المشير: "ده أسوأ خبر سمعته"

ويقول سامي شرف: "بعد فترة قرر الأطباء أن الحالة أصبحت مستقرة وطبيعية ومطمئنة.. وبناء على ذلك قرر الفريق فوزي استئناف المهمة.. واتجه بالركب إلى استراحة المريوطية. وفي الساعة السابعة مساء ذلك اليوم أظهرت المعامل نتيجة تحليل ما لفظه وتقيأه المشير عامر وأبلغ المقدم طبيب عبدالمنعم عثمان أن التحليل أظهر آثاراً لمادة الأفيون
وفي استراحة المريوطية التي سبق اختيارها كمقر لإقامة المشير عامر كان في استقبالهم هناك قرابة الساعة الخامسة والنصف من بعد الظهر.. العميد محمد الليثي ناصف ومجموعة من ضباط الحرس الجمهوري والنقيب طبيب مصطفى بيومي حسنين وبعض أفراد الخدمة والإعاشة والحراسة ولم يطلب المشير شيئاً سوى عصير الجوافة

وقد مكث الفريق أول محمد فوزي والفريق عبدالمنعم رياض مع المشير نحو الساعة دار فيها حوار حول الموقف العسكري.. وقال لهم المشير إن عليهم أن يطلبوا تعويض السلاح من الاتحاد السوفييتي الذي هاجمه واعتبره أنه خذل مصر.. وقال لهما: "عندكم الرجالة كتير في البلد.. وكل ما عليكم هو استئناف القتال". ثم قال: "يا فوزي ويا رياض... تبلغوا الرئيس أنه إذا لم ينه هذا الوضع في أربع وعشرين ساعة فإنه سيتحمل مسؤولية ما سيحدث"

ويقول سامي شرف :" أبلغ الفريق فوزي هذه الرسالة للرئيس.. بعدما غادر هو والفريق عبدالمنعم رياض الاستراحة. وكان المشير قد طلب ماكينة حلاقة وبعض الكتب التي وصلته في نفس الليلة"

في يوم الرابع عشر من سبتمبر أيلول.. لم يتناول المشير أي طعام إلا بعض السوائل. وفي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم تم تغيير الورديات الطبية والحراسات المناوبة.. فاستلم الرائد طبيب إبراهيم البطاطا نوبته.. وشرح له زميله حالة المشير الصحية وتطوراتها وطمأنه بأن الحالة تشير إلى التحسن كما ذكر له الأدوية التي أعطاها له.. لكن المشير لم يتناول طعام الغداء نظرا لاستمرار القيء..وقرر الطبيب المعالج إتمام تغذيته بمحلول الجلوكوز عن طريق الوريد

ويقول سامي شرف: "قرابة الساعة الرابعة من بعد الظهر أبدى المشير للدكتور البطاطا شكوى من ألم في أسنانه فأعطاه حقنة نوفالجين. وبعد ذلك دخل المشير الحمام وتقيأ ثم طلب بعض الماء ليغتسل في غرفته فحمل له أحد السفرجية -منصورأحمد- الماء فاغتسل ثم رقد على السرير"

"وفي الساعة الخامسة مساءً دخل الطبيب حجرة المشير فوجده نائماً وكان نبضه وضغط دمه طبيعيين.. غير أنه وبعد السادسة بقليل وأثناء توجه الطبيب مرة ثانية إلى غرفة نوم المشير سمع استغاثة السفرجي منصور الذي نادى عليه ليسرع إلى غرفة المشير حيث قرر أنه سمع صوت "شخير" عالٍ صادر عن المشير. ولما دخل الطبيب وجده راقداً على الفراش في حالة غيبوبة ونبضه ضعيف.. فسارع بإعطائه حقنة "كورامين" و"أمينوفلين" كما أجرى له تنفساً صناعياً من أنبوبة الأوكسجين. ولم يجد ذلك كله حيث تحققت وفاة المشير عبدالحكيم عامر قرابة الساعة السادسة وأربعين دقيقة"


وحسب تأكيدات الطبيب المعالج فإن المشير عامر لم ينطق بأي عبارات في الدقائق التي سبقت وفاته.. وكل ما تكلم به مع الطبيب أثناء تعليق أنبوبة الجلوكوز هو أنه قال له: "مفيش فايدة من كل اللي بتعمله ده"

ويقول سامي شرف :" في الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة أبلغني العميد محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري بنبأ وفاة المشير عبدالحكيم عامر فقمت بإبلاغ الخبر للرئيس بالإسكندرية في الحال وكان الخبر صاعقاً بالنسبة لنا جميعاً.. أما بالنسبة للرئيس فقد وضع سماعة التليفون بمجرد سماعه الخبر"


أمر الرئيس عبد الناصر بإبلاغ وزير العدل والنائب العام وكبير الأطباء الشرعيين فوراً لاتخاذ الإجراءات القانونية والتحقيق

بدأت التحقيقات في واقعة انتحار المشير عامر تحت إشراف وزير العدل عصام الدين حسونة وانقسم التحقيق إلى قسمين:

الأول: تحقيق الطب الشرعي وقد أشرف عليه الدكتور عبدالغني سليم البشري وكيل وزارة العدل لشؤون الطب الشرعي ويعاونه الدكتور يحيي شريف أستاذ الطب الشرعي بجامعة عين شمس والدكتور علي عبدالنبي أستاذ الطب الشرعي بجامعة القاهرة والدكتور كمال السيد مصطفى مساعد كبير الأطباء الشرعيين

والثاني: يتولاه النائب العام المستشار محمد عبدالسلام يعاونه المحامي العام وعدد من رجال النيابة العامة ويتولى التحقيق في كل ظروف الحادث ومع كل الذين كان لهم أدنى علاقة به بمن فيهم أسرة المشير وأطقم الحراسة وهيئة مستشفى القوات المسلحة بالمعادي وكل من كان في استراحة المريوطية

وقد أصدرت النيابة العامة أول بيان لها يوم السادس عشر من سبتمبر أيلول عام ألف وتسعمئة وسبعة وستين.. جاء فيه أن التحقيقات بدأت بسؤال كل من الفريق فوزي والفريق عبدالمنعم رياض وكل من كان له صلة في هذه المأمورية منذ أن بدأت وكذا هيئة مستشفى المعادي، إلخ

وجاء في البيان بعد ذلك ما يلي بالنص:"... كما ثبت اليوم بصفة قاطعة من التحليل الضوئي والكيماوي الذي أجرته مصلحة الطب الشرعي أن المادة التي وجدت مخفاة تحت الشريط اللاصق وزنها مئة وخمسون ملليغراماً هي مادة "الأكونيتين"..وهي عقار شديد السمية سريع الأثر..يكفي نحو ملليغرام أو اثنين منه لإحداث الوفاة في مثل الظروف والحالة التي شوهد عليها الجثمان"

لا أحد يقطع بأن هذه هي الرواية - المستقاة من شهادات عدد كبير ممن عاصروا الأحداث- هي الرواية الأكيدة.. لكنها قد تبدو أكثر منطقية من غيرها. وبغض النظر عن تفاصيل الدقائق الأخيرة في حياة المشير عامر والسيناريوهات المتناقضة حول ما جرى فيها.. فالثابت أن حالة المشير كانت أقرب ما يكون إلى الانهيار النفسي والعصبي

انهيار يعد ثمرةً مرةً لواقعٍ ضاغط.. ومأساة أمة..وخلافات شخصية..وأزمة ثقة.. أدت في مجملها إلى تلك النهاية الدرامية للرجل الذي شارك في صنع ملامح هزيمة يونيو لأنه ظن مثل كثيرين غيره أن مصر إقطاعية قبل أن تكون وطناً للمصريين
تابع القراءة

gravatar

انهيار الزعماء: عرق السادات.. ودم عبد الناصر



















المحظورات العربية كثيرة.. لكن أخطرها في عالم السياسة هو: صحة الحاكم

إذ يستميت الزعماء العرب ويعملون جاهدين على إخفاء حالتهم الصحية عن الرأي العام.. ويرون أنه من العيب أن يعلم العامة بمثل هذا المرض بوصفه من مؤشرات العجز التي لا تليق بصفات القائد الذي لا بد أن يكون قوياً مهاباً معافىً على الدوام..كأنه فوق مستوى وقدرة البشر

وفي أحد أيام يناير كانون ثانٍ من عام ألفين واثنين.. نشرت جريدة "الأخبار" المصرية التي كان رئيس تحريرها آنذاك جلال دويدار أن قائد الثورة الليبية العقيد معمر القذافي كاد يصاب ذات مرةٍ بانهيار عصبي.. لولا أن الرئيس المصري أنور السادات أنقذه من ذلك

ومن الواضح أن عملية "الإنقاذ" هذه تمت قبل أن تسوء العلاقة وتتوتر بين الزعيمين في النصف الثاني من عقد السبعينيات
على أن السادات نفسه كان – حسبما يقول خصومه السياسيون- من أشهر الذين أصيبوا بالانهيار و"الإغماء السياسي"..مثلما جرى في جنازة الرئيس جمال عبد الناصر..حينما فقد الوعي وتعلل بظروفه الصحية وتأثره برحيل عبد الناصر ليغيب عن مراسم التشييع.. وهو ما توقف عنده كثير من الكتاب والسياسيين.. ومن بينهم فلاديمير فينوغرادوف السفير السوفييتي في القاهرة - خلال تلك الفترة- الذي أشار في مذكراته إلى الحكاية بشيء من الغمز واللمز في قناة السادات الذي طرد الخبراء السوفييت من مصر بعد ذلك بفترة قصيرة

ولقد نشر الكاتب الصحفي أنيس منصور في مجلة "أكتوبر" بتاريخ السابع والعشرين من ديسمبر كانون ثانٍ عام ألف وتسعمئة وواحد وثمانين مقالاً تضمن حواراً دار بينه وبين السادات نقتطف منه ما يلي:

"سألت الرئيس السادات: وهل صحيح ما يقال من أنك في جنازة الرئيس عبد الناصر تظاهرت بأزمة قلبية..ولم تكن هناك أزمة..إنما كان لديك معلومات مؤكدة عن محاولة لاغتيالك قد دبرت أثناء الجنازة ؟ فضحك الرئيس السادات قائلاً : يا باي.. إن أحداً لا يصدق أحداً.. أعوذ بالله"

ولم يثبت السادات الواقعة أو ينفيها.. مما يفتح باب الشك.. ويعزز رأي من قالوا إنها صحيحة

ويقول أنيس منصور في المقال المذكور:

"وسألته إن كان صحيحاً أن جمال عبدالناصر قال: إنك سوف تدفن جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة لأنك مهتم بصحتك ولا تقلق خاطرك بكل مشاكل مصر

وضحك السادات وقال: أعرف أنه قال ذلك ولكن الأعمار بيد الله

وقد سألت الرئيس السادات إن كان صحيحاً أن جمال عبدالناصر قد شكا من أنه لا يحضر الاجتماعات ولا يشارك في المواقف الحرجة.. وأنه في كل مرة يستدعيه لحضور الاجتماعات يعلن أنه مريض أو يتمارض.. فأكد لي أن ذلك صحيح..وأن السبب هو أن هذه الثورة هي ثورة جمال عبدالناصر وأن كل من يحاول أن يرفع رأسه فسوف يطيح به ولذلك قررت أن أبتعد"

كذلك فإن التاريخ الطبي للسادات يشير إلى أنه أصيب بانهيار عصبي في أكثر من موقف وأزمة.. خاصةً أنه كان يفقد أعصابه حين يواجه أحدهم ويتحداه على الملأ..فيتصبب وجهه عرقاً ويتلعثم وترتفع حدة صوته..قبل أن تصيبه الآلام المصاحبة لهذا الانهيار العصبي

ويقول سامي شرف سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر للمعلومات ووزير شؤون رئاسة الجمهورية سابقاً إن "عبدالناصر قال للسادات في أحد الأيام: "يا أخي أنت حتقعد عليَ عبء لغاية إمتى؟ كفاية بقى"..وكان ذلك عقب حصول السادات على مبلغ أربعمئة جنيه من إذاعة صوت العرب في مقابل أحاديث.. وبعد ذلك تسلمه شيكاً بمبلغ عشرة آلاف جنيه تبرعاً للمؤتمر الإسلامي من أحد مشايخ الخليج عام ألف وتسعمئة وخمسة وستين ولم يثبت في حسابات المؤتمر الإسلامي.. وتولى المشير عبدالحكيم عامر التحقيق في هذا الموضوع ولم ينهه.. وقد ترتب على هذه القصة أن كان السادات في رأس البر في ذلك الوقت.. فادعى أنه مصاب بأزمة قلبية ونقل إلى القاهرة في سيارة إسعاف خاصة"

نأتي إلى جمال عبد الناصر

تشير بعض الروايات إلى أن الدكتور أنور المفتي كان يردد في مجالسه الخاصة أن الرئيس عبد الناصر مصاب بالبارانويا وأنه أصبح غير مؤهل للحكم لأن مرض السكر في الدم يمكن أن يؤثر على توازن التفكير. وفي كتاب صدر تحت عنوان "التاريخ يصنعه هؤلاء" لزهيرة البيلي.. نقرأ في (ص 14): " وأخيراً استشار (عبد الناصر) أنور المفتي الذي لم يستمر في علاجه طويلاً. قال أنور المفتي: إن عبد الناصر مريض منذ فترة بمرض السكر دون أن يعرف.. وإن المرض قد وصل إلى مرحلة خطيرة. وكان معنى هذه الأعراض أن التهاباً شريانياً ينمو ويزداد في الأعضاء كلها. وقال الطبيب إن هذه الأعراض ستؤثر على قواه العقلية"

ويقول الكتاب: إن الدكتور أنور المفتي دفع ضريبة صراحته.. فقد نفذ صلاح نصر – مدير المخابرات العامة- الأوامر بقتل هذا الطبيب بالسم

والحكاية في مجملها كانت محل أخذ ورد من جانب كثيرين.. وقد رفضها عدد كبير من الكتاب.. ومن بينهم جمال سليم في كتابه "كيف قتلوا عبد الناصر؟" غير أن ما يهمنا في هذا المقام هو الحديث عن مرض عبد الناصر الذي بدا البعض مقتنعاً بأنه أدى إلى تدهور صحته وانهياره

ونشير هنا إلى ما ذكره الدكتور الصاوي حبيب طبيب الرئيس عبد الناصر من أنه في وقت من الأوقات ظهر عند عبد الناصر "الأسيتون".. وهو من مضاعفات مرض السكر..فعندما يجد الجسم مادة نشوية أو كربوهيدراتية يحرقها كي يحصل على الطاقة نتيجة فقد الغلوكوز في البول يحتاج الجسم إلى طاقة فيأخذها من الدهن..وناتج حرق الدهن للحصول على طاقة هو الأسيتون..وهذا لا يحدث إلا عندما يزيد السكر جداً ويقل الأنسولين ويصبح الجسم في حاجة إلى طاقةٍ من مصدر غير نشوي

فالأسيتون هنا مادة سمية لأنها مادة كيميائية حمضية دهنية..وهي مؤشر على أن السكر قد انطلق في الجسم ولا سيطرة عليه. وهذا يعني الكثير من الاضطراب المرضي لدى الشخص المصاب به..وخاصةً في حالة جمال عبد الناصر الذي يرى الكاتب محمود السعدني أنه توفي متأثراً بإصابته بالسكر البرونزي..أي مرض السكر الذي يجعل لون الجسم مثل البرونز

ورجل مثل عبد الناصر عاصر فترات عصيبة من تاريخنا السياسي والعسكري..كان طبيعياً أن تحاصره الأمراض..حتى إن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل يذكر في حواره المطول مع فؤاد مطر الذي تضمنه كتاب "بصراحة عن عبد الناصر" (ص 200) أن الرئيس شعر في يوم 11-9-1969 بإرهاق شديد مصحوب بنوع من الدوار..ودعا طبيبه الخاص الدكتور الصاوي حبيب الذي اكتشف إصابته بانسداد في فرع الشريان الأمامي للقلب

والشيء المؤكد أن انهيار عبد الناصر الأخير في مطار القاهرة الدولي بعد ظهر يوم الثامن والعشرين من سبتمبر أيلول عام ألف وتسعمئة وسبعين..وتوابع هذا الانهيار في منزله وغرفة نومه بمنشية البكري حتى الساعة السادسة والربع مساءً..فتحت الباب أمام تساؤلات مازالت معلقةً حتى يومنا هذا..على الأقل بالنسبة لمن يشعرون بأن هناك إجابات غير مكتملة حول ظروف المرض الأخير للرئيس عبد الناصر
وإذا كانت الطوابق العليا للقيادة والزعامة قد انهارت يوماً ما.. فإن الطوابق السفلى لم تنج بدورها من هذا السيناريو الكئيب: الانهيار
تابع القراءة

gravatar

انهيار الزعماء: مبارك والأربعون.. دقيقة





لو استمرت الأمور على حالها.. فمصر رايحة في ستين داهية
محمد حسنين هيكل


خدعوك فقالوا: القائد مصنوع من الصلب..ومغلف بالغرانيت

فالقائد أو الزعيم في أي مكان – حتى وإن وصفه البعض بالحكيم أو الزعيم الملهم- بشر.. ينفعل ويغضب ويصرخ.. وينهار

والانهيار لأسباب نفسية صحية على مائدة المفاوضات أوتحت أضواء عدسات المصورين أمر وارد في حياة كثير من الزعماء.. حدث هذا مع الرئيس الأمريكي سابقاً جورج بوش.. والرئيس الروسي سابقاًً بوريس يلتسن.. وقبله الزعيم السوفييتي السابق ليونيد بريجنيف.. وغيرهم الكثير

وربما يكون انهيار الزعماء وكبار المسؤولين – صحياً أو نفسياً- موضوعاً يقود إلى الجدل والخلاف حول ظروف وملابسات ودرجة هذا الانهيار..ولكن يبقى أن تلك الأزمات الصحية أو العصبية تركت علامات فارقة في مسار حياة كل من تعرضوا لها.. أو دقت أجراس الخطر سياسياً واقتصادياً في دولهم ومجتمعاتهم

والرئيس المصري حسني مبارك ليس استثناء

فالرجل الذي يحمل على كتفيه عمره المديد الذي يقترب الآن من التاسعة والسبعين.. تعرض لأزمات صحية أثارت تساؤلات عدة.. ومع أن الصورة الرسمية المرسومة له هو أنه رجل نشيط يحرص على عاداته اليومية والغذائية كطيار عسكري سابق.. فإن السن له أحكام.. والقدر أيضاً

وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي تعرض مبارك لوعكة صحية قال فيما بعد للصحفي الأثير لديه سمير رجب على صفحات جريدة "الجمهورية" إن الأمر لا يعدو عن اضطراب معوي بسبب تناوله بعض "الكريمة" على قطعة جاتوه

ولأعوام طويلة انتشرت شائعات حول سوء صحة مبارك.. ولم يُعترف بذلك رسمياً حتى الثامن عشر من نوفمبر تشرين ثانٍ عام ألفين وثلاثة

وجاء الاعتراف غير المقصود على الهواء مباشرة

فبينما كان مبارك يتحدث في افتتاح دورة برلمانية جديدة لمجلسي الشعب والشورى سكت فجأة ثم قال "هو الدنيا برد ولاً إيه"


كان الرئيس مبارك يتصبب عرقاً ويمسح وجهه بمنديل


ووسعت كاميرا التليفزيون الحكومي من الصورة لتبتعد عن التركيز على وجه الرئيس وهو على المنصة وقد بدا عليه الإنهاك الواضح.. وبعد ثوانٍ من ذلك تحولت لتركز على العلم المصري المثبت


وسرعان ما تبين أن مبارك أصيب بإغماءة أمام الملايين من مشاهدي التليفزيون


وبعد ذلك بعشر دقائق تابع التليفزيون المصري بثه الحي


مرت الدقائق ثقيلة وتسمر المشاهدون أمام التليفزيون المصري والقنوات الفضائية لمتابعة صورة غاب عنها البطل الرئيسي. كان الكل في انتظار معرفة ما جرى ومدى تدهور صحة الرئيس المصري الذي نقلَ على الفور إلى قاعة جانبية في البرلمان

سادت حالة من الهرج والمرج بين أعضاء مجلسي الشعب والشورى وباقي كبار الضيوف المدعوين لحضور الحدث.. إلى أن فتح الله على شيخ الجامع الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي فقرر الدعاء بصوت عالٍ أن "يحفظ الله مبارك".. في حين ردد وراءه باقي الحاضرين وأغلبهم من جوقة الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم –الذي كان يسيطر على أكثر من تسعين في المئة من مقاعد البرلمان- كلمة واحدة:"آمين".. وغرق بطريرك الكرازة المرقسية الأنبا شنودة في صمته وبدا في حالة ابتهال ودعاء

وكانت أكثر من أربعين دقيقة من التساؤلات عن مبارك.. ومصير الحكم من بعده

ولو أن الأحداث كانت من التراث الغابر لأطلقنا عليها اسم" حسني مبارك والأربعون.. دقيقة"

ولكن بعد تلك الدقائق الثقيلة دوت القاعة بالتصفيق بعد أن أصر الرجل على العودة ومواصلة الخطاب.. بعد اختصاره

وعزا وزير الصحة آنذاك محمد عوض تاج الدين سبب هذا العارض إلى "هبوط مفاجيء في ضغط الدم" بسبب صيام رمضان وآثار نزلة برد شديدة

غير أن هناك من ذهب إلى القول بأن ما حدث كان ببساطة.. أزمة قلبية

وما هي إلا شهور حتى عادت قضية مرض الرئيس تطل برأسها من جديد

ويبدو أن مبارك كان يعاني من آلام مبرحة في الفقرات القطنية اشتدت عليه في رحلة رومانيا.. وزادت وطأتها في روسيا التي زارها في مايو أيار عام ألفين وأربعة

وحسب التقارير المتاحة فإن الرئيس مبارك كشف لبعض مرافقيه في هذه الرحلة عن آلام الظهر التي تهاجمه..مما استدعى اختصار بعض المراسم واللقاءات. وفي طريق عودته إلى القاهرة..وبينما كان يهم بالنزول من سيارته في مطار موسكو.. أصيب بالتواء في القدم فمال بجذعه كله مرة واحدة وبقوة للإمساك بالسيارة

وقد أدت حادثة مطار موسكو..مع الآلام التي كانت تعاود مبارك في الظهر..إلى الإصابة بانزلاق غضروفي بين الفقرتين الرابعة والخامسة زادت من حجم الآلام.. مما استدعى أن يمر - فور عودته إلى العاصمة المصرية- على مستشفى عسكرى لإجراء الفحوص اللازمة. وبعد عودته إلى مصر اختفى الرجل عن اللقاءات العامة على نحو غير معتاد

وسرعان ما عرف الناس الخبر اليقين

ففي أحد أيام شهر يونيو عام ألفين وأربعة علم العامة بمرض الرئيس مبارك وسفره لألمانيا لتلقي العلاج من انزلاق غضروفي

أجهزة الإعلام المصرية حرصت - ربما في حالة نادرة من نوعها- على الكشف عن مرض رئيس الجمهورية وذهابه إلى ألمانيا لتلقي العلاج.. إلا أنها شددت في الوقت نفسه على التقليل من خطورة الوضع الصحي لمبارك.. وأكدت أن الرئيس يتمتع بصحة جيدة وبروح معنوية عالية

وجاء البيان الرسمي على النحو التالي: "صرح مصدر مسئول برئاسة الجمهورية بأن الرئيس حسني مبارك سيتوجه صباح اليوم إلى ألمانيا لإجراء جراحة انزلاق غضروفي ما بين الفقرات القطنية‏..‏ وذلك بناء على ما استقر عليه رأي الفريق الطبي الخاص بالرئيس‏.‏ وأضاف المصدر أنه من المقرر أن تجرى الجراحة صباح غد‏

"وصرح الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة بأن عملية الانزلاق الغضروفي‏ التي سيجريها الرئيس بسيطة‏.‏ وقال‏:‏ إن العملية ما بين الفقرات القطنية ستتم عن طريق المنظار الميكروسكوبي‏..‏ وهي عملية شائعة يتم بها إزالة الغضروف‏.‏ وأضاف أن الفريق الطبي المعالج للرئيس كان لديه أحد خيارين‏:‏ الأول العلاج التحفظي الطبي‏.. ويشمل علاجاً بالدواء‏..‏ وعلاجاً طبيعيا‏..‏ ويستمر فترة طويلة‏.‏ والثاني‏:‏ العلاج السريع وهو إجراء هذه العملية عن طريق المنظار الميكروسكوبي‏.‏ وقد فضل الرئيس هذه الطريقة"‏

في البداية أكد رئيس الفريق الطبي المعالج للرئيس مبارك الطبيب مايكل ماير كبير الأطباء في مستشفى أورتوتسنتروم في ميونيخ أنه لم يتخذ قراره بعد بشأن ما إذا كان التدخل الجراحي أمراً ضرورياً لعلاج مبارك.. وقال "إن حالته (مبارك) طيبة في مثل ظروفه.. إنه يخضع لبرنامج تشخيصي متكامل لتحديد المكان الذي ستجرى فيه العملية بصورة دقيقة تماماً"

وأوضح ماير أنه "سيتم قطعاً خلال الأيام القليلة المقبلة" اتخاذ قرار بشأن إجراء عملية جراحية. وأضاف أن العملية المحتملة تستلزم جراحة دقيقة لإزالة الغضروف المصاب. ووصف العملية بأنها روتينية وتستغرق نحو ساعة.. ويحتاج المريض بعدها إلى البقاء في المستشفى لبضعة أيام

وجاءت تعليقات ماير في الوقت الذي قال فيه شيخ الأزهر في القاهرة إن كل علماء الدين في مصر يدعون الله مع باقي أبناء الوطن كي يعود مبارك سريعاً إلى البلاد

القلق في الشارع المصري كان مرده تساؤل بسيط مفاده: هل يتحمل "الرجل الكبير" عملية جراحية دقيقة كهذه؟

والأهم من ذلك أن المرض الذى تعرض له الرئيس مبارك والعملية الجراحية المنتظرة له في ظهره تمثل لحظة فارقة فى تاريخ حكم مبارك.. فقد تولد انطباع عام لدى الرأي العام بأن صحة وقدرة الرئيس مبارك لم تعد كما كانت في السابق

وهكذا فإن مرض الرئيس مبارك وغيابه بالخارج ومضاعفات هذا بدون وجود نائب للرئيس أو طريقة واضحة للخلافة أصبح الشغل الشاغل للشعب المصري.. ووفقاً للدستور الحالي للبلاد تنص المادة اثنتان وثمانون على ما يلي: "إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية"

لكن مبارك لم يجد -كما يقول مستشاره السياسي الدكتور أسامة الباز- من يصلح نائباً له.. طوال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية

لم تتبدد غيوم الأسئلة بالرغم من القرار الذي أصدره مبارك قبل سفره بأن يتولى رئيس الوزراء الدكتور عاطف عبيد جانباً من الصلاحيات القانونية والدستورية لرئيس الجمهورية أثناء غيابه

وبالنسبة لمصر المتخمة بالمشكلات فإن آخر شيء كانت تتمناه في هذا التوقيت أن يكون رئيس الجمهورية مريضاً

ثم أجريت الجراحة

وقال الطبيب مايكل ماير الذي أشرف على جراحة إزالة الغضروف التي أجريت للرئيس المصري إنه "في حالة جيدة" وبدأ يمشي بعض الخطوات. وأضاف ماير في مؤتمر صحفي عقده في ميونيخ مع وزير الصحة المصري عوض تاج الدين - نقله التليفزيون المصري- أن مبارك "أمضى ليلة جيدة ونقل صباح أمس إلى غرفته العادية ومشى داخلها بعض الخطوات ونأمل أن نجعله يمشي أكثر خلال الأيام المقبلة"

أما وزير الصحة المصري فقال: " إن القياسات الحيوية للرئيس مبارك كلها مستقرة وطبيعية‏". وأشار‏ إلى أن "ضغط الدم‏‏ والنبض‏‏ والحرارة‏‏ والتنفس‏‏ والأوكسجين في الدم كلها طبيعية تماما ومستقرة"‏‏ وشدد على أن "كل التحاليل المعملية بعد إجراء الجراحة في حدودها الطبيعية"

لم يكن هذا كافياً لطمأنة المراقبين - والعامة- على مدى استقرار الوضع السياسي في مصر.. ورأى كثيرون أنه حتى بعد عودة مبارك فإنه سيكون مضطراً لقضاء فترة طويلة من النقاهة والاسترخاء لتجنب أي حركة مفاجئة قد تكون لها مضاعفات

وكان ضرورياً أن يظهر الرئيس بأي صورة

وفي الرابع والعشرين من يونيو حزيران عام ألفين وأربعة ظهر مبارك شاحباً على شاشة التليفزيون المصري مرتدياً ملابس النوم.. متحدثا إلى المصريين من غرفته في المستشفى ليطمئنهم على صحته ويهيئهم لغياب قد يطول أكثر مما كان متوقعاً

وحرص الرئيس مبارك على أن يؤكد أنه بصحة جيدة..وذكر للمشاهدين أن الأمر يبدو كما لو كان أسبوع استرخاء واستجمام وأنها "أشبه بالعطلة التي يقوم بها أي فرد منكم". والأكثر من هذا وحتى تحاول أجهزة الإعلام الرسمية نفي شائعات عن صحة مبارك قالت الرسالة التي تم بثها عن مبارك إنه حتى وهو مريض يتابع ما يجري في البلاد بنفسه وإنه يجرى اتصالات مع المسؤولين ويتلقى التقارير.. وإن الحكومة تعمل في غيابه بصورة طبيعية

استمر الغياب حتى الثامن من يوليو حين عاد مبارك إلى مصر.. ليتنفس كثيرون الصعداء.. مع أن الأسئلة المطروحة بشأن صحة الرئيس ومستقبل الحكم من بعده ظلت عالقة مثل عقارب ساعة جامعة القاهرة

مبارك يعاني أيضاً من آلام حادة في أذنه جعلته يضع يده على أذنه كلما أراد أن يصيخ السمع لمن يتحدث إليه.. وفي نهاية شهر يوليو تموز من عام ألفين وواحد قالت وكالات الأنباء إن الرئيس مبارك قد مدد فترة زيارته لألمانيا لإجراء فحوص طبية إثر التهاب حاد في الأذن

وقد جاء في "غياث الأمم" للإمام الجويني في صفات الإمام القوَام على أهل الإسلام: "ومما يشترط من الحواس: السمع.. فالأصم الذي يعسر جداً سماعه لا يصلح لهذا المنصب العظيم لما سبق تقريره في البصر"

ولكن مبارك لم يكن الرئيس المصري الوحيد الذي انهار

وهذه قصة تستحق أن نرويها بتفصيل أكثر

تابع القراءة

gravatar

إعلانات الفنانين: دستور يا أسيادنا




العلاقة بين إعلانات الصحف والفنانين سلاح ذو حدين..فهو إما مع الفنان أو ضده


وعادة ما يكون الإعلان خطوة إلى الوراء من جانب النجم: إما في صورة اعتذار أو في صورة هجوم حاد ضده

المذيعة والممثلة نجوى إبراهيم وجدت نفسها ذات يوم مادة لإعلان صحفي في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي نتيجة غضب عائلة قزاز في السعودية إثر زواج ابنها عاصم قزاز من نجوى. لم يخل الإعلان الذي نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية التي تصدر في لندن من الغمز واللمز..خاصة فيما يتعلق بفارق العمر بين عاصم ونجوى..إذ أشار الإعلان صراحة إلى عمر نجوى إبراهيم كما تحدث عن عمر زوجها بهدف التشديد على أن "ماما" نجوى خطفت عاصم وهي التي تكبره ببضع سنوات


وبأسلوب التهديد والوعيد.. تضمن الإعلان قراراً بإنهاء خدمات عاصم من مؤسسة حسين بكري قزاز المعروفة بأنها من شركات العطور الشهيرة في المنطقة.. والهدف طبعاً معاقبة عاصم إلى أن "ينهي خدمات" نجوى

لكن الزوج استمر في تحديه للعائلة وافتتح متاجر خاصة به وعاش مع نجوى لمدة عام في الولايات المتحدة حيث يعيش أبناء نجوى من زواج سابق..بعدها وقع الطلاق وحصلت نجوى إبراهيم علي مؤخر صداق ضخم قُدر بمليون دولار وخلعت الحجاب وعادت إلى التليفزيون حيث أصبحت رئيسة لقناة
الأسرة والطفل

وبعد عدة سنوات تركت نجوى موقعها بسبب قضية رشوة شهيرة طالتها مع القائمين على برنامجها "فرح كليب" الذي قدمته بنجاح كبير لأكثر من أربع سنوات. القضيّة بدأت ببلاغ من عروسين للرقابة الإداريّة.. ثم كان توجيه الاتّهام إلى مخرج البرنامج بمطالبته برشوة لاستضافة العروسين في البرنامج مقدارها عشرة آلاف جنيه له وعشرة آلاف أخرى لمقدّمة البرنامج. وتوالت التحقيقات وتمّ تصوير اللقاءات والاتصالات..وعند التسليم تمّ الإيقاع بالمخرج وبمخرج آخر للبرنامج


ولكن تم حفظ التحقيق مع المذيعة لعدم كفاية الأدلّة.. وأرسلت الأوراق إلى جهة عليا للنظر في الأسلوب الذي تدار به القناة التليفزيونيّة. وبهذا أفلتت من العقاب مع أن القاضي الذي نظر في الدعوى القضائية وجه إليها وللقائمين على جهاز التليفزيون لوماً شديداً في حيثيات الحكم.. وأشار إلى وجود رائحة فساد وإثراء من الوظيفة العامة في القضية.. ودعا إلى حسن اختيار المسؤولين في هذا الجهاز الإعلامي

وبعد ذلك الاتّهام أقيلت نجوى من رئاسة القناة


على أن نجوى لم تكن الحالة الأولى ولا الأخيرة من أهل الفن الذين تتحدث عنهم إعلانات الصحف أو تنقل كلمات عن لسانهم.. فقد سبقها إلى ذلك إعلان نشرته الصحف القومية المصرية قبل ذلك بسنوات يحمل نبأ محضر صلح بين نجم الكوميديا عادل إمام ومرتضى منصور المحامي – المستشار ورئيس نادي الزمالك الرياضي لاحقاً- بسبب خلافات بدأت ولم تنته مع فيلم "الأفوكاتو" للمخرج رأفت الميهي والذي لعب فيه عادل دور "حسن
سبانخ" المحامي


خلافات نقلها مرتضى -الذي استقال من منصبه كقاضٍ ليتمكن من متابعة سير الدعوى كمحامٍ- إلى ساحات القضاء في قضية سب وقذف عام ألف وتسعمئة واثنين وثمانين بعد أن وقع عادل في محظور السخرية من خصمه
وتمكن مرتضى في النهاية من استصدار حكم بالحبس لمدة شهر على عادل الذي اضطر إلى طلب وساطة كثيرين وكتب شيكاً بمليون جنيه لغريمه على سبيل التعويض كي يتنازل الأخير عن الدعوى التي أقامها
غير أن مرتضى قال في تصريحات صحفية إنه مزق الشيك.. ولا أحد يستطيع القطع بصحة ذلك سوى طرفي الخلاف: عادل ومرتضى

أما شهود المصالحة الشهيرة فكان من بينهم - وفق ما ذكره الإعلان- الكاتب الصحفي الساخر محمود السعدني و"الحاج" إبراهيم نافع – لاعلاقة له برئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير "الأهرام" سابقاً باستثناء تشابه الأسماء- وخبير البترول علي والي..وهو بالمناسبة شقيق نائب رئيس الوزراء وزير الزراعة سابقاً الدكتور يوسف والي

نرمين الفقي فتاة الإعلانات التي أصبحت ممثلة.. بعد أن أسند إليها دور البطولة في مسرحية "دستور يا أسيادنا" التي أنتجها وأخرجها جلال الشرقاوي.. كانت بطلة اعتذار آخر عبر إعلانات الصحف



فبعد خمسة وعشرين يوماً من عرض المسرحية انسحبت منها من دون أي مبرّر.. فتمّ توجيه إنذار إليها من نقابة المهن التمثيليّة بوقف التعامل معها. وكان أن نشرت في مجلة "الكواكب" موضوعاً تفصيلياً اتهمّت فيه بطل المسرحية أحمد بدير بأنّه يطالبها بأكثر ممّا تستطيع وألمحت إلى مضايقته لها. فأقام دعوى ضدّها على ما نشرته وأصدرت المحكمة تعويضاً وصل إلى مئة ألف جنيه

وبعد سيل من القضايا المتبادلة..اضطرت نرمين إلى نشر إعلان في الصحف كشرط مسبق لمنحها تصريح عمل ورفع نقابة المهن الثمثيلية – وكان أحمد بدير وكيل النقابة آنذاك- عقوبة وقفها عن التمثيل عقاباً لها على ما رددته بشأن تصرفات منسوبة إلى بطل "دستور يا أسيادنا" تجاهها

وفي الإعلان المنشور أعربت نرمين الفقي عن "خالص استيائها وأن تعلن تكذيبها لكل ما نشر على لسانها في بعض الصحف والمجلات تعريضاً باسم الفنان أحمد بدير". وقالت نرمين في الاعتذار الذي اتفقت على صيغته في إطار مصالحة تمت بوساطة شخصيات فنية ونقابية وفي غياب أحمد بدير الذي تعلل بانشغاله: "إن كل ما نشر يعود إلى بعض المغرضين" مؤكدة أنه "خلال فترة عملها معه" – المقصود بذلك أحمد بدير- في مسرحية "دستور يا أسيادنا" تلقت منه كل مساندة..وتعلن أنها تحمل له ولنقابة المهن التمثيلية نقيباً ومجلساً وأعضاء كل تقدير وإجلال

شعبان عبد الرحيم أثار أزمة عندما قال في إحدى أغنياته "هاسيب النقابة وأقطع الكارنيه وأرجع أبخ وأكوي القميص بجنيه". فكانت واقعة فجرّت قضيّة ضدّه من النقابة التي ألغت عضويّته. وبسرعة اعتذر في الجرائد الرسمية وسحب الشريط الذي تضمن الأغنية من الأسواق.. وغرّمته النقابة خمسة آلاف جنيه لمصلحة صندوق المعاشات فيها

أما أغرب إعلان صحفي ورد فيه اسم فنان فهو ذلك الذي نشرته الممثلة المعتزلة شمس البارودي تطلب فيه منع عرض كل أفلامها على الشاشة. حمل هذا الإعلان صبغة دينية تناسب مرحلة التوبة التي أعلنتها شمس البارودي.. إذ تقول في بدايته: "من ضار مسماً ضاره الله..ومن شاق مسلماً شاق الله عليه" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

ثم يدخل الإعلان الصحفي على المفيد إذ يقول: "تعلن السيدة شمس البارودي أن الأفلام التي تعرض لها حالياً أو مستقبلاً كلها أفلام قديمة تم تصويرها منذ سنوات بعيدة. كما تعلن أنها اعتزلت نهائياً منذ شهر فبراير 1982 بعد أدائها العمرة"

وحرصاً على تأكيد الصبغة الدينية للإعلان ختمت شمس البارودي – زوجة الفنان حسن يوسف الذي اعتزل ثم عاد ليتخصص في الأعمال الدينية- إعلانها بجملة "حسبي الله ونعم الوكيل"
وجاء ذلك طبعاً كرد فعل على تكرار عرض مجموعة من الأفلام الساخنة التي شاركت فيها شمس البارودي قبل اعتزالها في دور العرض السينمائية –ومنها سينما "رومانس" القديمة في شارع الجلاء بالقاهرة التي يتذكرها كل من بلغ من العمر عتياً- وخاصة فيلميها "حمام الملاطيلي" –الذي أخرجه صلاح أبو سيف في عام ألف وتسعمئة وثلاثة وسبعين ولعب بطولته محمد العربي الذي اعتزل الفن لاحقاً- و"مراهقة من الأرياف" – إنتاج عام ألف وتسعمئة وستة وسبعين-.. والأخير كان من بطولة الزوج حسن يوسف
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator