المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

لحظات تويتر


هذا هو عالم تويتر: الحكاية كاملة في 140 حرفـًا على الأكثر!
حروفُ النار التي تنام على الألم وتصحو على الأمل، تكتبُ نفسها وتضمد جراحها وترتدي ثوب اللهفة وتاج الحكمة وروح الثورة.
وفي كل أحوالها وأطوارها، تبدو الكلمات على تويتر كأنها اسم على مسمى: تغريدة على شرفة الحياة.
في هذا المنبر الإلكتروني تفتحُ شرفة على الذات ليراها غيرك، وتنالُ فرصة استثنائية للتفكير والتأمل والتعبير بصوت مسموع ومقروء، يتخطى المسافات والحواجز ويتجاوز الأقطار والقارات، بسحر الكلمة وقوة تأثيرها، التي تشبه بطش الدهشة.
قاومتُ الفكرة طويلاً وكثيرًا، لكنني استسلمتُ لإلحاح أصدقاء ومقربين مني، ممن رأوا أنني قد أساعدُ على إطلاق فراشاتٍ ملونة يغتابُها الضوء، والحكي عن قلوبٍ تمارس هدنة الحياة، واستحضار أرواحٍ تختبئ خلف الظلال.
غير أن ربيع الثورات العربية، فرض بقوة الآراء والمواقف السياسية على تغريداتي، بعد أن أطلقت تونس عصفور الحرية، وصنعت له مصر عشـًا على امتداد ميدان التحرير، وبدأ ريشه ينمو في اليمن وليبيا وسوريا.
وما بين السياسة والأدب والتاريخ والرياضة، كتبتُ ما قُدّر لي في تويتر على مدار شهور، تحت لافتةٍ واضحة: "سهلٌ جدًا أن تقولَ أي شيء. الصعبُ حقـًا هو أن تقول شيئـًا يبقى، ويضيف ويثري".
كتبتُ كلما رفرفتْ في عالمي فكرة أو أردتُ أن أسجل موقفـًا من حدثٍ يجري هنا أو هناك، وكلما عصفَ بي الحنين أو مزق جنون الليل أمتعتي، حتى وجدتُ أن تلك الأفكار المستلّة من الحياة اليومية، تستحقُ أن تنتظمَ في عقد واحد. وهكذا اجتمعتْ الرؤى والانطباعات التي خرجتْ إلى العلن على موقع تويتر، لتصبحَ مادة هذا الكتاب، الذي يعد فيما أعلم تجربة جديدة من نوعها وفي مضمونها في العالم العربي.
لم أعبأ كثيرًا بزيادة عدد المتابعين لي على تويتر، قدر اهتمامي بأن تكون الكلماتُ عنوانَ الشغف ولسانَ الحكمة وصورة الواقع، بدون رتوش أو مستحضرات تجميل. فالحقيقة عاريةٌ تمشي على ماء القلب، حتى تجري في دمنا المباح.
هكذا إذن تفضحنا أوراقنا!
سطرتُ كلماتي المكتوبة بحبر الصدق، إيمانـًا بأن الحياة نفسها ليست جملة تتحدث عن حُلمٍ مُوجَّه أو كابوسٍ مُعاش، أو رغبةٍ تسكننا.
كل ما فعلتُه هو أنني وضعتُ رسالتي في زجاجةٍ مغلقة بإحكام ورميتُها في محيط الآخرين، ثقةً مني في أن هناك من سيلتقطها ويتأمل معانيها وحروفها النابضة بالصدق.
وفي الكتابة، تتمَرَّنُ على قيادة ذاتك، بأن تطلقَ سراحها.
وما بين الرضى والسخط، التأمل والاندفاع، الحكمة والحماقة، تتدفقُ مياهٌ كثيرة في نهر حياتنا، تبدو في رأيي جديرة بأن تُروى وأن تُستعاد.
في رحلة الكتابة هذه، جاءتْ بعضُ التغريدات عن أجسادنا، بيت المرايا ومعابد المعرفة التي نهمل أسرارها، وجاء بعضها الآخر عن تجاربنا، حكمتنا التي تدل على الطريق، كما أتى جزء آخر منها عن الحرية والدين والسياسة، وكلها قضايا الوجود الإنساني منذ بدء الخليقة.
وحين نكتبُ عن أنفسنا، وعالمنا الذي نودُ أن نغسل عنه الشعور بالهزيمة والإخفاق، فإننا نفعلُ ذلك حاملين الوزنَ الهائل لأجنحة إيكاروس، في سعيه الدؤوب نحو شمس الحقيقة.
في هذا المجتمع الذي تتلاشى فيه الحدود المصطنعة وتتعاضد فيه الجهود المبعثرة كي تبني أو تجادل، نكتشفُ أن أكثر ما يتمايز به الناس هو عمق تجاربهم الإنسانية.
والثابتُ أنني ممتنٌ لكل من تابعوني على تويتر، أو شاركوني بالتعليق والتعقيب، فلولا هؤلاء لأصبح كلامي مثل صوت نقار الخشب الذي يثقب بصداه قبر الغابة. هؤلاء الأصدقاء الذين لا أعرفُ سوى كلماتهم، هم من علّموني أن دقات قلبي الواهن تخفق بين جوانحهم.
وفي هذا العالم الإلكتروني، بعضُ الكلمات بلسمٌ وربتةٌ حانية على الكتف، بعضها الآخر وجعٌ يهتكُ سرَّ الجروح.
وفي سفينة تويتر، هناك من تحمله شهرته، وهناك من تحمله وظيفته، وهناك من لا يستطيع حمله سوى حرّفه وفكره وخلقه ، فأبحرّ مع الأحرّار تربت يداك.
ولعل أجملَ ما في الكتابة على تويتر هو تحدي الإيجاز؛ لأن الكاتبَ هنا يختصر جملته ويشذّب زوائدها ويلغي تكرارها ويقلّم موشاها ويضبط فصاحتها ويخفف أجراسها ويحكم مدلولها ويضبط حجمها.
ونحن لا نجاوزُ الحقيقة حين نقولُ إن الإطالة التي لا طائلَ من ورائها، هي حرفة الثقلاء والغلظاء والمقلدين الذين لا موهبة لهم ولا خير فيهم.
وفي تقديرنا أن أول من أسس لفكرة تويتر، هو الجاحظ، فهو أول من دعا إلى الاختصار والاقتضاب كشرطٍ من شروط البلاغة، وربط الإيجاز بالقدرة الخطابية قائلاً "والبلاغة إصابة المعنى والقصد إلى الحجة مع الإيجاز، ومعرفة الفصل من الوصل".
إن هذا النوع من الكتابة يشبه ثقافةً سرية مادتها الأولى التنصتُ على الأحياء. فإذا كان "كتاب الموتى" المصري دليلاً على ضمير الفقيد وقراءة في عالمٍ حقيقي ذي وجودٍ ملموس، فإن "كتاب تويتر" يتنصت على الأحياء وينصب لهم شباكـًا هم الذين نصبوها في العالم الافتراضي، لتصبح سطورهم في نهاية المطاف طعام الآلهة في معبد الأفكار.
وربما تكتمل متعة قراءة سطور هذا الكتاب كلما منحناها الفرصة لتنمو في تربة قلوبنا وتنام على وسادة عقولنا. وبقدر ما نمنحها ما تتطلبه من تأمل المعنى وتذوق الصور، سنتمكن من قراءة السطور والكلمات التي خلفها.
أتمنى لكم قراءة ممتعة مع هذه التغريدات الإلكترونية.


من مقدمة كتاب "لحظات تويتر"، دار العين للنشر، القاهرة، 2011
تابع القراءة

gravatar

شارع المتعصبين


خطابٌ مسموم.

هكذا يمكن وصف الأجواء التي صاحبت مباراتي مصر والجزائر، في القاهرة أولاً وفي الخرطوم تاليـًا، في إطار تصفيات إفريقيا للتأهل إلى كأس العالم في جنوب إفريقيا 2010.

خطاب التسميم هذا استهدف قطع العلائق مع منظومة القيم والمبادئ السياسية التي استقرت في الوجدان المصري حينا من الدهر. وترتب على استمرار هذا الخطاب وتواصل حلقاته أنه أحدث تأثيره السلبي في بعض شرائح المجتمع المصري. والمنتمون إلى تلك الشرائح هم الذين اعتبرهم الكاتب فهمي هويدي "نماذج للمصريين الجدد"، متحدثـًا عن الوطنية التي تم استدعاؤها لكي تلبي أشواق المصريين جرى ابتذالها بشكل محزن.. "إذ لم تستدع لكي تستنهض همة المصريين في الدفاع عن حريتهم وكرامتهم وشرف وطنهم، وحقهم في مقاومة الفساد والاستبداد، وإنما أطلقت لتأكيد التفاف المصريين حول المنتخب القومي لكرة القدم. وهو ما عبرت عنه لافتة كبيرة رفعت فوق أهم جسر في قلب القاهرة، ظهر عليها علم مصر، وكتبت عليه العبارة التالية: ليس المهم أن نكسب كأس العالم ولكن الأهم صورتنا أمام العالم"[1]!

لقد سال حبر كثير، معظمه غير نظيف، وارتفعت أصوات عدة، معظمها موتور، فيها الرياضي وفيها الإعلامي وفيها لمؤسسات يُنتظر منها أن تكون أكثر رجاحة وحكمة، وكانت الخسائر في أغلبها سياسية، كأنها معول يهدم العلاقات التاريخية ويقوض التضامن الذي عاشه شعبان وثورتان ردحـًا من الزمن، ويهشم التاريخ الذي صاغ وجدان أجيال عربية لعقود طويلة.

المتعقلون في إعلام البلدين والإعلام العربي عمدوا إلى أربع إستراتيجيات جمع بينها قصور الطرح وليس واقعيته الناتجة عن التزام مفردات ومضامين التعامل الإنكاري المعهود مع الخلافات العربية - العربية. عن هذه الإستراتيجيات الأربع يقول الباحث د. عمرو حمزاوي: "البعض رفع لواء الأخوة العربية، مضيفـًا إليها بين الفينة والأخرى صبغة إسلامية، لتذكير المصريين والجزائريين بروابط العروبة المقدسة وبالمصير الواحد ولم يحصد على مستوى الشارع المجير للمتعصبين على الطرفين سوى التجاهل استنادًا إلى واقع الانقسام العربي والاستهزاء بعد تفنيد الادعاء بالهوية المشتركة بصياغات أنكرت على المصريين عروبتهم بعد أن "باعوا فلسطين" ووصفوا أنفسهم "بالفراعنة" واختزلت الجزائريين في "بربر لا يتحدثون اللغة العربية" والفرنسية لهم أقرب"[2].

وردت صحف جزائرية على حرب الفضائيات المصرية بالنبرة نفسها، حين وجهت اتهامـًا لمصر بأن "أم الدنيا" تعامل المغرب العربي كطفل غير شرعي للوحدة العربية؟!"[3]، وتحدثت عن "أمازيغ أحرار حطموا غرور الفراعنة عبر التاريخ: ششناق أدّبهم، المعز لدين الله بنى لهم القاهرة والأزهر، ابن معطي علمهم العربية، وابن زياد فتح الأندلس الذي ضيعوه"[4].

فريق ثان تحدث عن النضال المشترك بين البلدين، واستدعى ذكريات الدعم المصري للثورة الجزائرية ودعم الجزائر للمجهود العسكري المصري في حربي 1967 و1973، إلا أن  المتعصبين شوهوا صورة هذا النضال المشترك بالحديث عن "استقلال جزائري من الاستعمار الفرنسي حققه المصريون في تطاول رديء على بلد المليون ونصف المليون شهيد وكفاحه البطولي ضد المستعمر على مدار قرن ونيف من الزمان، أو إلى شماتة لا تقل رداءة في نكسة 1967 وتشكيك لا يليق في نصر أكتوبر 1973"[5].

ولجأ فريق ثالث إلى رفع شعار "إسرائيل.. العدو المشترك" لإعادة توحيد الصف، لكن السلام المصري- الإسرائيلي أضحى "عريضة تخوين يسوقها المتعصبون في الإعلام الجزائري ضد مصر الرسمية والشعبية، إذ تحدثت الصحافة الجزائرية عن "جرائم النظام المصري في فلسطين.. "أم الدنيا" تتاجر بقضايا الأمة وتقبض الثمن مرتين"[6]، وسط مزاعم أن "معاريف الإسرائيلية هنأت فوز مصر وتشفت في هزيمة الجزائر بالقاهرة"[7]، و"ناصر معظم الإسرائيليين أشبال شحاتة مؤكدين وقوفهم معهم في المباراة الفاصلة التي تجمع المنتخبين"[8]، وكان أصل الخبر أن صحيفة "معاريف" الإسرائيلية غطت مباراة 14 نوفمبر كما غطت مباريات أخرى، وقالت إن عماد متعب سجل هدف الفوز في الدقيقة الأخيرة.. فأين التهنئة[9]؟!

ووسط شماتة الإعلام الإسرائيلي في "الحرب" التي تدور رحاها بين مصر والجزائر[10]، لم تكف صحف جزائرية عن اتهام رجال الأمن في مصر بأنهم لم يتورعوا عن "إهانة العلم الجزائري في الوقت الذي يرفع فيه علم إسرائيل في العاصمة المصرية"، و"أمن مطار القاهرة مزق الأعلام الوطنية وداس على جوازات سفر جزائرية وقال للجزائريين المسافرين.. بلدكم بلد المليون ونصف مليون جزمة!"[11]، في حين وصف المتعصبون في الإعلام المصري - خاصة محدودو الثقافة والوعي بين مقدمي البرامج الرياضية - الشعب الجزائري "ببني صهيون العرب"[12].

فريق رابع عزا التعصب الجماعي في مصر والجزائر إلى وضعية الفشل والإخفاق التي تعيشها قطاعات واسعة من مواطني البلدين، وبحثهم المريض ومن ثم العنيف عن مساحات ولحظات لتصريف مخزون الإحباط اليومي، وإن على حساب أشقاء لهم في الإخفاق قبل العروبة. غير أن شارع المتعصبين في مصر والجزائر لم يقتصر محركوه على الفقراء والمحرومين، بل تمدد ليشمل الشرائح الوسطى والميسورة"[13].

وحسنـًا فعلت صحيفة مصرية في اليوم التالي لمباراة أم درمان الفاصلة، حيث أعلنت مع أخبار ونتيجة المباراة نفسها، تعادل البلدين في درجة "الفساد"، وفق تقرير "منظمة الشفافية الدولية"، ومقرها ألمانيا، والتي تصدر تقاريرها سنويـًا في منتصف نوفمبر من كل عام. وقد تزامن صدور تقريرها في عام 2009 مع مُباراة مصر والجزائر، وتشاء الصدفة وحدها أن تأتي مصر والجزائر متعادلتين في درجة الفساد. فقد تقاسمتا المركز 111، بين 180 دولة شملها تقرير منظمة الشفافية الدولية[14]. كما جاءت الدولة المضيفة للقاء الفاصل، أي السودان، في المركز 176، أي قبل الأخير بأربعة مراكز فقط[15].

بعض المحسوبين على الصحافة الرياضية، ممن يصفهم مسؤول سياسي ورياضي سابق بأنهم "يعيشون في عالم المرايا إياه، ولا يرون إلا أنفسهم وأنفسهم فقط"[16]، راحوا يطعمون النار بالقش والزيت، ويصورون المباراة وكأنها معركة حربية، وعمد جنرالات الردح التليفزيوني إلى دغدغة المشاعر الوطنية لدى المصريين بأسلوب فج تتويجـًا للانقلاب الذي حدث في منظومة القيم السياسية. وفي سياق تلك المهاترات، سادت أوهام الجهالة والولاء للغرض، واختلط الجد بالهزل والرسالة بالهوى والأخلاق بالانحلال.

وفي عصر التناحر الفضائي، رأينا "عامة تقود العامة"[17]!


 ويتذكر المشاهدون ما جرى على قناة "مودرن سبورت"، قبل المباراة الثانية بين مصر والجزائر بالقاهرة، عندما قرأ مدحت شلبي خبرًا لصحيفة "الخبر" الجزائرية يقول إن الجزائر ستفوز بهدف يحرزه بوتفليقة، وهو ما جعل شلبي يعلق قائلاً: "عاوز أقولهم خلي بوتفليقة يتغطى كويس"، لكنه خرج بعد فاصل ليعتذر بعدها للجزائر، قائلاً إنه اختلط عليه الأمر بين اللاعب بوتفليقة والرئيس الجزائري بوتفليقة[18].

أما بعد مباراة أم درمان، فقد خرج المعلق الرياضي أحمد شوبير في برنامجه "الملاعب اليوم" على قناة "الحياة"، ليقدم اعتذاره الرسمي لكل الشعب المصري عن زيارته الأخيرة للجزائر قبل المباراة التي جمعت المنتخبين المصري والجزائري في تصفيات كأس العالم بالقاهرة، قبل أن يصف ما فعله الجزائريون بالمهزلة وقلة الأدب والوقاحة والسفالة[19].

هوامش

هوامش
[1]  فهمي هويدي، المصريون الجدد، جريدة "الشروق"، القاهرة، 5 يناير 2010.
[2]  د. عمرو حمزاوي، مجتمعات تنتج التعصب وإنكار الآخر: مصر والجزائر مثالاً، جريدة "الحياة"، لندن، 19 نوفمبر 2009.
[3]  قادة بن عمار، "أم الدنيا" تعامل المغرب العربي كطفل غير شرعي للوحدة العربية؟!، جريدة "الشروق"، الجزائر، 25 نوفمبر 2009، ص 7.
[4]  سمير حميطوش، أمازيغ أحرار حطموا غرور الفراعنة عبر التاريخ: ششناق أدّبهم، المعز لدين الله بنى لهم القاهرة والأزهر، ابن معطي علمهم العربية، وابن زياد فتح الأندلس الذي ضيعوه، جريدة "الشروق"، الجزائر، 22 نوفمبر 2009، ص 6.
[5]  المصدر السابق.
[6]  __________،  "أم الدنيا" تتاجر بقضايا الأمة وتقبض الثمن مرتين، جريدة "الشروق"، الجزائر 22 نوفمبر 2009، ص 1.
[7]  جمال لعلامي، "الشروق" ستبقى شوكة في حلق "الأبالسة" وأعداء الجزائر، جريدة "الشروق"، الجزائر 22 نوفمبر 2009، ص 3.
[8]  ___________، إسرائيل تهنىء مصر وتشيد بفوزها على الخضر، جريدة "الشروق"، الجزائر، 17 نوفمبر 2009، ص 19.
[9]  حسن المستكاوي، 5 أسئلة لن ترد عليها حكومة الجزائر؟، مصدر سابق.
[10]  أميرة بدر، إسرائيل "تشمت" في مصر والجزائر وتتمنى مباراة مماثلة بين "فتح" و"حماس"، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 18 نوفمبر 2009.
[11]  كريم كالي؛ بلقاسم حوام، أمن مطار القاهرة مزق الأعلام الوطنية وداس على جوازات سفر جزائرية وقال للجزائريين المسافرين.. بلدكم بلد المليون ونصف مليون جزمة، جريدة "الشروق"، الجزائر، 22 نوفمبر 2009، ص 4.
[12]  د. عمرو حمزاوي، مجتمعات تنتج التعصب وإنكار الآخر: مصر والجزائر مثالاً، مصدر سابق.
[13] المصدر السابق.
[14] محيي وردة وهشام أبو حديد والشيماء عزت، تعادل مصر والجزائر في "الفساد.. منظمة الشفافية الدولية تضع الدولتين في المركز الـ"111 مكرر".. و"القرضاوي": مباراة المنتخبين ليست "بدر" ولا "حطين"، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 19 نوفمبر 2009.  
[15] د. سعد الدين إبراهيم، مُباراة كُرة.. وثلاث دول فاشلة.. وخسارة شعبين، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 28 نوفمبر 2009.
[16] د. عبدالمنعم عمارة، "فضائياتنا" تنشر التعصب والعداء للأشقاء، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 14 نوفمبر 2010.
[17] علاء الغطريفي، عامة تقود العامة، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 25 أكتوبر 2009.
[18] خير راغب، الصحافة الجزائرية خرجت بالمباراة من الرياضة إلى السياسة.. ووصفت مصر بـ"الصهيونية"، مصدر سابق.
[19]  هيثم عويس، شوبير يعتذر على الهواء عن زيارته للجزائر، موقع "اليوم السابع" الإلكتروني، 19 نوفمبر 2009.
تابع القراءة

gravatar

الحقونا


أصابت موقعة أم درمان كثيرين بالعمى الكروي والسياسي

وبينما كان الجزائريون يقيمون احتفالات بتأهل منتخب بلادهم لكأس العالم في جنوب إفريقيا، كانت الفضائيات المصرية مشحونة بالغضب لشهادات شخصية لمشجعين مصريين تحدثت عن تعرضهم للضرب والتهديد بالأسلحة البيضاء على يد مشجعي الجزائر.

"الحقونا... إحنا بنموت"!

هكذا تحشرج صوت المطرب محمد فؤاد في صرخة استغاثة من أم درمان[1].


 مبالغة حوّلت المشاعر بالخسارة المصرية أمام الجزائر في مباراة كرة القدم، إلى سخط وصل بأحمد موسى، أحد مقدمي برنامج "القاهرة اليوم" على قناة "أوربت"، إلى أن يصرخ: "أرجو تدخل سريع، ولادنا في السودان بيموتوا من الجمهور الجزائري" و"الجزائريين بيقتلوا في مصريين في الخرطوم ما كفاهموش اللي حصل في الجزائر" و"أرجوكم، وإلا نناشد جمهورنا يقتل الجزائريين الموجودين في مصر"[2].

لاحقـًا نشرت صحيفة جزائرية تفاصيل ما وصفته بأنه "شريط فيديو يكشف المؤامرة المصرية تحت عنوان "هكذا تآمر محمد فؤاد وعمرو أديب في مسرحية "النجدة إنا بنموت"[3]، والذي كشف عن تسجيل ظهر على موقع "يوتيوب"[4] يبين أن الفنان المذكور كان يستنجد بمقدمي البرنامج وهو جالس على كرسي "في مكان آمن" وسط مشجعين مصريين. وبعد تلك الواقعة بنحو 16 شهرًا، قال محمد فؤاد في مداخلة هاتفية مع أحد البرامج التليفزيونية إنه اقتنع بعد ثورة 25 يناير في مصر بأن ما حدث في أم درمان كانت تقوده أصابع خارجية وليست جزائرية[5].

 وظهر كثير من المذيعين والضيوف وكأنهم غير قادرين على السيطرة على ألسنتهم، فانطلقت الاتهامات العشوائية والسباب في كل اتجاه، وكأن الموضوع صار مزادًا علنيـًا يكسب فيه من يصرخ بصوت أعلى ويستخدم أكثر العبارات حدة وإثارة‏.‏ وتوالت المزايدات، فطالب البعض بمقاطعة الجزائر على الصعيد الفني والاقتصادي والسياسي، أو باحتجاز كل الجزائريين في مصر ومنعهم من مغادرة البلاد‏.‏ وحاول كل واحد أن يخطو خطوة أبعد من الآخرين ليظهر أنه لا يقل وطنية عن غيره‏[6].‏

تواردت الأنباء في الإذاعات والفضائيات مع استغاثات تتحدث عن حالة فوضى شاملة وهجمات مشجّعين جزائريين أولا بالحجارة لتكسير الحافلات، ثم بالأسلحة البيضاء. الهجوم أثار الفزع الكبير، خصوصـًا في صفوف إعلاميين وفنانين وفنانات تم نقلهم إلى السودان، بعد أن أفهموهم أنهم ذاهبون إلى مهمة قومية هي الأهم في التاريخ المصري الحديث.

كانت مواجهة فريدة بين مشجعين لا يمثلان في الغالب الأعم الشعبين الجزائري والمصري على النحو الأمثل. فالجزائريون في لقاء أم درمان كانوا في أغلبهم من العناصر غير المتعلمة وربما الفئات التي لا تتبع سلوكـًا متحضرًا، لكنها في النهاية لا تمثل الشعب الجزائري كله. والمصريون الذين ذهبوا إلى هناك كانوا في معظمهم رجال أعمال وفنانين وصحفيين وقيادات وعناصر تابعة للحزب الوطني، وبالتالي لم يكن الصدام بين مجتمعيّن فقط، بل بين فئتين من فئات كل شعب تختلفان في السلوك والرؤية[7].

الطريف أن جريدة "الأهرام ويكلي" أشارت إلى ذلك لاحقـًا في سياق حديثها عن أن جمهور المباراة من الجانب المصري لم يكونوا مشجعي كرة قدم "حقيقيين"، وإنما كانوا في الأساس مجموعة من أهل الفن والإعلام وأعضاء في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، بالإضافة إلى عدد من الشبان الأثرياء القادرين على تحمل ثمن تذاكر الطائرة. في المقابل، غاب عن مقاعد المشجعين المصريين أفراد الجمهور "الحقيقي" الذين اعتادوا شراء تذاكر الدرجة الثالثة وأرخص فئات تذاكر المباريات، ممن يستطيعون التشجيع  والهتاف دون خوف من مشجعي الفريق المنافس، ويملكون القدرة على الدفاع عن أنفسهم ضد أي اعتداءات قد يقوم بها مشجعون جزائريون[8].

عقب مباراة أم درمان، تكهرب الجو وزادت المخاوف في ظل حديث البعض عن احتمال انشغال قوى الأمن السودانية سواء في الملعب أو بمرافقة البعثة الرسمية (المنتخب الكروي، إضافة إلى علاء وجمال نجليّ رئيس مصر حينذاك حسني مبارك، اللذين عادا على متن طائرة رجل الأعمال محمد أبو العينين). السفير المصري في الخرطوم نفى علمه بسقوط قتيل مصري، ولا حتى بهجمات "بلطجية نزلوا الخرطوم واشتروا الخناجر والسكاكين والسيوف"، كما قال وزير الإعلام حينذاك أنس الفقي، في مداخلة متكررة مع إذاعات وفضائيات، مشيرًا إلى جهود حكومية لإنقاذ المختبئين في بيوت الخرطوم ومطاعمها[9].

 في ليلة الهستيريا، دارت آلة الإعلام بشكل محموم، فيما دعت البرامج المصرية وأبرزها "القاهرة اليوم" الذي يقدمه عمرو أديب على قناة "أوربت" و"دائرة الضوء" الذي يقدمه إبراهيم حجازي على "النيل للرياضة" إلى كف الحديث عن الوحدة العربية ومراجعة المواقف المصرية نحو تلك الحوادث التي تصدر من العرب.

فجأة انهال الحديث بالهجوم على العروبة كما لو كانت هي المسؤول عن إهانة "الفراعنة"، وحشر وصف الشقيقة الكبرى كما لو كان واجب الأشقاء الصغار منحها ما تحلم به. وطال الانتماء العربي نقد وتجريح قاسيان من قبل أطراف عدة، إذ ببساطة مدهشة أبدى البعض استخفافـًا بذلك الانتماء ونفورًا منه، وأبدوا استعدادا للاستقالة منه. وقد استهجنه واستنكره علاء مبارك، حين قال في تعليقه الذي أعيد بثه أكثر من مرة إن العروبة لم يعد لها معنى، كما نشر على لسان وزير التنمية الاقتصادية السابق محمد عثمان قوله أمام مؤتمر التنمية في 24 نوفمبر 2009 إن مصر قوية بعروبتها أو بغيرها، وهي لا تقبل أن يكون الانتماء العربي عبئـًا عليها[10]. وتخلل الخطاب العام المصري، كلام صاخب، معظمه سطحي، عن عظمة الحضارة المصرية القديمة، ليكتشف البعض فجأة أنهم ليسوا "عربـًا"، بل "فراعنة"[11].

"أنا لا أنتمي لآبار "النفط والصديد"، ولا لثقافة "الإرهاب المسلح"!

هكذا صرخت كاتبة صحفية مصرية في مقال لها، قبل أن تحرض المصريين على مواجهة "العصابات المنظمة" التي "يسمونها دولاً"، قائلة إننا "لن نخسر كثيرًا إذا اعترفنا بأن ما يُسمى: "أمة عربية واحدة" مجرد كابوس نتمسك به[12]!

وذهب أحد الكُتاب إلى ما هو أبعد من ذلك حين هاجم "دراويش العروبة" و"خرافة القومية العربية"، "فنحن، المصريين، لسنا أمة لقيطة حتى ننتحل هويات جيران لا يحترموننا، بل تحكمهم "عقدة الدونية" تجاهنا"، وقال إنه لو خاض منتخب مصر لقاء مع منتخب إسرائيل على استاد تل أبيب، "فإن المشجعين الإسرائيليين لن يكونوا أكثر عدوانية ووقاحة من سلوك مشجعي الجزائر"[13].



في المقابل، اختارت صحيفة جزائرية إصابة أكثر من عصفور بحجر إساءة واحد عبر عنوان "هدف عنتر يحيى مزق شباك آل مبارك ولوبي التطبيع مع إسرائيل"[14]، وتساءل الكاتب الصحفي الجزائري رشيد ولد بو سيافة قائلا: "ماذا فعل أنصارنا في السودان حتى أصبحت الجزائر أسوأ من إسرائيل في نظر الإعلام الرسمي المصري؟" قبل أن يقول "اسمعوها منا بالفم المليان، إن زمن الريادة المصرية للعرب ولّى منذ أن زال الرئيس الراحل أنور السادات إسرائيل ووقع معها معاهدة كامب ديفيد، ولا يمكن أن نرى في مصر التي يرفرف بها العلم الإسرائيلي قدوة لنا"[15].

ومع قرع طبول الأزمة، فوجئنا بمذيع رياضي مصري في قناة فضائية يصف سفير الجزائر في القاهرة بأنه حقير[16]، فيما طالب آخرون - في انفعال زائد بما جرى، يفوق القدرة على رؤية حقائق الأمور- السفير الجزائري بالعودة لبلده، في حين أنه لا يملك التحرك إلا بتوجيه من دولته أو من الدولة المضيفة[17]. ولم يكن طرد السفير ليغير شيئـًا من واقع المصريين في الخارج عمومـًا، وليس في الجزائر وحدها، كما أن استدعاء سفير مصر من هناك للتشاور لم يكن يومـًا الحل لجوهر المشكلة، ولكنه تعاملٌ مع السطح فيها!

ولاحظ البعض أن جناحـًا في دوائر السلطة وصنع القرار في البلدين يشجع حملات الكراهية التي وصلت إلى مستويات خطيرة[18]. وضخَّم بعض السياسيين أعمال الشغب (المرفوضة) ليكسبوا أرضـًا لدى الشارع الكروي المتعصب والمنفعل. وفي مصر كشف عن جانب من هذه التغذية الرسمية لوحش الأزمة شخصٌ بوزن السفير المصري في السودان، حين تحدث عن عدم السماح لوزير الخارجية حينذاك أحمد أبو الغيط بإجراء مداخلة تليفونية في التليفزيون الرسمي للرد على ما قيل في أحد البرامج، وما حدث معه شخصيـًا من قطع كلامه بعد دقيقة واحدة في برنامج وعدم الرد على طلبه عمل مداخلة لتوضيح الموقف في برنامج آخر[19].


وصب وزير الإعلام حينذاك أنس الفقي مزيدًا من الزيت على النار حين قال بعد الأزمة "بلا عروبة بلا بتاع"، فضلاً عن قيامه في اجتماع لإحدى لجان مجلس الشعب بغمز الأمين العام لجامعة الدول العربية حينذاك عمرو موسى بطريقة غير مباشرة بقوله "إننا أمام صمت مدهش ومثير من جامعة الدول العربية على هذه الأحداث"[20]، مع أن الجامعة العربية حاولت تطويق الأزمة وقدمت مقترحين واضحين "يتعلق الأول بالوقف الفوري للحملة الإعلامية في وسائل إعلام البلدين، بينما يتعلق المقترح الآخر بمنع النخبة من حضور المباريات المقبلة"[21].


هوامش




[1] _____________، الأمن يفرق تظاهرة أمام سفارة الجزائر.. ووقفة احتجاجية تحمل شعار "كرامة المصري أولا"، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 20 نوفمبر 2009.


[2]  ________________، نائب رئيس تحرير الأهرام يدعو إلى قتل الجزائريين في القاهرة، جريدة "الشروق"، الجزائر، 22 نوفمبر 2009، ص 13.


[3]  سامر رياض، هكذا تآمر محمد فؤاد وعمرو أديب في مسرحية "النجدة إحنا بنموت"، جريدة "الشروق"، الجزائر، 25 نوفمبر 2009، ص 3.


[4]  ______________، عاجل: محمد فؤاد فضيحة من العيار الثقيل.. مباراة الجزائر، http://www.youtube.com/watch?v=H2liF63R5D8


[5]  أحمد سعيد، فؤاد: أبوس رجل كل واحد في التحرير لإنهاء الاعتصام، موقع "اليوم السابع" الإلكتروني، 6 فبراير 2011.


[6]  شريف الشوباشي، إعادة نظر في الإعلام، مصدر سابق.


[7]  د. حمدي صالح، الأزمة وصوت العقل، مصدر سابق.


[8] Dena Rashed, "Ready, steady, defend", Al-Ahram weekly,http://weekly.ahram.org.eg/2009/974/fe1.htm, Cairo, November 26, 2009.


[9]  وائل عبدالفتاح، ليلة الهروب من الخرطوم: حين تقود الغوغاء الشعوب، مصدر سابق.


[10]  فهمي هويدي، بعد صدمة الخرطوم: الخطايا العشر، مصدر سابق.


[11]  د. عمرو الزنط، عن الهوية المصرية، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 28 نوفمبر 2009.


[12]  سحر الجعارة، تسقط العروبة، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 20 نوفمبر 2009.


[13]  نبيل شرف الدين، وقائع مباراة مصر وإسرائيل، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 23 نوفمبر 2009.


[14]  وهيبة سليماني، هدف عنتر يحيى مزق شباك آل مبارك ولوبي التطبيع مع إسرائيل، جريدة "الشروق"، الجزائر، 25 نوفمبر 2009، ص 6.


[15]  رشيد ولد بوسيافة، احترموا أنفسكم، جريدة "الشروق"، الجزائر، 20 نوفمبر 2009، ص 3.


[16]  أسامة هيكل، مذيع أم مثير، مصدر سابق.


[17]  د. محمد محمود الإمام، الحمقى يتسيدون، جريدة "الشروق"، القاهرة، 2 ديسمبر 2009.


[18] Shenker, Jack, More to Egypt riots than football, The Guardian, http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2009/nov/25/egypt-riots-football-world-cup, London. November 25, 2009.


[19] رانيا بدوي، السفير المصري في السودان يفجر مفاجآت صادمة في حوار لـ"المصري اليوم": أبلغنا القاهرة بتحركات الجزائريين وشراء الأسلحة قبل المباراة بثلاثة أيام، مصدر سابق. 


[20] حسنين كروم، حركة لمنع التطبيع مع الجزائر ومقاطعة عمرو موسى، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 9 ديسمبر 2009.


[21]  رمضان بلعمري، اقتراح عربي بمنع حضور السياسيين والفنانين مباريات الجزائر ومصر، مصدر سابق.
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator