المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

صعود على مهل





"مشهد..مشهد"
تشيرُ الإيرانية إلى بطاقةِ سفرها، مستفهمةً عن موعدِ إقلاع طائرتها من مطار أسطنبول
كانت أجملَ من أن يحاوِلَها الوصف
كان الجَمالُ يفرطُ رمانَ أسراره في بحيرةِ عينيها
أيُ فردوسٍ انسلت منه تلك التي إذا أَرسَلت سهماً فقُـل ذهبَ العمرُ
مسافرةٌ إلى مدينة الملالي، تبحثُ عن إجابات
غريبة تنشدُ العونَ.. والغريبُ عن وطنِه كالنباتِ الذي زايلَ أرضه، وفقدَ شربه، فهو ذاوٍ لا يثمر، وذابلٌ لا ينضر
تدفعُ العربةَ أمامها، متشحةً بائتلاقاتِ بحرٍ من الحسن، فألمحُ علبةَ البقلاوة التركية تبتسمُ للعابرين، كأنها تنتظرُ أن تذوبَ على شفتيّ حبيب

اللوحة الإلكترونية التي تتقافزُ فيها أرانبُ أرقامِ الرحلات ومواعيد الإقلاع، تصيبُ البعضَ بالدوار
أدلُ الفتاة التي تملك خصرَ قيثارة على رحلتها. تشكرني ثم تغيبُ في الزحام، فيتبعها رفُّ دلافين يضيء بحنينه ليلَ الأعماق
وأنا طائرٌ يطوي الجهات، ويبتسم
يغدو الغريبُ حميماً في القلبِ المنذور للجسد
وفي المطاراتِ نتشبثُ بالغائبين، الحاضرون نهملهم
للمطارات في كل الأزمنة والأمكنة روحٌ واحدة: لهفة على الذاهبين، وحنين إلى العائدين، وغيث يفاجئ الواقفين في حالة انتظار
إنها المكانُ المثالي لصداقاتٍ عابرةٍ لا تدوم

والمطارات جسدٌ ينتظرُ اكتشافه: شبقٌ يتأرجحُ وجرحٌ مفتون
إنها الكتابُ الذي يقرؤنا، ويفكُ رموزَ دهشتنا ثم يبعثرُنا مثلَ حريرٍ هامد

الطابورُ الطويلُ يقودُ إلى مسافرين يُكدسون الحقائبَ والأمتعةَ على عَجَلٍ، ويرفعونها على ميزان يشكو الاختناق، قبل أن يبتلعها حوتُ الحزام الكهربائي المتحرك
تتشابَكُ الأيدي وبعضُ الأعناقِ أيضاً، لكنها تظلُ مجردَ معانقات سريعة لمن نُبقيهم خلفنا
أصحابُ الرحلاتِ المتأخرة تتداعى أجسادُهم المنهكة، فيتوسدون قاعة الانتظار التي تقتل المسافة بين العين والضوء
بائعُ السوق الحرة ممشوق القوام، جسدُه خارج لتوه من انتحار سريع في أحضان امرأة
ينتظرُ بمكرٍ نساء أخرياتٍ يلتقطنه بابتسامةٍ وبعض الدلال
والزبائنُ يجولون في المكان بعيون زائغة، من دون أن يشتروا شيئاً يذكر
في المكتبة الضيقة التي تتراصُ على رفوفِها كتبٌ بالتركية والإنجليزية، أتحركُ بخفةٍ محاذراً الاصطدام حتى بالهواء


يرمقُني بارتيابٍ أتاتورك من غلاف كتابٍ يتجاوزُ عددُ صفحاته الألف، فأعتذرُ له ثم أباغته بالأسئلة:

لا بحرَ في أنقرة، فكيف تكونُ العاصمة؟

لا حربَ في أنقرة، فكيف تكونُ العاصمة؟

لا حبَ في أنقرة، فكيف تكونُ العاصمة؟

يُقطبُ أتاتورك حاجبيه الكثيفين في غضب، ويهتزُ الشَعر الذي ينبتُ من أُذنيه، فأردِفُ بثقة قائلا: أسطنبول معرضٌ أقامه الجمالُ في الهواء الطلق، وأطرافها هي آخر دفاتر الغجر السرية. ضفافُ البوسفور تحفظُ أسماء العشاق وتُخيركَ بين أن تكونَ السمكةَ أو الصياد، وأنطاكية حنانٌ مُفرط مثل سوارٍ يهتز برقصة، أما أنقرة التي تَزَوَّجَتها هضبةُ الأناضول زواجاً مُبَكِّـرَاً فهي شجرةٌ تجهشُ بالاغتراب وتهربُ من أغصانها
ييأسُ الرجلُ مني فيطوي بروزَ جبهته، ويُغلقُ في وجهي أغلفةَ الكتب
ألمحُ الشاعرَ ناظم حكمت يغمزُ لي بطرف عينه ممتناً
في الخارج، أبٌ يلتقطُ في زهو صورة لطفله ذي الشعر الأشقر أمام مجسم ميكي ماوس بألوانِه الفاقعة
الطفلُ يمنحُك شعوراً بأنك موجودٌ في الآخرين
طوبى للطفولةِ الغافلةِ عن رعبِ المستقبل
تسيرُ النساء، فيما الأرضية تئنُ تحت كعوبٍ شامخة فيها أثرُ مشي طويل إلى متاجرَ أنيقة وشوارعَ مزدحمة
تخترقُ المشهدَ فتاةٌ نحيفة عارية الظهر، يحدقُ الجميعُ في عراء ظهرها وبياضِه الذي لم تزره الشمس يوماً
بساتينُ خطوتِها تحدٍ، وزيُها الصارخُ لحنٌ صريحٌ ضِدَّ البساطةِ
لا توأمَ لها غير الخطيئة

ينزُ منها عرقُ الرغبة السائلة كحبر، والنحافةُ - كما يقول فولتير- أكثرُ عرياً وأقل احتشاماً من السمنة

الأمُ التي اتسع حوضها، تنهرُ بناتِها اللاتي ضحكاتُ ضفائرهن البريئة تبددُ الوحشة، وهي تدعو الله في سرها أن يحفظهن من هذا المُقْلِقِ الغامض الذي يُسمى الرجل
في المطعم، تتناولُ الفتاةُ غير المبالية وجبةً خفيفة. الأواني المحيطة بها تافهةٌ أمام آنيةِ الله
شفتان مكتنزتان تتهيئان دوماً لمتعٍ مُقبلة، وأنوثة تتوهج في سحر إيقاعها
‫ترفعُ خصلةَ شعرها بصلواتِ أصابعها، فيسجدُ لها الهواءُ مغشياً عليه
والهواءُ يعبثُ بأصابع قدميها، المحملةِ بالقصائد
أضواء النيون تقتربُ وتنأى في سماواتِ عينيها
أعشابُ الرجال تستيقظ حين يقع بصرهم عليها، لكنها لا تبالي
في عينيها دبّوسان صغيران. أحياناً تعضّ جسدَك دبابيسُها
وحيدةٌ، رغم أنها لا تدرك وحدتها
سوف يفاجئها معسولُ الكلام يوماً، وتعصفُ فيها أعاصيرُ التوقِ والعشقِ واللظى
وحين تصبحُ بين ذراعيّ عاشق، ستذوبُ في شفتيَّها الشمسُ، وسيكونُ صمتُها لغة شاهقة
ربما سينشغلُ هو قليلاً بأن يحصي الشامات التي تنام على جسدها
واحدة خلف العنق، اثنتان.. آه، هناك ثالثة تحاول الاختباء، لكنه ضبطها قبل أن تفر
ساعتها، سينهار هذا الجدار ويحترق مُتحف الشمع عن آخره
الموسيقى تنتشرُ في المكان وتقتحمُ السماء، كأنها وباءٌ من النشوة المتنقلة. لولا هيمنة العقل لحلت الموسيقى محل الفلسفة

في قاعاتِ الانتظار، يتناولُ راكبُ الترانزيت أطعمةً تصلحُ مادة للمختبر وليس لمائدة الطعام
شابٌ وفتاة يتعانقان على الطريقة الرومانية، من دون لمسةِ حنان، من دون حرارة، من دون إظهار مشاعر الفرح. قبلة متحفظة، تركت على مقعديهما ندفاً من جليد
وحدها القبلةُ الناعمة قد تسرقُ منا عُمراً بأكمله
إنها اللعنةُ التي تنقلها كلسعةٍ بطرفِ شفتيك وتغرسها كسم شهي
الصيني يخلعُ حذاءه ليريحَ قدميه، فترتفعُ رائحةُ جوربيه اللذين انتقعا بحموضة يوم طويل إلى أنفه، ليغرقَ في خجله
الأقدامُ المتسارعة باتجاه بوابة السفر تقرعُ طبولَ الخوفِ من عدم اللحاق بشيءٍ ما غامض. الراكضون في المطارات كريشةٍ انفلتت من جناح طائر، لا ينظرون خلفهم؛ ربما لأن الشرَ الحقيقي يكمنُ خلفنا لا أمامنا
السفرُ ليس انتقالاً إلى مكان آخر أو زمان جديد. إنه ببساطة هروب. البعضُ يركضُ باتجاه ميلادٍ جديد، والبعضُ الآخر يكافحُ للهروب من الموت
كلهم يستعجلون الوصولَ، مع أن آخرَ الطريق..أوله!
مسافرون بتذكرةٍ في اتجاهٍ واحد، وعائدون على جناح الحنين
فريقٌ يغالبُ أحزانه، وآخر يغلبُه الوطن
والندمُ هجرةٌ في الاتجاهِ المعاكس، إذ يمتعنا باستعادة حياتنا، ويوهمُنا بأننا عشنا الكثير من الحيرة
على المقاعدِ التي صُمِمَت لتمنحك شعوراً بأنك لن تبقى فوقها طويلاً، تبدأ في تنظيف رأسِكَ من شظايا الوعظ، والتصالحِ مع نزواتِك المغضوبِ عليها
لا أفعلُ شيئاً. أرى الساعات تمضي بتثاقل، فأقرر ألا أحاول ملأها
الوقتُ حاقدٌ كرصاص العدو، لكننا لا يمكن أن نصفح عنه إلا عندما لا نستخدمه
أبتعدُ عن الزمن كي أتأمله أكثر وهو يسترخي في فضائِه الرحيب
أبرزُ ما تميزُه في لحظاتِ الترقب، هو لهاثها واحتضارها، وليس الانتقال نحو لحظة أخرى
أدسُ في جيبي ساعتي التي أصابَها الخرف
أو كلما مر الزمنُ أدركتُ أكثر أن أيامي الماضية كانت الفردوسَ المفقود!
لعل أفضلَ ما في النضج هو الإدراكُ الصعب، الذي يشبهُ الارتطامَ بدرجاتِ سلم غير منتظم الحواف أثناء صعودك السريع إلى الطابق العلوي من مسكن آيل للسقوط
ترتطمُ بالألمِ أكثر مما ترتبطُ بالحافة التي في انتظارك
في تلك اللحظة تحديداً، يُولَدُ الإدراك
خديعة كبرى نتوهمُ أنها اكتشافنا الأهم: كم يتلألأ المطبخُ بالسكاكين البرّاقة!
تنبهني رنةُ الهاتفِ الجوال إلى رسالةٍ نصية قصيرة. امرأةُ الأوراس تقول لي: "أنا في مصر، أم الدنيا، أين أنت؟". أجيبها قائلاً:" حيث لا ينبغي أن أكون"
تبعثُ لي بصورتها وقد غطت شعرها أمام قلعة صلاح الدين. خصلاتُ الشعر التي تمردت كانت تشير إلى قامتِها المديدة وطلعتِها الساحلية
في دورة المياه، أغسل وجهي، فألمحُ صورةَ الرجل الذي كان يافعاً ذات مرة وقيلَ إنه عبقري
لا أرى أمامي سوى نظرةٍ تحملُ عذاباتٍ مضاعفة، ورأسٍ كتبت بماء السرابِ قصائد

تحت قبة زجاجية تتسللُ منها أشعة الشمس، أتشربُ الضوء مع الجو
أفكر قليلاً في هموم العمل. لابد أن العمل هو الملحُ الذي يحافظُ على أرواح المومياوات
رجل بذقن غير حليقة يجلسُ إلى جواري مكتئباً وجبينه منحنٍ طوال الوقت.. شديد الانحناء لدرجة أنه لا يرى شيئاً، ما عدا سُرته
فمه يأكلُ آخرَ أسنانِه، حتى يصير طائرَ لقلقٍ هائم
الكآبة تتغذى من
ذاتِها، ولهذا لا يعرفُ أحدٌ كيف تتجدد
ربما كان عليه أن يغطّي ضعفه بالانتباه
يعطي أذنيه لا عقله لثرثارةٍ، أقنعها الشيطان بأن تطمئنَ إلى قلبِه الطيب ونياته الطيبة، لكي تقنعَ كل ضحاياها بأن يطمئنوا لقلبها ونيتها الطيبة
أن يكون بعضُ الرجالِ قد وقعوا في غرام تلك السيدة، فذلك دليلٌ على انحطاطِ رجالِ هذا القرن
نحن نحبُ النساء بقدر ما هن غريبات عنا
وفي الحب، يكونُ التوافق الجسدي نتيجةَ سوء تفاهم يُدعى المتعة
لا يهم، فالحقيقةُ الأكيدة أننا كلنا مشروعاتُ رغبة لبعضنا البعض
بشرٌ معدودون ينبتون أمام البصر فجأة دون صخب في الممراتِ اللامعة، ثم يندسون في منعطفاتٍ جانبية ويختفون مثل أشباح حانَ موعدُ نومها
جندي يعودُ إلى رشده، وفي يديه أزهار حمقاء، وعلى صدره أوسمة اليأس
فتية لهم جلودٌ مُتغضِّنة لوّنَتها الريح، يسخرون برعونةٍ من رفيق لهم. الفتى المحرجُ يضحكُ ضحكةً غبية، لكن حين تلمحُ عينيه لوهلةٍ سيتبينُ لك كم شوَّهته سخريةُ الآخرين
الضحكُ العنيفُ بكاءٌ مستتر
المراهقة جحيم، فلماذا يتعينُ إذن على المراهقَين أن يتقاسموه معاً؟
عاملُ النظافة يكنسُ بِهمةٍ ما تبقى من ضحكاتِ العابرين، حتى لا يتعثرَ بها من يرتدون معطفَ الرصانة
ينادي صوتٌ في المطار على اسم عربي للحاق بالطائرة التي توشكُ على الإقلاع، فتتهادى فتاة في ثوبها الفضفاض وكحلها الكثيف
تفوح منها عُطورٌ، وتوابلُ، وهالٌ.. تنامُ في خليّتِها، فيقطرُ منها عسلٌ خليع
البقعةُ التي امتدت مثل ورمٍ على ردائها، ليست سوى ذاتِها المتضخمة
تملأ الدنيا صراخاً عن حديقتها، لكنها لم تحرر شبراً من أرضها الحبيسة
كيف انتبه شيخنا ابن عربي إلى "الكثير بالصور، الواحد بالعين"؟
آلام الظهرِ تزداد حدَّتُها مع طول فترات الجلوسِ
ينقذني نداءُ الطائرة الأخير

على سُلَّمِ الطائرة، عجوزان يصعدان الدرجات على مهل. كانت تصعدُ درجةً ثم تقفُ كي يقتربَ منها ويهدأ سعاله. يَستجمِعُ قواه ثم يُمسدُ ظهرها ويَدعُ يده تربتُ على كتفها. هكذا يصعدان سُلَّمَاً إلى الغيبِ، من دون أن يصلا إلى مكان
البابُ موصدٌ بألفِ ألفِ قفل، والطائرةُ غرفةٌ معدنيةٌ بلا ذاكرة، بابُها يمكنه الإغلاق من الداخل من دون أن يشكك أحدٌ في نياتِ أهلها البابُ موصدٌ، ها نحن جميعاً داخلَ زنزانةٍ بجناحين عملاقين: كادُ المسافرُ أن يكونَ أسيراً
أرضية الطائرة كانت مغطاة بحصى القلب، وكنتُ حافي القدمين
راكبٌ متأنقٌ يأكله الخوفُ والقلق من تذكرةٍ يقطعُها الغيبُ لنا، ناسياً أن الموتَ مبراةٌ بكفِّ الدهر والأعمار أقلامٌ
طفلٌ ينظرُ في فضول من النافذة إلى المدرج الذي احتشد بالطائرات
أمه تغمضُ عينيها المرهقتين على بهاء تشمُ في عُمقِه عبيرَ الجراح
أحملُ سلالاً من أمل، أغمضُ عينيَّ على هدير المحركات، حالماً بجناحيّ الطائرة وقليل من الملائكة

تابع القراءة

gravatar

ذئاب الفصول (2): جريمة بالحبر السري




ما أقبح الوحش الذي يقيم في الأعماق البشرية، ذلك النذل المهتاج الذي لا يليق بالمحو
وحشٌ، قد يفاجئك بأنه يرتدي يوماً ثوب أستاذتك في الفصل
رقمياً - أو حتى ظاهرياً- فإن جرائم المدرسين بحق تلاميذهم تبدو أكثر

غير أن جرائم المدرسات لا تقل في حقيقة الأمر انتشاراً، لكن المشكلة أن التلاميذ هنا يبتلعون ألسنتهم ويجربون في
صمت هذا العالم السري الغريب الذي انفتحت أمامهم أبوابه، ليتذوقوا طعم الرغبة على يد مدرسةٍ أكبر عمراً وأكثر خبرة، تسمح لهم بمعرفة وإدراك ما لن يجدوه في الكتب والمناهج التي تصدرها وزارة التربية والتعليم
وفي فصول الدراسة التي تولد فيها بذرة التحرش بأجسادٍ غضة، تكون كلمة هواء بلا أكسجين

في 4 مارس آذار 2009 أدانت محكمة في ملبورن في أستراليا المدرّسة نظيرة رافعي Nazira Rafei بجريمة ارتكاب فعل فاضح مع صبي، لكن المحكمة برأتها من تهمة الاتصال الجنسي مع صبي دون سن السادسة عشرة
وأصدرت القاضية ليز غاينور حكماً على نظيرة بالعمل الاجتماعي لمدة 150 ساعة على مدار 18 شهراً، كما تم إدراج اسمها ضمن سجل المعتدين جنسياً. وبحسب القاضية، فإن نظيرة "غير ناضجة وسلكت بطريقة غير مناسبة وخرقت علاقة الثقة بين المدرس والتلميذ، مع أن سلوكها لم يصل إلى درجة الشراسة"


القضية أخذت أبعاداً مختلفة في بلدٍ مثل أستراليا؛ نظراً لأن المعلمة مسلمة، ترتدي الحجاب، وإن تكن لا تلتزم بالحجاب داخل المدرسة
وأشارت وثائق الادعاء المقدمة للمحكمة، إلى أن العلاقة بين المعلمة والتلميذ بدأت بتبادل رسائل الجوال والموسيقى الرومانسية، ليتطور الأمر لاحقاً إلى عناق وتبادل القبل في لقاء سري في سيارتها، ووصل أخيراً إلى لقاء جنسي في غرفة التلميذ بمنزله، اعتماداً على شهادات تلاميذ أصدقاء للضحية


وفي شهادته، قال المراهق إن مدرسة العلوم والرياضيات ابنة السادسة والعشرين بدأت علاقتها معه في فبراير شباط 2008، وإن العلاقة الجنسية بينهما بدأت في 26 فبراير. وأوضح أنه أثناء لقاء سري جمع بينهما داخل سيارتها ذات ليلة، أخذت توجهه قائلة: "عاملني كأني عبدة جنسياً لك، عاملني بشكل سيء، قل لي "اخرسي يا..." و"اقرص حلمتيّ". وأثناء إضراب نظمه المدرسون ذات يوم، جاءت المدرسة إلى منزل المراهق في غياب أسرته، ووضعت على عينيه عصابة، ثم كررت مطالبته بأن يعاملها كأنها "عبدة جنسياً" له

وتضيف الوثائق أنه "في شهر مايو أيار 2008، أعطت المعلمة صديقها التلميذ أجوبة امتحان مقرر في مادة المثلثات، وعندما أخبرها أنه لا يستطيع حفظ كل الأجوبة، أكملت الامتحان عوضاً عنه"
وقدم الادعاء وثائق للمحكمة زعمت أن المعلمة هددت التلميذ بتخفيض درجاته إذا قرر إنهاء علاقته بها، وهو ما نفته المعلمة المتزوجة بشدة، في بادىء الأمر، قبل أن تتراجع وتقر بأنها كانت شعرت بانجذاب عاطفي إلى تلميذها، لكنها واصلت إنكار تطور العلاقة جنسياً


أما محامي الدفاع فقد قال أمام المحكمة إن المدرسة نظيرة رافعي عاشت في كنف أسرة مسلمة تحظر عليها الاختلاط مع الذكور، وظل الأمر قائماً طوال سنوات دراستها في المدرسة والجامعة، الأمر الذي جعلها غير مستعدة عاطفياً للتعامل مع مراهقين من الجنس الآخر
تذكروا أن هذا يحدث في أستراليا!


القضايا كثيرة، ومنها قضية ريبيكا بوتشيللي، المعلمة السابقة في مدرسة ريدوود سيتي في كاليفورنيا، التي أدينت بممارسة الجنس مع طالب في سن السادسة عشرة

ولعل القضية الأكثر شهرة هي التي شهدت في أواخر مارس آذار 2005 فصلاً مذهلاً، حين تزوجت ماري كاي ليتورنو المعلمة السابقة في سياتل وهي في سن الثالثة والأربعين، من تلميذها السابق فيلي فوالاو وهو في سن الثانية والعشرين. هذه العلاقة أذهلت الأمريكيين، إذ قضت المعلمة السابقة سبع سنوات خلف القضبان بعد إدانتها بإقامة علاقة جنسية مع فوالاو وهو في سن الثانية عشرة. علاقة بين أم لأربعة أبناء وصبي بدأت بقبلة عام 1996 واستمرت نحو عقد كامل، لتثمر طفلين، قبل أن تتحول إلى زواج


وفي مطلع عام 2002 تحولت محاكمة المعلمة الكندية إيمي غيرينغ Amy Gehring إلى قضية رأي عام في بريطانيا، لتصبح العلاقة بين المعلم أو المعلمة والتلاميذ "سيرة وانفتحت"!
فالمدرسة التي كانت تعطي تلاميذها دروساً في علم الأحياء خضعت للمحاكمة بتهمة ممارسة الجنس مع تلاميذها القُصر في مدرسةٍ تقع في سري جنوبي لندن. غير أن المحكمة برأت ساحة غيرينغ البالغة من العمر 26 عاماً في فبراير شباط 2002. وفجَّرت القضية فضيحة كبرى في بريطانيا عندما اتضح أن مسؤولي التعليم سبق لهم تحذير مستخدمي غيرينغ من علاقاتها المريبة مع تلاميذها. وما زاد الطين بلة أن غيرينغ أقرت في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية بأنها مارست الجنس مع تلميذ في مدرسةٍ أخرى كانت قد اضطرت لتركها بسبب تورطها في "علاقات غير لائقة"
وإذا كان الاتهام لم يوجه إلى إيمي غيرينغ لأن الصبي كان في السادسة عشرة وهو سن التمييز وفقاً للقانون البريطاني، فإن هذه المدرسة قالت في أثناء محاكمتها إنها لا تتذكر إن كانت قد مارست الجنس مع أحد طلبتها في حفلة رأس السنة؛ لأنها كانت مخمورة. وأضافت أنها سمعت من أحد حضور الحفل أنها اختلت بالصبي، لذا أرسلت في صباح اليوم التالي رسالة إلى الصبي الذي زعم أيضاً أنه لا يتذكر ما جرى!
غير أن غيرينغ دافعت عن نفسها قائلة: "الصبية ليسوا أغبياء. لقد كانوا على دراية بما يقومون به. أعلم أن القوانين وضعت لحماية الأطفال من الأنشطة الإجرامية، لكنهم على دراية بما كانوا يفعلونه"!
المدرسة القادمة من أونتاريو في كندا ألقت بالقنبلة في وجه الجميع بقولها: "أعتقد أن هناك فرقاً بين الصبية عندما كنتُ في سن الخامسة عشرة، والصبية في الخامسة عشرة الآن في بريطانيا"

التبرير هنا واهٍ ومتهافت، خاصة أن المعلمة الكندية تحاول التنصل من جريمتها بالقول: "كنت أعتبر نفسي واحدة من أصدقاء هؤلاء التلاميذ. كنت أقضي معظم وقتي معهم وكان آباؤهم يسمحون لي بالبقاء في منازلهم، حتى أصبحت واحدة من الأولاد"
أربع تهم وجهت إلى تلك المدرسة، لكنها خرجت منها وبراءة الأطفال في عينيها، مع أن تبرئة ساحتها لم تفلح في منحها صكوك الغفران من مجتمع رأى فيها مدرسة خانت الأمانة ومارست لعبة الغواية مع تلاميذها القُصر
ولعل ما يدعو إلى التأمل حقاً في تلك القضية هو ذلك الذي أثارته وسائل الإعلام البريطانية بشأن جوانب المحاكمة وأطرافها
ديبورا أور، الكاتبة الصحفية في "الإندبندنت" تساءلت في عنوان مقال لها: "تخيل لو أن كان الأمر متعلقاً بمدرس"، لتثير مسألة النوع أو الجنوسة في تلك القضية، موضحة أنه لم يكن متخيلاً أو مقبولاً إطلاق سراح أو تبرئة مدرس لو أنه اغتصب أو أغوى تلميذتين في الخامسة عشرة من العمر. أما المدرسة غيرينغ فإن التهم الموجهة إليها لم تشمل تهمة الاغتصاب؛ لأنه ببساطة لايوجد في القانون تهمة اغتصاب سيدةٍ لصبي في سن الرابعة عشرة أو السادسة عشرة


ومن هذه الزاوية فإنه يُفترض أنه لا فرق بين صبي وفتاة في حالة التعرض للإغواء أو التحرش الجنسي، ولابد في كلتا الحالتين من معاقبة المدرس المخطىء أو المدرسة المذنبة على تلك الجريمة المرفوضة، على الأقل أخلاقياً واجتماعياً
ببساطةٍ أشد، فإن النوع أو جنس مرتكب مثل تلك الواقعة ينبغي ألا يكون مبرراً أو ذريعة للتغاضي عن الجريمة المرتكبة
قضية غيرينغ، التي شغلت الرأي العام البريطاني طويلاً، نكأت جراح كثيرين


ومن هؤلاء توني ألن- ميلز Tony Allen Mills الصحفي في جريدة "صنداي تايمز" البريطانية الذي كشف عن مخزون أسراره وحكايته مع معلمته في المرحلة الإعدادية
يومها لم تستطع مدرسة الموسيقى مقاومة نظرات الصبي الأشقر ذي الوجه الملائكي. كانت بحكم وحدتها تقيم في المسكن الداخلي للمدرسة، منقطعة عن الحياة الاجتماعية، فضلاً عن أن المدرسة تقع في الريف الهادىء لدرجة الملل
ويقول ألن- ميلز في اعترافاته: "كانت تعلمني دروس البيانو، الأمر الذي سمح لنا بالحميمية والجلوس جنباً إلى جنب". كان الصبي آنذاك في سن الثالثة عشرة، وهي في الخامسة والعشرين، لكنه يقول: "ليس بالضرورة أن تكون بريئاً وأنت في الثالثة عشرة من العمر"

ومن يقرأ رواية ماريو بارغاس يوسا Mario Vargas Llosa

In Praise of the Stepmother

والتي صدرت لها ترجمتان على الأقل إلى اللغة العربية هما: ("في مديح زوجة الأب"، ترجمة: صلاح صلاح، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 1999) أو ("امتداح الخالة"، ترجمة: صالح علماني، دار المدى، دمشق، 1999) سيدرك المعنى نفسه. في هذه الرواية نجد الابن المراهق ألفونسو يغوي لوكريثيا زوجة أبيه دون ريغوبيرتو، وهي، زوجة الأب، التي لا تأخذ الأمر مأخذ الجد في البداية، وتعطف على الصغير، فهو صغير، لكنها تجد نفسها تنساق رويداً رويداً لرغباته حتى يصل الأمر إلى إقامة علاقة جنسية بينهما.. ثم يشي الابن بالزوجة لأبيه فينفصل عنها، ويتضح أن الولد كان ينتقم من زوجة أبيه لأنها حلت محل أمه
رواية تجعل القارىء يتساءل: هَلْ الطُفولة إذن مزيجٌ مِن الرذيلة والفضيلة أو مِن الطهارة والخطيئة؟
إنها الأسئلة الملعونة بجدية
الذاكرة تستدعي عند هذه النقطة رأياً غريباً للأديب إيفلين ووه، Evelyn Waugh
يقول فيه إن السبب الوحيد وراء رغبة الرجل في أن يصبح مدرساً هو رغبته الجنسية في تلاميذه
رأي صادمٌ آخر بالنسبة للبعض. وربما بنى ووه رأيه على تجربته الذاتية في أعقاب فترةٍ قضاها كمعلم في مدرسة إعدادية في بريطانيا، حيث يبدو الجنس أمراً شائعاً
وفي بعض الأحيان، يكون الافتتان بالمدرس أو المدرسة وراء قبول التلميذ أو التلميذة التورط في علاقة عاطفية أو جسدية، أو حتى إعطاء مؤشرات على أن الأمر ممكن. ويتعين هنا أن نشير إلى أن بعض التلاميذ قد يعطي إشارة خضراء على قبوله فكرة العلاقة الجنسية مقابل امتيازات معينة. نعم، امتيازات، تتراوح بين التدليل في الفصل الدراسي والتغاضي عن عدم الانضباط أو الانتظام في الحضور، وصولاً إلى تسريب أسئلة الامتحانات وإجاباتها النموذجية

على أن الإجابة النموذجية الوحيدة في تجاوز العلاقة بين المدرس وتلميذه الخط الأحمر، هي أن تلك الممارسة النموذجية - بأي شكلٍ ودرجة- تلغي آخر صور البراءة لدى الصبي أو الفتاة؛ لأن هرمونات الذكورة أو الأنوثة تجد فرصة للانطلاق، ويستحيل بعد ذلك العودة إلى نقطة البراءة بعد وقوع الواقعة

ذكريات مريرة قد تلتصق في ذهن كل صبي أو فتاة تعرض لضغط أو تهديد من أستاذه أو أستاذته في المدرسة، وهي ذكريات تبقى طويلاً مثل جرحٍ نازف في صدر الضحية، لا الأيام تضمد الجراح ولا الوقوف أمام الأسرة لكشف المستور أو إبلاغ قسم الشرطة ينهي المأساة التي تتراقص أمام الأعين مثل شبحٍ مخيف
ومثل أي مكانٍ آخر، فإن مؤامرة الصمت تستمر لتدفع الضحية الثمن الباهظ
وفي حالات كثيرة، قد لا تفهم الضحية الصغيرة حتى ما يحدث لها. ومن الشائع أن تتذكر الضحية بعد سنواتٍ أن ما تعرضت له على يد المدرس أو المدرسة لم يكن سوى تحرش جنسي أو اغتصاب
وحتى عندما يستوعب التلاميذ أنهم وقعوا ضحية تلك الجرائم عبر اللمس مثلاً أو إجبارهم على نزع ملابسهم الداخلية بدعوى الفحص الطبي أو حتى في حالات اغتصابهم، فإن الخوف من الفضيحة يخرس الألسنة، خشية عقاب الأسرة أو بطش المدرس وسطوته داخل المدرسة
وأخطر ما في حكايات تحرش المدرسة بتلميذها أو المدرس بتلميذته، أنه يصعب الإمساك بدليل، كأنها جريمة بالحبر السري
فالجاني قد يكون حذراً وماكراً بما يكفي لكي يلقي كلمة على سبيل الطُعم، أو تبدر منه حركة أو لمسة ترتدي ثوب التلقائية غير المقصودة، قبل أن ينصب شباكه مثل خيوط العنكبوت حول فريسته. والأحداث تقع عادةً بعيداً عن الأعين فلا يمكن إثباتها بالدليل القطعي، حتى إنه في بلدٍ مثل بريطانيا تم التحقيق مع 156 مدرساً ومدرسة في عام 1999، لكن خمسة فقط منهم أدينوا بالتهم الموجهة إليهم

إنها جرائم - كما قلنا- يسهل الإفلات من عقوبتها، مثلما أن الكشف عنها يشبه السقوط في بئرٍ بلا قرار

وهذه هي قمة الفضيحة
تابع القراءة

gravatar

ذئاب الفصول (1): شهوة اللحم




اللمس سيد الأدلة

جملة صادقة وصادمة، يعرفها كل تلميذ أو تلميذة وقع ضحية نزوات ورغبات محرَّمة لمدرسٍ فقد ضميره أو مدرسة أطلقت حصان اللذة في سباقٍ محموم ومجنون

والمدارس أسرار، حتى إن بعضها يمكن أن يطلق عليها على سبيل التندر اسم: مدرسة الفضائح المشتركة

وفي مدارسنا هنا ومدارسهم في الغرب، كلنا في الهم سواء. فكم من حكاية تحرش جنسي أو اغتصاب لتلميذ أو تلميذة في المدارس، تقع على امتداد الخارطة: من مصر إلى إنجلترا، ومن اليابان إلى الولايات المتحدة، مروراً بأستراليا
والتحرش الجنسي في المدارس، ريحٌ من عفنٍ مس الحياة

تبدأ رحلة التحرش باهتمام زائد وكلمات ملساء ونظرات غير مريحة، وسرعان ما تتحول إلى مبادرة هجومية عبر لمسةٍ تبدو كأنها غير مقصودة، وحركة اقتراب أكثر من اللازم، في محاولةٍ لكسر حدود المسافة، والالتصاق بالصبي أو الفتاة

الابتسامة اللزجة التي ترتسم على وجه المدرس أو المدرسة الذي يحاول استغلال الموقف لا تخفي بأي حال نظرات الشهوة والرغبة التي تلتمع في العينين، في محاولةٍ لاستغلال براءة الصبي أو الفتاة الذي لا يدري أبعاد خطة "التهام الفريسة" الذي يلهث بجنون في ذهن الجاني

في الفصل أو في حصة درس خصوصي، وربما في غرفة ضيقة، تبدأ لغة الجسد، وتتحرك الرغبات، ويصبح للغواية دور، وللضغوط معنى..لعل الفريسة تقع في براثن المفترس
والذئبُ يُوهمُ أشباح الستائر بأن القلب بنصاعة سرب حمام أبيض

وإذا شعر التلميذ أو التلميذة بنذر الخطر، وحاول الفرار أو النجاة من هذا المأزق، فإن الضغوط قد تزداد قوة، ويُحكِم المدرس أو المدرسة الحصار ويُضيق الخناق على ضحيته، وتتحول الكلمات الملساء إلى حرابٍ مدببة وألفاظ خشنة، وتنتقل من خانة التهديد المبطن إلى الترهيب المعلن. وقد تضاف بعض التوابل من باب التخفيف من وطأة الضغوط، مثل الوعد السخي بالمساعدة على تجاوز الامتحانات، أو الغطاء المادي، خاصة إذا كانت التلميذة بالذات ابنة ظروف اجتماعية واقتصادية قاهرة
الجاني هنا لا يترك ضحيته إلا بذاكرة جريحةٍ، كأنها رايةٌ منقوصة مشبعَة بالأذى
تلك جرائم يبقى أثرها طويلاً

وفي كل الأحوال، تقود مثل تلك الجريمة إلى مأساة أكبر وتداعيات أكثر خطورة، إن لم يكن المجتمع صحياً بما يكفي لمعاقبة الجاني ومعالجة المجني عليه

من المهم أن يتعلم الصغير متى يرفض وأن يقول لا لمن ينتهك جسده أو يحاول إغواءه
والأهم أن يكون المجتمع قادراً على مواجهة تلك الجرائم، وأن يشجع الصغير على مواجهة الجاني وفضح أمره، بدلاً من حكاية العيب والخوف من الفضيحة والعار

في الغرب، توجد مصارحة ومكاشفة للموضوع، تتفاوت بين الرصد والتحليل. وفي السينما مثلاً، يبرز فيلم
Notes on a Scandal (إخراج ريتشارد آير، 2006)

في الفيلم المذكور، نتابع تلك العلاقة الجسدية السرية التي جمعت بين مدرسة الرسم شيبا هارت (كيت بلانشيت) وتلميذها الموهوب ستيفن كونوللي (أندرو سمسون) ابن الخامسة عشرة. علاقة تنمو في المدرسة الثانوية، وتلد رغبات ملحة يمارسها الطرفان حتى في مكان منزوٍ يمر بجواره القطار
بل إن بعض مواقع الإنترنت تخصصت في توثيق جرائم أهل التعليم، من اتهامات ومحاكمات وأحكام، مثل موقع
http://www.teachercrimes.com/
أما في بلادنا، فإن نظرية البخار المكتوم تظل القاعدة، وما سوى ذلك استثناء
بعضنا على الأقل تعرض لمثل تلك الأحداث المؤلمة، أو مرت به حكاية من هذا النوع. وفي أغلب الأحوال، فإنها تظل حكايات تندس تحت الأغطية وتنام تحت الوسائد مثل زفرةٍ ساخنة أو دمعة حائرة
أما الكلام فإنه يختنق تحت ستار درء الفضيحة أو الشعور بالضعف أمام من يفترس أجسادنا
إنها القضية المسكوت عنها
ولعل حكاية مدرس إمبابة تفتح الباب أمام قراءة هادئة لهذا الملف الشائك
فقد نشطت التحريات للكشف عن سر قرص مدمج يباع في إمبابة بمحافظة الجيزة ومقاطع فيديو على الهواتف المحمولة تجمع بين شاب في الثلاثينيات من عمره وفتيات -كل واحدة بمفردها- تتراوح أعمارهن بين ١٦ و١٨ سنة

وسرعان ما اتضح أن "بطل" هذه اللقطات الساخنة هو مدرس علم نفس معروف في مدرسة "باحثة البادية" التجارية شمال الجيزة، وأنه يمارس الجنس مع الطالبات داخل شقته، حين يستقبل البعض منهن لإعطائهن دروساً خصوصية. بل إن الممارسة تحدث أحياناً داخل منزل الطالبة حين تكون أسرتها أكثر حرصاً وتطلب أن يأتي المدرس للمنزل


النيابة وجهت إلى المدرس البالغ من العمر 35 عاماً 6 اتهامات وهي: الاستغلال الجنسي، وهتك العرض بالرضا، ومواقعة نساء، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، وتصوير الضحايا دون رضاهن، ونسخ أسطوانات جنسية وتوزيعها


الفضيحة التي وصلت إلى وسائل الإعلام في 10 يونيو 2009، قبل أيام من بدء امتحانات شهادة الثانوية العامة، تناولت قضية مدرس يواجه اتهامات بالصوت والصورة بمواقعة نحو عشرين طالبة في مدرسة ثانوية بإمبابة، إذ كشفت التحريات عن قرص مدمج سجل عليه مشاهد إباحية له مع ٧ طالبات إضافة إلى مشاهد لـ١١ طالبة أخرى على هاتفه المحمول. واتضح لاحقاً أن الممارسات الفاضحة التي كان يقوم بها المتهم استمرت نحو عام ونصف العام، وكان آخرها في مايو أيار 2009


هنا تتضافر عوامل عدة، من مدرس انحرف عن طبيعة مهنته ورسالته التعليمية والتربوية، ومناخ تربوي عام أفرز مدارس لا تصلح للتعليم ولجوءاً جماعياً إلى الدروس الخصوصية، وطالبات افتقدن التوجيه السليم وسقطن تحت ضغط الغواية وربما الظروف الاجتماعية، وأسر تتوزع بين كونها غافلة تترك البنات تتلقى دروساً في منزل المدرس وبين ظروف مادية تجعلها تتغاضى عن الأمر بحكم أنه أقل كلفة من الناحية المادية


قد تتسع قائمة المتهمين فتشمل المجتمع الذي توقف عن المساءلة وعن أن يكون له دور، وأقصى ما قام به أنه تأقلم مع انهيار النظام التعليمي، وهكذا انتشرت الدروس الخصوصية والمذكرات المدرسية والغش الجماعي..وصولاً إلى تجاوز العلاقة بين المدرس وطالباته الخط الأحمر


المدرس المذكور اعترف تفصيلياً بارتكاب الجريمة، وأنكر فقط تهمة توزيع الكليبات الجنسية على شباب في إمبابة. وقال إنه كان يواقع الطالبات برضاهن، وإنهن لا يعلمن موضوع التصوير. وفي التحقيقات قال المتهم إن الطالبات كن معجبات به وكان يبدأ مع الواحدة منهن بالتحرش ولمس أجزاء حساسة، ويتطور الأمر مع مرور الوقت لإقامة علاقة جنسية، وشدد على أنه كان يراعي عذريتهن. وعن كيفية التصوير قال المتهم إنه كان يضع هاتفه المحمول في وضع يسمح بالتصوير ثم يبدأ ممارسة العلاقة مع الطالبات. وعلى سبيل دفع التهمة عنه، قال إنه كان يحتفظ بالتسجيلات المصورة للذكرى فقط، وبرر ارتكاب هذه الأفعال بأنه غير متزوج ولا يملك أموالاً للزفاف ومتطلباته

تحقيقات النيابة كشفت عن مفاجأة أخرى، إذ تبين أن المتهم أقام علاقة مع شقيقتين دون أن تعرف كلٌ منهما شيئاً عن الأمر

نحن أمام مدرس غير متزوج، يقيم مع والدته المصابة بشلل نصفي، كان يعمل في مدرسة للبنات وبسبب سلوكه السيئ مع الطالبات نقل إلى مدرسة للبنين في إمبابة بداية العام الدراسي المنصرم، لكن المفارقة أن علاقته بالطالبات لم تنقطع إذ كان يستقبل كثيرات منهم لإعطائهن دروساً خصوصية في مبنى ملحق بالمدرسة وفي شقة خاصة به، وفي منازلهن

الطريف أن كل من يتلقون دروساً خصوصية لدى هذا المدرس من الطالبات فقط، إذ كان يرفض التعامل مع الذكور. يبقى القول إن غالبية الطالبات اللاتي صوَّرهن هذا المدرس كُنَّ من مدارس الثانوي التجاري، ونسبة قليلة منهن من طالبات الثانوية العامة
لم يكن مدرس إمبابة أول ذئاب التعليم، وهو بالتأكيد لن يكون الأخير


وربما كانت الوقائع المفزعة التي جرت أحداثها في المدرسة الثانوية التجارية في القاهرة في عام 2000، مثالاً على سعي بعض من يحملون صفة مدرس إلى إساءة استغلال الموقع الوظيفي وابتزاز طالبات في عمر الزهور، ومساومتهن مقابل وعودٍ بالنجاح في امتحان آخر العام


فقد تقدم أحد المدرسين ببلاغٍ لنيابة الوايلي متضمناً قيام ثلاثة مدرسين باستغلال الطالبات استغلالاً سيئاً ومراودتهن عن أنفسهن. وقدم المدرس مع البلاغ مجموعة من الخطابات التي بعثت إليه بها الطالبات. ومن واقع محاضر النيابة وأوراق القضية رقم 2148 لسنة 2000، تبين خطابات الطالبات أن المدرسين الثلاثة "ف.ع"، "أ.م"، "ح.ع" يتحرشون بالطالبات ويضغطون عليهن حتى يخضعن لنزواتهم. تم استدعاء البنات إلى نيابة الوايلي، فكررن في التحقيقات ما كتبن في الخطابات لأستاذهن، وأكدن أن زميلة راسبة كانت الواسطة بين الأساتذة وبين البنات الراسبات، في محاولة للإيقاع بهن مقابل مساعدتهن على النجاح في الامتحانات

أما المدرسون الذين وجهت إليهم الاتهامات، فقد أنكر كل من "ف.ع" و"ح.ع"، في حين اعترف بالوقائع "أ.م" الذي أقر أيضاً بأن المدرسين المذكورين كانا مشتركين معه في الوقائع. أما الأخطر من ذلك فهو تلك النظرة الخاطئة للطالبات اللاتي أوقعهن الحظ العاثر لكي يكون لهن مدرسون من هذا النوع. فقد قال "أ.م" إن "بنات الثانوي التجاري لديهن استعداد للانحراف من دون أية ضغوط، وإن هؤلاء الطالبات كن منحرفات منذ البداية وهن اللاتي شجعننا على ذلك، بل هن اللاتي طلبن ذلك مقابل نجاحهن؛ لأنهن راسبات وليست لهن أية عادة مرة أخرى"
منتهى الابتزاز وقمة الاستغلال

من الطبيعي إذن أن يقف القانون بالمرصاد لمثل تلك الحالات الشاذة التي تلوث ثوب التعليم. فإذا كان المسؤول عن التعليم هو مُرتكِب الخطأ وكانت الطالبة المُرتكَب في حقها الخطأ قاصراً، فإن ذلك يعد نوعاً من الاغتصاب يُعَاقبُ بالأشغال الشاقة المؤبدة. وتقول المادة (267) من القانون المصري إنه "كل من واقع أنثى صغيرة بغير رضاها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة، وإذا كان يقوم على تربيتها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة"

دعونا لا ننسى أننا نقول: وزارة التربية والتعليم..فالتربية قرينة التعليم، ولا فائدة من تعليم يشوه الروح وينتهك الجسد ويقمع العقل


بعض الأساتذة يعتبر علاقته بالطالبة مجرد نزوة عابرة، ورغبة في التغيير بعيداً عن روتين العائلة والأولاد

هذا ما حدث بين أستاذ كلية الحقوق بإحدى الجامعات المصرية وطالبة بالسنة الثانية في الكلية. وعلى الرغم من الفارق الكبير في العمر بين الاثنين، والذي يصل إلى 24 عاماً، فإن الأستاذ الجامعي أعجب بتلميذته الجميلة في أثناء تدريسه لها في المحاضرات، فأخذ يقترب منها شيئاً فشيئاً إلى أن طلب منها لقاء خاصاً، وتعددت اللقاءات إلى أن فاجأها بعرض الزواج العرفي، فوافقت الفتاة لكونه أستاذها. دام الزواج أكثر من عامين، لكن بمجرد إفشاء الطالبة السر على سبيل التفاخر بين زملائها وزميلاتها، بدأت رحلة تهرب الأستاذ من الفتاة وإنكاره العلاقة الزوجية. وبعد تدخل عميد الكلية، اضطر الأستاذ الجامعي للذهاب إلى أسرة الفتاة الفقيرة ذات التسعة عشر ربيعاً، واشترى صمت العائلة بخمسة آلاف جنيه

وهناك مدرسون آخرون يعتبرون الصمت تواطؤاً، وقبولاً بالتراضي لجريمة لا تغتفر: هتك عرض تلميذة أو اغتصاب براءتها داخل غرفة مغلقة، تحت ستار الدروس الخصوصية

وحين استيقظت مصر في أواخر تسعينيات القرن الماضي على حكاية المدرس الذي يعبث ببراءة تلميذاته في الفصل وأثناء الدروس الخصوصية، أصيب كثير من العائلات بالفزع؛ لأن تلك الجريمة المشينة نشرت عدوى أو فيروس الشك والارتياب في نفس كل أب وأم له طفلة أو فتاة في مدرسة يوجد بها مدرسون ذكور، أو يتولى المدرسون إعطاء بناتهم دروساً خصوصية

كان المدرس الذي نتحدث عنه يتحسس جسد التلميذات ويمارس عبر ضغوط مختلفة انتهاك براءتهن ويطلب منهن نزع ملابسهن أو الجلوس على حجره، ويقبلهن عنوةً، ثم يقدم لهن وجبة مسمومة من الترهيب والتخويف بأن من تفتح فمها ستتعرض لعقاب رادع

سقوط هذا المدرس بعد افتضاح أمره أثار استياء شعبياً على نطاق واسع، فالمفروض أن المعلم له مكانة خاصة ورسالة مقدسة، ولذا فإن خيانة تلك الأمانة وهتك أعراض فتيات في عمر الزهور كان مصيبة بالنسبة لأولياء أمور هؤلاء الفتيات، ومدعاة للخوف والشك بالنسبة لباقي أولياء الأمور

ومن الشرق إلى الغرب وبالعكس، تبدو ظاهرة اعتداء المدرسين على تلميذاتهم آخذةً في الانتشار، حتى في "بلاد الشمس المشرقة"

ففي ديسمبر كانون أول 2001، كشف وزير التعليم الياباني عن أنه في السنة الدراسية السابقة عوقب 141 معلماً في المدارس الحكومية بسبب إساءتهم التصرف مع تلميذاتهم، وهو رقم تضاعف مقارنة بعامين مضيا

وفي يناير كانون ثان 2002 ألقي القبض على مدرس ثانوي من محافظة كاجوشيما اليابانية، إثر اتصال جنسي مع تلميذة عمرها 16 عاماً. كما اتُهِمَ مدرسٌ في سايتاما بأنه دفع لطفلة عمرها 13 عاماً مبلغاً يعادل 380 دولاراً مقابل الجنس. وصدر حكمٌ على مدرس في مدرسة إعدادية بالسجن لتحسسه طالبة في الثانوية في قطار. وطرد مجلس التعليم في أوساكا مدرساً وضع سراً آلة تصوير تليفزيونية في دورة مياه الفتيات!

غير أن الذي هز اليابان وأصابها بالرعب، ودفع مجلة "نيوزويك" إلى نشر تقرير في عددها بتاريخ 12 فبراير شباط 2002، هو حادث ارتكبه مدرس المواد الاجتماعية في مدرسة إعدادية يدعى كين فوكوموتو (34 عاماً). فقد التقى فوكوموتو في يوليو تموز 2001 فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً اسمها نوريكو كامي. وبعد أن استدرجها وأغواها، حبسها وواصل الاعتداء عليها، إلى أن ألقى بها وهي مكبلة وحافية القدمين من سيارة تسير على الطريق السريع في كوبيه، لتدهسها شاحنة وتنزف حتى الموت من جراء جراحها

الجريمة بشعة بكل المقاييس، حتى إن سيتسو كوستوبوري وهو محامٍ عن حقوق الأطفال في طوكيو، تساءل قائلاً: إننا اعتدنا على تسمية التعليم "مهنة مقدسة"، ولكن اليوم من يمكن أن يسميها كذلك؟"

وبعد أول حصة له في مدرسته بأويلوين في ولاية أيوا الأمريكية، تم فصل المدرّس غاري لينزي، بعد أن لمست يده صدر تلميذة في الصف الخامس، وبرر ذلك لمدير المدرسة بأنه يعتقد أن ذلك سببه "مجرد شهوة اللحم"

ومع أنه فصل من عمله، فإنه لم يفقد مهنته، فقد ظل يعلم طوال عقود في ولايتي إيلينوي وأيوا، مرتكباً ما لا يقل عن ست حوادث تحرش مشابهة. وعندما توقف عن عمله في العام 2004، أي بعد 40 عاماً من العمل في مهنة التعليم، لم يكن ذلك لأن مدير مدرسة طرده أو إحدى الوكالات الحكومية، وإنما نتيجة إصرار إحدى الضحايا بدعم من والديها

وحالة المعلم لينزي ليست الوحيدة، بل مجرد مثال واحد صغير على ظاهرة إساءة السلوك الجنسي من قبل الأساتذة الذين ينبغي أن يكونوا مربين للأطفال

وفي بحث أجرته أسوشيتدبرس، واستغرق سبعة شهور، تم إحصاء ما يزيد على 25 ألف حالة تحرش جنسي، بينها حالات اغتصاب وممارسة جنسية، خلال الفترة بين 2001 و2005، تم أثناءها معاقبة المعلمين أو المعلمات نتيجة تصرفات تراوحت بين الشذوذ والسادية

ويبلغ عدد المعلمين والمعلمات في المدارس الحكومية الأمريكية نحو ثلاثة ملايين معلم ومعلمة، فيما يبلغ متوسط عدد من يتحرشون جنسياً إلى ثلاثة معلمين يومياً، رغم أن نسبة كبيرة من حالات التحرش لا يتم الإبلاغ عنها

وفي هونغ كونغ واجه مدرس في إحدى المدارس الابتدائية جزاء جرائمه، إذ أدين في 8 يونيو 2009 بممارسة الجنس مع إحدى تلميذاته منذ أن كان عمرها اثنتي عشرة سنة. ودانت محكمة في هونغ كونغ المدرس تشو تشي - واه (39 عاماً) بإحدى عشرة تهمة تتعلق بممارسة الجنس مع قاصر بين عامي 2004 و 2006. المحكمة قالت إن المدرس المذكور الذي كان يعطي دروساً خصوصية للفتاة، مارس معها الجنس نحو 280 مرة طوال تلك الفترة
جريمة أخرى من جرائم انتهاك البراءة، لا يدع فيها الجاني ضحيته إلا بعد أن تتحطم كإبريق زيت هش

وللنساء أيضاً نصيب من تلك الجرائم، التي تترك وراءها نحيباً في صدور من لا يملكون أن يحتفظوا في جيوبهم بذاكرة غير الأذى الذي تعرضوا له
تابع القراءة

gravatar

الإدارة العاجزة (3): دعه يتكلم..دعه يصيح





لا تقرأ الحكومات في مصر ثلاثة: الصحف ووجوه الغلابة..والتاريخ

وإذا قرأت فإنها تكتفي بالغضب أو تعمد إلى التجاهل التام لما هو مقروء أو مكتوب؛ لأنها ببساطة تعتقد أن النقد عداوة والمحاسبة خصومة والنشر إعلان حرب ضدها، وسحابة سوداء تحاول التغطية على منجزاتها

الشكوى القديمة من أزمة العلاقة بين الصحافة والحكومة بأن الأولى تريد أن "تكتب" في حين تريد الثانية أن "تكتم"، زالت وانتهت، وحلت بدلاً منها شعارات أكثر حدة من طراز "إذا لم تكن معي فأنت ضدي"، و"الكلاب تعوي والقافلة تسير"، و"دعه يتكلم..دعه يصيح"!

لا أحد يدري سبباً لهذا الضيق من جانب الحكومة بما تكتبه الصحافة، حتى إنه عندما أتيحت فرصة للهجوم على الصحافة في مصر وسط مساعٍ لدعم قانون متعسف يقيد حرياتها ويهدد العاملين بها، وهو ما يعرف بالقانون 93 لسنة 1995، غرس كبار المسؤولين وعدد من النواب أسنانهم ونشبوا أظفارهم في جسد الصحافة، واتهموها بالتشهير والازدراء. وظل الأمر على هذا المنوال، إلى أن نجح الصحفيون بعد نحو عامين من الاحتجاجات في إلغاء هذا القانون الذي يقضي بحبس الصحفي الذي ينشر وثائق وكذلك الموظف الذي زوده بها

وبالرغم من تعقيداتٍ إدارية مقصودة تقفُ في وجه حصول الصحفيين على المعلومات من مصادرها الرسمية وهو ما يعيق عمل الصحافة ورسالتها من جانب ويقود إلى إيقاع بعض الصحفيين في فخ المعلومات الخاطئة من جانب آخر، بالرغم من هذه العقبات فإن الحقائق تؤكد أن الصحافة لعبت في كثير من المناسبات دوراً مهماً في التنبيه إلى الخطر الذي يهددنا والكوارث التي تنتظرنا والمصائب التي تتحين الفرصة لكي تصيبنا من حيث لا نحتسب

ولو أن أحداً في موقع المسؤولية قرأ واستوعب تحذيرات الصحافة من تلك الكوارث والقنابل الموقوتة التي نتعايش معها يومياً، لكنا أبطلنا مفعول العديد من المصائب التي وقعت فوق رؤوسنا وحصدت أرواح الأبرياء واستنزفت الموارد ودمرت الممتلكات الخاصة والعامة
ونعود إلى نموذج كارثة قطار الصعيد عام 2002، حين قضى الركاب حرقاً حتى تفحمت جثثهم من دون أن يجدوا من ينقذهم أو حتى يقلل من عدد الضحايا

إن سياسة "أذن من طين وأذن من عجين" تقف بقوة وراء كارثة قطار الصعيد، فقد تسبب الإهمال في مأساةٍ مروعةٍ أقامت العزاء في بيوت المصريين حتى في أيام عيدهم، بعد أن تزامنت الحادثة مع عيد الأضحى المبارك

لقد كشفت الكارثة المستور، وفضحت الذين رفضوا الإنصات إلى صوت العقل، واعتبروا ما تكتبه الصحافة تطاولاً وقلة أدب وكلاماً فارغاً، وما إلى ذلك من كلمات تعكس ضيق الأفق ونفاد الصبر من أي نقد يُوَجه إلى الأداء الحكومي أو غياب الرقابة والإهمال والفساد

إن إغماض العين عن الكوارث لايعني أنها لن تقع، مثلما أن صم الأذن عن معرفة الخطأ ليس سوى خطيئة قد يدفع ثمنها ضحايا أبرياء لا ذنب لهم سوى أن حظهم العاثر أوقعهم تحت طائل أجهزةٍ وهيئاتٍ ومؤسساتٍ لاتعرف كيف تقرأ ولاتفهم أهمية التحرك لمعالجة العيوب وسد الثغرات وإصلاح الأخطاء ومعاقبة المقصرين والمفسدين

أمامنا الآن أمثلة كثيرة، لو أن الحكومة الرشيدة آنذاك - وهي حكومة د. عاطف عبيد- وأجهزتها وهيئاتها المختلفة اهتمت بها الاهتمام اللائق، لما وقعت كارثة قطار الصعيد. فقد وجهت الصحافة النقد البنَّاء إلى هيئة السكة الحديد، وحاولت التحذير من الخطر الداهم الذي يمكن أن يقع في حال استمرار مظاهر الإهمال في هذا المرفق الحيوي الذي يخدم نحو مليون مواطن يومياً..ولكن لا حياة لمن تنادي


ففي مجلة "نصف الدنيا" وبالتحديد في عددها الصادر بتاريخ 25 نوفمبر تشرين ثانٍ 2001 - أي قبل نحو ثلاثة أشهر من وقوع كارثة قطار الصعيد- نطالع ملفاً مصوراً بالغ الأهمية تحت عنوان "عذاب القطارات" يمتد على 34 صفحة، أعده كل من ناهد الكاشف وطارق حماد وصوَّره محمد السهيتي، يقول في مجمله من دون مداورة ولا مواربة إن الكارثة في هيئة سكك حديد مصر (س.ح.م) آتية لا محالة



في أحد تحقيقات الملف وتحت عنوان "في قطار الضواحي: العذاب رايح جاي!" نقرأ المقدمة التالية:
"حال قطارات الدرجة الثالثة لاتسر عدواً ولا حبيباً
لم نجد أصدق من هذه الجملة للتعبير عن حال قطارات الضواحي وقطارات الدرجة الثالثة التي أصبح التسيب والإهمال شعارها. في رحلة استغرقت 4 ساعات في قطار الضواحي على خط منوف الذي أنشيء منذ 50 عاماً وإلى الآن لم يتم تجديده، قمنا برحلة داخل قطارات الدرجة الثالثة التي يستقلها السواد الأعظم من المواطنين الذين عجزوا عن تحمل نفقات القطارات المكيفة"

وهكذا نقترب أكثر من رحلة عذاب على قطار تابع لهيئة السكة الحديد عبر "تجربة السفر لمدة 4 ساعات مع ناس تعرف معنى المعاناة اليومية في قطارات جردت من كل وسائل الراحة فمعظم المقاعد محطمة ونزعت عنها الكسوة الجلدية ولم يبق منها سوى هياكل مقاعد. كما أن النوافذ يعلوها الصدأ وبقايا الزجاج المكسور وخشبها منزوع بالكامل، فيما تتناثر بقايا الأطعمة والقاذورات على الأرضيات المتآكلة لتصبح مرتعاً للنمل والصراصير"

الشكوى هنا ليست من الزحام وإنما من أبسط الحقوق والخدمات، حتى إن التحقيق المذكور يقول: "وأثناء انتقالنا من عربة إلى عربة صدمتنا رائحة دورات المياه المفتوحة ليس بغرض التهوية، لكن لأن تراكم الصدأ على الأبواب استحال معه إغلاقها لذلك أصبحت مرتعاً للبعوض والذباب. ونتيجة لعدم وجود مياه فيها، لك أن تتخيل بشاعة المنظر والرائحة. ووسط الضجيج والزحام يُلقي المتسولون والباعة الجائلون ببضاعتهم منتهية الصلاحية على الركاب بأصواتٍ تتمنى أن تصاب بالصمم حتى لاتسمعها، كذلك غياب رجال الشرطة بالعربات والمحطات جعلها مرتعاً للصوص والبلطجية، كما تعددت حوادث سقوط الركاب من القطارات نتيجة لصعوبة غلق الأبواب"


ربما كانت هذه الأبواب المفتوحة على مصاريعها أفضل حالاً من الأبواب المغلقة بلا مقابض والنوافذ التي لايتم فتحها، التي زادت من حجم الكارثة وفداحة الخسائر في الأرواح في حادث قطار الصعيد
الشكوى دائمة ومزمنة عبر صفحات الملف من الغياب الأمني داخل العربات وانتشار البلطجية والمتسولين، والزحام الخانق وتهالك عربات القطار وعدم وجود شبابيك أو دورات مياه


إنها ببساطة دورات مياه لاتصلح للاستخدام الآدمي


ولأن شر البلية ما يضحك، يتعين علينا أن نتذكر أن الركاب لا يسقطون من أبواب ونوافذ القطارات فحسب، فقد حدث أن لقيت سيدة شابة مصرعها مع طفلها بعد أن دخلت به دورة مياه قطار، ولم تنتبه إلى وجود فتحة ضخمة مُهملَة في ذلك الموقع..فكان ما كان! في حادث القطار المذكور تناثرت أشلاء الضحيتين على قضبان القطار على طول الطريق. ولم يكتشف أحدٌ الحادث إلا عندما طال تأخر السيدة مع طفلها في دورة المياه، فأخذ الزوج يبحث عنهما ليكتشف سقوطهما من القطار منذ بضع محطات



الأغرب من ذلك أنه حين اعترض المخبرون على تصوير المحطة، وأصروا على إبلاغ رئيس المباحث، طال الانتظار لأن المحطة - منوف في التحقيق الصحفي- بها هاتف لا يعمل.. واضطر الفريق الصحفي إلى الجلوس مع المخبرين لمدة ساعة لحين إجراء المكالمة المنتظرة مع رئيس المباحث
ولنا هنا أن نتساءل مع محرري التحقيق: "إذا كنا ظللنا ساعة كاملة حتى نخبر رئيس المباحث بموضوع التصوير، فما بالنا إذا حدثت كارثة أو حادث من الممكن أن تزهق فيه أرواح الناس.. هل تكون وسيلتنا الوحيدة هي هذا التليفون المعطل أيضاً؟!"


إن هذا التحذير الواضح كان أشبه بنبوءة تحققت، وليتها ما تحققت، فقد كان الثمن سقوط مئات الضحايا الأبرياء داخل عربات القطار المحترق


تعالوا الآن إلى ما ورد في الملف تحت عنوان "وفي قطار الصعيد..البقاء للأقوى"، حيث يصدمنا تعبيرٌ صحيحٌ للأسف الشديد بأن هذه "القطارات كوسيلة مواصلات أقل ما توصف به أنها تمثل قمة الإهانة لكرامة الإنسان وآدميته"
ليتنا نتذكر في هذا المقام أنه في أعقاب اجتماعه مع المهندس أحمد الشريف رئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر –الذي خرج من منصبه بعد وقوع كارثة قطار الصعيد- في إبريل نيسان 2001، أعلن وزير النقل والمواصلات د. إبراهيم الدميري- الذي أطاحته الكارثة من موقعه- في تصريحات إعلامية أنه طلب من رئيس الهيئة إنهاء وتجديد عربات الدرجة الثالثة بالقطارات وتبلغ 1250 عربة، بتكلفة استثمارية 1.5 مليار جنيه، على أن يبدأ تشغيلها أول مايو أيار 2001

انتهى شهر مايو وتعاقبت بعده الشهور، لكن شيئاً لم يتغير، وذهبت تكليفات وتصريحات الدميري أدراج الرياح. ولنستكمل تصريحات الدميري المنشورة في صحف 13 إبريل نيسان 2001، حيث أشار بعد حديثه عن تكليفاته لرئيس الهيئة إلى أن: عدد القاطرات المطلوب تجديدها تجديداً شاملاً يبلغ 455 قاطرة، وهذا العدد متراكم منذ عام 1992. وتسعى الوزارة إلى تجديد هذه القاطرات بالإمكانات الذاتية، ومن المنتظر الانتهاء من تجديد 40 قاطرة تجديداً شاملاً بورشات الهيئة في بولاق في إبريل 2002 بتكلفة شاملة للقطار تصل إلى 1.3 مليون جنيه


هل حدث هذا فعلاً؟ الشيء الوحيد الأكيد هو أن كارثة قطار الصعيد كشفت الأكذوبة وفضحت لعبة بيع الأوهام للمواطنين
ويبدو أن كل كارثة جديدة يفيق عليها المصريون تشبه الممحاة، التي تمسح الأكاذيب والأحلام الوردية الزائفة التي يبيعها محترفو الوهم، عبر تصريحات لو تمت محاسبتهم عليها لكانوا الآن وراء القضبان، أقله بتهمة الغش والتزوير والتدليس


إن د. الدميري لم يحقق شيئاً يذكر في مجال إصلاح المشكلات التي أشار إليها في كتابه الضخم "وزارة النقل: الوضع الراهن..رؤية مستقبلية". لقد تحدث الوزير السابق عن عدم كفاءة نظام الإشارات، وقصور الإنجاز في ورشات الصيانة، ونقص الخبرات، وتضارب الاختصاصات. وتحت عنوان "استراتيجية النقل" يقر د. الدميري بأن 5% فقط من البضائع في مصر يتم نقلها عن طريق السكة الحديد، وهي نسبة متواضعة للغاية، ولا تقارن بالنسبة الشائعة بين الدول وهي 25%. ويسجل الوزير السابق ملاحظة جوهرية عندما يقول: "ومن المنتظر أن يؤدي ذلك إلى زيادة إيرادات نقل البضائع بالهيئة دون أي استثمارات بحوالي 25%"



ووعد الوزير في استراتيجيته –التي لم ينفذها- بتكليف شركات خاصة لتنشيط أعمال النقل بالسكة الحديد. لم يفكر د. الدميري ولا من جاؤوا إلى الوزارة بعده في أن السكة الحديد تصنف على مستوى البيزنس بأنها من مشروعات Cash Center مثل البنوك والطيران والاتصالات. ومثل هذه المشروعات يتم استثمار مواقعها ومساحاتها في الخارج لتضم كافيتيريات ومقاهي ومعارض للفن وحتى الأزياء، ومطاعم وفروعاً للبنوك وشركات تأمين ودور سينما ومسارح ومكاتب للسفر والرحلات


هكذا يتم استثمار المكان، بعكس محطات السكة الحديد في مصر التي استولت عليها عصابات منظمة وجماعات بلطجة وسيطر على ما تبقى منها باعة جائلون. دعونا لاننسى أن محطات القطارات، وبالذات محطة مصر في ميدان رمسيس، كانت مسرحاً يرتع فيه مجرمون من عينة عصابة التوربيني، ليصعق الجميع بمعرفة جرائم قتل عشرات الأطفال واغتصابهم والتي ارتكبها رمضان عبدالرحيم منصور وشهرته "التوربيني" ومؤمن وشهرته "بَزازة" ومحمد السويسي وشهرته "حَناطة" وأحمد سمير عبدالمنعم وشهرته "بُقه"


لم يستثمر أحد موارد السكة الحديد وحصيلة بيع التذاكر والخدمات لتحويلها إلى مشروعات للاستثمار تعظم الربح وتضمن استمرار عمليات التطوير والصيانة. لم يهتم أحد بخطط ومشروعات كهربة السكة الحديد واستخدام الكهرباء بدلاً من الديزل، الأمر الذي يمكن أن يخفض كلفة الوقود إلى النصف تقريباً


ببساطة، لم يهتم أحد، لأن لا أحد يهتم!


ولعل الملاحظة الأولى التي يبديها تحقيق "نصف الدنيا" على قطار الركاب رقم (80) المتجه إلى الصعيد تذكرنا على الفور بمأساة القطار المحترق: "فلاحظنا أن أبواب القطار جميعها سيئة، وتجمعها صفة واحدة، أنها غير آمنة على حياة الركاب، منها الذي لايمكن إغلاقه ويظل مفتوحاً حتى نهاية رحلة القطار، وعدد آخر مغلق لايمكن فتحه، وهذه يعتبرها الركاب الذين ضاقت بهم المقاعد المشغولة وفواصل العربات المتكدسة مكسباً عظيماً، حيث يجلسون خلفها دون أن يزعجهم أحد. وهناك أبواب أخرى يمكن غلقها، لكن يجب الجلوس أو وضع الأمتعة خلفها حتى لاتفتح في أثناء سير القطار وتندفع من خلالها الرياح المحملة بالبرد القارس في الشتاء، والحر الزمهرير في الصيف، والأتربة في كل الفصول"

أما المصيبة الكبرى فهي تتلخص في عمود ورد في نهاية هذا الملف تحت عنوان "لعل المانع خير"، ليس أفضل من أن نقرأ ما فيه، إذ يقول: "عندما خصصت "نصف الدنيا" اثنين من محرريها مع مصورها الخاص لإعداد ملف شامل عن حركة القطارات وما يحدث فيها وبها على امتداد خطوطه، لم يكن ذلك إلا لأننا نفهم رسالة الصحافة حق الفهم ونعرف تماماً أن مهمتنا هي نقل الواقع بكل ما فيه، حتى ننير الطريق لمسؤولين من المفترض أنهم يفهمون رسالة الصحافة ويعرفون أن الصحفي باحث دوماً عن الحقيقة وأن حقه الدستوري في الحصول على المعلومات ثابت، وليس من حق أحد مهما كان منصبه أن يمنع عنه هذا الحق..نكتب هذا الكلام لأن رئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر رفض أن يتحدث إلى "نصف الدنيا" ليعلق على ما ننشره اليوم على صفحاتنا بدعوى أن الوزير لم يصرح له بالحديث للصحافة
لم نفهم معنى العبارة الصدمة، فالمتحدث يشغل منصب وكيل وزارة، فهل يحظر على وكيل الوزارة أن يعلق على متابعات صحفية تدخل في صميم مسؤولياته إلا بتصريح من الوزير؟ وماذا لو كان الوزير غائباً كما هي الحال الآن؟ هل يقف الصحفيون في طوابير انتظاراً لعودة الوزير للحصول على تصريح يجيز لرئيس الهيئة الكلام، ثم هل يملك الوزير أن يحجب حق الصحفي في الحصول على المعلومة من مصادرها؟


نحن سوف ننشر ما لدينا من تحقيقات وصور تحتاج إلى جهودٍ كثيرة لعلاجها من هيئة السكة الحديد، وسوف يسعدنا جداً أن تختفي هذه السلبيات التي نرجو ألا تكون سبباً في امتناع رئيس الهيئة عن الحوار معنا، أو لعل المانع خير"
هل بعد هذا كله يمكن أن يستغرب أحدٌ عندما يعرف أن رئيس هيئة السكة الحديد المعني بالكلام هو نفسه المهندس أحمد الشريف، الذي وقعت الكارثة في عهده، وأن وزير النقل الذي نتحدث عنه هو د. إبراهيم الدميري الذي أطلق تصريحات وردية كشفت كارثة قطار الصعيد عدم صحتها


إن من حقنا أن نتساءل: لماذا ترفض الحكومة والأجهزة والهيئات المسؤولة في مواقع وقطاعات مختلفة قراءة الصحف والاستماع إلى تحذيرات وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة على حدٍ سواء، إلى أن تقع الواقعة ويدفع الثمن ضحايا أبرياء، فتفيق هذه الأجهزة من سباتها العميق ونومها الذي تغط فيه، وتطلق سيلاً من التصريحات والوعود البراقة بالإصلاح والمراجعة، قبل أن "تعود ريما إلى عادتها القديمة"؟!



"حوار الطرشان" بين الإعلام والحكومة تكرر كثيراً في السنوات الأخيرة، وأصبح عادة مستديمة؛ لأن الحكومات في مصر ترى أن الصحافة تبالغ أو تكذب أو تعادي ما تحقق على يدها من منجزات تدعو إلى الفخر لا المساءلة

فقد سبق للإعلام في مصر أن حذر من نذر الخطر وشبح الخطر في مواقف وأزمات سابقة، منها –على سبيل المثال لا الحصر- حال المساكن والمنازل المتداعية، إذ طالب البعض باتخاذ إجراءات مشددة لمراجعة أساسات المنازل خاصة المتصدعة منها، ودعت إلى تطبيق "كود مقاومة الزلازل" في جميع العمارات والمساكن الحديثة. وظلت هذه الأصوات صيحةً في واد سحيق، إلى أن وقعت كارثة زلزال أكتوبر 1992 التي هزت عدداً من محافظات مصر وأودت بحياة المئات. ونبَّه الإعلام أيضاً إلى مخاطر إقامة المنازل عند مخرات المياه إلى أن وقعت كارثة قرية درنكة في عام 1994 التي التهمتها كرة من لهب، فأحرقت سكانها النائمين بعد أن هبطت عليهم النيران المشتعلة من منطقةٍ مرتفعة لتحصد أرواحهم البريئة


وأطلقت الصحافة صيحات التحذير بشأن أزمات المياه والسيول، لكن الحكومة لم تبالِ بذلك حتى وقعت كارثة زاوية عبدالقادر في الإسكندرية. إذ إنه بتاريخ 4 ديسمبر كانون ثانٍ 1991 ومع نسمات الفجر والأهالي يغطون في نوم عميق في زاوية عبدالقادر، فوجىء السكان بالمياه تقتحم عليهم حجرات نومهم وبيوتهم بعد أن تسربت من خلال 4 فتحات في بطن جسر ترعة غرب النوبارية إلى نحو 150 متراً تجاه الزاوية والمناطق المحيطة بها وتصدعت مساكن الضحايا وتركتهم مشردين في العراء

وحذرت الأقلام الصحفية من تدهور مستوى الإعلام وبالذات التليفزيون المصري حتى أصبحت فضائحه على الهواء مباشرة، واكتفت ماسبيرو بالتشدق بمسألة الريادة إياها

ولولا الصحافة ما عرف الناس بفضيحة "لاظوغلي جيت"، إذ فجرت صحيفة "الوفد" عام 1988 تلك الفضيحة التي تورطت فيها قيادات وزارة الداخلية في ذلك الوقت. ونشرت "الوفد" وثائق تكشف تورط وزير الداخلية في ذلك الوقت اللواء زكي بدر في التجسس على أحزاب المعارضة ونواب رئيس الوزراء والوزراء والمحافظين. وفي أعقاب الكشف عن وثائق تلك القضية في الصفحة الأولى، صدرت أوامر بتعديل أرقام ملفات تقارير التجسس على كبار المسؤولين، كما صدرت تعليمات مشددة بالرقابة على تداول الوثائق داخل مباحث أمن الدولة

إن هناك أمثلة أخرى لاتعد ولاتحصى، حاولت فيها الصحافة أن تكون عين الحكومة، لكن الأخيرة لم ترَ في مثل هذا النقد سوى صورة للعداء، ونسيت أنه لا الحكومة "شمشون" ولا الصحافة "دليلة"، وأغفلت حقيقة ساطعة مفادها أن هذا النقد كان محاولة للمساهمة في رفع مستوى الخدمات والمرافق وإعادة الاعتبار للمواطن وتحسين المستوى المعيشي وتوفير سبل الحياة الكريمة للمصريين، ونعني بذلك جميع المصريين، وليس فئة القادرين كما يحدث الآن

إنها رسالة الإعلام.. فهل تفهم الحكومة واجباتها؟!
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator