المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

لحن الوعي














إلى شريف "هدوء نسبي": غالٍ.. والطلب رخيص

هل أنت راضٍ عن المدونة شكلاً وموضوعاً؟

نعم من جهة المضمون..هذه أفكاري ومواقفي ورؤاي تتشكل أمام الجميع بكل ما تحمله جوانحي من صدقٍ ووضوح

المهم عندي هو أن تحدد موقفك فلا تكون عائماً ولا غائماً..أن تقول ما تريد وأن تمد يد المساعدة لمن يحتاجها وألا تخشى في الحق لومة لائم

ربما يبدو الشكل أقل من طموحي.. صحيح أني أحب بساطته غير أنه يظل بحاجة إلى إضافات وتعديلات تضفي على المضمون الملامح التي أريدها..لكن علاقتي بهذه التقنيات محدودة ومعرفتي بأسلوب تنفيذها أقل مما أرجو
حاول البعض أن يشرح لي.. والنتيجة كما يقول الشاعر العراقي الفذ بدر شاكر السياب في رائعته "أنشودة المطر":
كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم
هل تعلم أسرتك الصغيرة بأمر مدونتك؟

نعم.. في البداية اهتموا بقراءة ما أكتب.. وبشكل عام فإن متابعة ما يكتب في المدونات ليست ضمن أولويات أفراد أسرتي

هل تجد حرجاً في أن تخبر صديقاً عن مدونتك؟ هل تعتبرها أمراً خاصاً بك؟

لا حرج في ذلك إن كانت هناك مناسبة تستحق أن أشير فيها إلى مدونتي.. في الوقت نفسه لا أعتقد أنني روَجت للمدونة وسط أصدقائي ومعارفي.. هي موجودة لمن يريد ويحب في فضاء التدوين

هل تسببت المدونات في إحداث تغيير إيجابي في أفكارك؟ أعطني مثالاً في حالة الإجابة بنعم؟

ربما ساهمت المدونات في الاطلاع على أفكار ومشاعر فئات وأجيال مختلفة.. ما كنت لأعرف عنها شيئاً لولا التدوين. وفي البلاد البعيدة تتضح لك صورة ما يجري في قلب الوطن.. وتدرك أن هناك حراكاً فكرياً وسياسياً وثقافياً ما ينضج على نار الأحداث

تقرأ ما يكتبه شريف في مدونته "هدوء نسبي" وتبحر مع ملاحظات "قلم جاف" وتتابع قوة منطق عبد الحق في "الشارع السياسي" و"دماغ" مختار العزيزي ودأب عمرو عزت وإصرار "نورا يونس" وسلاسة يوميات محمد علاء الدين ومكابدة "جيفارا" وتياترو "زرياب" وغيرهم.. فيزداد احترامك لهذا الموج الطالع من بحيرة راكدة

المفارقة أن بعض الأقلام البعيدة جغرافياً عن الوطن تمكنت من تجاوز عائق المسافات بمساعدة فضاء التدوين.. فكتبت وأضافت ليزداد بهاء وثراء التجربة.. يكفي أن أشير –على سبيل المثال لا الحصر- إلى الآفاق التي يرتادها أسامة القفاش والتحليل الواعي لطبيبنا النفسي وليد فيلسوف الطواسين

الأمر نفسه ينطبق على هلال شومان ورات.. كلاهما يمثلان لي نافذة على لبنان.. حتى وإن كانت حقيبة سفرهما نائمةً في بلدٍ ما على الضفة الأخرى

هل تكتفي بفتح صفحات من يعقبون بردود في مدونتك أم تسعى إلى اكتشاف المزيد؟

بل أحاول البحث عن كل صوتٍ طالع.. مرة واحدة على الأقل.. لأنه من الأهمية بمكان أن نقرأ وأن نبحث حتى يجدنا بعضنا بعضاً...نحن لسنا في صندوق مغلف بورق الهدايا.. وإنما نحن في فضاء رحب يمتد من عقلي إلى عقول الآخرين
وفي عالم التدوين كما الحياة.. لا تقرب ثلاثة: المتفرج والمتبرج والمتحرج
وربما يضيف البعض صنفاً آخر نعرفه جيداً: المهرج..وهؤلاء يسيرون- لفرط الخوف- في الحائط وليس إلى جواره
غير أن الحياة تنجب أيضاً أصواتاً تملك مفاتيح إلى عالم جديد أفضل.. وهؤلاء من ينبغي علينا أن نبحث عنهم ونحتفي بهم

ماذا يعنى لك عداد الزوار.. هل تهتم بوضعه فى مدونتك؟

ما يعنيني أكثر هو هوية وأفكار هؤلاء الزوار..البلاد التي ينتمون إليها أو يقيمون فيها.. الثقافات التي يحملونها في عقولهم والأحاسيس التي بين جوانحهم
ومع ذلك فإن عدد الزوار قد يكون مؤشراً مفيداً إن وضعناه في السياق الصحيح ولم نعتبره المؤشر الوحيد
بمعنى آخر: أكثر ما يشغلني هو مدى الفائدة التي يمكن أن تتحقق للزائر– أو لي- من أفكار ومعلومات متبادلة عبر جسر التدوين

هل حاولت تخيل شكل أصدقائك المدونين؟

لعبة الشكل تطل من شباك الفضول لا أكثر.. ربما تنسج مزيداً من خيوطها فتدخل مملكة الفضول متسائلاً عن الشخصيات والطبائع ومدى توافقها أو اتفاقها لو أننا التقينا يوماً ما
على أي حال.. هناك أصدقاء لي في الحياة جمع التدوين بيننا بعد أن تفرقنا في بلاد الله.. وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ظنا كل الظن أن لا تلاقيا.. وهكذا التقيت أسامة القفاش وفلان الفلاني -الغائب الحاضر- ومحمد العشري.. تلاقٍ جميل على غير موعد

هل ترى فائدة حقيقية للتدوين؟

كلماتنا تشبهنا .. إلا إن ارتدينا الأقنعة

في الكتابة تطرح عنك واردات الهموم بحسن الصبر وعزائم اليقين.. والتدوين طوفان من الأفكار التي تغمرك.. بعضها زبد يذهب جفاءً وبعضها الآخر كنزٌ يختار أعمق خزانة عرفها التاريخ: عقولنا.. وقلوبنا

في التدوين لا نبحث عن مذنبين.. بل نبحث عن بشر ينقذوننا من الغياب الذي انتهت إليه حواسنا.. وأوطاننا

التدوين إذاً هو المؤرخ العاطفي.. يسطر قصص حياتنا وينام على وسادة قلقنا ويقفز في الهواء فرحاً مع كل فكرة مبتكرة وعبارة مبدعة ومواقف جادة.. ويبكي كلما راجع الصورة الأكثر وضوحاً في ألبوم العائلة

والمدون ينزع قفازات يديه ليكتب بحبر أصابعه.. ليتحدى أكاذيب الإعلام الرسمي ودعاية أصحاب الأقلام الخاضعة الخانعة وسطحية المسلسلات التلفزيونية الرخيصة

البعض يفتش في حقائب الذاكرة المركونة في زوايا الطفولة والمراهقة.. البعض الآخر يجمع حبات العقد من هنا وهناك كي ينظمها رأياً ورؤية.. فريق ثالث يقاتل وحده متناسياً نصيحة من صديق بأن يقرأ مع أوراد ما قبل النوم المقاطع الأخيرة من رواية "دون كيخوتة"

نعم للتدوين قيمة.. خاصة إذا نجح المدون في أن ينفذ بعمق إلى الطبقات الأبعد غوراً في أرضك.. ليتحول تدريجياً إلى أحد الجذور التي تنمو عليها نخلة كيانك

هل تشعر أن مجتمع التدوين منفصل عن العالم المحيط بك أم أنه متفاعل مع أحداثه؟

هذا المجتمع لوحة من فسيفساء.. أحجية لم تكتمل قطعها بعد.. لكن الشاهد أنه يوجد من يلمس أرض الواقع بكلماته ويطرح قضاياه بجرأة ويفتح جيداً عينيه وأذنيه جيداً ليستمع إلى لحن الريح ويرسم لوحة الانتماء

هناك من ينظر إلى العالم من شقوق الستائر فلا يرى إلا جانباً من الصورة.. وهناك من يلاحق ظله مذعوراً من السواد الذي يسبقه.. وهناك من يمارس طقس العذاب ويبث لواعج القلب وأحزان الفراق ومذلة الخضوع للحبيب أو الحبيبة ويحلم بالوجه المليح يشهق من اللذة
لكن هناك أيضاً من يمنحنا متعة القراءة الفذة ويملأ الكون فراشات تحوم فوق فناجين قهوتنا اليومية

هل يزعجك وجود نقد بمدونتك؟ أم تشعر أنه ظاهرة صحية؟

النقد الفاهم يبني.. ويمنحك فرصة نادرة كي ترى الحقيقة في المرآة: نفسك من دون رتوش

بعض النقد يشبه صيفاً يتكرر...حرارة ورطوبة مزعجة

لكن الحمقى فقط هم الذين يطالبون بإلغاء فصل الصيف وإحالته إلى التقاعد

فليكن النقد مؤلماً كنصلٍ حاد..مادمنا نقر بأن مشرط الجراح اختار الألم طريقاً كي ينقذنا من عذاباتنا المؤجلة

علينا أن نغضب قليلاً.. وبعدها نعترف أكثر

هل تخاف من بعض المدونات السياسية وتتحاشاها؟ هل صدمك اعتقال بعض المدونين؟

لست من هواة التصنيف..فالمدونة لا ترتدي ملابسها الرسمية على العشاء

وكثير من المدونات ترتدي قميصاً خفيفاً أو غلالة نوم لتكون أكثر حريةً وتحرراً..وقد تكون سياسية اليوم وثقافية غداً.. وساخرةً بعد غد
يمكن للبعض – على سبيل المثال- أن يصنف مدونتي على أنها سياسية.. لكنه قد يحار حين يطالع قراءاتي النقدية لإبداعات أحمد والي وأشرف الصباغ ووحيد الطويلة.. وقد ينفض يديه عندما يستعرض سلسلة كتاباتي عن مونديال ألمانيا وموضوعي الذي يحمل عنوان "كرة القدم.. أشرف الحروب". الأمر نفسه ينطبق على موضوعات إنسانية كتبتها في مناسبات سابقة

أما موضوع الخوف من المدونات السياسية.. فأتركه لمن يقرأ مضمون ما أكتبه أو يعرفني عن قرب
لم يصدمني اعتقال المدونين..فالدولة عندنا في وطننا العربي مثل عصا سليمان التي نخرها السوس.. تبدو العصا غليظة ومهيبة.. إلى أن يفضحها السوس الذي أصابته التخمة لفرط ما التهم من جوانبها المتهاوية..وفي مثل تلك الحالة يلعب الغباء دوراً فيهمس في أذن العصا: اضربي.. واستعيدي بهاء عنفك حتى تخر لك الأعناق

هؤلاء المدونون كشفوا للجميع كم ينفد صبر العصا أمام الكلمة

ولأنه في البدء كانت الكلمة.. ستقف الكلمة أيضاً عند خط النهاية

هل فكرت في مصير مدونتك في حال وفاتك؟

لا شيء يموت.. فالأفكار تبقى وتزرع وردة في عقل قاريء واحد على الأقل..وهذا يكفي ويزيد

وكما يقول الروائي المغربي الطاهر بن جلون " مع أني متوفَّى.. فإن الموت لم ينتصر قَطُّ"

المدونة بعد صاحبها: قصره الفخيم.. أو قبره الأثير

وكلما جاءها زائر ازداد حبرها الباهت وضوحاً وازداد معها كبرياء من جعل أغلى إرثه كلمات جمعتها مدونة سابحة في فضاء التدوين

من أكثر المدونين تأثيراً فيك؟ ولم؟

كل مدون ذكرت اسمه في السطور السابقة أضاف لي شيئاً..وآمل أن أكون قد منحته في المقابل الصوت الذي يريد والسبيل الذي يبحث عنه

بكلمات أخرى: التقينا جميعاً في دروب الحياة التي تشبه معتقلاً كبيراً.. وفي الزنزانة الانفرادية لكل منا لا يبقى سوى صوت آتٍ من الزنزانة المجاورة يتلو علينا ما تيسر من كتاب الثورة.. صوتٌ فضيلته الكبرى أنه يحولنا من معتقلين عاديين دخلوا السجن احتجاجاً على ظلمٍ طاريء إلى أشخاص آخرين لهم رسالة في الحياة

مَن مِن المدونين تشعر أنه يشبهك؟

لا أحد يشبه أحداً.. فالكتابة مثل البصمة الوراثية: عالمٌ من المفارقات

وإن كانت هناك أوجه شبه تجمعني مع آخرين.. سأكون –بحكم كوني طرفاً في المعادلة- آخر من يرصدها

مرة ثانية: يمكنك أن تقتفي آثار خطى المدونين الذين ذكرتهم آنفاً في أرضي..وسأنتظر منك الإجابة


اكتب أسماء خمسة مدونين ليقوموا بهذا الاستقصاء بعدك


لم يبق لي من سبقوني أسماء أو خيارات.. لتكن إذاً دعوة لكل مدون أو قاريء يتابع هذه المدونة كي يشارك في مدونته بالإجابة.. أو أن يترك إجاباته في مساحة التعليقات


ما الذي تود أن تستمع إليه؟

إلى أن نعزف جميعاً لحن الوعي.. لا بأس بقليلٍ من نبيذ فيروز المعتق
تابع القراءة

gravatar

كتاب الموتى



















"يا وابور قول لي رايح على فين"

حسنٌ.. أنا أقول لك: إنه ذاهب إلى مدينة الحزن

لم تكن تعرف ساعتها يا محمد عبد الوهاب.. لكننا الآن نعلم علم اليقين

كنت تظن أن القطار سيظل أنيقاً ونظيفاً.. ينطلق في ميعاده ويصل إلى وجهة يقصدها

لكنه ما عاد كذلك.. الفقر أكل جدرانه.. رائحة الموت تطل من نوافذه المتهالكة وزجاجه المختفي في ظروف غامضة.. صراخ الضحايا يختلط ليلاً مع أصوات الباعة الجائلين.. حتى أن العابرين بالقرب من المحطات النهائية للقطارات يكادون يسمعون أنين الذين غيَبهم الإهمال والفساد

الفساد تزكم رائحته الأنوف

دعونا نتذكر أنه في عام واحد طفت على سطح مصر أكثر من ثلاثة وستين ألف قضية فساد.. وليس هذا سوى قمة جبل الجليد

"يا سلام عليك ياسيد ياسلام.. عليك يا سلام.. من بيتنا لغاية عندك ساعتين بالقطر تمام"

لم يعش الشيخ أمين حسنين حتى يشهد ما جرى في مطية فقراء مصر في مطلع الألفية الثالثة.. حين دخلت سيدة من هؤلاء البسطاء دورة مياه غير آدمية في أحد القطارات المتجهة إلى المجهول..فانتهى بها الأمر جثة.. كانت فجوة في أرضية دورة المياه كافية لابتلاعها

الإهمال هو الابن الأثير للفساد






"يا وابور الساعة 12 يا مجبل ع الصعيد"
في عام ألفين واثنين تحول قطار الصعيد إلى جمرة.. قطعة من الجحيم.. اشتعلت النيران وانفردت بركابه واحداً تلو الآخر.. فمنهم من قضى نحبه حرقاً حتى التصق جسده بالكرسي أو الأرض التي سقط عليها ومنهم من طاردته ألسنة النار حتى الأبواب المعطلة التي لم يستطع أن يفتحها.. ومنهم من مات وفي أحضان من يحب: طفل يحبو.. ابنة في زهرة العمر.. وزوج كان السند في حياة طعمها مرٌ مثل قهوة في سرادق عزاء.. وسائق القطار لا يدري عما يجري شيئاً في العربات الخلفية.. لأنه لا يوجد اتصال بين السائق وعربات القطار

هذا هو قدر مصر دائماً: اتصال مقطوع بين السائق.. وباقي الركاب

ومن كارثة قطاري قليوب ..إلى عبارة السلام مروراً بمحرقة مسرح بني سويف.. ترتجف الذاكرة فقط لسرد تلك المحارق أو الهولوكوست المصري على يد القيادة الرشيدة

في مصر الآن: الكل يقرأ كتاب الموتى.. ويدرس علم الأموات.. بعد أن ألغت الدولة فعلياً علم الأحياء من المناهج الدراسية

في مصر الآن: لغة الضاد مستوحاة من ضاد ..الضحية

تلك المآسي والنتيجة: لم يعبأ أحد

حكومات متعاقبة تعتبر نفسها بريئة من دم الضحايا وغير مسؤولة عن تلك الكوارث.. وتتطهر بالحديث عن لجان تقصي حقائق وتقارير فنية بلا مخالب.. وسط قانون بطيء.. وإيقاع رسمي يستعصي على الفهم.. وجناة حقيقيون بعيدون عن دائرة المحاسبة أو في أسوأ الأحوال يتنعمون بالمال والثروة في ربوع باريس وشوارع لندن

ومن يدفع الثمن؟ أولئك الذين تنام بقاياهم الآن في مشرحة كئيبة.. وذووهم الواقفون في أسى وسط عويل ونواح المتشحات بالسواد في انتظار الحصول على تصريح بالدفن

ولكن من يدفن من؟ نحن الضحايا ندفن موتانا.. أم أنه التاريخ يغسل ويدفن نظامنا السياسي المهتريء الذي يبحث بين الضحايا دوماً عن كبش فداء لبقاء رموزه في السلطة

هل هذا هو قدر ومكانة مصر أم أنه قضاؤها وقدرها؟.. الإجابة يجب أن تكون بيد المصريين وحدهم

وإلى الساكتين عما يجري في وطنهم أقول: صمتكم تواطؤ في تلك الجرائم.. ولو أنكم وقفتم معاً من أجل المطالبة بالتغيير والإصلاح ونفضتم عن أنفسكم غبار السلبية و"الأنا مالية" لما كان أشقاء وأحباب لكم راحوا ضحية تلك الأحزان اليومية في مصر المحروسة

أيها المصريون: تحركوا.. قبل أن تُحرقوا
تابع القراءة

gravatar

أسئلة تلد أخرى




حان وقت الأسئلة

والأسئلة قد تلد إجابات.. وربما تلد علامات استفهام كبيرة

الآن وقد دخل قرار وقف العمليات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ يطفو على السطح سؤال يتردد صداه على الجبهتين: هل ما وحدته الحرب.. يمكن أن يفرقه السلام؟

فحزب الله يضع الآن عيناً على التحرك العسكري الإسرائيلي وعيناً على الجبهة الداخلية

وربما يكون الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على حق عندما يقول إن الحزب انتصر في حرب سبق أن خسرت نظيراتها جيوش عربية.. لكن قرار وقف العمليات العسكرية يفتح الباب واسعاً أمام قضية تشغل بال كثيرين داخل لبنان وفي عدد من العواصم العربية والغربية: أما حان الوقت كي نفتح ملف نزع سلاح حزب الله بهدف بسط سيادة الدولة اللبنانية؟.. غير أن حزب الله يرد بتساؤل آخر: من سيدافع عن لبنان إذا تعرض مجدداً لهجمات إسرائيلية؟.. ونجد أيضاً من يتبنى قول نصر الله: إن الجيش اللبناني والقوات الدولية غير قادرين على حماية لبنان

جلسة الحكومة اللبنانية المؤجلة ليست سوى عنوان لخلافات تختبىء تحت رماد الحراك السياسي اللبناني. خلافات عنوانها سلاح حزب الله... وما كان حاضراً في جلسات الحوار الوطني قبل شهر ونيف سيعود بقوة التحالفات السابقة والخصومات المستديمة

على الجانب الآخر فإن أولمرت فشل في امتحان كسب الشرعية.. وخسر رهانه على الخروج من تحت عباءة سلفه أرئيل شارون.. والشاهد أن أولمرت سيواجه في المرحلة المقبلة معركة يصارع فيها من أجل بقائه على الساحة السياسية

وربما يذكر البعض كيف بدأ أولمرت الحرب على لبنان بتأييد شعبي مطلق تقريباً أظهرته استطلاعات الرأي.. وها هو يقبل بقرار وقف العمليات العسكرية وخلفه مجتمع إسرائيلي منهك وجريح يشعر أنه بلا قيادة
بل إن بعض حلفاء أولمرت يقرون بأن إسرائيل أبعد ما تكون عن النصر الذي تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه أمام الكنيست يوم الاثنين الموافق الرابع عشر من أغسطس آب.. فلا حزب الله اختفى من على الساحة ولا قرار مجلس الأمن الدولي رقم ألف وسبعمئة وواحد حدد جدولاً زمنياً لنزع سلاح الحزب.. ولا إسرائيل تمكنت من تحرير جندييها اللذين أسرهما حزب الله في الثاني عشر من يوليو تموز الماضي.. ولا الجيش الإسرائيلي نجح في خوض حرب غير نظامية أمام مقاتلي حزب الله.. أما أمطار الصواريخ التي سقطت على شمال إسرائيل فحدث ولا حرج

وبعد أن رفعت إسرائيل في البداية شعار الإفراج الفوري وغير المشروط عن الجنديين الأسيرين لدى حزب الله.. قررت تحديد أهداف أشد وضوحاً لحملتها العسكرية على لبنان فلم تعد تتحدث عن أسرى وإنما قواعد لعبة جديدة تتناغم مع مصلحة أمريكية باتجاه إقامة شرق أوسط جديد. ولتحقيق ذلك أفرطت في استخدام القوة في عدوانها على لبنان الذي طال كل شيء حتى منشآت تابعة للدولة اللبنانية

لكن هذا التصعيد لم يقلص من قدرات حزب الله بل ازدادت هجماته الصاروخية وطالت مواقع ومستوطنات لم تكن تستهدفها من قبل. استمرار الحرب وصمود حزب الله والخسائر التي ألحقها بالإسرائيليين.. كلها دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى بلورة أهداف أكثر تواضعاً: إجبار الحكومة اللبنانية على تنفيذ قرار مجلس الأمن ألف وخمسمئة وتسعة وخمسين..وإبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني.. وإنهاء خطر الصواريخ

ثم تمخض الجبل فولد قراراً دولياً اعتبره أولمرت نصراً دبلوماسياً

والرأي عندي أن إسرائيل وجدت نفسها فجأة تحت قيادة ثلاثي كوميدي: رئيس وزراء حديث العهد لا يملك الحنكة السياسية اللازمة هو إيهود أولمرت الذي يترنح الآن تحت ضربات خصومه ومنتقديه.. ووزير دفاع جديد هو عمير بيريتس لا ناقة له ولا جمل في عالم المؤسسة العسكرية.. ورئيس أركان جديد أيضاً هو دان حالوتس فشل في الجانب العسكري والاستخباري على حد سواء

ثلاثي مضحك تسبب في مقتل ما لا يقل عن مئة وخمسين إسرائيلياً حسب التقديرات الرسمية الإسرائيلية.. وبعيداً عن الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين فإن عدد القتلى من المدنيين الإسرائيليين خلال هذه الحرب فاق أعداد القتلى في أي حرب خاضتها إسرائيل منذ عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين

لبنان إذاً صداع دائم في رأس إسرائيل وقادتها..فقد ساهمت الخيبة التي شعر بها رئيس الوزراء سابقاً مناحيم بيغن من غزو لبنان عام ألف وتسعمئة واثنين وثمانين في اتخاذه قرار التنحي.. إلى أن مات مكتئباً ومنزوياً.. كما أجبر وزير دفاعه شارون على الاستقالة

وكانت محاولة وقف هجمات صاروخية شنها حزب الله بعملية "عناقيد الغضب" العسكرية من بين العوامل التي أدت إلى هزيمة شمعون بيريز في انتخابات عام ألف وتسعمئة وستة وتسعين. وقوبل قرار رئيس الوزراء إيهود باراك بالانسحاب من لبنان في صيف عام ألفين بعد احتلال دام اثنين وعشرين عاماً بالانتقادات ليخسر باراك في انتخابات عام ألفين وواحد

والآن يتساءل كثيرون: هل انتهى شهر العسل القصير بين أولمرت ورئاسة الحكومة الإسرائيلية؟

إن حزب كاديما الذي أسسه شارون قبل غيبوبته أصبح الآن في مهب الريح..وربما تشهد الانتخابات العامة المقبلة في إسرائيل التوقيع على شهادة وفاة هذا الحزب الكرتوني

ولكن ماذا عن مشروع الشرق الأوسط الجديد.. الذي روجت له الإدارة الأمريكية إلى الحد الذي تبجحت فيه وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس بالقول إن المجازر التي تعرض لها لبنان ليست سوى مخاض لهذا المشروع الأمريكي- الإسرائيلي؟

لقد عاد المشروع المشبوه إلى الأدراج حتى إشعار آخر... وبعد أن سكتت عنه أطراف عربية ترفع شعار "التواطؤ هو الحل" و تردد مقولة "البتاع ده".. نجد أن الدعم السياسي الذي حظيت به المواقف الأمريكية من بعض الدول العربية تحول تراجعاً تحت ضغط الغليان الشعبي العربي الذي وجد في صمود المقاومة اللبنانية ميدانياً في وجه أعتى آلة عسكرية إقليمية بريق أمل في إمكانية نجاح الممانعة في وجه مشروعات سلام كتلك التي تحدثت عنها رايس

شرق أوسط جديد؟

ربما يكون فعلاً شرقاً أوسط جديداً.. يختفي فيه ديناصورات الحكم ودعاة الخنوع والخضوع وأنظمة شراء وتخزين السلاح من دون أن يعني ذلك استخدامها في الاتجاه الصحيح والوقت المناسب

أسئلة تلد أخرى

وقد نعود للبحث عن إجابات لها
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator