المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

جرائم المعطف الأبيض: جنس وقاصرات..وفياجرا


بالصوت والصورة والرشوة الجنسية، يسقط ذئابٌ يتسترون خلف المعطف الأبيض

مهنة يد الله في الأرض، أصبحت في عين العاصفة

بقع تلطخ ثوبها الأبيض النقي، وتثير تساؤلات عن خطايا الأطباء، ونقصد بعضهم ممن سقطوا في هاوية النزوات، وحوَّلوا العيادات إلى أوكار، والمريضات إلى وجبة على مائدة اللذة
أطباء قد يكونون حالات فردية أو استثناءات، لكنهم يلهثون وراء انتصارات وهمية على المرأة‏.‏ ولأن انتصارات المهزوم عزيزة عليه، فهو يرى أن الأهم هو تسجيلها بالصوت والصورة‏. وهو بذلك يسجل انتصاراته أمام نفسه وأصدقائه والمرأة نفسها‏، ومن خلال مشاهدته للشريط وعرضه على الآخرين تتدعم الثقة لديه

ومن العيادة إلى السوق، تنتقل "الانتصارات" الجنسية المصورة، لتثير علامات استفهام لا تنتهي

والسؤال الرئيسي هو: كيف تحولت سيرة "المداوية" إلى حكايات عن الجنس مع القاصرات والمريضات، وكيف صارت العيادات مجهزة لخلع قلوب السيدات وليس لخلع الأسنان؟

ما الذي جرى لشريحةٍ كانت فوق العين والرأس، يستأمنها الناس على بناتهم وزوجاتهم وأسنانهم وقلوبهم وبطونهم، ويعتبرونهم "اليد" التي تطيب وتداوي أي جراح، فإذا بهذه اليد تعبث وتمتد وتتطاول على الأعراض؟

قائمة الأطباء الذين انحرفوا بمهنتهم السامية عن رسالتها الأصيلة، تطول وتتضخم



ولعل آخر هؤلاء "طبيب الوراق"

فقد عاقبت محكمة جنح الوراق، في 5 أكتوبر 2009، الدكتور سعيد متولي الدميري، أستاذ الجراحة في كلية طب قصر العيني، بالحبس 4 سنوات، وغرامة 22 ألف جنيه، وأمرت بمصادرة جميع المضبوطات داخل العيادة، وتضم مواد مخدرة، وأجهزة كمبيوتر، وكاميرات استخدمها في تصوير مريضاته في أوضاع مخلة معه داخل عيادته

المحكمة قالت في أسباب الحكم الذي صدر برئاسة المستشار محمد الشواف، رئيس المحكمة، بحضور خالد الإتربي، رئيس النيابة، إنه استقر في يقينها، واطمأنت إلى ما أدلى به المتهم من اعترافات في تحقيقات النيابة بارتكابه الجريمة، وما جاء فى تقرير خبير الإذاعة والتليفزيون، الذي شاهد الأسطوانات المضبوطة، وكذلك تقرير خبير المعمل الكيماوي الذي أثبت تعاطي المتهم مواد مخدرة، موضحة أن جميع الأدلة كافية لثبوت ارتكاب الجريمة

جاء حكم المحكمة تفصيلياً بمعاقبة المتهم بالحبس 3 سنوات مع الشغل عن تهمتي تصنيع أسطوانات مخلة وتوزيعها، وإحراز مواد مخدرة، وعاقبته بالحبس سنة مع الشغل والنفاذ عن تهمة عدم الالتزام بآداب المهنة التي يمارسها

الحكم الذي أيدته محكمة جنح مستأنف الوراق برئاسة المستشار على حسن حسني، كان محدداً في حيثياته. فقد ورد في الحيثيات أنه اطمأن فى يقين المحكمة أن المتهم ارتكب الواقعة، مع تأكيد أن المتهم لكونه كطبيب جعل في أيديه الشفاء، اتخذ من مهنته وسيلة لارتكاب جريمته الشنعاء على المرضى المترددين من العيادة بإشباع رغباته الشيطانية لممارسة الرذيلة معهن واستغلال العيادة للممارسة غير الشرعية وتصويرهن دون رغباتهن وتوزيعها على أصدقائه للافتخار بنفسه، إضافة إلى أن صحة وجدية تحريات المباحث وتحقيقات النيابة حول الواقعة واعتراف المتهم بالواقعة جاء تفصيلياً

كان د. الدميري (٥٤ عاماً) قد اعترف بتفاصيل الجريمة كاملة، وقال إنه يأتي هذه الأفعال منذ عامين وإنه تزوج مرتين. وأوضح أنه بدأ نشاطه منذ عامين بسبب امتناع زوجته عن إعطائه حقوقه الزوجية، وأنها رددت أمام أصدقائهما وجيرانهما أنه لا يستطيع القيام بواجباته الزوجية. وأضافت التحريات، أن الطبيب المذكور قرر إقامة علاقات مع سيدات- أشارت الصحف إلى أن عددهن 40 سيدة- وتصوير العلاقة على أسطوانات مدمجة وتوزيعها على معارفه وأصدقاء زوجته، وكان يشير بعد كل تسجيل بما يؤكد أنه سليم

وأثناء التحقيقات، أرشد الدميري عن مكان إخفاء كاميرا داخل "قصرية زرع" في الصالة لمراقبة المرضى في الصالة، وكذلك أخرى مثبتة أعلى جهاز كمبيوتر محمول "لاب توب" في غرفة الكشف، وتحفظت النيابة على الكاميرات وأسطوانة مدمجة مسجلة عليها لقاءات جنسية بين المتهم وبعض المريضات وبعض المترددات عليه في العيادة
بدأت التفاصيل ببلاغ من مصدر سري إلى مباحث الآداب في الجيزة، أكد فيه أنه عثر على "سي دي" لمشاهد جنسية، وبه أستاذ في قصر العيني في أوضاع مخلة مع عدد من النساء اللاتي يترددن على عيادته في منطقة الوراق، وأن الصور تم تسجيلها باستخدام كاميرات خفية

وبموجب القانون المصري، يعد هذا العمل جنحة؛ لأن كل من أعد أو هيأ وجهز مكاناً لغرض تصوير شخص بعلمه أو غير علمه لاستخدام التصوير أو الاحتفاظ به تعد جنحة ويعاقب عليها القانون بالحبس‏، وإن هدد من قام بتصويره للقيام بفعل أو الامتناع عن قيام به يعاقب بالسجن. وبحسب القانون نفسه فإن الموافقة من الطرف الآخر لا تبيح الفعل المجرم‏، والقانون يعاقب كل من يرتكب فعل فاضح بطريقة علنية أو غير علنية تؤدي إلى خدش حياء الآخرين‏

المفارقة في قضية "طبيب الوراق"، أنه شقيق الجهادي السابق أمين الدميري الذي حوكم فى قضية اغتيال السادات في 1981 وتربطه صداقة وطيدة بأيمن الظواهري وسيد إمام وعبود الزمر

وفي 23 سبتمبر 2002 قضت محكمة جنح الدقي برئاسة أحمد فتحي سلامة رئيس المحكمة، بانقضاء الدعوى الجنائية ضد محمد نادي العجماوي طبيب الأسنان المتهم بممارسة أعمال مخلة بالآداب العامة داخل عيادته، وقررت مصادرة المضبوطات، وهي عبارة عن صور وأشرطة فيديو صورَّها منذ أكثر من عشر سنوات

وأكدت المحكمة في حيثيات حكمها الذي صدر برئاسة أحمد فتحي سلامة رئيس المحكمة، أنه ثبت في يقين المحكمة أن المتهم ارتكب الجريمة وصوَّرها من زمن طويل، وتأكد لها ذلك خاصة بعد أن ناظرت المتهم بشخصه وأحست الفرق في عمره وقت تصوير الأشرطة - وكان في أواخر الأربعينيات من عمره- وسنه في وقت نظر القضية الذي اقترب من أواخر الخمسينيات، أي أنه مضى على ارتكاب هذه الجرائم أكثر من عشر سنوات. ونوَّهت المحكمة إلى أن ما ارتكبه المتهم يدل على انحرافه الأخلاقي، وأهابت به أن يحترم آداب مهنته السامية، وأنه لو سمح للقاضي بالتجاوز عن صحيح القانون لعاقبت المحكمة المتهم بأقصى عقوبة

خيط البداية التقطه ضباط مباحث الآداب حين وضعوا خطة لسرعة القبض على شريط "سي دي" انتشر في الأسواق تحت اسم "شريط الدكتور"، يظهر فيه شخص داخل عيادة أسنان، يقوم بأفعال مخلة بالآداب ويقيم علاقات جنسية مع نساء – لا يقل عددهن عن سبع- في لقطات ومشاهد مختلفة التوقيت. أخذ الشريط المذكور ينتشر في أنحاء القاهرة حتى بلغت قيمة النسخة الواحدة منه أكثر من 200 جنيه، الأمر الذي أثار انتباه أجهزة الأمن المعنية


تم عرض هذه الشرائط على عدد كبير من أطباء الأسنان، وبعد معاناة شديدة تم تحديد شخصيته بعد أن قام الأمن بتكبير الصورة لقراءة إحدى الشهادات المعلقة على الحائط وبها اسم الطبيب ولقبه، ليتبين في النهاية أن العيادة تخص طبيب الأسنان المشهور محمد نادي العجماوي الذي تقع عيادته في الدور التاسع من العمارة رقم 114 في شارع التحرير بالدقي. توجه إليه أحد ضباط المباحث بحجة علاج أسنانه وتأكد أنه الطبيب الذي يظهر في الأشرطة وكذلك نفس تجهيزات العيادة، فأخطر قيادات الإدارة وألقوا القبض على الطبيب، وهو بالمناسبة عضو الكلية الأمريكية لزراعة الأسنان وعضو الأكاديمية الأمريكية لزراعة الأسنان

وجهت النيابة إلى طبيب الأسنان تهمة طبع وتصوير أفلام مخلة بالآداب؛ وذلك لعدم تقديم أي فتاة أو سيدة بلاغاً ضده أو اتهامه بالاغتصاب، وأحيل إلى محكمة جنح الدقي والتي نظرت القضية على مدى أربع جلسات، وتولى الدفاع عن طبيب الأسنان المحامي حمدي خليفة، الذي أصبح نقيباً للمحامين المصريين اعتباراً من مايو 2009

في تلك الأثناء، أطلقت بعض الصحف على طبيب الأسنان المذكور لقب "ذئب الدقي" واتهمته بتخدير مريضاته قبل الاعتداء عليهن وتصويرهن على أشرطة فيديو داخل عيادته بالدقي. غير أن الأشرطة والتحقيقات أظهرت أن هؤلاء النساء لم يكنّ تحت تأثير المخدر وأنهن كنّ في كامل وعيهن



كما طالت الفضيحة أسماء فنانات شهيرات قيل إنهن أصلحن أو عالجن أسنانهن لدى العجماوي، مما دفع كلاً من إلهام شاهين وأنغام إلى نفي علاج أسنانهما لديه
اعترف الطبيب في التحقيقات بتصوير هذه الأشرطة مع بعض الفتيات بعد زواجه منهن، ونفى في التحقيقات التي أشرف عليها مختار عنصيل رئيس النيابة الكلية ترويجه هذه الأشرطة، وإنما كان يصورها لمزاجه الشخصي بغرض استخدامها في المنزل وليس بقصد الترويج

برر الطبيب في التحقيقات وجود تلك الأشرطة في الأسواق بأن إحدى مطلقاته سرقت شريطاً من عيادته وروَّجته علي بعض معارفها وأصحاب نوادي الفيديو الذين عملوا على نشره لأغراض تجارية

كانت المفاجأة أن الممرضات الثلاث اللاتي يعملن لدى طبيب الأسنان المذكور قررن أنه تزوجهن عرفياً وأنه كان يمارس حياته الزوجية معهن كما يريد ودون إكراه منهن. وأنكرن معرفتهن بتصوير الدكتور للمترددات عليه عاريات في العيادة، فأمرت النيابة بإخلاء سبيلهن

وقبل أن يمثل العجماوي أمام المحكمة تقدمت ماجدة أحمد بدوي المطربة بالملاهي - وشهرتها "حنين"- ببلاغ لمباحث الدقي اتهمت فيه الطبيب المشهور بأنه أجرى لها عملية في الفك قبل عدة أشهر في عيادته أثناء الإفاقة شعرت بأشياء غريبة ولم تتصور وقتها أن يكون الطبيب قد فعل معها شيئاً. إلا أنها بعد أن قرأت حكايته في الصحف خشيت أن يكون قد صورها من ضمن المترددات عليه أثناء علاجها في عيادته وعرض صورها على الأشرطة التي باعها في الأسواق

شهدت محكمة جنح الدقي جلسات ساخنة في محاكمة طبيب الأسنان محمد نادي العجماوي، الذي أنكر التهمة المنسوبة له، وقال إنه يمارس عمله منذ أكثر من 30 سنة وتوجد خلافات مع بعض رجال الأعمال وصلت إلى ساحة المحكمة بسبب الباخرة "ناريمان كوين" والتي اشتراها المتهم واستأجرتها إحدى السيدات. وعندما سألته المحكمة عن الصور المضبوطة والمحرزة في القضية قال إن بعضها يخصه والبعض الآخر لا يعرف عنه شيئاً. سألته المحكمة أيضاً عن "ذقنه" وهل يربيها منذ زمن بعيد أم منذ فترة قصيرة فقال إنه اعتاد على ذلك منذ عام 1990
ودفع الدفاع الحاضر معه ببطلان القبض والتفتيش والتحريات، وقال إنه إذا كانت للمتهم تسجيلات مخلة فهي قديمة وهدفها إشباع رغبته، ودفع بانقضاء الدعوى الجنائية إن صحت بالتقادم؛ لأن الجريمة ليست من الجرائم المستمرة. وأضاف أن النيابة استبعدت تهمة الإتجار والترويج في الأشرطة المخلة
وقال إن ما سطره ضابط التحريات من أن المتهم يقوم بتخدير ضحاياه غير صحيح، حيث تناسى أن المخدر موضعي لا يفقد الوعي والإدراك ولا يفقد الانسان قدرته على المقاومة، وإذا ما اضطر الطبيب لاستعمال مخدر كلي فإنه يستعين بطبيب للتخدير ومن خلال أدوات ومعدات لا تتوافر في عيادة طبيب الأسنان
وأشار إلى أن ما تقدمت به المطربة المغمورة ببلاغ كاذب هو أيضاً محض افتراء بأن الطبيب قام بتخديرها وأنه حاول تقبيلها أثناء وجودها في العيادة. وأكد أن ذلك لم يحدث مطلقاً وأنها حاولت أن تركب الموجة من أجل الشهرة
وهكذا قضت المحكمة ببراءة د. العجماوي، الذي اختفى بعد ذلك عن الأنظار لفترةٍ طويلة

ولم تمض أيام قليلة في ذلك الصيف الساخن من عام 2002 حتى انفجرت قضية أخرى بطلها طبيب أسنان أيضاً، وفيها جنس ونساء
مكان الفضيحة لم يكن بعيداً عن حي الدقي إلا بشوارع قليلة، حيث عيادة د. علي أيوب صقر، إذ فوجىء رجال الأمن بأن العيادة التي تقع في 23 شارع جدة في حي المهندسين باتت مرتعاً لسهرات من نوع خاص جداً بطلها الطبيب الشهير وفتيات قاصرات هذه المرة
أما الأشرطة المضبوطة في قضية طبيب الأسنان علي أيوب فكانت أداة للفرجة في أثناء هذه الحفلات الماجنة
بدأت القضية ببلاغ في 15 يوليو 2002 تقدم به سباك من شبرا الخيمة يدعى عبداللطيف فاروق إلى مباحث الأحداث ذكر فيه أن ابنته البالغة من العمر 14 عاماً تغيبت عن منزله أكثر من مرة، ولدى عودتها إلى المنزل فوجىء بشخص يخبره أنها كانت في أثناء تغيبها مع فتاة سيئة السمعة اسمها إيمان وهي من أبناء المنطقة نفسها، وأنهما كانت تقيمان بشقة أحد طبيب في شارع جدة، دأب على ممارسة الجنس مع القاصرات
الأب قال في بلاغه إنه واجه الابنة التي اعترفت له بأنها ذهبت إلى الطبيب عشر مرات مع صاحبتها وأنها شاهدت فتيات أخريات ذكرت أسماءهن له، وأن الطبيب مارس معها وصاحباتها الجنس، واتهم الأب هذا الطبيب بالاعتداء على ابنته القاصر
تحرك البلاغ لسؤال "آية" الطالبة في المرحلة الإعدادية، التي ذكرت تفاصيل مزعجة عن حفلات جنس يقيمها الدكتور بشقته للفتيات دون مقابل سوى شراء الملابس وأكلات الكباب والفرجة على الأشرطة المخلة
وجاءت بعدها زميلاتها ليؤكدن كلامها ولتزعم إحداهن أنها على علاقة به بالرغم من زواجها! وتزعم الثانية أنه يفعل ذلك معها، وأخرى اسمها "رحاب" تؤكد أنها شبه مقيمة في العيادة منذ أربع سنوات
واعترفت إيمان في التحقيقات بأنها ورحاب كانتا تمارسان الأعمال المنافية مع الدكتور أيوب أمام أي ضحية جديدة لإزالة الخوف من نفسها، كما كانت تعطي هذه الضحية "كورسات" في الجنس واستخدام حبوب منع الحمل والتعامل مع العوازل والكريمات الجنسية التي يستخدمها الدكتور والموافقة على أي أوضاع شاذة يطلبها
أما رحاب، فقد أشارت إلى أنها كانت تستدرج الفتيات إلى العيادة بحجة العمل فيها في التمريض أو النظافة، ويكون الدرس الأول لأي فتاة تحضر مشاهدة الأفلام المخلة بالآداب، ثم تتوالى التنازلات والممارسة مع الطبيب


بل تبين أيضاً أن طبيب الأسنان المذكور كان يحضر للفتيات سيدة تتولى تعليمهن أصول الرقص الشرقي، حتى يستمتع شهريار في عيادته بوصلات رقص قبل أن يضاجع هؤلاء القاصرات
وفي لحظة، تحول الطبيب الشهير الذي يمتدحه زملاؤه وتلامذته إلى متهم على صفحات تحقيقات النيابة في القضية رقم 8903 لسنة 2002 جنح الدقي، ومعه أحراز لاحظت النيابة أنها أفلام فيديو ومجلات أجنبية مخلة بالآداب وواقيات ذكرية وكريمات طبية، وملابس تخص القاصر آية عبداللطيف وصديقتها إيمان أبوالمجد، وعقاقير خاصة بمنع الحمل والإجهاض، وثلاثة أقراص فياجرا كانت مع الطبيب المتهم في أثناء القبض عليه
وجهت النيابة إلى الطبيب الذي يتردد على عيادته مسؤولون كبار، تهم هتك عرض قاصرتين دون سن الثامنة عشرة بغير قوة أو تهديد، حال كونه له سلطة عليهن لعملهن خادمتين لديه بالأجر، والجمع بينهما في المواقعة من قُبل ومن دُبر، وهتك عرض ثالثة تعمل سكرتيرة لديه، ومواقعة الرابعة برضائها
أمر المحامي العام بإحالة القضية إلى محكمة الجنايات واستمرار حبس المتهم وذلك في 24 يوليو 2002، ثم تقدم محاميه محمود أحمد رشدي بطلب إلى مدير مصلحة السجون يلتمس فيه توقيع الكشف الطبي على موكله الطبيب بمعرفة اللجنة المختصة من الطب الشرعي للوقوف على حالته الصحية والأمر بنقله إلى أحد المستشفيات لعلاجه إلى أن تتم محاكمته. وأرفق المحامي مع طلبه شهادات طبية صادرة من معهد القلب بإمبابة تفيد أن الطبيب المتهم بإقامة حفلات جنس جماعي لقاصرات يعاني من آلام ذبحة صدرية متكررة وجلطة قديمة بالشريان التاجي وهبوط بالقلب، وأنه يحتاج لقسطرة للقلب والشرايين. غير أن ذلك التقرير الطبي كان قديماً وصدر قبل 16 سنة من إثارة القضية. وكان هناك تقرير طبي آخر عبارة عن طلب من د. علي أيوب مقدم لرئيس جامعة القاهرة في 29 مايو 1995 بالموافقة على عرضه على لجنة هيئة عليا لعلاجه على نفقة الجامعة


لنتذكر معاً أن مثل هذه التقارير الطبية تخص رجلاً يفاخر بأنه حاصل على بطولة الجمهورية في الجمباز منذ سنوات وأنه كان رئيس لجنة التحكيم في اتحاد الجمباز وقت افتضاح أمره


وفي 23 يناير 2003 قضت محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار اميل حبش مليكة، بمعاقبة د. علي أيوب صقر الأستاذ ورئيس قسم بكلية طب الاسنان بجامعة القاهرة بالأشغال الشاقة لمدة 5 سنوات لاتهامه بهتك عرض 4 فتيات قاصرات بينهن سكرتيرته بغير قوة أو تهديد لما له من سلطة عليهن لعملهن خادمات لديه بعيادته بالدقي بالأجر بأن عرض عليهن أفلاماً وواقع كلاً منهن منفردة


جاءت حيثيات الحكم في 20 ورقة فولسكاب، وورد فيها أن المحكمة استقر في يقينها واطمأن وجدانها من سائر أوراق الدعوى أن المتهم والذي يشغل وظيفة أستاذ بكلية الطب ويحمل في عنقه بمقتضي وظيفته "رسالة سامية" هدفها إعداد أجيال صالحة للمجتمع لنشر العلم وتساهم في نشر الفضيلة وإرساء المبادىء النبيلة لم يعبأ بتلك الرسالة السامية وخلع عن نفسه رداء الفضيلة وهوى إلى قاع الرذيلة فدأب على هتك أعراض الصبايا صغار السن مستغلاً في ذلك حاجتهن للعمل وضعفهن ونقص خبرتهن بالحياة وعجزهن عن فهم كامل بماهية الفعل وعن تقدير صحيح لمخاطره فأورثهن استخفافاً بالقيم والمبادىء وأرسى فيهن الرذيلة والفحشاء
المحكمة أضافت في حيثيات الحكم أنه منذ نحو خمس سنوات سابقة التحقت لديه المجني عليها رحاب وكان عمرها 14 عاماً، فأخذ يتحرش بها حتى ضعفت مقاومتها ولحاجتها للعمل رضخت له. وعندما التحقت إيمان كعاملة نظافة قام بمعاشرة السكرتيرة أمامها حتى ترضخ له وجمع بينهما ليمارس معهما الرذيلة في آن واحد. وحتى يقوم بإثارتهما كان يعرض عليهما أفلاماً مخلة، كما حث السكرتيرة على إحضار فتيات صغار السن بزعم العمل لديه ليستمتع بهن. وتم اصطحاب الفتاة آية للعمل لديه فاصطحبهن إلى حجرة النوم وأدار شريط فيديو به مناظر فاضحة وتجردن من ملابسهن وجمع بينهن في الفراش
وخلص تقرير الطب الشرعي إلى أنه بعد الاطلاع على ملف القضية والتقرير الطبي الموقع على المجني عليهن والمستندات والتقارير الطبية الخاصة بالحالة الصحية للمتهم ومن واقع كشف الطب الشرعي والفحوص الإشاعية والفحوص الطبية الشرعية والسيرولوجية، لم يتبين لأعضاء اللجنة الطبية نفي حصول الواقعة في مجملها



أضافت المحكمة في حيثيات حكمها أنه من حيث الركن المفترض في جريمة "هتك العرض" دون قوة أو تهديد وهو صغر سن المجني عليهن بعدم بلوغهن الثامنة عشرة، فإن هذا الركن يعتبر أهم أركان الجريمة


واستطردت المحكمة في أسباب حكمها أن المتهم حاصل على درجة الدكتوراه في طب الأسنان وله خبرة فنية تجعل من السهل عليه معرفة حقيقة سن المجني عليهن هذا فضلاً عن قيامه باستخدامهن للعمل لديه يفترض أن يكون قد علم بظروفهن وأعمارهن ولم تكن هناك أسباب قهرية تحول بينه وبين معرفة سنهن الحقيقية، وبالتالي يكون ما أثاره الدفاع بأن جهل المتهم بسن المجني عليهن في غير محله


وقالت المحكمة عن الوسيلة المعتادة لإثبات سن المجني عليه هي شهادة الميلاد فإذا لم توجد فإن العبرة بما يصل إلى اقتناع المحكمة عن حقيقة سن المجني عليها والثابت للمجني عليها "آية" أنها وقت أفعال هتك عرضها كانت قد جاوزت 14 عاماً وأن باقي المجني عليهن لم يبلغن الثامنة عشرة


وأضافت المحكمة أنها اطمأنت إلى ما جاء بتقرير الطبيب الشرعي لاقتناعها بسلامة الأسس التي بنت عليها رأيها، ومن ثم فإن ما أثاره الدفاع من أن تقدير السن لا يثبت إلا بشهادة الميلاد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في كفاية الدليل الذي اقتنعت به المحكمة وعوَّلت عليه في تكوين عقيدتها في الدعوى مادام أن سن المجني عليهن غير محققة بدليل رسمي
وأضافت المحكمة أنها تستخلص من أقوال المجني عليهن آية وإيمان ورحاب أنهن كن يعملن خادمات بالأجر لدى المتهم الذي أقر بذلك ومن ثم فقد تحقق الظرف المشدد والمنصوص عليه في المادتين 267. 269 من قانون العقوبات


وعن الدفع بتناقض الدليل القولي المستفاد من أقوال المجني عليهن مع الدليل الفني الخاص بالكشف عليهن فمردوده بأن نطاق الركن المادي في جريمة هتك العرض دون قوة أو تهديد يتسع وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة للصلة الكاملة بمن يقل عمرها عن ثماني عشرة سنة كاملة فإذا كانت الصلة الجنسية برضاء من لم تكمل الثامنة عشرة فإن هذا الرضى ينفي عن الصلة أن تعتبر اغتصاباً إذ يفترض الاغتصاب انتفاء الرضى ومن ثم فلا يبقى للفعل غير أنه إخلال بحياء المجني عليها بلغ أقصى درجات الجسامة ووفقاً لهذا الوصف يعتبر هتكاً لعرضها. ولما كان ذلك وكان التقرير الطبي الشرعي وأقوال الطبيبة الشرعية لم تنفها إمكانية حصول مواقعة المجني عليهن من قبل بالتصوير الذي قررنه وأن ما ذكرته آية من نزول دماء منها لا يتعارض مع وجود غشاء بكارتها سليماً


كما جاء تقرير اللجنة الطبية الشرعية التي انتدبتها المحكمة، مؤكداً إمكان حصول الواقعة على النحو الذي جاء بالأوراق وليس لازماً تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق، وكان الدليل المستمد من شاهدات الإثبات الذي اطمأنت إليه المحكمة غير متعارض مع الدليل الفني المستمد من التقريرين الطبيين الشرعيين، فإن ما ينعاه الدفاع في هذا الصدد على غير أساس فضلاً عن أن المحكمة تطمئن عن اقتناع كامل إلى أن اتصالاً جنسياً تم بين المتهم وبين المجني عليهن، وهو مناط إدانته في جريمة هتك العرض. أما طريقة حصول الاتصال وكيفيته فهي أمور ثانوية لا تأثير لها، وعلى ذلك يكون الدفع الذي دفع به الدفاع في غير محله


وأشارت المحكمة إلى ما أثاره الدفاع بشأن تأخر والد المجني عليها آية في الإبلاغ عن الواقعة، فقالت إن ذلك لا يمنع المحكمة من الأخذ باقواله مادامت قد أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته وإن المحكمة تطمئن عن اقتناع إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهن للواقعة وإن التناقض بين الشهود على فرض وجوده لا يؤثر في صحة استناد المحكمة إلى شهادتهم مادام أنها استخلصت أدلة الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً كما ارتسمت في وجدان المحكمة، مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب على ما اقتنعت به
وقبل الحكم على د. علي أيوب صقر، كانت محكمة جنح الدقي برئاسة أحمد فتحي سلامة قضت في أكتوبر 2002 بمعاقبة رحاب محمد علي سكرتيرة طبيب الأسنان المذكور بالسجن خمس سنوات مع الشغل والنفاذ، لاتهامها بتحريض الفتيات القاصرات اللائي يعملن لدى الطبيب على ممارسة الأعمال المنافية للآداب معه داخل عيادته وتشجيعهن على مشاهدة الأفلام المخلة


يبقى الضحايا


فقد باع والد المجني عليها آية ابنة الرابعة عشرة منزله في منطقة بيجام بشبرا الخيمة عقب انتشار الفضيحة، واستأجر شقة في منطقة قباء بجسر السويس، ليبتعد عن أهالي المنطقة التي تربت فيها ابنته


أما آية، فقد أصيبت بمرض نفسي بسبب الحادث ونصح الطبيب والدها بإبعادها عن المكان الذي كانت تعيش فيه وكذلك الأشخاص الذين كانت تتعامل معهم
وعن أطباء الأرواح الصغيرة حدث ولا حرج
ففي 20 ديسمبر 2009 قرر المستشار ياسر رفاعي، المحامي العام لنيابات استئناف الإسكندرية، حبس طبيبة نساء وتوليد أربعة أيام على ذمة التحقيق بعد ضبط ثلاث جثث لأطفال حديثي الولادة داخل ثلاجة عيادتها في منطقة العامرية
طالبت النيابة العميد محمد حافظ حسين، مأمور قسم شرطة العامرية، بسرعة جمع التحريات لكشف غموض الواقعة، وأسباب احتفاظ الطبيبة بالجثث والكشف عن مصدرها، وندب الطبيب الشرعي، كما قررت تشكيل لجنة ثلاثية من وزارة الصحة لفحص عيادة الطبيبة وطالبت النيابة نقابة الأطباء بإفادتها عن قيد الطبيبة من عدمه
كان مأمور قسم العامرية تلقى بلاغاً من ممرضة قالت فيه إنها التحقت بالعمل لدى طبيبة شهيرة في منطقة مساكن الجمهورية، منذ خمسة أيام، وأنها اكتشفت وجود عدد من جثث الأطفال داخل ثلاجة العيادة، الأمر الذي دفعها لتحرير محضر بالواقعة. أكدت التحريات صحة الواقعة، وبمداهمة العيادة عثر بداخلها على جثة لطفل مكتمل النمو، وجثتين غير مكتملتي النمو، وأحيلت الطبيبة المنسوب إليها الواقعة إلى محمد الشهاوي، مدير نيابة العامرية، واعترفت باحتفاظها بالجثث لإجراء الأبحاث العلمية، فقررت النيابة حبسها على ذمة التحقيقات
ومن تلك الطبيبة إلى طبيب آخر، احتلت أخباره الصفحات الأولى من صحافة مصر في صيف عام 2002، وهو طبيب عظام وجهت له نيابة الساحل عدة تهم بينها إجهاض حوامل والاستيلاء على أدوية التأمين الصحي وإجراء عمليات ولادة، واستغلال وظيفته وتصوير مرضاه دون إذنهم، وحيازة صور وأشرطة فيديو للمرضى
ظهرت قضية د. عبدالمحسن عبدالحليم يوسف المعروفة بقضية طبيب الأجنة بعد عثور عامل نظافة على كيس قمامة يحتوي على 16 جنيناً غير محددي الأعمار. وبالتحري، اتضح أن زوجة طبيب العظام كانت قد أمرت عامليَن بتنظيف عيادة الطبيب الخاصة بحي شبرا شمال القاهرة، فألقيا بالأجنة في الشارع. وبإلقاء القبض على الطبيب، قال إنه حصل عليها من مشرحة قصر العيني منذ 30 سنة لإجراء أبحاث وإنه يحتفظ بها كديكور! وخرجت مديرة متحف الأجنة لتؤكد استحالة حصول أحد على أجنة من قصر العيني، فيما تساءل الناس عن علاقة طبيب العظام بأبحاث الأجنة التي لها أطباؤها ومراكزها البحثية الخاصة


أنجبت الأسئلة شكوكاً حول استخدام العيادة لإجراء عمليات إجهاض غير مشروعة والحصول على الأجنة من خلالها


وفي أغسطس 2002 أحال النائب العام أوراق القضية الى محكمة الجنايات بعد أن وجهت النيابة للمتهم الأول تهمة القيام بعمليات إجهاض وإجراء عمليات توليد بعيادته الخاصة من دون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة، وإدارة عيادته لغير الغرض الذي منح من أجله الترخيص. كما تضمن قرار الاتهام ارتكاب المتهم لأفعال منافية بعيادته من شأنها عدم الحفاظ على كرامة المهنة
كما وجهت النيابة تهمة الاشتراك والمساعدة في إجراء عمليات الاجهاض وتصويرها على أشرطة فيديو ومشاهدتها داخل العيادة في غير أوقات العمل الرسمية، والمشاركة في إعادة عذرية الفتيات لباقي المتهمين، وهم طبيبا التخدير مصطفى محمد إبراهيم ونبيل بطرس جورجي والممرضة سمية مبارك عبدالله
وفي 24 نوفمبر 2002، بدأت محكمة جنايات القاهرة أولى جلساتها لمحاكمة طبيب الأجنة د. عبدالمحسن عبدالحليم يوسف وباقي المتهمين في القضية
بدأت الجلسة بتلاوة قرار الإحالة الذي تضمن أن المتهم الأول أسقط عمداً نسوة حوامل، وزاول نشاط عمليات التوليد بمنشأته الطبية بدون ترخيص وأدارها لغير الغرض المخصص لها.. كما ارتكب أعمالاً منافية لآداب المهنة بمنشأته الطبية من شأنها عدم الحفاظ على كرامتها. وتضمن قرار الإحالة اشتراك باقي المتهمين بطرق المساعدة في الجريمة


واجهت المحكمة المتهمين بالتهم المنسوبة إليهم فأنكروها جميعاً، وقال المتهم الأول: "لم أقم بأي عمليات إجهاض". من جهته، طالب الدفاع بإخلاء سبيل المتهم الأول استناداً إلى أنه شيخ وكهل مصابٌ بأمراض تهدد صحته بالخطر.. كما طالب بمناقشة الطبيب الشرعي أحمد ناصف محمد الشاهد الثاني في تقريره بالقضية، قائلاً إننا بصدد جريمة وهمية ليس لها وجود قانوني؛ لأن الاجهاض له ملامح وكيان مادي ومعنوي لا يوجد في هذه الواقعة. وأضاف الدفاع أن تقرير الطبيب الشرعي حدد 7 أسباب لوفاة الأجنة ولم يستطع تحديد تاريخ الوفاة
وفي أثناء نظر القضية، قرر مدحت يوسف، قاضي معارضات جنح الساحل، تأجيل نظر تجديد حبس طبيب الأجنة، ونقل الطبيب البالغ من العمر 58 عاماً إلى مسنشفى الساحل بعد تدهور حالته الصحية. وكانت المحكمة قد شهدت تعرضه لغيبوبة استمرت ثلاث ساعات، فلم تتمكن المحكمة من استجوابه
غير أن حكم القضاء العادل صدر في 26 فبراير 2003
إذ قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة عبد المحسن عبد الحليم يوسف بالسجن 10 سنوات وتغريمه مبلغ 500 جنيه وإلغاء تراخيص جميع منشآته الطبية، في حين برأت المحكمة المتهمين الثلاثة الآخرين في القضية
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إنه ثبت بالدليل القاطع صحة التهم المنسوبة للمتهم وارتكابه لها، كما ثبت للمحكمة أن المتهم غير أمين على مرضاه الذين يتعامل معهم

ونعود إلى نقطة البداية: ما الذي جرى؟
ابحثوا عن ثلاثة‏:‏ العامل الاقتصادي‏..‏ الإخصاء الناتج عن الإحباط العام‏..‏ والمرض النفسي
البعض يرى أن في مصر الآن أزمة فقر وأزمة ثراء، فالفقر الشديد يفرز جريمته الجنسية بسبب البطالة وتأخر سن الزواج والجهل وتكدس الأجساد في غرف صغيرة وانكشاف الممارسة الجنسية للآباء أمام الأبناء نتيجة لهذا التكدس‏، وبالتالي يشبع الشخص رغبته بطريقة غير مشروعة
الثراء يفرز أيضا جريمته الجنسية،‏ فعندما يحقق الشخص ثروة ضخمة في مجتمع لا يعلمه كيفية توجيه وإنفاق هذه الثروة ولا يحدد له أهداف ارتقاء اجتماعي وعلمي‏،‏ فإن الشخص قد يوجه هذا الثراء إلى الانحرافات ومنها المغامرات الجنسية
الأكيد أن المجتمع بات يعاني خللاً في مفاهيم الجنس والعلاقة بين الرجل والمرأة‏، خصوصاً مع سقوط كثير من المحظورات وتزايد الإغراءات والضغوط المادية الاجتماعية
وكما نرى، فإن هناك تباعداً بين الإمكانات الاجتماعية والعقلية والأخلاقية والمستوي المادي للأشخاص‏، وهو ما يؤدي في حالات كثيرة إلى ارتباك الرؤية لدى الشخص
ولكن يجب ألا نستبعد تضافر العامل النفسي المرضي لدى هذه الحالات مع الضغوط والعوامل الاجتماعية المختلة


‏ففي أوراق قضية الطبيب علي أيوب صقر تقول إحدى الضحايا وهي فتاة فقيرة لم يتجاوز عمرها‏ 14 سنة إن أفلام الجنس التي عرضها الفيديو أمامها لم تحركها،‏ فهي لم تفهم جيداً ما يحدث‏. وحتى عندما أقام الطبيب حفلة جنس جماعي مع رحاب وإيمان لم تستجب للمشهد المقزز، وإنما منحته كل ما يريد عندما وضع أمامها وجبة "كنتاكي"‏
كانت تلك هي المرة الأولى في حياتها التي ترى فيها دجاج "كنتاكي" بعيداً عن شاشة التليفزيون
تابع القراءة

gravatar

كتاب الرغبة (22): امرأة الفاليوم









هذه رواية مهداة إلى الدموع التي تملأ العينيّن من دون أن تسيل
وهي وقفة مع نساءٍ يشغلُ الزمن مركزَ وعيهن
في رواية هيفاء بيطار "نساء بأقفال" (الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت؛ منشورات الاختلاف، الجزائر، 2008) نتابع معاناة النساء المتدثرات بوحدةٍ قاسية، وتمزقهن بين الرغبات وقيود المجتمع
والمرأة دُرةٌ غافية، تخشى أن تصبح بمرور الوقت محض محارة وقشرة كلس اسمها المؤلم: عانس
و"العانس"، ليلة تتوكأ على عصا الخريف كي لا تتعثر أو تتبعثر
اللافت للانتباه أن الكاتبة – وهي طبيبة اختصاصية بأمراض العين وجراحتها- تتبنى فكرة أن الجنس لدى هؤلاء النساء مرتبطٌ بالكبت والحرمان، فيما تبدو ممارسته في سياق العمل الروائي فعل انتقام من سلطة ذكورية تسن قوانين شرف خاصة بالمرأة، مقابل مفاهيم أكثر تساهلاً وتسامحاً مع الرجل


دعونا هنا نشير إلى أن هيفاء بيطار تقول في أحاديثها الصحفية إنها ما كانت لتكتب لولا الطلاق، فقد كانت في الخامسة والعشرين من عمرها، وفي بداية مشوارها المهني كطبيبة عيون في اللاذقية ولها طفلة وحيدة لم تكمل عامها الأول حين رفعت دعوى طلاق، لاستحالة الحياة الزوجية، وغرقت في خضم معاناتها مع المحاكم الروحية المسيحية التي حكمت عليها بالهجر مدة سبع سنوات، عاشت خلالها ملتهبة الغضب والرفض والإحساس بالظلم والقهر. غير أن هذه التجربة جعلتها تتحول تدريجياً إلى كاتبة غزيرة الإنتاج
ولعل اهتمام الكاتبة بقضية قمع رغبات المرأة التي تأخر عنها قطار الزواج، أوقعها في فخ إهدار تقنيات السرد وعناصر الرواية، حتى خرجت "نساء بأقفال" أقرب إلى المحاضرة المطولة - إن لم نقل الخواطر المستفيضة- مع استرسال يشوبه بعض التكرار في الدوران حول المعنى نفسه. صحيح أن الرواية اجتهدت في كشف مكنون المرأة التي يصفها المجتمع بالعانس، لكنها بدت كأنها تصفية حساب مع الرجال، إذ لم نجد في هذه الرواية على امتداد 160 صفحة نموذجاً واحداً سوياً أو ناضجاً للرجل
هنا، كل النساء ضحايا، وكل الرجال بأنياب




الأخطر من ذلك هو حشو الرواية حشواً بكمٍ هائل من الصور الجنسية، قد تفيد في رفع معدلات توزيع الكتاب، لكنها لا تخدم الفكرة الأساسية للرواية، ولا تضيف للغة الإبداع الروائي سوى تفاصيل يراها البعض صادمة عن الفعل الجنسي الخالي من أهم مكوناته: الحب

صور قد تضايق قطاعاً من القراء هنا، لذا ننصح بالتوقف عند هذه النقطة لمن ليس مستعداً للغة صادمة وتفاصيل قد تكون مقززة لهؤلاء

الشخصية المحورية في الرواية هي ناديا، التي تشعر أن قطار الزواج فاتها فترفع راية التمرد
"في الخمسين تمزقُ النساء عذرية الصمت، وينتهكن عفته" (ص 57)
منذ اللحظة الأولى، تضعنا الروائية في الصورة لندرك حجم الضغوط التي تتعرض لها ناديا
"كانت ألف فكرة وفكرة تتقاطع في عقل ناديا، وقد بدا عليها أنها تدشن أكبر ثورة فكرية في حياتها. كانت تشعر أن تزاحم الأفكار وتصارعها أشبه بساحة معركة. ضغطت براحتيها بقوة على صدغيها كما لو أنها تمنع انفجار جمجمتها وكزَّت على أسنانها وهي تردِّد: كفى، كفى، رأسي سينفجر من ضغط الأفكار" ( ص 5)
الضغط يشمل المكان أيضاً، فهي "تحدق في الأثاث الأبدي حولها، أثاث يذكرها كل لحظةٍ بعمرها، نصف قرن" (ص 5). تغوص ناديا في زمنها المعلّب، وهي تشعر بالخسارة، إذ غمرها "إحساس ساحق بأنها خسرت حياتها" (ص 6) والسبب؟
سؤالٌ قاتلٌ مثل التخثر الدموي، إجابته تنهش القلب كذئب أغبر
"لقد عاشت حياتها في توق أبدي لحصول أشياء حقيقية، غنية، في توق لإشباع عواطفها والإحساس بالامتلاء والغنى والمشاركة والفرح، لكن هذا التوق ظل حبيس قلبها وتحوّل مع الزمن إلى شعور ثقيل ضاغط يصعب احتماله، ثم تبلور هذا الشعور وكشف عن حقيقته المخزية: البغض لكل ما حولها" (ص 6)
وفي عزلة الجسد، تنفجر في العتمة كرة الضجيج
"انتفضت من مكانها كمن لسعتها الحقيقة المُرّة: ضاع عمرك يا ناديا" (ص 6)


وفي غرفة امرأةٍ تصارع الكبت، فإن الخيال خارج عربدة الستائر ممنوع
هناك أمورٌ لا نجرؤ على أن نبدأها، خشية أن تصبح كابوساً مزمناً
يتوالى شريط الذكريات الأليمة
"لا تنسى أبداً المرة الأولى التي ضبطت والدها يتفرج على فيلم جنسي فاحش، رجل يضاجع ثلاث نساء سحاقيات، شعرت أن قلبها يهوي، لا بل أحست أنها تسمع صوت ارتطامه باالبلاط، وقفت في الرواق المعتم تتفرج على والدها وقد أدار ظهره لها، وعلى الفيلم في الوقت ذاته، ومشاعر طافحة بالكره والاحتقار له تنفجر في كيانها كله
كيف، كيف يسمح لنفسه أن يتمتع بحقوق ويقوم بأفعال يُحرّمها على غيره، بأي حق بأي حق؟!!" (ص 9)
هنا المفارقة
"والدك يحدق بك بنظرةٍ مؤنبة إذا عرف أنك تتحدثين هاتفياً إلى زميل لك في العمل. يذكرك أن سمعتك العطرة أساس وجودك وقبولك في مجتمع النفاق، وفي الليل ينصرف إلى متعته مستمتعاً بأفلام الجنس، وحين يقفل شيفرة هذه المحطات تشعرين تماماً أنه يقفل حزام العفة الوهمي الضاغط بقوة على حوضك وما بين فخذيك" (ص 9)
عذراء في الخمسين، تخلّف كل مساء جسدها غافياً على قشرة الألم


أما قرار المرأة التي تقول إن "صديقها الوحيد الفاليوم" لأنه "يجعلها تطفو، يجعل الحياة مشلولة وبطيئة، الأهم يُعفيها من التفكير" (ص 53)، فكان الثورة على قيود تكبلها، لتعيش حياتها كما تشاء. "ستدشنين حرية جنسية، ستمارسينها بالطول والعرض" (ص 10)، "حيث سيكون كل شيء عبثياً ومتحللاً من ثقل أخلاق مقيتة لم يكن لها من فعل في حياتها سوى سحق روحها وسجنها في بئر الحرمان" (ص 8)
وكتم الرغبات قد يلقي بنا في هاوية العادات السيئة
إنها تندم على أنها "حنَّطت جسدها في حزام العفة غير المرئي من أجل الحصول على زوجٍ لم يأتِ" (ص 8)
لسان حالها يقول: متى ستذوب صلابة نهديّ؟ إن هذا الجفاف المتراكم على شفتيَّ المسترخيتين، أضناه النعاس
"استدعت الرجال المحتملين لمغامرتها الجنسية إلى ذهنها، ستدشن حريتها مع أحدهم" (ص 11)
والمرأة تبحث دوماً عن عِرق قرنفل يطرق القلب
"ومن بين العديد من الرجال المحتملين لتدشين ثورتها الجنسية مع أحدهم، رجحت كفة ثلاثة... طبيب الأشعة الذي قصدت عيادته منذ ثلاث سنوات لتجري صورة لثدييها، كي تطمئن على سلامتهما، يومها نظر إلى ثدييها بدهشة وقال: لا أصدق أن عمرك سبعةٌ وأربعون عاماً، فثدياك لشابة في العشرين" (ص11)، "لكنها لم ترد بكلمة، وتظاهرت أنها لم تنتبه لما قال، لكن حين أمسك نهدها وهرسه في آلة الأشعة، خنقت صرخة ألم، فاقترب منها، وربت على ظهرها بطريقةٍ جعلت شرارة رغبة عنيفة تنفجر من أعماقٍ سحيقة، لكنها سرعان ما قمعتها، كما قمعت مشاعر عنيفة طوال عمرها" (ص 12)
تدور في مسارات حلزونية حائرة، وهي زهرة مبللة.. على بُعد لمسة
"أكثر ما كان يؤلمها ويُشعرها بالمهانة كون الرجال الذين يتوددون لها بطريقة لطيفة أو وقحة يشعرونها صراحة وبفظاظة ووقاحة أنها محرومة، ومكبوتة كبتاً مزمناً تفضحه عيناها، يُشعرونها أنهم يمنون عليها بفضِّ عذريتها ومضاجعتها، سنّحن عليك بمضاجعة! كم تمقت هذا الشعور الذي يوصلونه إليها كل مرة كما لو أنهم المخلص، كما لو أنهم النعمة التي ما بعدها نعمة لتحريرها من الكبت الجنسي" (ص 12)
الرجل الثاني الذي قفز إلى خيالها كعشيق محتمل هو مصفف الشعر الذي لاحظت نظرات الشهوة التي كان يرسلها لها عبر المرآة. "وذات مرة أسقط عمداً ملقط شعر في فتحة قميصها، علق الملقط في الثلم بين نهديها، فمد يده لالتقاطه لكنها أبعدت يده بغضب وقالت: سأعيده لك. تأسف لسلوكه وقال إنه لا يقصد، فردت: أعرف أنك لا تقصد. لكنها تعرف قصده تماماً، بل أمكنها أن تقرأ أفكاره دون حاجتها للنظر إلى وجهه" (ص 12)
ثم خطر لها زوج صديقتها الذي طلقت منه بسبب خياناته المستمرة لها. شعرت بأنها منقادة للغواية، فقد "كان رجلاً جميلاً، وذا حضور آسر، وكان يقول لها كلما التقاها، يا مجنونة عيشي حياتك ولا تبالي بهؤلاء الجهلة الساديين الذين يسرقون عمرك... الجنس فرح لا يعادله فرح، لا تحرمي نفسك يا غبية" (ص 13- 14)
ترجح كفة الطبيب، فتتأنق وتبرز مفاتنها قبل أن تقصده في اليوم التالي بداعي إجراء فحص بالأشعة لثدييها. "لبست حمالة نهدين من الدانتيل والساتان كانت راكنة منذ سنوات طويلة بانتظار هذه اللحظة، اضطرت أن تغسل حمالة النهدين كي تطرد رائحة عطر الزمن". التقط الطبيب إشاراتها، ولم يهدر وقته، فقد "داعب نهديها بجرأة أثناء التصوير ودعاها للغداء في مزرعته" (ص 14)
وفي الموعد المحدد، أقلها بسيارته إلى المزرعة، وظل يلامسها بجرأة أقرب إلى الفظاظة، كأنه يُشعرها بأنها لا تعني له سوى مغامرة عابرة. كادت أن تتراجع، غير أن قرارها بفض عذريتها كان أكبر من أي شيء


وبدأت مغامرة الغور والانغمار
"تساءلت وهي مستسلمة لقبلاته النهمة وأصابعه العصبية تعرّيها، ألا يمكنه أن يكون لطيفاً وإنسانياً أكثر" (ص 16)
ولأن الشيطان في التفاصيل، فإن تلك التفاصيل أطلقت المارد من القمقم
"لم تنتبه كيف تعرَّى بهذه السرعة، تأملت عضوه المنتصب بنظرة حيادية باردة لكنها أحست في أعماقها بصدمة المعجزة، أهذا هو المحظور؟! أهذا هو الممنوع؟! همّت أن تلمسه لكنها تراجعت
قال لها وفحيح الشهوة يتفتق من صوته: إنه لك، خذيه، خذيه
أجفلت من تعبيره، أحست بضياع ورغبت بقوة بالبكاء، ودت لو تسأله: ماذا تقصد؟!
لكنه رجاها أن تركع، في الواقع أمرها أن تركع، قلبها على ظهرها، وأجبرها على الركوع بطريقة معينة، فيها من الترهيب أكثر مما فيها من الترغيب..كانت تذعن لأنها تحوّلت في الحال إلى إنسانة غريبة عنها، لا تعرفها، كما لو أنه يقبض على عنقها كما لو أن زمام حياتها في قبضته..صفع إليتيها صفعات قوية متلاحقة، بوغتت من معنى هذه الصفعات، أحست بجهلٍ مطبق، وفكرت أن الجسد جاهلٌ كالعقل تماماً
وفجأة أحست بألم صاعق يمزّق شرجها، صرخت بجنون: ماذا تفعل أكاد أموت. أطبق راحته بقوة على فمها ورجاها أن تصمت وقال: سوف تستمتعين بهذه الطريقة
من خلال أصابعه القوية المطبقة على فمها استمرت بالصراخ، ودموع الألم تتدفق من عينيها، ومشاعر الانسحاق تهرسها هرساً، كانت عاجزة عن الحركة فقد ثبتها تماماً بوضعية الركوع، وسجنها بين فخذيه المتينين" (ص 16- 17)
وبعد تفاصيل أخرى قد يراها كثيرون مقززة، وصفتها البطلة في حديث مع النفس بالقول: "تجربة خرائية يا ناديا، قوليها صراحة" (ص 18)، ينفصل عنها الرجل ويتجه إلى الحمام دون أن يكلف نفسه أن يلقي عليها مجرد نظرة
الرجل الذي تبلدت مشاعره وفقد إحساسه، قاس كتفاحة حديدية
ورأس المرأة تطالب بذراعٍ يتوسدُها بعد حرب الوسائد
لماذا بقيت ناديا في سريره؟
إنها حالة الشلل الذليل التي أصابتها وجعلتها فاقدة للاتجاه، قبل أن يباغتها الرجل إثر فترة استراحة بطعنة أخرى
"سنجرب الآن طريقة أخرى... أحست بطعنة ألم ومهانة من كلمة سنجرّب كما لو أنهما يلهوان أمسك يدها وقادها إلى عضوه... أمسكت هذا الشيء الخرافي، الذي أخذ بالنمو، فكرت أنه إحدى عجائب الدنيا السبع، جعلتها تلك الفكرة تنفجر بضحك صاخب، كما لو أن كل ألمها وأحاسيسها بالمهانة تحوَلت إلى ضحك" (ص 18)
والبعض يضحك كثيراً وهو ذاهبٌ إلى الموت
"شعرت كيف أرخى بثقل جسده فوقها، شعرت كيف فتح نفقاً مسدوداً بين فخذيها، وبتدفق سائل حار لزج...ودوت ضحكته المجلجلة: لا أصدق، لا أصدق أنك عذراء
دس كومة مناديل ورقية في جرحها النازف وأسرع إلى الحمام يغتسل، قامت تغالب آلاماً مبرحة في حوضها، وشعرت بحاجة للتغوط، كانت كل أحاسيسها متركزة في شرجها، النابض بالألم... شعرت أنها عفّرت كيانها وكرامتها في ذل الجنس" (ص 19)
ها هي تدوس حافيةً على أجزاء صورتها، وقد صارت شظايا من مهانة
ضاجعها كدمية، حتى سكن بجانبها، كميت
"علاقة طافية في فراغ، نكاح فج لا ينبثق من شيء ولا يفضي إلى شيء" (ص 21)
كانت تجربة مهينة بكل المقاييس، شعرت معها ناديا بالخواء
"الحقيقة الوحيدة التي تعلمتها من هذه التجربة، أن فعل الجنس هو للإهانة والتحقير" (ص 23)، وهي "تحس بجرح عميق عميق، لأول مرة تعي أن شكل عضو المرأة أشبه بجرح، جرح لا يمكن أن يلتئم" (ص 31)
والبحر ليس أكثر من دمعة تتخفى وراء عين ساهرة
بعد "تجربتها الجنسية الأولى الكارثية" (ص 49)، تصر على مواصلة طريق اكتشاف الجسد، فهي "لم تعد تطيق ممارسة العادة السرية، التي أورثتها كآبة خانقة" (ص 49). كان الرجل الثاني الذي اختارته هو مصفف الشعر، الذي كان "محبطاً بعد فشل خطبة استمرت سنتين، لذا لم تحتج لجهدٍ يذكر كي تشتعل شرارة الرغبة بينهما" (ص 49)
تكررت لقاءات عصر الاثنين بينهما، واتسمت بأن "كلاً منهما يشعر أن من واجبه أن يُعبر للآخر عن حبٍ واشتياق، كما لو أنهما محرجان من ممارسة جنسٍ فج خالٍ من العاطفة" (ص 50)
"مضاجعة يوم الاثنين، تشعرها بعثية الحياة، بلذة التمرد عليهم، تشعر أنها تمد لسانها في وجوههم هازئة وشامتة، لم أعد مسدودة...لن أغادر الحياة عذراء يا قساة" (ص 50)
ورغبة المرأة أوّلها التماع، وآخرها توقٌ إلى ينابيع تشق رمال قلبٍ يقتاتُ على الصبر
تتكرر ملاحظتها مع الرجلين، فالأول لم يفكر في إهدائها شيئاً في لقائهما الأول، والأمر نفسه حدث مع الرجل الثاني، ومع ذلك فإن هذا لم يمنعها من مواصلة مواعدته بروح ميتة وعواطف زائفة
"إنه الرجل القضيب، تحس بسخرية من العلاقة التي لا تحمل ذرة عاطفة... ولم تشعر ولا مرة واحدة بالنشوة، لم تصل ولا مرة للرعشة، لكنها في كل مرة حين يسألها هل أنت مستمتعة تغمض عينيها وتقول بصوتٍ منافق: جداً" (ص 51)
ربما جعلت من سوائله الشفافة مادة لاصقة لقطعها المتناثرة
"كانت تغادر محله مرددة بسخرية مُرّة عبارة ابتدعتها: أحزان الجنس. وحين تختلي بنفسها لا تشعر أبداً ببصماته في روحها، رجل ينزلق عليها ولا يترك أثراً" (ص 51)
وذات يوم اثنين، وبعد "وصال ناجح ميكانيكياً" (ص 52) مع مصفف الشعر، يصارحها بأنه خطب فتاة. "لم تتركه يكمل، تمنت أن تصرخ به كان يجدر بك أن تصارحني بذلك قبل أن تضاجعني" (ص 52)
تتذكر ناديا عبارة "الحي بعد الجماع كئيب"
والقلوب الجائعة تفضل المضاجعة المبهجة على العاطفة الحزينة
تتدفق على ذاكرتها الصور المهينة مع الطبيب ومصفف الشعر، حتى صارت مدينةً حرثتها الطائرات
وفي سياق لاحق، تخبر سناء صديقاتها - وبينهن ناديا- قائلة: "لن تصدقنني إذا قلتُ لكُن أنني قررت خوض تجربة الجسد بعد أن قرأت مقالاً عنوانه غزال المسك" (ص 59). فقد كان المقال يتحدث عن الحيوان الذي يمتاز بوجود غدة أمام عضوه الجنسي تفرز عطراً رائعاً هو المسك. وهذه الغدة تنشط في شهر معين من السنة هو شهر التزاوج، لجذب إناث غزال المسك إلى الرائحة ويتم التزاوج
"حين أنهيت قراءة هذا المقال وجدتني أتساءل من استأصل غدة المسك من الإنسان؟ لماذا ربّونا أن نخاف من الجنس وأن نعتبره نتناً؟" (ص 59)



كم تفتح حواء خزائنها وهي تسير مدفوعة بالرغبة في الهروب من رعب الحاضر
وتتوالى اعترافات الصديقات، لتبدأ بينهن مباراة في البوح. فهذه سناء تتحدث عن صديق شقيقها الذي فض عذريتها بعد مبالاة، ثم أخبر صديقاً آخر حاول ابتزازها لينال مراده منها، وهناك تغريد التي تحكي كيف قررت أن تكون تجربتها الأول مع صديق الطفولة الذي أصبح شخصية مرموقة كأستاذ جامعي ثم كسفير. تستوقفنا هنا عبارة دالة وموحية. فحين يقول السفير لتغريد أثناء لقائهما في جناحه بفندق فخم إن لها جسد فتاة في العشرين، لا يكون ردها سوى أن "قلتُ له، لم يمر عليّ سوى الزمن ولا الرجل" (ص 66)
وتشير تغريد إلى إحباطها بعد أن "قاد يدي لتمسك زائدة هزيلة بين فخذيه، أحسستُ بسعادة خبيثة لأنه بدا مُحرَجاً، كنتُ أعرف عضو الرجل من خلال الأفلام الجنسية التي أشاهدها بالسر، لعنتُ حظي وقلت لنفسي سيبدو أنك ستخرجين آنسة كما دخلت من جناح السيد السفير" (ص 66- 67)
حسرةٌ على متعة أفلتت، وسخريةٌ من رجولةٍ دعيَّة ترتدي رابطة عنق وتقف في طابور البروتوكول
وفي محطات الحياة، لا متسع للعتاب، ولا وقت للبكاء



أما سونيا فهي تروي لصديقاتها كيف كانت مغامرتها الجنسية الأولى مع زميلها في العمل. وحين أصبحت تتمنى لو تتزوجه سراً ولمّحت له عن رغبتها بذلك، رفض الفكرة بشدة لدرجة أشعرتها بالمهانة والصِغر، قبل أن يبتر العلاقة بينهما بالتنصل من المواعيد الغرامية. تبرر سونيا الأمر لنفسها بأن هذا الرجل يعاني من حالة سمتها "رهاب الزوجة"، أي الخوف إلى حد الذعر من زوجته
الأخطاء الفادحة تولد حين نغمض عيوننا في انتظار قبلة تسرق براءتنا
تتذكر الصديقات في جلستهن التي استطردت وطالت لتلتهم 20 صفحة كاملة من الرواية، صديقتهن الغائبة دعاء، التي أحاطت نفسها بسياج التدين وسحقت غريزة الجنس لديها، ومسحت من ذاكرتها أيام الهياج الجنسي الجنوني، "حين تحوّل العالم كله - بنظرها- إلى قضيب كبير" (ص 83)، "وشعرت أن عضوها اهترأ لشدة ممارساتها للعادة السرية" (ص 84)
بعد منتصف الرواية بقليل، تقتحم الحكاية شخصية محورية جديدة، هي هنادي، طالبة الدكتوراه في الطب النفسي التي تطلب منها لجنة المناقشة إعادة النظر في أطروحتها: دراسة نفسية لظاهرة العنوسة في العالم العربي. حتى أستاذها عميد كلية الطب النفسي، د. ناصر، يخبرها بأن "ما قدمته، ليس دراسة علمية، ما قدمته شيء لا أعرف ما أسميه..فضائحي" (ص 100)
يتملك اليأس هنادي وتشعر بالخيبة حيال نساء عانسات وضعن ثقتهن بها كاشفين أعماقهن والخراب الذي أحدثه المجتمع بهن
"فكرت بحزن أن كل حماستها في إنجاز مشروعها عن الحياة النفسية والوجدانية للعوانس قد سُخّفت، شعرت أنها تائهة، كأنها لم تهب ذاتها طوال الأشهر في تدوين خصوصيات نساء غير متحققات، نساء دُفِنّ في الصمت والكبت، يعشن حياة مغلقة إلى درجة تبعث على الذهول" (ص 103)



هنادي، المطلقة بعد زيجة دامت خمس سنوات، "تحس العوانس امرأة واحدة، بل في الحقيقة تحس بتوحد معهن"(ص 119)، تحدثنا من واقع أطروحتها وخبراتها في عيادتها النفسية، عن انتحار أمل - التي تمت لها بصلة قرابة بعيدة- التي تقول في دفتر مذكراتها" لم يلمسني رجل أبداً، لست مجرد عذراء عادية، بل حالة مثالية من تطرّف العذرية، إذ لا أعرف حتى القبلة" (ص 126). "..وأمل التي أرادت أن تدشن حريتها عن طريق كسر سلطتهم والاختفاء من حياتهم بفعل الحرية الأمثل الذي اختارته: الموت" (ص 133)
والمرأة الوحيدة، نافذةٌ تطل على شارع فرعي غافل عن الحياة والبشر
تتذكر د. هنادي حكاية هالة، التي اختارت - وهي على أعتاب الأربعين- عشيقاً يصغرها بثلاثة عشر عاماً. "كنتُ أحتاج هذا العاهر الصغير، ليمتعني، لأقتحمه، لألجه، لأمارس معه ما لم أتمكن من ممارسته أبداً، لأطلب منه ما أرغب، لأن المرأة لا يمكنها أن تطلب ما يمتعها إلا من عاهر، كما يطلب الرجل ذلك من عاهرة" (ص 115)
نموذجٌ آخر للشاب الوسيم الذي يخطف البسمة من ثغور الحسان، لكنه يضاجع في السر امرأة ذبلت ورودها، حتى لا تهتَّز صورته كدون جوان
والعاشقة التي لا ترى الكذبة التي تعيشها، مستعدة لأن تختفي رقماً في ذاكرة الهواتف الحزينة




أما جولي، فهي ربان سفينة لذتها
"فقد تحدَّت سلطة المجتمع وهيمنته على حياتها بفعل الجنس. لأن الجنس هو الحياة كما تصرح جولي دون خجل" (ص 133). وحين تصاب أخت جولي بانهيار عصبي، يتبين لنا أن السبب هو اكتشافها وجود علاقة آثمة بين زوجها وأختها. تبرر جولي لطبيبتها النفسية الأمر، فتقول لها: "أتعرفين، أعتقد أنني قدمت خدمة لأختي، إذ إن علاقتي التي تسمونها آثمة مع زوجها، جعلته أكثر لطفاً ورقة معها، هو ذاته اعترف لي أنه بعد لقاءاتنا يعود أكثر حيوية وتفهماً مع زوجته وأولاده" ( 136)
تعكف د. هنادي على إعداد مُداخلة بهدف إلقائها في مؤتمر عن ظاهرة العنوسة، لكنها تتلقى قبل انعقاد المؤتمر بيومين ظرفاً مختوماً بدون اسم، به رسالةٌ تشير إحدى سطورها إلى احتمال أن صاحبتها "يمكن أن تكون واحدة من عوانس أطروحتك" (ص 160). استولت على اهتمامها الرسالة التي تروي للطبيبة النفسية تفاصيل علاقةٍ نشأت على مهل بين امرأتين في منتصف العمر، حتى صارت اشتهاءً، فالتحاماً بين جسدين ورغبتين. وقبيل نهاية الرسالة الطويلة تقول المُرسلة المفترضة: "صديقتي التي صارت حبيبتي أو عشيقتي، إنها أروع من رجل لم يأتِ ولن يأتي...لمساتها ومداعباتها تشعرني بنشوةٍ لم أتخيلها يوماً" (ص 160)
تهز الرسالة د. هنادي من الأعماق، فإذا بها تعيد ترتيب أفكارها
"ومن دون ذرة ندم، أخرجت الأوراق الأنيقة من درجها، وبنظرةٍ سريعة خاطفة رمقت مُداخلتها ومزقتها نتفاً، وتهاوت على الأريكة، وصوت واهن أخذ يعلو ويعلو مدوياً بعبارةٍ مزلزلة، جرائم صامتة مباركة" (ص 160)
أحياناً، لا يقل ذنبُ الضحية عن جُرم الجلاد

تابع القراءة

gravatar

كتاب الرغبة (21): جنون الاكتشاف





هذه روايةٌ عن الرجال الحاضرين ليغيبوا، والنساء اللاتي ألقمن الماضي طفولتهن ووهبن الرجالَ رحيقهن
إنها روايةٌ عن النساء، رحم الدنيا، اللاتي يتقن اختلاس الذكريات من خزائن الأمس، والرجال الذين ضمرت لديهم القدرة على الحب، حتى مع النساء اللاتي من سوء حظهن أغرمن بهم
وعندما نحبُ، فإنه لا توجد حرية حقاً إلا حرية الموت
وربما تكون الرواية عن امرأة لم تلعن يوم ولادتها، لكنها في المقابل غمرت باقي الأيام باللعنات



"امرأة ليس إلا" للروائية المغربية باهية الطرابلسي والتي ترجمتها الزهرة رميج (المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2005) رواية عن المرأة التي تصارع مجتمعها وثقافتها وتعيش ممزقة بين أفكارها وحياتها. وعلى امتداد صفحات الرواية البالغة 183 صفحة، نعيش مع بطلة الرواية ليلى، التي تتطلع دوماً إلى التمرد، حتى وإن قرأت في مرآة حياتها جملة ساخرة وجادة تصفعها قائلة:
"ما أنت سوى امرأة عادية" (ص 5)
نبحر في الرواية مع الفتاة الممتلئة الحجم والروح، التي فقدت أمها بعد أيام من ولادتها، ليتزوج والدها الثلاثيني من مرية، اليتيمة ابنة الستة عشر ربيعاً، تقول عن نفسها: "كان التمرد يسكنني. كنت أتمرد على كل شيء" (ص 32)
يسيطر عليها شعور بالوحدة، برغم الأسرة، ووسط الزملاء، على وجه الخصوص. إنه شعور المقدر له أن يكون وحيداً إلى الأبد
وفي الوحدة، تنبت لشجرة العزلة ثمرة مُرة اسمها: الشك
"كانت حفلة ليلة رأس السنة في أوجها، يتزاحم الكبار والصغار في حلبة الرقص. رأيت أحد أصدقاء أبي يضم ماما بقوة إلى صدره لدرجة أنهما يبدوان جسداً واحداً برأسين. كان يهمس في أذنها شيئاً ما وهي تضحك. انطلقت نظراتي، دون شعور، تبحث عن أبي. كنت قد سمعت ذات مرة حواراً بين ماما وإحدى صديقاتها، حول امرأة شابة ضبطها زوجها مع رجل آخر" (ص 15)
وبالرغم من نزوعها إلى الوحدة، فإن الفتاة التي كانت مستسلمة للخجل كان بها نزوعٌ شديد الحيوية إلى الحياة والمتعة، فالمتعة تلصقنا بالحاضر، مع أنها قد تحول بيننا وبين المستقبل


أولى علامات النزق ظهرت على الفتاة التي تتمايل في زيها المدرسي البرىء
"كنت في الرابعة عشرة عندما اكتشفت لأول مرة، نظرة رجل تقع عليّ. حتى ذلك الوقت، كانت نظرة الرجل تتلخص في نظرة أبي وأخي. أصبحت أنظر للحياة من زاوية جديدة. اكتشفت لعبة الإغراء. كانت كل الانكسارات التي راكمتها مصدراً للذة والسلطة" (ص 27)
وكان هذا الرجل "يأتي كل يوم إلى الثانوية لاصطحاب أبنائه، ينظر إليّ نظرات غريبة. نظرات تجردني من ملابسي فأشعر بالخفة ولذة الإغراء. كان في سن والدي. أثارتني فكرة إعجابه بي فأحسست أني أخرق كل القوانين التي لقنوها لي" (ص 27)
اقترب منها الرجل في الوقت الذي اعتقدت فيه أنه لن يتجرأ على ذلك. دعاها إلى قضاء ما بعد ظهر اليوم التالي معه
"الرجل الذي سألتقي به سيحررني" (ص 28)
هكذا تصورت الفتاة التي كانت تتألم لشعورها بأنها غير محبوبة من طرف أبيها الذي جفت ينابيع حنانه بعد وفاة زوجته الأولى
في الموعد المحدد، بدأت مغامرة غير مكتملة لاكتشاف الجسد. كانت الوحيدة التي تعلم أن قدرها في الحياة هو التأرجح، والاقتراب من السقوط، الذي يوماً ما سيحدث لا محالة
"عندما وصلت، كان في انتظاري. أخذني إلى شقة غير بعيدة في الثانوية عن الثانوية في عمارة قديمة ومتسخة وهو يحرك رأسه يمنة ويساراً مخافة أن يراه أحدٌ معي. عش الحب الذي اختاره كان عبارة عن غرفة ضيقة من غرف الطلبة تعمها الفوضى وتفوح منها رائحة الرطوبة. فوق الفراش غير المرتب، توجد قيثارة. عزف قطعة موسيقية، ثم أخذني بين ذراعيه. ضمني إليه بقوة وقبلني. كانت تلك أول قبلة لي. وجدتها مقززة شيئاً ما. انزلقت يده فوق ظهري لتلامس كل جسدي بحركاتٍ متهيجة ومضطربة. بدا لي تردده واضطرابه كعلامة على ضعفه. كان تحت رحمتي. وجهه يوحي بأنه على حافة الانهيار. كنت أراقب انفعالاته. بقدر ما أبدو أقل تأثراً، بقدر ما كان يحرص أكثر على التأثير عليّ. أحسست أن قوتي تكمن في عدم قدرته على زلزلتي. لقد أزعجه برودي" (ص 28- 29)


لم تسعفه شهوته المتمرّغة في وحل اللهاث بين نهدين صاخبين وجدائل مبعثرة
كان الرجل عابراً في كلام عابر.. تبخر في هواء الغرفة، لأنه لم يترك بصمة على الروح أو لمسة لا تنسى على الجسد المرتعش


كم نجري على منحدر ونحن راغبون في أن نتعلق بالأشجار، فإذا بنا نخلعها ونحملها معنا في سقطتنا


"لا تخافي. لن أؤذيك". قال
هذا الرجل الحريص على إغرائي لم يكن يخيفني. لم أكن أرغب فيه، وإنما أريد استخدامه فقط. غير أن طريقته في التقرب مني أزعجتني. التصقت به، فـأحسست بعضوه ينتصب. داعبني طويلاً وهو ينزع ملابسي، ثم أزال ملابسه بسرعة كما لو أنه خشي أن أتراجع وأغير رأيي. اجتاحتني رغبة في طمأنته غير أني لم أفعل. أمسكت عضوه في يدي، تدفعني رغبة في معرفة شكله. تمدد فوقي. انتظرت متصلبة، لكن شيئاً لم يحدث. العضو الذي أمسكت به قبل قليل تغير تماماً. انكمش على نفسه ذابلاً. أحسست بالراحة والدهشة في نفس الوقت. لم أتمالك نفسي من الضحك. فقال لي: "هذه أشياء تحدث. سنحاول مرة أخرى". لكني أوقفته عند حده، عازمة على عدم المحاولة" (ص 30)


إن محاولة ممارسة الحب مع شخصٍ غير بارعٍ مثلك تشبه التوغل في مياهٍ عميقة مع شخصٍ لا يجيد السباحة أيضاً


"أما تلك الفتاة الجريئة التي كنتُها مع رجل الثانوية، فقد تلاشت تماماً وحل محل جرأتها خجلٌ مرضي. ومع ذلك، فقد أردتُ أن أكون أكثر جرأة. لذا كنت أهيىء نفسي للقيام بأفعال جسورة. غير أني في آخر لحظة أفقد كل أسلحتي" (ص 37)

بدا الأمر كأنه اشتعال فتاةٍ مؤجلة الحواس، تنتظر من يطبق على شفتيها الحارستين كي يسترد وديعته: الماء


"علمتني ماما أن المرأة ما إن تمنح الرجل نفسها حتى يتخلى عنها. لكن إحساسي يقول لي عكس ذلك. ماما كانت تحذرني من كل الإغراءات. كان مسموحاً لي أن أربط علاقات مع الشبان، لكن العلاقات الجنسية ممنوعاً منعاً تاماً. عليّ أن أحتفظ ببكارتي لزوجي. غير أني لم أكن أولي هذه البكارة أية أهمية ضداً على كل المبادىء التي تلقيتها. لم تكن البكارة تعني لي سوى حاجز يجب اختراقه لدخول عالم الكبار" (ص 29)
بذرة التمرد تنمو، وتخلق أسباب الحنق على الآخرين
"أما أخي، فرغم كونه أصغر مني، إلا أنه كان حراً في التصرف في وقته كما يشاء. كان يعامل معاملة الكبار. بل الأكثر من ذلك، أن له الحق في إحضار صديقاته إلى المنزل، والاختلاء بهن دون أن يثير ذلك حفيظة أحد. كنت أتجسس عليهم والغيرة تحرقني. فأحقد على العالم كله بسبب هذا الظلم" (ص 31)


تتلقى الفتاة دروساً إضافية في الحب في "الأمسيات النسائية" التي كانت تنظمها الخالة زكية لنساء مجتمع الدار البيضاء
"شرحت لنا الخالة زكية، متواطئة، كيف يمكن للمرأة أن توقع الرجل في حبها وأن تحتفظ به وتجعله دائم التعلق بها. اقترحت على ماما أن تجرب مع أبي فشجعتها بدافع حب الاستطلاع فقط، لأني أعلم علم اليقين أن هذا الأمر لم يعد يعني شيئاً لماما ومنذ زمن طويل. حسب الخالة زكية، يكفي أن تحرق المرأة قطعة ثوب تكون قد ملأتها بمني الرجل أثناء العملية الجنسية، مع بعض الأعشاب في مجمر" (ص 49)
تلعب الخالة زكية دور المحرض، إذ تشجع زوجة الأب على التمرد واكتشاف عالمها الشخصي، والاستقلال المادي عبر إقامة متجر للملابس. وربما لهذا كان الأب حانقاً على وجودها في حياة زوجته مرية

أحبت ليلى ابن الجيران، فاضل، الذي يكبرها بست سنوات، لكنها لم تستطع أن تخرج من سنوات حبها الصامت. ذهب فاضل إلى الدراسة في فرنسا، وكان كلما عاد في إجازات قصيرة أجج مشاعرها أكثر من ذي قبل
"كنتُ موزعة ما بين الرغبة في الاحتماء برفاهيته وبين جنون اكتشاف نفسي بنفسي"
(ص 36)، و"استطاع فاضل أن يهز أعماقي ويجردني من ثقتي بنفسي، وأن يسحرني بأفكاره. كان جذاباً وأبوياً في نفس الآن، الشيء الذي أربكني وحيرني" (ص 36)

كانت في حضوره مثل العسل الخليع، الذي يقطر شهوة

"رغبتي القوية فيه كانت تحول دون استمتاعي بتلك اللحظات السعيدة؛ إذ أتلاشى وأفقد توازني بمجرد ما أحس بنظراته تقع علي. تحرقني حرارة يده وهو يمسك بيدي" (ص 36)
يدها تقسم في الضوء أنه سيكون لها يوماً ما
"لقد بلغ حلمي بالزواج من فاضل إلى درجة إحساسي أن حياتي لم يعد لها أي معنى، وأني لن أجد أبداً رجلاً بمثل هذا الكمال وهذا التميز عن الرجال الذين أعرفهم" (ص 56)
ربما لهذا غامرت ودست الأقراص المنومة في الشاي الذي قدمته ذات مساء، حتى ينام زوجها وامرأته وشقيقها رشيد، ويخلو لها الجو مع فاضل، لعله تقترب منه أكثر
غير أنها تصاب بصدمة حين تعلم أنه ارتبط بفتاة أخرى تدعى نبيلة، تعيش مع أمها في مراكش. وعندما تلتقيها ليلى تنهشها نار الغيرة
"صعقني جمالها. شابة طويلة القامة، رشيقة. خصرها نحيف لدرجة يبدو معها من الممكن إحاطته باليدين فقط. تبدو وديعة، هشة، وكأنها دمية من الخزف. شعرها الكستنائي اللون قصير جداً يكشف كل وجهها. ملامحها دقيقة. شفتاها ممتلئتان وشهوانيتان. عيناها عسليتان وناعستان. لا تشبهني في شيء" (ص 74)
بدا هذا كافياً كي تستسلم، وتسلم بخسارتها هذه الجولة
"كان عليّ أن أعترف أنها فتاة محبوبة" (ص 74)

يأتي الخلاص بالسفر
تقرر ليلى استكمال دراستها الجامعية في غرونوبل الفرنسية، حيث تصادق شيماء، ويجذب انتباهها عمر الذي كان على علاقة بامرأة تدعى إيسيتيل. تنجذب ليلى إلى عمر فيطلب لقاءها في اليوم التالي، حيث يدور بينهما حوار كأنه صفقة تجارية:
"- في الحقيقة لا أعرف ماذا أفعل هنا؟
- لأنك بكل بساطة راغبة في ذلك، فلا تعقدي الأمور. أقترح عليك أن نعاشر بعضنا فترة من الزمن نقرر بعدها ما إذا كنا نريد لعلاقتنا أن تصبح أكثر جدية
- وإيستيل؟
- لقد حذرتها منذ البداية بأني لا أعدها بشيء. لا بالوفاء ولا بمشاريع مستقبلية مشتركة. أنا لا أؤمن بالزواج المختلط وأنوي العودة إلى المغرب بعد إنهاء دراستي
- وأنا أيضاً لا تعدني بشيء؟
- أنت مختلفة. لكن يجب أولاً أن نقيم علاقة لنرى ما إذا كنا سنتفاهم. لا يمكننا، لا أنت ولا أنا، أن نعطي ضمانات حول المستقبل. سيكون ذلك مجرد خداع متبادل
- هل كنت ستخاطبني بنفس هذه الطريقة لو كنا في المغرب؟
- لسنا فيه. وعلينا أن نستغل هذه النعمة" (ص 86-87)

يوقف عمر سيارته أمام نزل صغير منعزل ويعرض على ليلى حجز غرفة فيه، فتوافق، لتبدأ مغامرة اكتشاف الجسد
والرغبة توقظ سوسنة في زوايا غرفةٍ ذاهبة إلى سماء بعيدة


"جو الغرفة الحميمي أجج رغبتي الجامحة. مر كل شيء بسرعة مفرطة. قبلات عمر بطعم الخمرة الحلوة الممزوجة بالتبغ، لا كقبلات رجل الثانوية التي لا مذاق لها. التحم جسدانا العاريان بعنف. حواسي كلها متيقظة. شهوتي عارمة. انتابني إحساس حاد بجسدي. اخترق جسدي دفعة واحدة بطريقةٍ شبه وحشية، ففوجىء بحاجز يتعرض سبيله. سرى بجسدي ألم ممزوج باللذة. كان، بادىء الأمر، يتحرك داخلي بصعوبة ثم بسهولة أكثر فأكثر. نظر عمر إليّ. عيناه ساهمتان، وجهه منكمش ومتمركز حول إحساسه باللذة. انبطح فوقي. كنا معاً نتصبب عرقاً. ثم جلس على الفراش وأشعل سيجارة سحبتُ منها نفساً طويلاً. أحسست أنه راح بتفكيره بعيداً عني" (ص 89)


ها هو يروض نمور رغبتها، وها هي تلح على أنيابه كي تنغرس في لحمها
استطالاتٌ دافئة داخل كهوفها العميقة، تولد لذة أبدية، وهي تتخبط تحته مثل سمكة فقدت بحرها
وما بين غبطة الولوج ونعمة الولوج، تتوالد الأسئلة الخارجة من باب الدهشة


"- لماذا لم تخبريني بأنك لازلت عذراء؟ قال بلهجة المعاتب
- وهل البكارة شيء مهم يجب أن نعلقه على جباهنا؟ هل هي ذات أهمية كبيرة؟
- بكل تأكيد. أتمنى أن لا تكون طريقتي جد عنيفة" (ص 89)
بعد قضاء الليل في النزل الصغير، عادت ليلى إلى مسكنها في غرونوبل، لتبدأ في تفحص وجوه الآخرين متسائلة: "من منهم قضى الليل في ممارسة الجنس مثلنا؟ وما هي أحاسيسهم الآن؟" (ص 90)
ثم يحين وقت تفحص الذات
"عندما كنتُ أستحم تفحصت جسدي بحثاً عن شيء غير عادي، فما وجدت سوى ذلك الجرح الخفيف الذي نزف بداخلي وتركني مفتوحة إلى الأبد وقابلة للانكسار. سرت قشعريرة بجسدي عندما تذكرت مداعبات عمر ولمساته المثيرة. يا إلهي! تجتاحني رغبة عنيفة في رؤيته" (ص 90)
إنه الاجتياح الذي نستسلم له في سعادة غامرة
يغمرها اشتياق إلى سعير يدفئ سماءها، وتحن إلى نيازكه كي تنطفئ في أرضها
"كل ما سمعته من قبل عن العلاقة الجنسية تلاشى ليحل محله عالم جديد مسكون بالرغبات واللمسات والعنف الممزوج باللذة. أحسست بالرغبة في إعادة الكرة مرات ومرات" (ص 90)
جعلت منه شمساً بلورية وحاجة قصوى في مدينة لا تعرف إلا الصقيع

ولأنها تفتقد في ركن منزو من ذكرياتها حبها لفاضل، فإنها تفكر فيه وهو يمارس الحب مع زوجته، ويمتد شريط التخيل أمامها. "كل الذين أعرفهم مروا أمام ناظريّ وهم يمارسون الجنس. ماما وأبي. الخالة زكية وزوجها. والآخرون. أثارني هذا الجانب المتلصص الذي اكتشفته فيّ" (ص 91)
تنقاد ليلى وراء رغباتها، وتحاول استرضاء عمر "وجدتني مستسلمة له ككلبة" (ص 91) و"أصبحت خاضعة لرغباته وتحت أمره متى شاء" (ص 92)، ويسيطر عليها "هاجس الخوف من أن يتخلى الرجل عني بعدما يكون قد أخذ أغلى ما أملك ألا وهو بكارتي" (ص 92)
ربما كان السبب في تلك المخاوف هو تجارب ليلى نفسها. "كل الرجال الذين عرفتهم حتى الآن، توجد في حياتهم نساء أكثر أهمية مني. وعمر لا يشكل استثناء لهذه القاعدة. كنتُ أريد أن أربح الرهان وأن أنتصر ولو مرة واحدة في حياتي، حتى لو خرجت محطمةً من هذا الانتصار" (ص 95)
ومن أجل إسعاده، تسعى إلى استئجار شقة يزورها فيها عمر حين لا يكون مع إيستيل، ثم تبيع مجوهراتها لتسدد ديونه، وقبل ذلك "لم أعد أطالبه بأي شيء، ولا حتى بإخبار إيستيل بعلاقتنا. اعتقدت أن طلباتي كلما قلت، ازداد حبه لي" (ص 96)

لم تدرك الفتاة أن الرجل الذي في حياتها، يغذيها ويتغذى عليها


وأثناء قضائها عطلة الصيف في الدار البيضاء، تعترف ليلى لزوجة أبيها بتفاصيل علاقتها المعقدة مع عمر، التي يرسل لها بدوره رسالة يبثها فيها أشواقه قائلاً: "أتخيل انجذابك الشهواني الخالص نحوي واكتشافك الباهر للجنس، فأشعر بالسعادة لكوني الفاتح الأول" (ص 101)
وفي لحظة مصارحة، تكتشف ليلى، ونكتشف معها، معاناة زوجة الأب، إذ تقول لها أثناء حوار دائر بينهما
"- من الصعب تحقيق التوافق الجنسي في العلاقة الزوجية. أنا شخصياً لم أعرف معنى ذلك أبداً. لا نتواصل أنا ووالدك. الحديث عن الجنس بالنسبة إليه ممنوع. كم كنت أتمنى لو نتحدث فيه بكل حرية
- هل تقصدين أنك لم تعرفي، قط، معنى اللذة الجنسية؟
- ربما ليس من اللائق أن أحدثك عن هذا، ولكنك الآن أصبحت امرأة ويمكنك أن تفهمي. لست وحدي من تعاني من هذه الوضعية. معظم رجالنا لا يفكرون جدياً في رغباتنا نحن، بل يفضلون عدم اكتشافها، معتبرين ذلك أمراً فاحشاً. وحدهن العاهرات - في رأيهم- يعبرن عن الرغبة في ممارس الجنس" (ص 104)


اعترافات زوجة الأب عن علاقتها الجنسية أصاب ليلى بالاضطراب.. فما أصعب العيش مع كائن لا يحمل لك إلا النفور، يحرث في حقولك البكر بميكانيكية كآلة جز الحشائش
كأنه بيتٌ من طابقين: رجلٌ شاردٌ في الطابق العلوي، وامرأةٌ ضائعة في الطابق السُّفلييا لقلبكَ أيها السقف، كيف تتحمَّل أن تكون بكل هذه القسوة؟


"لم أكن أرغب في معرفة ذلك. تخيلتها تتخذ عشيقاً لها، غير أني لم أنزعج كثيراً لهذه الفكرة. لقد تغيرت ماما. أصبحت تتقبل بعض الأشياء التي كانت تعتبرها، حتى وقت قريب من الفضائح. لقد فاجأني رد فعلها المتسامح تجاه علاقتي بعمر. لاشك أن الخالة زكية لعبت دوراً مهماً في هذا التحول. أصبحت أكثر مرونة وأكثر تقبلاً للأفكار الجديدة مما جعلها تبدو أكثر أهمية. تمنيت من أعماق قلبي أن تجد ذات يوم السعادة ولو على حساب أبي" (ص 105)
لم تكن ليلى تدري أن أمنيتها ستتحقق يوماً ما، على حسابها هي أيضاً
ففي أعقاب عودتها إلى غرونوبل لاستئناف دراستها، اخذت ليلى تدرك أن ابتعادها عن عمر مسألة وقت ليس إلا. وذات يوم تعرفت على الفرنسي الأشقر آلان، الأستاذ المساعد في الجامعة، الذي بدا لها مختلفاً عن باقي الرجال الذين عرفتهم في حياتها. "كان رقيقاً، صبوراً ومختلفاً عن أولئك الذين عرفتهم من قبل. لم أختلط، حتى الآن، إلا برجالٍ يفرضون بسرعة علاقاتٍ قوية لصالحهم، كما لو أنهم يريدون إثبات سيطرتهم منذ البداية. أما آلان، فقد كان ينصت إلى الطرف الآخر ويحترم رغباته، الشيء الذي أضفى على علاقتنا طابع الطهارة والبراءة" (ص 114)

وبتلقائية شديدة، يصطادان معاً تلك الرعشة الغامضة


"كنا جالسَين على الكنبة نحتسي القهوة، فضمني إلى صدره. مارسنا الجنس بحنان ودون عنف الرغبة" (ص 115)
يداه تعملان في حقلها، وتقودان جسدها إلى النهر. يصقلها بيديه، بدفء لسانه، بعشق يلألئ ألوانها وأيامها
ها هي ليلى وقد أصبح في حياتها رجلان
وعندما أهداها آلان ذات يوم فرشاة أسنان ومفتاح بيته، قررت مفاتحة عمر في أمر قطع العلاقة بينهما؛ لأنها وجدت في الفرنسي حباً أعمق، فيغضب عمر بشدة ويصفعها ويصفها بالفاجرة، مع أنه يمارس الشيء نفسه. هل هي ازدواجية الرجل الشرقي؟
توجد جلودٌ سميكة لا يكون احتقارها انتقاماً
على أننا هنا نشير إلى أن الرواية تبدو مكتوبة للقارىء الغربي بالدرجة الأولى، وهو ما يمكن التقاطه من شرح الروائية لتفاصيل كثيرة تتعلق بالمرأة الشرقية ووضعها وحدود علاقاتها الجسدية خارج مؤسسة الزواج، والنظر إلى الصلاة والحجاب وأداء فريضة الحج كإحدى علامات التطرف
زلزالٌ جديد ضرب أرض ليلى حين علمت أن حبها الأول، فاضل، طلق زوجته وقرر الاستقرار في الدار البيضاء. فقد كانت تدرك في قرارة نفسها أن علاقتها مع آلان لن تؤدي بهما إلى الزواج. وأثناء عطلتها الصيفية، عادت ليلى إلى منزل العائلة، حيث التقت فاضل بعد عشرين يوماً. وفي لقائهما الأول، لاحظت ليلى أن فاضل وزوجة أبيهما متقاربان حتى إن عمر نادى الأخيرة (مرية) بالاسم مجرداً من أي رسميات. بدت علاقتهما حميمة بالنسبة للفتاة العائدة، لكن زوجة الأب بددت شكوكها وقالت لها ببساطة: "فاضل بمثابة ابني" (ص 127)
غير أن ليلى أخذت شكوكها تكبر كلما زار فاضل منزل عائلتها. "لم يكن يرى سوى ماما. أما أنا، فيكاد لا يعيرني أي اهتمام" (ص 127). "أحسست بماما وكأنها تخونني. كانت الطفلة بداخلي هي من يتألم. هي التي لم تعد تشعر بالأمان" (ص 128) و"أن تسرق مني فاضل معناه أنها تسرق طفولتي أيضاً" (ص 128)
والدها الذي أصبح غارقاً في بحيرة ذاته، ومتباعداً عن عائلته، كان يلوم الخالة زكية التي تجرف زوجته بعيداً. لم تجرؤ ليلى على أن تسأله عما إذا كان يعتقد أن زوجته تخونه، فقد تهيبت إجابتهن غير أنها وجدت مشاعرها تتغير. "أتألم لأبي وللهوة العميقة التي انحفرت بيني وبين ماما. اكتشفت أني قد أكرهها كغريمة لي. هذا الإحساس جعلني أشعر بالذنب. كنت أتمزق موزعة بين عواطف الطفلة الصغيرة التي تحب أمها وعواطف المرأة المحبة للرجل الذي يعشقها" (ص 131)
وفي ظل هذه الحالة المرتبكة، أقامت ليلى في فرنسا ثلاث سنواتٍ متتابعة، دون أن تعود غلى المغرب. أصبحت علاقتها مع آلان أقرب إلى الصداقة منها إلى العشق، وعرفت رجالاً عابرين، لكنها نأت بنفسها عن المغاربة بعد أن أفقدتها علاقتها مع عمر الثقة فيهم
صارت أرضاً حين تلمسها، تشم رائحة الجماع
بعد أن أنهت دراستها الجامعية، عادت ليلى إلى الدار البيضاء، وسرعان ما التقت فاضل، ليتجدد غرامها به. أصبح فاضل مداوماً على زيارة العائلة، ولاحظت ليلى أنه لم يعد ينادي زوجة أبيها باسمها المجرد وإنما بـ "السيدة". قالت لها زوجة الأب إن فاضل يزورهم يومياً لأنه معجب بها. "أردت أن اصدقها. فليس من المعقول أن تزج بعشيقها بين أحضان ربيبتها، فقط من أجل خداع الآخرين؛ إذ هناك وسائل أخرى للتخفي" (ص 143). وعندما دعاها فاضل لتناول العشاء معه في أحد المطاعم وافقت بغير حماس. أعقب هذا اللقاء لقاءات أخرى، قبل أن يدعوها إلى شقته، فذهبت بكل اطمئنان. "كان التحام جسدينا وديعاً بقدر ما كان عنيفاً. تذوقت كل ذرة في جسده. ألغيت تفكيري. أردت فقط أن أشم رائحته وأنتشي بكل الأحاسيس التي تولدت وأنا بين أحضانه. حكيت له عن كل شيء: رجل الثانوية، هو، عمر، آلان والآخرون" (ص 145)
العاشقة تقصَّفُ عمرها، وتهمس لمن تحب بمصانعِ ذخيرتها، حتى تتحوَّل إلى انفجارٍ دائم
والمرأة تضع جنينها فوق صخرة، حتى يبتلعه الوقت
غير أن فاضل أعادها بسرعة إلى أرض الواقع، طالباً منها الاستعداد للعودة حتى لا يقلق عليها والدها. تصارح ليلى زوجة أبيها بتطورات العلاقة بينها وبين فاضل. وبعد فترة، يتفقان على الزواج في الصيف المقبل، وبالفعل يقام حفل الخطوبة في منزل ليلى
في هذه الأثناء، تترك ليلى عملها في إحدى الشركات، بسبب محاولة المدير الوصول إليها، ثم تستقيل من العمل في الوزارة بعد أن وجدت الوزير ينتظر منها الموافقة على أن تكون عشيقة له
وذات يوم، كانت ليلى على موعد مع القدر
أرادت أن تفاجىء فاضل بتحضير مفاجأة له بمناسبة عيد ميلاده، وكان ذلك قبل موعد زواجهما بشهرين. وهكذا تمكنت من الحصول على نسخة من مفتاح شقة فاضل، دون علمه، ودخلت الشقة محملة بعدد من العلب والحاجيات. وجدت في الصالون مزهريات مليئة بالورود، وعلبة صغيرة بداخلها سوارٌ من الذهب منبت بالأحجار الكريمة، نقشت عليه بأحرف دقيقة جملة "إلى حبي الوحيد". اضطربت ليلى لمجرد التفكير في أن فاضل كان يعتزم إهداءها هذه الهدية يوم عيد ميلاده
إلا أن صوت الباب وهو يفتح دفعها إلى الاختباء وراء المكتبة، لتفاجأ بدخول فاضل مع زوجة أبيها، ليدور بينهما حوارٌ حميم لا يخلو من عتاب، يبدأ بالأشواق والحذر: "- أشتاق إليك باستمرار. لم أعد أحتمل. منذ شهور كثيرة لم نلتق وحدنا. قال فاضل
- يجب أن نكون حريصين. فمصطفى يشك فينا دائماً. وليلى خطيبتك وقد تأتي عندك في أية لحظة تشاء
- أنتِ التي أردت هذه المسخرة. لقد طلبتُ منك عدة مرات، ترك زوجك والذهاب معي. لو فعلت، لكان الأمر أكثر بساطة " (ص 152)
حوارٌ كابوسي، عصفت بتفاصيله حمى الأوهام وأبالسة التخيل
ويصل الحوار إلى النقطة المركزية: ليلى
"- ليلى هي المرأة الوحيدة التي أتحمل وجودها إلى جانبك، لأنها تشكل جزءاً مني. صحيح أني لا أمتلك الشجاعة لترك زوجي ولكني من جهة أخرى لا أستطيع الاستغناء عنك. أتعذب لمجرد التفكير في زواجك من امرأة أخرى. مع ليلى الأمر مختلف. يبدو لي أني أتقبله بشكل أفضل" (ص 153)


في عين الإعصار، يكون الدمار أكبر من الأمل في النجاة
هكذا يهوي الفِراقُ، كشرفة سقَطت بكل زهورِها

"أحسستُ بركبتيّ تخوناني، وبالطنين يضج في رأسي، وبصرخة ألم تصعد ببطء من أعماقي. تتوقف قليلاً في مكان ما من جسدي قبل أن تنفلت من فمي مختنقة بمسارها الطويل" (ص 153)، و"لقد أمضيت وقتي ألعب لعبة الغميضة مع الحقيقة. كل شيء كان خادعاً" (ص 153-154)
في خضم اضطرابها ورغبتها في مغادرة المكان، نسيت ليلى حقيبة يدها ومفاتيح سيارتها، وعادت إلى البيت سيراً على الأقدام
والشوارع الخائنة لا تحنو على الخيبات
انهار عالمها أمام ناظريها في ثوان، فقررت ترك منزل العائلة، وفسخ خطوبتها من فاضل، دون أن تكشف للأب سر موقفها، إلى أن تعرف من الأب لاحقاً أنه كان يشك في العلاقة بين زوجته وفاضل، فتعترف له بأنها رأتهما معاً يوم عيد ميلاد فاضل

ليت الذاكرة كالمعدة لنتقيأ ما فيها في مرحاض طائرة

الغريب أن الأب يواصل العيش أو التعايش مع زوجته تحت سقف واحد، ويحافظان على حياتهما العادية في أعين الناس والعائلة، في حين اختفى فاضل نهائياً
يقرر الأب الزواج من رفيقة ابنته في السكن، وهي الفتاة المحجبة عائشة قائلاً لليلى: "أريد أن أقضي شيخوخة هادئة إلى جانب امرأة تحبني وتعتني بي" (ص 165). تطلب زوجة الأب الطلاق وتذهب للعيش في شقة اشتراها لها والد ليلى. أما الأخيرة، فقد وجدت في رجل مطلق، كمال، شريكاً لحياتها، تشاركه هو وابنته الصغيرة، سناء، بناء أسرة جديدة. تنجب هذه الأسرة طفلاً يطلق عليه اسم زهير، لكنها تصطدم برغبة كمال في أن تمارس دورها كأم، في حين كانت ليلى مصممة على الخروج للعمل
إنها لعنة التمرد والبحث عن الحرية التي تطاردها أينما كانت
تنتهي الرواية بمصالحة بين ليلى وزوجة أبيها السابقة، أقرب إلى الغفران
عبر سواد الليل، قد ننظر خلفنا إلى الأزمات والصدمات، ثم نلقي بأنفسنا بين أحضان أحبتنا المخطئين، لكي نجد فيها العفو الذي يليق بنا
لكن صراع ليلى يظل مستمراً، وتبدو رأسها - حتى خط النهاية- كفضاء تتصادم فيه الشخصيات والأحداث، والماضي والحاضر
ثمة نمرٌ يتعقبنا اسمه الندم، نرمي له قلبنا كي يوقف العدو باتجاهنا
القصة انتهت
غير أن رغباتنا تواصل البقاء
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator