المحروسة

تدوينات من الأرشيف

gravatar

خالد بن الوليد في الملعب



خلط الأوراق، خطيئة يدمن البعض الوقوع فيها
وفي مصر أثيرت قضية الالتزام الديني والأخلاقي كمعيار لاختيار لاعبي منتخب كرة القدم.
كانت البداية مع تصريحات "المعلم"!
فقد قال المدير الفني لمنتخب مصر حسن شحاتة في تصريحات صحفية إن علاقة اللاعب بربه أساس الاختيار، لتربط بعض وسائل الإعلام - ومنها وكالة أسوشيتدبرس-  بين هذه التصريحات واستبعاد المهاجم أحمد حسام "ميدو" من حسابات الجهاز الفني للمنتخب المصري.
وإذا كان حسن شحاتة لا يقصد أية نواح دينية بالمعنى المفهوم، وإنما يقصد توابع التدين فيما يتعلق بالسلوك والالتزام الأخلاقي[1] ونمط الحياة الذي اعتاده أي لاعب، فإن البعض احتج على هذه التصريحات، باعتبار أن الدين لله.. والملعب للأكفاء!
وظهرت تعليقات احتجاجية على تصريحات الرجل، التي وجد نقاد ومحللون أنها نوع من الخلط بين الدين وكرة القدم، وقال أحدهم إن شحاتة يوجه للشباب "رسالة خاطئة وخطيرة تفيد أن إمكانهم الأستغناء ببعض الطقوس الدينية الشكلية عن المقومات الحقيقية التي ينبغي أن يتحلوا بها في حياتهم العملية"، محذرًا من أن المدير الفني للمنتخب المصري‏ "ربما لا يقدر حجم الأذى الذي يمكن أن يترتب على خلط الرياضة بالدين، والاستهانة بالمعايير الفنية والموضوعية في لحظة يتوقف فيها مستقبل أمتنا على استيفاء هذه المعايير في كل مجال"[2].
وهناك من رأى أنه "كان بمقدور شحاتة أن يقول المعنى دون "التنشين" مباشرة على الدين.. وكان يكفيه أن يتحدث عن الانضباط وهي كلمة تخص السلوك بشكل عام.. لكن في النهاية نحن متأكدون أن شحاتة لم يقصد المعنى الذي يحب الغرب أن يقصده ويفهمه"[3].
تكرر الأمر في أكثر من مناسبة، ففي أعقاب فوز منتخب مصر على نظيره النيجيري 3-1 في نهائيات كأس الأمم الإفريقية في أنغولا 2010، أبدى حسن شحاتة سعادته بنجاح التوليفة الجديدة من اللاعبين في تحقيق الفوز، وقال عن مهاجمه المتألق محمد ناجي "جدو" إن "الأيام أثبتت صحة موقفي عندما اخترت "جدو" بعد متابعة سلوكياته". وأوضح شحاتة أن "السلوك القويم" أساس اختيار لاعبي المنتخب، وقال: "بدون ذلك لن نضم أي لاعب مهما كانت إمكاناته، فأنا أسعى دائمـًا لأن يكون اللاعبون الذين يرتدون فانلة مصر على علاقة طيبة بربهم".

وضرب المعلم مثلا بمحمد زيدان، مهاجم مصر المحترف في فريق بروسيا دورتموند الألماني، وقال: "محمد زيدان لم يكن يصلي، ولم يكن يعجبني ابتعاده وانزواؤه عنا، فاجتمعت به قبل مباراة البرازيل في كأس القارات، وأقنعته بالصلاة وأهميتها، ومنذ هذا اليوم وهو يواظب على الصلاة".
واستفاض شحاتة في شرح موقفه، فقال أيضـًا: "كذلك الأمر مع عمرو زكي الذي أقنعته بالصلاة، وأنا بهذا لا أدعي المثالية، ولكن الجيل الحالي يضم مجموعة من اللاعبين المحترمين، ولم يكن من الممكن أن أقحم عليهم لاعبين لا يؤدون الصلاة"[4].
نشير هنا إلى أن زيدان الذي تألق في عدد من المباريات الدولية المهمة لمنتخب مصر، أصبح أبـًا في 17 ديسمبر 2010، بعد أن أنجبت له صديقته ستينا طفلا أسمياه آدم[5]. وفي حديث مع صحيفة "بيلد" الألمانية، رد "زيزو" على استفسار الصحيفة بشأن سر تألقه، قائلا إن الأمر يعود إلى "التركيز في حضور تدريبات الفريق بانتظام، إلى جانب استقرار حياتي الخاصة، والراحة النفسية التي أجدها مع صديقتي ستينا، فأنا حريص على الاتصال بها قبل كل مباراة، لتعطيني شحنة معنوية كبيرة"[6].

أما عماد متعب مهاجم الأهلي ومنتخب مصر، فقد أثير لغط كبير حول علاقته مع ملكة جمال مصر لعام 2008 يارا نعوم، والتي ظهر بصحبتها أثناء مباراة النادي الأهلي مع نادي شبيبة القبائل الجزائري والتي أقيمت في 29 أغسطس 2010 على استاد القاهرة، وشهدها ما يقرب من 80 ألف مشجع. الغريب حقـًا، أن متعب دخل في خصومة مع الصحافة، لمجرد أن المصور الصحفي حسن عبد الفتاح حاول تصويره مع يارا في مقصورة الاستاد[7]. وزاد متعب الطين بلة، حين نُسب إليه وعيد وتهديد - نفاه اللعب لاحقـًا- بأن يضع حذاءه في فم كل صحفي يقترب من حياته الشخصية ومن أخباره[8]!

وانهالت الانتقادات على المهاجم المصري حتى من جمهوره، الذي أطلق تعليقات حادة وساخرة على صور منشورة لعماد متعب وخطيبته يارا نعوم على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". وانتقد هؤلاء صور عماد ويارا، خاصة تلك التي يحتضنها فيها ويقبلها على خدها، وأخرى بدا فيها نجم المنتخب وهو يجثو على إحدى ركبتيه أمام يارا ويقبل يدها[9].
كل هذا قوبل بصمت مطبق من "المعلم"!
ورأى البعض أن المدير الفني لمنتخب مصر يتحدث عن معايير أخلاقية والتزام ديني معين، لكنه يسكت عندما يتعلق الأمر بعدد من اختياراته المفضلة من اللاعبين.
وخلال بطولة كأس الأمم الإفريقية في أنغولا 2010 التقطت إحدى الميكروفونات كلمات لشحاتة في مباراة الكاميرون وهو يقول: "يا رب.. يا حبيبي يا رسول الله" بعد تقدم المنتخب المصري في المباراة التي انتهت بفوز مصر 3- 1.. وهي كلمات طبيعية يقولها كل المصريين طلبـًا لعون الله، ولكن في ظل تصريحات شحاتة عن الدين والأخلاق، تم تفسيرها بشكل آخر[10].
وشارك الإعلام في خلط الدين والرياضة من خلال الإشادة بروح التدين، التي أسبغها حسن شحاتة على أفراد المنتخب المصري. وأفرطت وسائل الإعلام في الحديث عن زيارة المدير الفني للمنتخب المصري مسجدي السيدة زينب والحسين قبل السفر إلى بطولة الأمم الإفريقية في أنغولا 2010، وتعليماته إلى اللاعبين بالمواظبة على قراءة القرآن وترديده بصوت عال عند دخول أرض الملعب، والكلام عن كابتن المنتخب المصري أحمد حسن الذي يحرص دائمـًا على عدم ترك السبحة من يده خلال فترات الراحة قبل وبعد التدريبات، حيث يتبرك "الصقر" المصري بالسبحة؛ والتركيز على حرص اللاعب أحمد فتحي على إقامة حلقات داخل مقر بعثة المنتخب في أنغولا تعتمد على قيام كل لاعب بقراءة ربع من القرآن الكريم على أن يكمل اللاعبون الآخرون الأرباع الأخرى فيختمون القرآن الكريم مرات عدة خارج أوقات التدريبات والمحاضرات التي يلقيها شحاتة[11].

وساد تعبير "فريق الساجدين"، بسبب سجود لاعبي منتخب مصر بعد إحراز الأهداف أو تحقيق الفوز، وهو ما برره البعض بأنه سلوك رمزي يعبر عن شكر اللاعبين لله. ولا يخفى أنّ هذه التسمية الجديدة تستبطن رفضـًا للتسمية القديمة القائمة على العمق الفرعوني باتجاه تسمية دينية إسلامية. ورأى نقاد رياضيون في صحف غربية أن تلك النزعة الأخلاقية للاعبي منتخب مصر جزء من منظومة الالتزام والانضباط التي يحرص المدير الفني للمنتخب حسن شحاتة على زرعها في نفوس اللاعبين. وقالت صحف غربية إن سجود لاعبي منتخب مصر التي أثير الجدل حولها تأتي في إطار الشكليات الاحتفالية الخاصة بالفريق، فيما فضلت صحف بريطانية الإشارة إلى أن تلك السجدات لم تقف حائلا دون رقصة عصام الحضري ومحمد زيدان على العارضة![12]
ورأى آخرون في مصر أن هذا السلوك نوع من التدين الشكلي الذي "يحمل بعض المبالغة التي قد تكون مقصودة؛ لأن الساجدين في الملاعب يمارسون هذا السلوك تحت الأضواء وأمام الكاميرات ووسط الجماهير الغفيرة.. والتدين الحقيقي هو علاقة خاصة بين الإنسان وربه"[13].

وتوقف البعض عند مصطلح "فريق الساجدين" الذي رأوا أنه "أحدث فجوة أخرى مع أشقائنا الأقباط لم ينفع معها القول بأنهم شاركوا في الفرحة وخرجوا في المظاهرات مع المسلمين"[14].
وبرزت تفسيرات محل تساؤل، إذ أكد البعض أن الدين كان سبب الفوز ببطولة كأس الأمم الإفريقية للمرة الثالثة على التوالي، على غرار ما حدث في حرب أكتوبر 1973 عندما انطلقت صيحة الله أكبر من حناجر الجنود المصريين، "وقرأنا تحليلا دينيـًا شبَّه اللاعب جدو بخالد بن الوليد الذي رغم انتصاراته في الحروب أيام الرسول عليه الصلاة والسلام وخليفته أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ فقد عزله عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وحوَّله إلى دكة الاحتياطي ومع ذلك لم يفقد إيمانه ومشاركته في القتال تحت إمرة قائد آخر"[15].

وبعيدًا عن هذا التشبيه الديني والتاريخي الملتبس، كانت النزعة الدينية تتجه إلى مزيد من الصعود داخل الملعب وخارجه


الهوامش:



[1] محمد عادل، معايير شحاتة انضباطية وليست دينية، مجلة "روز اليوسف"، القاهرة، 6 فبراير 2010.
[2] د. وحيد عبد المجيد، كرة القدم والدين‏:‏ خلطة الكابتن شحاته‏!‏، جريدة "الأهرام"، القاهرة، 26 يناير 2010.
[3] إبراهيم ربيع، الآن عرفنا لماذا استبعد حسن شحاتة "ميدو" .. الدين لله .. والملعب للأكفاء، جريدة "اليوم السابع"، القاهرة، 15 يناير 2010.
[4] إيهاب الفولي، شحاتة: السلوك القويم وعلاقة اللاعب بربه أساس الاختيار للمنتخب، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 14 يناير 2010.
[5] شافي مسعد، زيدان يستقبل أول مولود له من صديقته شتاينا، جريدة "الشروق"، القاهرة، 20 ديسمبر 2010.
[6] محمود باهي، زيدان: شتاينا وغسيل الأطباق سر تألقي مع دورتموند، جريدة "اليوم السابع"، القاهرة، 9 مارس 2010.
[7]  محمود صلاح، "جزمة" عماد متعب، مجلة "أخبار الحوادث، القاهرة، 15 سبتمبر 2010.
[8]  ياسر أيوب، حرب النجوم، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 7 سبتمبر 2010.
[9]   _________، مجلة "أخبار الحوادث"، القاهرة، 22 ديسمبر 2010.
[10] محمد أبو الليل، تقرير الحالة الدينية للاعبي المنتخب، مجلة "روز اليوسف"، القاهرة، 6 فبراير 2010.
[11] المصدر السابق.
[12] داليا هلال، سجدة.. غير واجبة!، مجلة "روز اليوسف"، القاهرة، 6 فبراير 2010.
[13] عصام عبد العزيز، الدين والكورة.. هل التدين سر التفوق؟، مجلة "روز اليوسف"، القاهرة، 6 فبراير 2010.
[14] حسنين كروم، جدو ووضع عمر بن الخطاب خالد بن الوليد على دكة الاحتياط، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة،  10 فبراير 2010.
[15] المصدر السابق.


تابع القراءة

gravatar

الكرة تحت أقدام الصالحين


نأتي إلى فتاوى التحريم
تعتبر أشهر دراسة حديثة تعتمد عليها فتاوى تحريم كرة القدم هي بحث عبد الله النجدي المنشور في عام 2003 تحت عنوان "الكرة تحت أقدام الصالحين"، والمكوَّن من 36 صفحة، الذي يُحرِّم لعب كرة القدم إلا وفق ضوابط عجيبة.
تجاهد الفتوى لتحريم لعبة كرة القدم بأدلة وحجج تضغط على أن كرة القدم وقوانينها من أفكار الكفار ولا يجوز التشبه بهم على أساس قول الرسول الكريم "من تشبه بقوم فهو منهم"

وضع عبد الله النجدي 15  شرطـًا لممارسة رياضة كرة القدم أولها أن يكون اللعب بقصد تقوية البدن بنية الجهاد في سبيل الله أو الاستعداد له، وليس لضياع الوقت والفوز، ويجب أن تكون بدون الخطوط الأربعة مع عدم ذكر كلمات "فاول" و"بلنتي" و"كورنر"، وألا يكون عدد اللاعبين 11 شخصـًا، إما أن يزيد أو يقل، ويكون اللعب شوطـًا واحدًا أو ثلاثة حتى يختلفوا عن "الكفار"، وألا يلعبوا وقتـًا إضافيـًا، وأن يكون اللعب بدون حكم فلا داعي لوجوده، ويجب ألا يشاهدهم مجموعة من الناس أو الشباب أثناء اللعب، وإذا ما انتهت اللعبة فيجب ألا يتحدثوا عن لعبهم أو مهارة بعضهم، وإذا ما سجل أحدهم الكرة بين الحديد والخشب أي "هدف" فلا يفرحون ويجرون وراءه ويقبلونه ولا يجعلون ما يُسمى بالاحتياطي، أما إذا ما وقع أحد اللاعبين فيأخذ حقه الشرعي كما في القرآن، ويجب على زملائه أن يشهدوا أن الشخص الذي أوقعه تعمد كسره ليحصل على هذا الحق. وذكر أيضـًا أن اللعب يجب أن يكون بالملابس العادية لا بالفانلات المرقمة والبنطلونات الملونة؛ لأنها ليست من ملابس أهل الإسلام[1].
فتاوى تحريم كرة القدم قديمة، ومعظمها يدور حول تحريم كرة القدم لما يصاحبها من محرمات بحسب زعم "المحرِّمين"، إذ ورد في كتاب "الدرر السنية" تحريم كرة القدم لما فيها من مفاسد، منها التشبه واللهو الباطل والميسر وما شابه ذلك.
في السعودية، أباح علماء الدين لعب كرة القدم وفق ضوابط، منها عدم كشف العورة وألا تشغل الناس عن أداء الصلاة. وجاء في فتاوى الشيخ ناصر الحنيني أن "الدخول في الملعب لمشاهدة مباريات لكرة القدم إن كان لا يترتب عليه ترك واجب كالصلاة وليس فيه رؤية عورة، ولا يترتب عليه شحناء وعداوة، فلا شيء فيه، والأفضل ترك ذلك لأنه لهو، والغالب أن حضوره يجر إلى تفويت واجب وفعل محرم"[2].
ويشير الكاتب جميل الذيابي إلى قصة شخص تشادي أو مالي يُكنى "أبو عبد الله المكي" واسمه عبد الحميد تراوري، ألقت القبض عليه وزارة الداخلية السعودية عام 2003، أثناء مداهمة شقة الخالدية في مكة المكرمة. كان تراوري قبل اعتقاله يخطب في مساجد مكة ويحرّم علنـًا لعب كرة القدم لكونها صناعة غربية تلهي المسلم عن دينه[3].

وفي أبريل 2010 أفتى أستاذ الشريعة بجامعة الإمام بالرياض د. يوسف الأحمد بتحريم إرسال أطفال المسلمين للتدرب كرويـًا في نادي ريال مدريد الإسباني؛ لأنه يؤدي إلى "التغرير بالأطفال واستدراجهم للذهاب بهم إلى بلاد المشركين، وتسليمهم للكفار لتدريبهم، ولا يخفى الأثر الضار على دين وخلق الأطفال والمراهقين بسبب بقائهم في أيدي أعداء الإسلام لتدريبهم"[4].
لم تشتهر فتاوى تحرم الكرة في بعض البلاد الإسلامية، لكنّ خلافـًا طفا على السطح بين علماء مصريين وتونسيين حول السجود في الملعب بعد تسجيل الأهداف، إذ حرَّمه علماء تونسيون، وأباحه فقهاء مصريون لأنه شكرٌ لله، في حين يميل إلى تحريم هذا الأمر بعض علماء السعودية بوصفه "مسيئـًا للإسلام"، وهو ما ذهب إليه د. صالح بن مقبل العصيمي عضو الجمعية الفقهية السعودية، مشيرًا إلى أنها قد تلاقي تفسيرات خاطئة من الجماهير غير المسلمة. وبعد شهرين من الفتوى وجه مفتي السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ انتقادات لهذه الظاهرة، وقال: "إن سجود الشكر يكون حين يرى الإنسان نعمة الله عليه.. ولا أجد في ذلك منفعة ولا أرى أن هناك فائدة من ذلك، ومن يريد أن يذكر الله فليذكره في نفسه أفضل من هذا التصرف"[5].

وفي ماليزيا دعا علماء دين مسلمون إلى حظر ارتداء قمصان نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي؛ لأنه يحمل شعار "الشياطين الحمر" كما يلقب النادي، بحسب ما نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية. وقال أحد علماء الدين الماليزيين في هذا الصدد: "إن الشيطان هو عدونا، وارتداء قميصه سيزيد من قدره".
من جهة ثانية، فإن قمصان منتخبات النرويج وصربيا وغيرها هي الأخرى محظورة في البلاد لأنها تحمل صليبـًا. ولنتذكر احتجاج فريق غلطة سراي التركي على اللعب مع انتر ميلانو الموسم الماضي لأن قميص الأخير يحوي شارة الصليب[6].
وأثار البعض قضية لعب مباريات أثناء الأعياد الدينية للمسلمين، فأبدى ناقد رياضي استغرابه من أنه "لا يزال المسلمون هم الوحيدون في العالم الذين لا يحترمون أعيادهم ولا يمانعون في لعب الكرة في العيد رغم أنه من المستحيل أن يقبل المسيحيون اللعب في عيد الميلاد ولا يقبل اليهود أبدا اللعب في أيام أعيادهم.. في عيد الميلاد لا مباريات للكرة.. لا منتخبات ولا أندية؛ لأن الكرة مهما كانت ليست أهم من الدين". ويدعو هذا الناقد إلى أن "تسارع الاتحادات الرياضية في شمال إفريقيا بمخاطبة الاتحاد الإفريقي وإعلامه بمواعيد الوقوف بعرفة وعيد الأضحى حتى يقوم الاتحاد الإفريقي بتعديل جداوله فلا يضطر أي منتخب أو ناد عربي للعب يوم عرفة أو يوم العيد"[7].
غير أننا عرفنا أيضًا كلمات الاحتفاء والاحتفال بكرة القدم ومناسباتها الكبرى، على لسان علماء دين ودعاة من الوزن الثقيل. وهناك علماء دين رأوا في الأحداث الكروية فرصة مهمة لاستنهاض الشعور الديني، والقول بأنها نصر على "الآخر".



وفي الذاكرة ما قاله د. يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، من أن فوز قطر بحق استضافة مونديال 2022 يعتبر أول نصر تحرزه دول مسلمة على الولايات المتحدة. ولم ينس الشيخ القرضاوي القول، في خطبة الجمعة بجامع عمر بن الخطاب في العاصمة القطرية الدوحة، بأن إصرار القطريين على النجاح والتفوق دفعه إلى أن يتسمر أمام التلفزيون مترقبـًا إعلان رئيس الفيفا، سيب بلاتر، فوز قطر بالتنظيم. ربما استبدت الحماسة بالقرضاوي، بسبب أن الخاسر في جولة الترشيحات كانت هي أميركا، ولذلك لم يوفر الشيخ "الأعداء" من سهامه، وصب هذا الفوز في مفرزة الصراع بين الإسلام والغرب[8]. وكان من رأي القرضاوي أن فوز قطر يعد صفعة على وجه الولايات المتحدة، ودلل باعتراض الرئيس الأميركي باراك أوباما على نتائج التصويت الحر، ووصف تصريحاته بأنها "بالغة السوء"[9].


الهوامش:


[1] __________، أشهر 6 فتاوى لعلماء الدين السعوديين حول "كرة القدم"، صحيفة نجران الإلكترونية، http://www.najran9.com/news-action-show-id-8560.htm ، 29 مايو 2010.
[2] _________، فتاوى إسلامية (4 / 572)،  فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء، الرياض.
[3] جميل الذيابي،  كرة القدم... حرام!، جريدة "الحياة"، لندن، 21 يونيو 2010.
[4] __________، أشهر 6 فتاوى لعلماء الدين السعوديين حول "كرة القدم"، مصدر سابق.
[5]  المصدر السابق.
[6] حسن زين الدين، كرة القدم مسرح للصراع الديني بين الشرق والغرب!، جريدة "الأخبار"، بيروت، 23 يوليو 2010.
[7] ياسر أيوب، منهج كرة القدم في موسم مدرسي جديد، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 18 سبتمبر 2010.
[8]  مشاري الذايدي، كرة القدم.. وكرة الأرض، جريدة "الشرق الأوسط"، لندن، 7 ديسمبر 2010.
[9] سيد الخضر، القرضاوي: انتزاع قطر للمونديال أول نصر للمسلمين على أميركا، جريدة "دنيا الوطن"، الدوحة، 4 ديسمبر 2010.


تابع القراءة

gravatar

فتوات وأفندية




لا تتحدد المضامين إلا بالمقاصد

ومقصدنا في هذا الكتاب هو استجلاء مظاهر العنف وأشكال الجريمة في مصر في الفترة الممتدة بين أواخر القرن التاسع عشر ونهاية النصف الأول من القرن العشرين

في تلك الفترة التي تتجاوز نصف قرن من الزمان، لم تكن مصر جنة الله على الأرض.. ولم تكن في الوقت نفسه قطعة من الجحيم

فقد سكن مصر بشرٌ من كل صنفٍ ولون، وصنع هؤلاء معـًا أحداثـًا فارقة وحكايات مدهشة، قد تكون ذاكرة المصريين أغفلتها تحت وطأة اللحظة الراهنة وتحديات المستقبل، لكنها بقيت على الدوام جزءًا من تاريخنا

والتاريخ في جوهره علمٌ هدفه الاهتداء إلى الحقيقة، واستخلاص الوقائع من منابتها باستخدام مختلف وسائل البحث. وهذا ينطبق أشد ما ينطبق على جهد البحث في تاريخنا الذي يشوبه النقص والغموض والتشويش

والكتاب الذي بين أيدينا يضم بين دفتيه جزءًا من السيرة المجهولة لمصر - والناس أعداء ما جهلوا- في تلك الفترة المهمة التي تشكل فيها الوعي العام، بعد تجارب مؤلمة ونضال مرير مع قوى الاحتلال تارة، وأعوان تلك القوى تارة أخرى

إنها حكايات عن الفتوات الذين ملأوا الدنيا صخبـًا، وكانوا رمزًا للسطوة والهيمنة في الأحياء والمدن على امتداد خارطة المحروسة، وقصص عن أشهر جرائم الأفندية، بدءًا من النصب والاحتيال وانتهاء بالقتل والتعدي على النفس والممتلكات. وتحت هذه المظلة أيضـًا، فتحنا ملف أول اغتيال سياسي في تاريخ مصر الحديث، ونعني به اغتيال رئيس الوزراء بطرس باشا غالي عام 1910

إنها صورة بالألوان الطبيعية لمصر خلال خمسين عامـًا أو يزيد، مع اقتراب أكثر إنسانية من نماذج الجرائم والحوادث التي وقعت وصنعت بدورها مظاهر الخلل الاجتماعي والاقتصادي في وطن كان يرزح تحت الاحتلال، ويدفع ضريبة حربين عالميتين وأزمات اقتصادية واضطرابات سياسية تهب عليه من كل حدبٍ وصوب

وفي هذا العالم السري، يمكننا أن نرى - بشكلٍ أفضل- الأبطال والضحايا، الجناة والمجني عليهم، الجواري والنخاسين، صانعي المجد ومروجي الجريمة. هذه هي الصورة التي كانت عليها مصر، فلا الأبيض انتصر ولا الأسود احتكر

هي إذن.. قصص ما قبل الأسى، وحكايات ما بعد الدماء

الأكيد أن ما جرى يتطابق في كثير من الأحيان مع ما يجري، وأن كلمة "زمان" تشبه توأمها السيامي "الآن". فالبشر لا يتغيرون كثيرًا بكل طبائعهم وسلوكياتهم، الحميد منها والخبيث على حد سواء

ونحن لا نتجاوز الحقيقة حين نقول إن الخيار أمامنا محدود: فإما أن نعيش الزمن بمراحله المختلفة، أو نصبح خارج الزمن ودوائره المتعددة

على أن ما استوقفنا حقـًا؛ هو أن نصوص الكتاب تقودنا - من حيث لا ندري- إلى فهم أعمق لقضية "العبودية المختارة" التي طرحها كثيرون من قبل، ومن هؤلاء الفرنسي أيتن دي لابويسيه، الذي يعاتب شعوبـًا فقدت عقلها وأسلمت قيادها إلى طاغية هم أول من صنعوه. ومن المؤسف القول إننا كنا في لحظات من التاريخ حُماةً للص الذي ينهبنا، شركاء للقاتل الذي يصرعنا، حتى قادنا التواطؤ بالفعل أو الصمت إلى دروب الهوان

ولا يُتوقع في هذا الحيز الضيق؛ أن نتناول مختلف مظاهر العنف وصور الجريمة التي شهدتها مصر خلال تلك الفترة الزمنية. وحسبنا أن نضع أيدينا على أهمها وأكثرها إثارة للجدل، ففي ذلك ما يدل بشكل كاشف على حال مصر وأهلها في الفترة محل الدراسة

ولعلّك حين تتصفح هذا الكتاب؛ ستنتبه إلى تداخل ما هو اجتماعي بأبعاد سياسية وعوامل اقتصادية. وهذا الأمر طبيعي بحكم تأثر البشر بتلك الجوانب مجتمعة، وتأثيرهم العميق عليها في الوقت نفسه

ويقيننا أن قراءة متأنية في حادثة دنشواي - على سبيل المثال لا الحصر- توضح إلى أي مدى ارتبطت مصائر الجلادين بالضحايا، وتحوّل أركان محكمة دنشواي إلى شخصيات تدفع ثمن الدور الذي لعبته والأحكام الجائرة التي صدرت في تلك القضية

والبحث عن قوى في المجتمع وموقع كل قوة على الخارطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ليس بالأمر اليسير. غير أن النتائج تقدم حصادًا على قدر بالغ الأهمية، وتطرح رؤية أكثر عمقـًا وواقعية لمجتمع مثل المجتمع المصري

ولذا؛ وجدنا في العودة إلى الكتب والمراجع والدوريات والوثائق العربية والأجنبية فائدة جمة ولذة ساحرة، جعلتنا راضين عن الجهد المبذول والنتائج التي تم التوصل إليها. وتبدو الصحف في هذا السياق شاهد عيان لا يُضاهى، لمتابعتها عن كثب لتطوراتٍ متلاحقة وتغيراتٍ متسارعة؛ أعادت تشكيل مصر وناسها مرة تلو الأخرى

فلنتأمل التفاصيل؛ لعلنا ندرك عبر دهشتنا، كم تغير عالمنا، وإلى أي مدى بقي على حاله


من مقدمة كتاب "فتوات وأفندية"، دار صفصافة، القاهرة، 2010
تابع القراءة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator