وعليكم..السلام 98
"ولهذه الأسباب حكمت المحكمة حضورياً: برفض الدفع بعدم اختصاصها إقليمياً ونوعياً بنظر القضية، وبراءة ممدوح إسماعيل محمد علي وعمرو ممدوح إسماعيل محمد ومحمد عماد الدين أحمد أبوطالب وممدوح محمد عبدالقادر عرابي، ونبيل السيد إبراهيم شلبي
"وبراءة صلاح الدين السيد جمعة من التهمتين الأولى والثانية، وبمعاقبته عن التهمة الثالثة بالحبس لمدة ستة أشهر وكفالة عشرة آلاف جنيه لإيقاف التنفيذ، وألزمته بالمصروفات الجنائية وإحالة الدعوى المدنية إلى الدائرة المختصة بمحكمة قنا الابتدائية بلا مصروفات"
ماتوا مرتين.. في الأولى ابتلعهم البحر، وفي الثانية ابتلعهم الظلم
الأول هو 3 فبراير شباط 2006، اليوم الذي غرقت فيه العبَارة "السلام 98" في البحر الأحمر الذي ابتلعت مياهه 1034 إنساناً، معظمهم من المصريين العاملين في السعودية وباقي دول الخليج، ممن كانوا عائدين إلى عائلاتهم بعد أشهر أو سنوات من الغربة
والثاني هو 27 يوليو تموز 2008، حين أصدرت محكمة جنح سفاجا، بعد 22 جلسة، حكماً بتبرئة ممدوح إسماعيل رئيس شركة السلام للنقل البحري، ونجله عمرو
وما بين التاريخين جرت مياهٌ كثيرة: ممدوح وولده عمرو وآخرون تقاعسوا وتهاونوا وصمتوا فور علمهم بالغرق. هكذا قالت تحقيقات النيابة ولجنة تقصي الحقائق البرلمانية واللجنة الدولية، التي شكلها وزير النقل المصري محمد منصور. وفي التقرير النهائي للجنة تقصي الحقائق البرلمانية والذي صدر في إبريل نيسان 2006، أدانت اللجنة "عدم مبالاة الشركة بغرق السفينة بمن عليها من ركاب؛ إذ طلب رئيس الشركة ونائبه البحث عن السفينة الغارقة رغم علمهما بغرقها وهو تصرفٌ يكشف عن عدم المبالاة وعدم الاكتراث الذي تشوبه رائحة العمد". كما تحدثت عن "تسيير العبَارة رغم العيوب الثمانية التي شابت صلاحيتها للإبحار على النحو الذي بيَناه فيما تقدم بشأن مسؤولية الهيئة المصرية للسلامة البحرية، وتشير الدلائل إلى أن ثمة تواطؤاً خبيثاً تنبعثُ منه رائحة الفساد الذي يزكمُ الأنوف قد جرى بين المسؤولين عن الشركة وبعض المسؤولين عن الهيئة المصرية للسلامة البحرية في هذا الشأن"
لكن المحكمة برَأت المتهمين في حكم روَع مصر كلها، فيما تساءل كثيرون عن كيفية صدور حكم البراءة لمالك عبَارة الموت ونجله، في الوقت الذي أدانت فيه الحكم قبطان سفينةٍ أخرى بارتكاب جريمة التقاعس والإهمال
"وأن المحكمة في تقدير وقوع أركان جريمتي القتل والإصابة الخطأ ترى أن الخطأ المسبب للحادث منتفياً في حق المتهمين، وأن أي أخطاء قد تنسب إليهم في ذك الصدد لا تعدو أن تكون أخطاء عارضة لا تؤدي وحدها لحدوث النتيجة الإجرامية"
"وبذلك تكون علاقة السببية منتفية بين الأفعال المسندة إلى المتهمين المذكورين وبين النتيجة ولم يثبت للمحكمة أن تلك الأفعال - على فرض حدوثها - نتجت عنها وفيات أو إصابات بالمجني عليهم"
وللمفارقة، فإن محكمة جنح سفاجا برَّأت ممدوح إسماعيل، مالك العبَارة الغارقة "السلام ٩٨"، وجميع المتهمين معه في القضية، فيما أدانت قبطان العبَارة "سانت كاترين" صلاح الدين السيد جمعة بالحبس ٦ أشهر وغرامة ١٠ آلاف جنيه لإيقاف التنفيذ، وحمَلت المسؤولية الكاملة على عاتق قبطان العبارة الغارقة المفقود
"إلا أن المتهم قد نُزِعَت من قلبه الرحمة والرأفة وأتى بعمل لا يأتي به إنسان، وجُرم لا يصدر إلا عن شيطان، فأهمل في أداء واجبه، ولم يكترث بصيحات الاستغاثة، متعللاً بحجج واهية وغير حقيقية، وتركهم يصارعون الأمواج ويواجهون الموت"
وفي الوقت الذي وصفت فيه هيئة المحكمة، برئاسة المستشار أحمد رفعت النجار، قبطان "سانت كاترين" صلاح الدين السيد جمعة بأنه ارتكب جُرماً لا يأتي من بشر، عندما سمع استغاثات الضحايا، ورفض مد يد العون لهم، قالت إن ممدوح إسماعيل وابنه عمرو وباقي المتهمين الثلاثة لم يثبت في حقهم أي إدانة
"وإذا كان الاتهام بشأن القتل والإصابة الخطأ أحاط به الشك من كل جانب وخلت الأوراق من دليل على توافر أركان هاتين الجريمتين يمكن مؤاخذة المتهمين استناداً إليه، الأمر الذي يتعين معه براءة المتهمين مما أسند إليهم بالمادة ٣٠٤/١ من قانون الإجراءات الجنائية"
ذوو الضحايا أثار الحكم القضائي في نفوسهم مشاعر تماثلُ قسوةَ مشهدِ غرقِ العبَارة، وموت ذويهم ممن صار قبرهم الماء أو مقبرة جماعية في الغردقة
وليمة للسمك، أو غريباً في بطن أرضٍ تتجاور فيها الجثث..هكذا انتهى الأمر بضحايا عبارةَ ممدوح إسماعيل، الذي برَأه القضاء
والمصري الذي يعتبر قبر العائلة واحتَه الأخيرة، أهدرت عبَارة الموت أمنيتَه في أن ينام إلى جوار من يحب
ليس من قبيل المبالغة إذاً القول إن الحكم القضائي الذي أصدرته محكمة جنح سفاجا أجهز على الأمل الذي تبقى لأهالي الضحايا في القصاص من القتلة المتسببين في هذه الكارثة، مثلما أصاب هذا الحكم جموع المصريين بالإحباط والصدمة، حتى إنه لم يعد أحد يثق في مؤسسات الحكم التي جعلت حياتهم غير آمنة
ها هم المصريون يُدفَنون مرة في قاع القناةِ على أيدي الإنجليز وهم يحفرونها سُخرةً، والآن يغرقون في قاع البحر مرة أخرى بأيدي زبانية الفساد، وهم الذين خرج معظمهم بحثاً عن الرزق في بلاد الله الواسعة
والشيء الأكيد أن أجهزة الدولة في مصر تقاعست عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ حقوق الأبرياء وصرف التعويضات المناسبة لهم وتنازلت عن دورها لبعض المتاجرين بحقوق أبنائها من الضحايا، فتركت أهالي هؤلاء فريسة لعددٍ من الشركات الأجنبية وبعض تجار المصائب ليتقاسموا فيما بينهم غنيمة التعويضات وأدخلوها في مزاد علني
وبينما صُدِمَ الحكم أهالي الضحايا الذين احتشدوا في قاعة المحكمة، واعتمل الغضب في نفوس كثيرين في الشارع المصري، سارع النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، وأصدر قراره بالطعن على حكم البراءة بعد أربع ساعات فقط من صدوره. وقال بيان للنائب العام إن حكم البراءة خالف الثابت في الأوراق، واحتوى فساداً في الاستدلال، وقصوراً في التسبيب وتعسفاً في الاستنتاج
وإذا كان النائب العام قد طعن على الحكم الصادر بتبرئة ممدوح إسماعيل ونجله، فإن العدل لن يكتمل إلا بإجراء تحقيق عادل ومنصف في ملف الفساد الذي لازم كارثة العبَارة "السلام 98" منذ بدايتها بما فيها من مسلك النيابة العامة فى قيدها جنحة بالأصل بدلاً من جناية، وذلك الوصف والقيد المقدم به المتهمون حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من تبرئة مالك العبَارة ومن معه
والسؤال هو: إذا كانت محكمة جنح الجيزة قضت بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات على سائق أتوبيس تسبب بالخطأ في مقتل 15 تلميذة، فكيف إذاً تنتهي القضية التي قتل فيها أكثر من ألف شخص بتبرئة الجميع؟
لعل الضحايا وحدهم المذنبون في تلك الكارثةّ
هل كانت مصادفة أن يصدر الحكم القضائي في يوم بطولة السوبر بين ناديي الأهلي والزمالك؟ وهل كانت مصادفة أن يتعاظم الاهتمام والاحتفاء ببطولة إفريقيا لكرة القدم التي استضافتها مصر وفازت بها بعد أيامٍ من الكارثة؟
إنها كرةُ القدم.. غسيل أموال وأرواحٍ من طرازٍ جديد
غير بعيدٍ عن هذا السياق، نشير إلى الهجوم الحاد الذي شنه نوابٌ في البرلمان المصري على الحكومة نتيجة غياب جميع أعضائها، باستثناء وزير النقل محمد منصور، عن الجلسة التي عقدت في 12 فبراير شباط 2006 لمناقشة كارثة غرق العبَارة "السلام "98، خصوصاً أن الحكومة كانت موجودة بالكامل في استاد القاهرة لحضور نهائي بطولة إفريقيا لكرة القدم في 10 فبراير 2006
وحين وقعت الكارثة، تساءل المصريون في فضول: من هو ممدوح إسماعيل؟ ومن الذي يحميه من المساءلة؟
إن ممدوح إسماعيل واحد من أثرى أثرياء مصر، وهو يعد نموذجاً للاشتباك بين نفوذ السلطة والبيزنس، إذ إنه عضو معينٌ في مجلس الشورى وأمين للحزب الوطني في حي مصر الجديدة، مكتسباً بذلك حصانة لم يفقدها على الرغم من غرق أكثر من عبَارةٍ له
أنشأ إسماعيل شركته المتخصصة في صناعة السياحة وخدمات السفن، وهي تعتبر من كبرى شركات السفن في مصر والشرق الأوسط ومراكبه تقل نحو مليون مسافر في العام الواحد. وهو يمتلك أسطولاً كبيراً من المراكب والعبَارات يصل إلى 21 عبَارة، منها 13 عبَارة ترفع علم بنما، وعدد 2 ترفع العلم المصري، وعدد 3 ترفع علم السعودية، وعدد 2 ترفع علم الأردن، وعبَارة واحدة ترفع علم البهاما، بالإضافة إلى العبَارتين الغارقتين "السلام 95"، و"السلام 98" اللتين كانتا ترفعان علم بنما
اللافت للانتباه هو أن سجل ممدوح إسماعيل يشير إلى أن لشركته أكثر من سابقةٍ في غرقِ عبَاراتها، وبالرغم من ذلك فإن تلك الحوادث كانت تُحمَلُ للقضاء والقدر. ومن ذلك غرق عبَارته "السلام 95" في البحر الأحمر في 17 أكتوبر تشرين أول 2005 بعد اصطدامها بسفينة تجارية قبرصية، عندما كانت تُقِل معتمرين عائدين من جدة وعلى متنها 1446 راكباً
في تلك الحادثة، تم إجلاء جميع الركاب بواسطة قوارب صغيرة ومات من جراء ذلك رجل وامرأة وأصيب 38 آخرون. ومن الواضح أن تهالك السفن التي يملكها إسماعيل كان يستدعي إنهاء خدمتها منذ وقت طويل، إلا أن الرجل - الذي تحكم بفضل نفوذه في خط سفاجا ضبا الملاحي- كان يتهرب من ذلك عبر رفع علم بنما بديلاً عن العلم المصري حتى لا يتعرض للإجراءات القانونية
وفي أعقاب كارثة عبَارة الموت "السلام 98"، توقف البعض عند مسألة صمت مجلس الشورى على عضوها المعين، إلى أن كتب إسماعيل رسالة إلى رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف يطلب فيها الإذن له بالإدلاء بأقواله أمام المحققين، فأُجيبَ إلى طلبه، ونشرت ذلك بعض الصحف الحكومية مع صورته في الصفحة الأولى
وانسجم ذلك مع استضافته أكثر من مرة في برنامجٍ شهير بالتليفزيون المصري، مشيراً إلى أن رفع العبَارة علم بنما لا علاقة له بإجراءات السلامة، وعارضاً كفالة الطفل الصغير الذي فقد أبويه وأشقاءه في العبَارة، وهو الأمر الذي رفضته عائلة الطفلة بعبارة "حسبنا الله ونعم الوكيل"
وأثار إصرار التليفزيون الحكومي على استضافته مع ابنه عمرو اسماعيل لتبرئة نفسه وشركته من غرق العبَارة، غضب الصحفيين المصريين، حتى أولئك المحسوبين على الحكومة مثل رئيس تحرير جريدة "الأخبار" السابق جلال دويدار في عموده اليومي بالصحيفة. وتساءل دويدار: "لا أعلم من وراء هذه المبادرة التي ما كان يجب أن يقدم عليها التليفزيون باعتبار أن المكان الطبيعي لأقوال هذين الشخصين هي تحقيقات واستجوابات النيابة العامة ولجنة التحقيق الفني، إلا إذا كان هناك هدف آخر لا نعرفه وراء ذلك"
وكأنه شبحٌ أو طيف غير مرئي، غادر مالك العبَارة الغارقة القاهرة من مطارها الرئيسي مروراً بصالة كبار الزوار، متجهاً إلى فرنسا، وسط صمتٍ مريب، فيما انزوى أو اختفى قرار المنع من السفر أو الإدراج على قوائم الممنوعين من السفر
سافر إسماعيل دون إذن من مجلس الشورى وفقاً للائحة الخاصة. وفي "أربعين" غرق العبَارة، وبعد هروب مالكها، قرر مجلس الشورى برئاسة الشريف، رفع الحصانة عن إسماعيل.. وقال المجلس وقتها إن قراره جاء: "حتى يتسنى للنيابة العامة سؤاله والتحقيق معه في مسؤوليته عن الحادث"
بعدها بخمسة أيام كاملة، تقرر أخيراً منع ممدوح إسماعيل من السفر وإدراج اسمه على قوائم ترقب الوصول.. صدر القرار، بعد أن طار العصفور!
ومن فرنسا، انتقل مالك العبَارة الغارقة إلى بريطانيا، حيث لا اتفاقيات مع لندن على إعادة وتسليم الهاربين
كان في لندن يتمتع بحصانة عدم سماع صراخ ضحايا العبَارة، وأنات أهاليهم، وبكاء وعويل أحبتهم وذويهم. في عاصمة الضباب، لم تكن تصل إلى ممدوح إسماعيل رائحة الجثث في مشرحة زينهم، ولم يكن يطل على المقبرة المجهولة في قلب مدينة الغردقة التي أصبحت مقبرة جماعية لعدد كبير من الضحايا
وأصدرت النيابة العامة المصرية فى 24 مايو أيار 2006 مذكرة جلب فى حق المتهمين الفارين عبر الإنتربول. كما تم الحجز لفترةٍ على أموال إسماعيل، قبل أن يتقرر لاحقاً رفع الحراسة عن أموال وممتلكات الرجل
والبداية كانت خبراً صغيراً نشرت جريدة "الأهرام" في قلب صفحتها الأولى. خبرٌ قصير يشنه طعنة الخنجر، يقول إن زكريا عزمي استقبل عضو مجلس الشورى ممدوح إسماعيل. يومها، لم يكن عامة المصريين على علمٍ بالصلة بين الذي عزمي وإسماعيل، قبل أن تتردد معلومات تفيد بأن الأول شريك للثاني في أعماله ونشاطه التجاري، وهو الاتهام الذي نفاه عزمي بحزم وبحسم وبأكثر من وسيلةٍ، قائلاً "إنه صديقي وليس شريكي"
عزمي لم ينكر أنه يعرف ممدوح إسماعيل، لكنه قال إنه تربطه به علاقة إنسانية عادية بحكم الجيرة في مصر الجديدة، وأضاف في اتصال هاتفي مع الكاتب الصحفي مجدي مهنا تعقيباً على عموده "في الممنوع" في جريدة "المصري اليوم" (عدد 7 فبراير شباط 2006) : "لقد اتصل بي ممدوح وأخبرني بغرق العبَارة، وقمت بمقابلته في إطار علاقة الصداقة ليس أكثر، لكن أي خطأ أو أخطاء ستكشف عنها التحقيقات التي تجريها السلطات حاليا سيتحمل هو مسؤوليتها، وأتحدى من يقول أو يدعي أنني شريك معه في مشروعاته، ومستعد للتحقيق معي إذا ما استدعى الأمر"
ورداً على تساؤلات لمصطفى بكري عضو مجلس الشعب ورئيس تحرير جريدة "الأسبوع"، نفى عزمي وجود بيزنس بينه وبين مالك العبَارة الغارقة، متحدثاً عن أنها مجرد صداقة. وعندما قال له بكري إنه يستغل اسمه، رد بأنه يريد أن يعرف قضية محددة حتى يبلغ عنه النيابة العامة. زكريا عزمي عاد وكرر ذلك النفي مؤكداً مرة أخرى أنه صديقه فقط وليس شريكه عندما أثير ذلك مجدداً في جلسة مجلس الشعب الأحد الموافق 12 فبراير شباط 2006
زكريا عزمي قال بالحرف الواحد "أنه ليس من الشهامة عندما يكون لي زميل في أزمة أن أتخلى عنه وأقول إنني لا أعرفه وأنا فلاح وهذه هي الأصول"
بل إن 22 نائباً تقدموا في 2 مايو أيار 2006 بطلب بإحالة د. زكريا عزمي إلى المدعي الاشتراكي، مشيرين إلى أنه أكد صداقته لممدوح إسماعيل ولجوء الأخير إليه عقب حادث غرق العبَارة لطلب مشورته لتجاوز هذه الأزمة. وجاء في طلب النواب أن زكريا عزمي ارتكب أفعالاً تتعلق بمخالفات جسيمة للقوانين وتتضمن مساساً خطيراً بحقوق المواطنين وساهمت بقدر كبير في إحداث خلل في سير وانتظام المرافق والخدمات العامة، ما يستوجب إحالته إلى المدعي الاشتراكي لفحص ودراسة ما نسب إليه من أفعال وتصرفات وتقديم تقرير بها إلى المجلس
وأضاف طلب النواب أن المخالفات التي ارتكبها عزمي تتركز فيما نسب إليه من أفعال وأقوال تسببت في استعمال واستشراء الفساد داخل قطاع النقل البحري واستئثار ممدوح إسماعيل صاحب شركة "السلام" بمزايا وصلاحيات جعلته يشكل مركز قوى وتأثير داخل قطاع النقل البحري بل على المستوى القومي، ما دفعه إلى الإهمال الجسيم وعدم الحرص على أرواح وممتلكات المواطنين، وضرب عرض الحائط بالقوانين والنظام والآداب العامة، ما ترتب عليه غرق أكثر من ألف مواطن مصري
وطرق أصحابُ الطلبِ الحديدَ وهو ساخنٌ، بالقول إن الرأي العام وجموع المواطنين أجمعوا على أن مساندة زكريا عزمي لصاحب العبَارة المنكوبة بما يملكه من سلطات وصلاحيات ساهمت في تقلده الكثير من المناصب، على رأسها عضوية مجلس الشورى وعضو مجلس إدارة هيئة موانئ البحر الأحمر وهيئة السكك الحديدية
غير أن مجلس الشعب وهيئة مكتبه رفضوا هذا الطلب بدعوى مخالفته لائحة المجلس ومخاصمته للأعراف والسوابق البرلمانية
رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور فتحي سرور استعرض يومها أمام النواب رأي مكتب المجلس حول الطلب والذي انتهى إلى خلو الموضوع من أي مبرراتٍ جدية، وأنه لا ينطبق في شأنه الشروط التي حددتها لائحة مجلس الشعب لإحالة أي شخص إلى المدعي العام الاشتراكي. وأكد مكتب المجلس أن ما جاء بعريضة النواب من اتهاماتٍ للدكتور زكريا عزمي هي أقوالٌ مرسلة ليس لها دليل أو قرينة، وأن إحالة المجلس لأي شكوى للمدعي العام الاشتراكي تكون في المسائل التي تتعلق بالمخالفات الجسيمة للقانون أو المساس بحقوق المواطنين
وكأن موتَ أكثر من ألفِ شخص في عبَارةٍ افتقدت معايير ومواصفات الأمن والسلامة البحرية وضربت عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية بشأن عدد الركاب المقرر للسفن، أقل من أن نعتبره مخالفة جسيمة للقانون، وأدنى من أن تمس حقوق المواطنين!
ثم كان الرأي الفصل للدكتور سرور الذي قال: إن ما أعلنه الدكتور زكريا عن صداقته بممدوح إسماعيل لا يحمل دليلاً بمخالفة القانون، وهو ليس مسؤولاً عن أعمال غيره
وفي رده على ما أثير، تحدى زكريا عزمي أن يثبت في حقه شيء مما وصفه بالوساوس والظنون، وهدد خصومه قائلاً: "سوف أطارد بالحق والقانون هذا التجني والتشهير حتى آخر العمر". وأضاف أمام المجلس قائلاً: "لو كان المرء يؤخذ بصديقه أو أصدقائه، لما نجا أحدٌ من أهل الأرض من مغبة خطأ وقع فيه هذا الصديق أو ذاك"
زكريا، أيها الصديق وقت الضيق.. ما عساك تقول الآن؟
مبارك، أيها الرئيس، تذكر ما قلته في اجتماع للحكومة لتدارس تداعيات غرق العبَارة المنكوبة: "إن أرواح الضحايا لن تضيع هدراً، وإن التحقيق الذي أمرت بإجرائه منذ اللحظة الأولى لابد أن يصل إلى أوجه الخلل والتقصير، وإن المتسببين في الحادث لن يفلتوا دون عقاب". يومها قلت أيضاً: " لا أحد في مصر فوق القانون أو المساءلة"
ممدوح إسماعيل.. عُدّ إلى مصر، فهناك فرعٌ لمطعمك اللبناني المفضل في لندن "مروش"، وهناك أيضاً مزيدٌ من الغارقين بانتظار عبَاراتِكَ التي تحتكرُ البحر..والنفوذ
شعب مصر من الإسكندرية إلى أسوان: "وعليكم السلام 98"