المحروسة

gravatar

حفلات الإهانة





إنها الحرب الكروية، التي تستبيح الخصم ويربحها الإعلام

ويرى الكاتب المغربي ياسين عدنان أن الصحافة المكتوبة في الجزائر انتبهت لحاجة الجمهور بمعناه الغوغائي إلى صوت فانتهزت الفرصة وحاولت أن تملأ الفراغ من أجل الدفاع والرد لاعتبارات ودواع "وطنية" ربما، لكن أيضـًا - وربما أساسـًا- من أجل رفع  أرقام التوزيع. وهكذا انخرطت "الشروق" و"الخبر" و"الجزائر نيوز" وغيرها من كبريات الصحف الجزائرية في المعركة. وفي مثل هذه الحالات، تحل الشتائم والكلمات النابية محل الوصف والتعليق، وتتم الاستعاضة عن نقل الأخبار ومتابعتها باختلاقها والتهويل من شأنها. بل إن المجال يصير متاحـًا للنيل من "الخصم" بكل الوسائل[1].

وفي هذا السياق، نشرت جريدة "الجزائر نيوز" تركيبـًا صادمـًا لصورة الزفاف الجارحة التي ظهر فيها المدير الفني لمنتخب مصر حسن شحاتة وهو يرتدي ثوب عروس وإلى جانبه صورة للمدير الفني لمنتخب الجزائر رابح سعدان في زي العريس. ودافع مدير تحرير "الجزائر نيوز" حميدة العياشي عن الصورة الصادمة والعبارة المثيرة التي كتبتها يوميته "سنتزوج مصر في اليوم المشهود" بالقول إن ذلك "كان نوعـًا من محاولة إعادة الأمور إلى نصاب مقابلة في كرة قدم، ما قمنا به عبارة عن حملة إعلامية مضادة للمس بكرامة المصريين"، و"أردنا من ذلك أن ندخل معركتهم الهجومية لوسائل إعلامهم لنحولها إلى معركة دفاعية، وأعتقد أننا نجحنا إعلاميـًا في ذلك منذ صدور الصورة"[2].

وفي عموده الصحفي "حق الرد" كتب جمال لعلامي تحت عنوان "يا خرابي.. على أبوالهول وخطة الفول" قائلاً: "الآن تأكدنا أن المصريين "زي بعضهم" وأن الذي حصل في الحرب الإعلامية الخطيرة والحقيرة، ما هو إلا هو جزء من جبل الجليد"[3].

ونشرت صحيفة "الخبر" بتاريخ 16 نوفمبر تصريحات سياسية للاعبين قائلة: "الآن فهمنا لماذا لم تتحرر فلسطين"، وقال لاعبون جزائريون في جريدة "الهداف": "كنا نلعب في ملعب تل أبيب بإسرائيل، وليس في ملعب دولة عربية مسلمة"[4].

واتخذت جريدة "الهداف" النهج نفسه في التغطية غير الأمينة، واتهمت الشرطة المصرية بأنها هتكت عرض سيدات جزائريات، قائلة: "قامت الشرطة المصرية بتفتيش السيدات الحوامل، وطالبتهن بخلع بعض من ملابسهن حتى يظهرن مثل راقصات شارع الهرم"[5]. هذا الاتهام كررته صحيفة "الشروق" حين انتقد أحد كتابها أن "تصل الوقاحة إلى تعرية نساء جزائريات في الشارع أمام أعين الأمن المصري" قبل أن يخاطب المصريين قائلاً: "لقد تجاوزتم الخطوط الحمر ولا تهدئة بعد اليوم"[6]. وأفردت "الشروق" مساحات واسعة وصفحات كاملة لنشر ما قالت إنها "نداءات الاستغاثة للجزائريات بمصر"، ووضعت في هذا السياق عناوين غارقة في التحريض، مثل "جزائريات يتعرضن لاعتداءات وحشية ومحاولات اغتصاب" و"وابوتفليقاه.. أعراضنا تنتهك وما يفعله المصريون أخطر من الصهاينة"[7]. 



وقالت صحيفة "الخبر" إن اليهود يناصرون المنتخب المصري، وهذا استكمالاً لما نشرته الصحيفة على مدار أيام سابقة عندما وضعت نجمة داود بدلاً من النسر على العلم المصري، مع اتهام المصريين بأنهم صهاينة. وجاء الدور على جريدة "الفجر" الجزائرية لتدخل بالأمور إلى منعطف آخر، عندما قالت في عدد 19 نوفمبر: "جمهورية سوزان مبارك"، متطاولة ومستهزئة بأسرة الرئيس آنذاك حسني مبارك والشعب المصري[8].

واتخذت الأمور طابع الإساءة الشخصية بحدة بالغة، مثل  إفراد صفحة كاملة تحمل عنوان "الشروق" تفتح ملف أحقر المذيعين المصريين: كلاب مبارك تنبح لتنقذ مشروع التوريث"، مع عناوين فرعية من عينة "هذه هي حقيقة وفضائح "الحلوف" مصطفى عبده "أكرمكم الله"، و"مدحت شلبي من ضابط مطرود إلى مذيع فاشل"، و"شوبير منحل أخلاقيـًا يتاجر بالمخدرات والعاهرات" و"الهلفوت خالد الغندور الذي يبكي مثل الحريم: نباح بصوت هيفاء وهبي"[9]. وانزلق أحدهم إلى القول بلغة بعيدة كل البعد عن أخلاقيات مهنة الصحافة أن "منفذ النجدة" المصري الذي استندت إليه قناة "دريم" في برنامج "الكورة في دريم" الذي يقدمه "ابن الأبالسة"، قال إنه في السعودية، وربما ذهب إلى الحج ليمحي أكاذيبه ومؤامراته الخبيثة التي لم يصدقها حتى هو في حق الجزائر الشريفة العفيفة والطاهرة، لكننا نرجو أن يغادر هذا "الحاج" العربيد والسكير بيت الله الحرام – إذا كان متواجدًا به قبل أن يسخطه الله ويحوّله إلى قرد"[10]!

وتبلغ قمة التعصب في الصحافة الجزائرية عندما تحيي محمد روراوة رئيس اتحاد الكرة هناك، الذي رفض مصافحة "اللئيم" سمير زاهر رئيس اتحاد كرة القدم المصري، وذلك  وسط مطالبات بأن يعمل الإعلام المصري على تهدئة الأجواء.



واتفقت الصحف الجزائرية بجميع ميولها السياسية واختلافاتها، على المطالبة بأخذ "الثأر من المصريين، الذين قتلوا الجزائريين في القاهرة". فقد قالت "الشروق" في أحد عناوينها: "مئات المناصرين يتزاحمون أمام السفارة السودانية للحصول على التأشيرة: ذاهبون للسودان لمعركة الثأر وسنريهم "الرجلة" الجزائرية"[11]. جاء ذلك بعد تعبئة مفزعة وشهادات مروعة من عينة "شاهد وهراني يروي للشروق تفاصيل الغدر المصري.. الفراعنة قالوا: "سنمنحكم تأشيرة مجانية للآخرة"[12]، و"العائدون من جحيم القاهرة يتوافدون على مقر "الشروق" للإدلاء بشهادتهم: عناصر من الشرطة المصرية أهانوا العلم الوطني"[13].

وبعد المباراة الفاصلة في أم درمان، كتبت صحيفة "الهداف" على صفحتها الأولى "الله أكبر ظهر الحق وزهق الباطل"، كما نشرت تصريحات من نجوم الفريق ومدربهم على صدر صفحتها الأولى[14]، وفي صحيفة "الشروق" كان أبرز تصريح ما قاله حارس المرمى فوزي الشاوشي، حيث قال: "تأهلنا رد كاف على من أهان الشهداء وأسال دماء الأبرياء" مشيرًا إلى لقاء القاهرة بالقول إن "فيلم رعب القاهرة لا يُنسى وسيصنف ضمن الممنوع إعادة مشاهدته"[15]. وجاء مانشيت صحيفة "المساء" ليقول: "محاربو الصحراء يحطمون غرور الفراعنة.. لقنوا المعلم وتلاميذه درسـًا في الكرة الحديثة"[16].

وتحت عنوان "كرونولوجيا عودة الخضر" قالت "الشروق": "الفراعنة اختاروا الخرطوم فدفنوا في رمالها"[17]،  أما في صحيفة "الفجر" الجزائرية فقد قال سعد بو عقبة في عمود "نقطة نظام" إن "كل العرب، إلا من رحم ربك، اصطفوا خلف الفراعنة لسبب لا نعرفه". ويضيف الكاتب "هم انتصروا علينا بلا رياضة في القاهرة، انتصروا بالبلطجة الإعلامية والأمنية وحتى السياسية، ونحن انتصرنا عليهم رياضة وأخلاقـًا في السودان العظيم أخلاقـًا وقيمـًا"[18].


الحرب الإعلامية كانت قد اندلعت مبكرًا، إذ ذكرت صحيفة "البلاد" الجزائرية قبل أيام من لقاء القاهرة أن هناك مؤامرة من قبل مشجعي مصر تعتمد على تسلل عدد من مشجعي المنتخب المصري إلى المدرجات الخاصة بمشجعي الجزائر؛ لإثارة الشغب وقذف الصواريخ وإظهار المشجعين الجزائريين بصورة سيئة، وهو ما يمنح الجانب المصري الفرصة في حالة الهزيمة بالمباراة إلى اللجوء للاتحاد الدولي للعبة (الفيفا) والمطالبة بإعادة المباراة أو احتساب نقاط المباراة لصالح أحفاد الفراعنة[19].

أما صحيفة "الهداف" الجزائرية فلجأت إلى حيلة أخرى لإثارة الرأي العام من خلال مقابلة مع البرتغالي مانويل جوزيه المدير الفني لفريق الأهلي المصري. وذكرت الصحيفة على لسان جوزيه، الذي يحظى بشعبية طاغية لدى مشجعي كرة القدم في مصر، أنه يتوقع خسارة المنتخب المصري وتأهل الجزائر إلى نهائيات كأس العالم. وأعربت الصحيفة في عدد تال عن دهشتها من الاعتقاد السائد بين جماهير الكرة المصرية بأنه حوار مفبرك، مؤكدة سخريتها من الجماهير المصرية التي لا تعترف بإمكانية الهزيمة.
هوامش




[1] ياسين عدنان، برافو عمرو أديب.. كنتَ المنتصر الوحيد في معركة خسرناها جميعـًا، جريدة "الأخبار"، بيروت، 1 ديسمبر 2009.


[2]  سليمة حمادي، مدير يومية "الجزائر نيوز" حميدة العياشي لـ"الشروق": "ما قمنا به كان ردًا على تجاوزات الإعلام المصري"، جريدة "الشروق"، الجزائر، 15 نوفمبر 2009، ص 6.


[3] جمال لعلامي، يا خرابي.. على أبوالهول وخطة الفول، جريدة "الشروق"، الجزائر، 15 نوفمبر 2009، ص 4.


[4] استاد القاهرة تحول إلى استاد تل أبيب، جريدة "الهداف"، الجزائر، 16 نوفمبر 2009.


[5] جريدة "الهداف"، الجزائر، 16 نوفمبر 2009.


[6]  رشيد ولد بوسيافة، تجاوزتم الخطوط الحمراء، جريدة "الشروق"، الجزائر، 16 نوفمبر 2009، ص 2.


[7]  إلياس ف.، جزائريات يتعرضن لاعتداءات وحشية ومحاولات اغتصاب، جريدة "الشروق"، الجزائر، 23 نوفمبر 2009، ص 9.


[8]  خير راغب، الصحافة الجزائرية خرجت بالمباراة من الرياضة إلى السياسة.. ووصفت مصر بـ"الصهيونية"، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 21 نوفمبر 2009.


[9]  تومي عياد الأحمدي؛ زهية منصر؛ آسيا شلابي، "الشروق" تفتح ملف أحقر المذيعين المصريين: كلاب مبارك تنبح لتنقذ مشروع التوريث، جريدة "الشروق"، الجزائر، 23 نوفمبر 2009، ص 25.


[10]  جمال لعلامي، "الشروق" ستبقى شوكة في حلق الأبالسة، مصدر سابق.


[11] فضيلة مختاري، مئات المناصرين يتزاحمون أمام السفارة السودانية للحصول على التأشيرة: ذاهبون للسودان لمعركة الثأر وسنريهم "الرجلة" الجزائرية، جريدة "الشروق"، الجزائر، 16 نوفمبر 2009، ص 7.


[12]  قادة بن عمار، شاهد وهراني يروي للشروق تفاصيل الغدر المصري.. الفراعنة قالوا: "سنمنحكم تأشيرة مجانية للآخرة، جريدة "الشروق"، الجزائر، 17 نوفمبر 2009، ص 8.


[13]  زهية منصر، العائدون من جحيم القاهرة يتوافدون على مقر "الشروق" للإدلاء بشهادتهم: عناصر من الشرطة المصرية أهانوا العلم الوطني، جريدة "الشروق"، الجزائر، 17 نوفمبر 2009، ص 9.


[14] عبدالحميد الشربيني وأحمد عبداللطيف، "الهداف" الجزائرية احتفالا بالفوز: "الله أكبر ظهر الحق وزهق الباطل"، جريدة "الدستور"، القاهرة، 20 نوفمبر 2009.


[15] حكيم بلقيروس، البطل فوزي شاوشي يروي قصة الانتصار للشروق: تأهلنا رد كاف على من أهان الشهداء وأسال دماء الأبرياء، جريدة "الشروق"، الجزائر، 20 نوفمبر 2009، ص 5.


[16] _ "محاربو الصحراء" يحطمون غرور "الفراعنة"، جريدة "المساء"، الجزائر، 19 نوفمبر 2009.


[17]  إلياس فضيل؛ بشير زمري؛ حكيم بلقيروس؛ علاء بويموت، كرونولوجيا عودة الخضر: الفراعنة اختاروا الخرطوم فدفنوا في رمالها، جريدة "الشروق"، الجزائر، 20 نوفمبر 2009، ص 9.


[18] استمرار الحرب الكلامية بين مصر والجزائر، موقع بي بي سي العربي، http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2009/11/091120_om_egypt_algeria_press_tc2.shtml، 20 نوفمبر 2009.


[19]  وكالة الأنباء الألمانية "د. ب. أ"، "الشروق" الجزائرية: ادخلوا مصر آمنين.. فلا مكان للمتعصبين، جريدة "المصري اليوم"، القاهرة، 12 نوفمبر 2009.

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator