المحروسة

gravatar

كل هذا الغناء




لا شيء في صدرِ هذا الصباح سوى وشوشاتِ الضياء والأكاليل المؤطرةِ بالنقاء
لاشيء في ذهن هذا اليوم سوى قلبٍ ترأسَ وفدَ الجِراح
لا شيء في كفِ هذا المساء سوى أنشودة القرنفلِ وحروفِ الكبرياء
بوسعنا الآن أن نؤاخي بين الشموس وخافقِ الروحِ، فالكلماتُ ما زالتْ تسْتَرْعي انتباه العابرين
من شهقة الشهيق، اختزلنا المسافة بين قِباب التاريخ وجغرافيا المعنى
ومن زفراتِ الزفير، صنعنا فتنةَ امرأةٍ، صارتْ لفَرْطِ جمالها لا تُرى
كأسٌ يملؤها الندى، ورعشةُ موجةٍ هبّت من رحم زرقة البحر
وفي الذكرى الثالثة لمولد "قبل الطوفان"، أقصيتُ كلَ الغيوم من أفق روحي، واستبقيتُ شمس النهار، مع أن المَطرَ لمْ يَعُدْ يَكفي لِغَسلِ كُلّ هذا الهواء
الَسَنَابِلُ فِي رحلتِها تَتَسَلَّقُ أسوارَ البَهَاء
حين شفَ الكلام، تبادلنا أنخابَ التعب، وتَركْنا الرِّيحَ تأكلُ أحزاننا
ففي ليالي الأرق، يتكفلُ الأسى بلوازم السهرة
كيف نجحت البشريةُ في اختراع مزيل للعرق، وعجزت عن التوصل إلى مزيل للأرق؟
عندما شكوتُ لصديقٍ بأني أبحثُ عن النعاسِ الذي كان يبحثُ عني أيضاً، نصحني بأن أحكيَ لنفسي حكاية قَبلَ النوم
حكيتُ لنفسي حكايةً لم تنتهِ إلا في الصباح
وهكذا وُلِدَتْ هذه المدونة
لم أهتم بتهدئةِ ضجيج العواصم التي أحملُها في رأسي
وحده الضريرُ يحدثك بحسرةٍ عن أيامِه المُبصِرة
والمجدُ كلُ المجدِ لمن يعتصمُ بدمه، حتى يُصابَ الجلادُ بالجنون
هناك من يسقطُ تحت إطاراتِ العمل الكادح، دونما راحةٍ أو سكينة تسدُ فجوةَ الروح أو تُشبعُ فضاءَ الجسد
وأنا، تَعِبَ الصبحُ على بابي
أسابقُ ظِلي بما يَكْفي لِفَتْحِ الرُّوحِِ على مَجَاهِلِ جُرْحِهَا
وكلما حاولتُ أن ألثمَ خداً عابراً، يكونُ الوقتُ قد فات
يبدو أن الطريقَ لا تحتمل كائنين، إلا نادراً
هكذا حررتُ لِسَاني مِنْ كُلِّ هذا الغِناء، وفتحتُ شُرفةَ صدري، وأيقظَتُ ذكرى مدنٍ فيها تركتُ أنفاسي
كُنْتُ أرُشًّ نُورِي كلما مرَ عطرٌ خفيفٌ، وأمسحُ على جبهةِ الغيب كلما طرقت بابي مساربُ ضوءٍ يصهرُ نزوات الأمكنة
رويتُ مَا لَمْ يَقُلْهُ الرُّوَاة، مَفْتُونًا بِظِلٍ هَارِبٍ مِن سِجن المَنْفَى، حتى نَامَتْ عَلَى سَاعِدَيّ السَّكِينَة
الرِّوَايَةُ أَقْصَرُ مِمَّا يَظُنُّ الرِّوائِيُّ، إذا حَالَ بينهما مَا يَكْتُمُ الزَّمَنُ
والتاريخُ يتأرجحُ في هواءِ المخيلة، إلا إن عَرفَ النَّاسُ تَفَاصِيلَه المُحرِقَة
وفي حصاد عامٍ مضى، نفضنَا غبارَ الأقمارِ الكسيحة؛ حتى يكونَ الكلامُ فِكْرَةً تَتَمردُ على عُنُقِ المِشْنَقَة
في يوميات ساحر متقاعد، لبستُ أناقةَ قلبي لأحدثكم عن لظى جسدٍ مرعبٍ مارسَ الحب في ليالٍ مضجرة.. عن غابةٍ تحترقُ بالشبق، وكلما احتضنَتْ عاشقاً ابتكرت له سريرَ نهايةٍ وذرفت عليه دمعتين ووردة
في قصة تشبه الحزن، هربتْ من المفكرةِ امرأةٌ يثرثرُ اللونُ العسلي في مدِ عينيها، متسائلاً: أو ليست المرأةُ في نهاية المطاف، المطاف الذي لا نهايةَ له؟
وحين نحزنُ نملكُ قائمة طويلة من السماءِ المصنفة بين البُغضِ والريبةِ، والاطمئنان
الحقائقُ الكبرى تُقالُ على العتبات
وفي الغرف المقبضة، نستذكرُ لحظاتِ الغياب ونستغربُ: لم لا تكف الحياة أبداً عن إعلان قسوتها؟
ها هو الموتُ يبني له بيتاً بين المفاصل والعظام
في آخر رمية نرد، نرى الجميلات في قناعهن المرمري..نساء فيهن سحر الحياة، وجوعها وجنونها
وكانت تدوينتا حرف يبلله المديح، وفوق حرير سحابة، عن مسابقة دويتشه فيله العالمية للمدونات التي فازت فيها مدونة "قبل الطوفان" بجائزة الجمهور كأفضل مدونة عربية
عُد إلى الأرض كي تستريح، رثت محمود درويش الذي ودعنا بكثيرٍ من الألم وقليلٍ من الأمل
حقولُ اللوز لن تهدي بعد اليوم عطرَها المعتاد
"أحمر خفيف"..الملائكة حين تتفرق، عن الأهل والأصدقاء حين يتراشقون بالجراح وبالعتب
جرائم العاطفة في مصر النازفة، تحاولُ تفجيرَ اللحظاتِ المثخنة التي تَعَلَمنا منها كيف صنعَ بشرٌ قبلنا فوضىً عظيمةً من الحب
واصلنا سرد كتاب الرغبة: كنوزٌ فائرة، مكتظةٌ بشهوةِ الاكتشاف
وصفحاتُ هذا الكتاب مشرعةٌ على المزيد
بدأنا سلسلة الصورة إن حكت:
"إثم اللون"، عن الأبيض الذي يخشى أن يصابَ بما يعكرُ نقاءه
و"يا..وحدي" تنجبُ جيلاً من الدموع، وتؤكدُ أن وراء كل خيمةٍ في بلادنا خيبةٌ، تباكى البعض على نصبها، وتلقى آخرون ثمنها سلفاً
هناك دائماً من يهاجمُ الوردة؛ لأنها تُفقِدُ الجنودَ تركيزهم
أبانا الذي في الامتحانات، أمورٌ تضحكُ السفهاء منها.. ويبكي من عواقبِها اللبيبُ
وعليكم "السلام 98"، عن ضحايا العبَارة الغارقة الذين ماتوا مرتين.. في الأولى ابتلعهم البحر، وفي الثانية ابتلعهم الظلم
أبلهٌ، من يضاجعُ العتمة لينجبَ منها شموساً
نجوم على القوائم السوداء، عن نموذج الشريك في كل غلّة، الذي له في كل جيب هوية، وفي كل بلادٍ ملفٌّ وقضية
بنك الكونت دي ملوي، عن النصاب الذي يستدعي أفكاراً غامضة كالأشباح
وزراء في المصيدة، عمن يذْهَبُون إلى أقصى الوهم، فيتجشأون الحماقة
نساء المتعة، عن صنارة عالقة في القلب..رحيلُها ممزقٌ وحضورُها مؤلم
يا لشهوة الطين النافرة من شفاهٍ لا تتذوق إلا طَعمَ القصور وطُعمَ البنكنوت
أبو غزالة من النجم الساطع إلى خريف الغضب، فتح ملف العمدة في الشدائد الذي اصطادته المكائد
ثمن الصداقة في حكم مصر، عن ذلك الإِسْكَافِي الأَعْمَى الذي دقَ مَسَامِيره في أوردتنا الضيقة أصلاً
"هكذا جاء قدري"، عن بلائنا وكربلائنا في آخر ثلاثين عاماً
عبد الحليم حافظ.. موظف الثورة، والكلمات المشوشة التي تتساقطُ من ثقبٍ ما في الحنجرة
لا أحدَ يحبسُ حقيقة الوطن في صدى أغنية
وها نحن نواصل الكتابة عن "أثرياء مصر زمان..والآن"، لنعرفَ المالَ الذي قاومَ والبعضَ الذي ساوم
الأحجارُ شَرِبَتْ عَرَقَ المَدِينَة، والنوافيرُ صمتت فِي مُنْتَصَفِ الأَحْزَانِ
ليس سوى النهرِ يُوَارِي عِنَاقَ عاشِقَيْنِ تدثرا بضفافِه
وأنا معكم، أقطعُ مسافة طويلة بين تاريخين، في وطنٍ ضَيِّقٍ كخَصْرِ الرَّاقِصَة..يُغْريكَ ولا يَتَّسِعُ لأحْلامِك

gravatar

الف الف مبروك يا دكتور و يا رب عقبال عيد الميلاد الثلاثين بعد الالف...

دمت و دامت مدونتك الممتازة و قلمك الرشيق ذخرا لكل من يقرأ فى هذا الوطن

gravatar
Anonymous في 10:28 PM

في ثلاث سنوات اختصرتَ لنا أزمنة وأمكنة وشخصيات كانت ستلزمنا أعمار كثيرة لنتعرف عليها
كل عام و"قبل الطوفان" وربّان السفينة بخير

gravatar

كل عام و "قبل الطوفان" و صاحبها بخير وفى أحسن حال
..

gravatar

كل سنة و انت رائع
صحي و للاسف كلمة رائع فقدت الكثير من قيمتها لكثرة ابتذالها في الاستخدام
لكن بجد اعنيك لما اقول رائع
و مبدع و خلاق

حكيت عن جهدك و تدويناتك كما لو كانوا اطفالك او حتى ذكرياتك مع اصحاب

تحياتي لكل كلمة بتقولها او حتقولها

gravatar

آخر أيام الخريف

أشكرك يا صديقتي على تهنئتك الرقيقة التي تسر القلب والروح معاً

gravatar

ghida

يا صديقتي، لولاك أنت ومن أحب ما كان لهذه الرحلة معنى ولا كانت بها متعة

ومن رفاق الرحلة، تنمو وردة الذكرى الجميلة

gravatar

زمان الوصل

كل الشكر لك يا صاحبة التعليقات الجميلة

gravatar

^ H@fSS@^

تعليقك الطيب له قيمته وجماله الخاص

الذين يبتذلون الكلمة لا يفهمون أن لكل حرفٍ قدسيته، وأن من يتذوق الكلمة، يسقي بستان الحياة بقيمة المعنى

gravatar

د. ياسر
كانت معرفتى الأولى بالمدونة هى بمحض الصدفة ، لكنى أعدها عن حق من أجمل ما تعثرت به من صدف فى مدونة
البوست الأول الذى قرأت كان عن رحمه الله المشير " أبو غزالة " الذى حكى لى والدى عنه حتى أتخمنى شوقا لمعرفة هذا الرجل ..وقد حققت لى هذه الأمنية
أما البوست الأخر .. فكلما أجد من وقت ، أجدنى أنقب عندك هنا و هناك
بحق يا سيدى لك جزيل الشكر فمدونتك تلك .. قبلة ثقافية بحد ذاتها
وهى تستحق كتابتك الرشيقة عن ماضيها فى ذلك البوست المميز أيضا
كل حرف و حضرتك أهل أن تكون من أصحابه ..ـ
سلمت دوما

gravatar

فريدة

كل حرفٍ هنا يستضيء بقارىء جميل مثلك

الكلمات التي نكتبها هي نحن..هكذا ببساطة

وحين نمنح ما نكتبه ذاتنا بصدق، تصبح الأشجار مورقة بالمعرفة والأمل معاً

gravatar

كل سنة وحضرتك طيب ومتألق ومبدع دائما
دمت لنا ودام قلمك الرشيق
ويارب تحتفل بعيدها الثالث بعد المائة

تحياتي

gravatar

Bella

سلمت دائماً، وشكراً لك على تقديرك الغالي الذي أعتز به إلى أقصى حد

gravatar
Anonymous في 3:47 AM

كل سنة وحضرتك بخير
حقيقي وجود قبل الطوفان من الحاجات اللي بتساهم في اني اشوف العالم وأحيانا أشوف نفسي بشكل أفضل
دمت بكل الخير

gravatar

alexandmellia

إن كانت "قبل الطوفان" فعلت لك، فإنها تكون قد حققت الهدف من وجودها

ليس أجمل عندي من أن تصل كتاباتي إلى قارئة أديبة مثلك

مع خالص الموة

gravatar

كل سنه وانت طيب يادكتور جميله جدا عناوين بوستات السايقة واشعر ان لكل منها حكايه جميله تنافس حكايات صاحبة ازكى جمال فى التاريخ شهرزاد وشعرت ايضا انك شهريار هذه الحكايات انت مليكها ونحن نسعد بالاستماع اليها تاكين لخيالنا العنان ...ولذلك اعدك باننى انشاء الله سوف احاول قرائتها جميعها ..... (بل الطوفان دمتى مدونة ذات قيمة)
كل سنة وانت بخير

gravatar

بس خلاص

أشكرك على ذوقك وتقديرك لما أكتبه

تاريخنا حافل بالقصص التي تستحق أن نهتم بها ونعرف تفاصيلها، خصوصاً أن الحاضر ليس سوى ابن الماضي

معه خالص الشكر

gravatar

تخوننى الكلمات اذ اريد ان اعبر بها عن ما بداخلى نحو المدونة وكاتبها
بالفعل كنت انت ممن شجعونى على التدوين بعد ان تعلمت ان اللون الاسود ليس السائد وانه ما زال هناك فرسان يدافعون عن شرف الكلمة ولا يهدرونها فى التراب

كل سنة وانت والمدونة بخير ومستمرين فى كشف الزيف واضافت الكثير الى معارفنا

تحياتى دوما

gravatar

الأزهري

أعتز كثيراً بما قلته، وتأكد أن هناك أصواتاً محترمة تدافع عن شرف الكلمة. المهم أن تكون هذه الأصوات بشارة على جهود الإصلاح والتغيير إلى الأفضل

gravatar

أجئ متأخرا هذه المرة..

هذه التدوينة الاحتفالية في حد ذاتها.. واحدة من اكثر التعبيرات التي حملت ابداعا في اللفظ وكل تعليق على كل تدوينة مرت خلال العام، يصلح عنوانا بحد ذاته

دمت بخير ودامت قبل الطوفان لك ولنا طويلا بإذن الله

gravatar

Ghafari

أشكرك يا محمد على تقديرك الذي أسعد به، فأنت قارىء نابه وذكي
دامت المودة بيننا

gravatar

كل عام و "قبل الطوفان" تنير فضاء التدوين، وتزيدها بكتاباتك ثراءً وإضاءة..

gravatar

قلم جاف


تهنئة رقيقة من صديق جميل ومدون ذكي.. أشكرك يا شريف على هذه الكلمات الطيبة

  • Edit
  • إشهار غوغل

    اشترك في نشرتنا البريدية

    eXTReMe Tracker
       
    Locations of visitors to this page

    تابعني على تويتر

    Blogarama - The Blog Directory

    قوالب بلوجر للمدونين

    قوالب بلوجر للمدونين

    تعليقات فيسبوكية

    iopBlogs.com, The World's Blog Aggregator